1 إيران… ستخسرون وسنخسر! عبدالمحسن جمعة الجريدة الكويتية
دخلت حزمة العقوبات الأميركية الجديدة على إيران حيز التنفيذ، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها طهران من فقدان عملتها نصف قيمتها، وارتفاع أسعار السلع المستوردة بنسبة مئة في المئة، وهو الأمر الذي سيتفاقم عندما تطبق حزمة العقوبات التالية في نوفمبر المقبل، والتي ستشمل الصادرات النفطية الإيرانية، التي تشكل 63 في المئة من دخل العملات الأجنبية للخزينة الإيرانية.
من يفرح لهذا الوضع المأساوي في إيران من أبناء المنطقة هو بلا رؤية للمستقبل، لكن في المقابل حكام إيران زرعوا في المنطقة جروحاً وجرائم لا تغتفر، سيعجز المؤرخون والرواة عن حصرها في العراق ولبنان واليمن، وخصوصاً في سورية التي لم يشبع الإيرانيون من الدماء التي سفكوها مع شركائهم العلويين فيها، والأطفال الذين قبروهم، والنساء اللاتي أفجعوهن بالقتل والتدمير، قبل أن يحضر الإجرام الروسي، والميليشيات التي جلبوها من كل مكان تحت قيادة ذراعهم الإرهابية المتمثلة في حزب الله اللبناني وشركائهم العراقيين والأفغان، ليكملوا تلك المأساة الإنسانية.
منذ استيلاء حركة الخميني على الثورة الإيرانية عام 1979، عجز العرب وهم يناشدون طهران أن تتخلى عن مشروعها القومي المغلف بشعارات طائفية، وتعبنا ونحن نوضح للإيرانيين أن مشروعهم خيالي، ولن يتحقق أبداً، بل سيكون غاية وأداة الغرب وإسرائيل لتدمير المنطقة، وستكونون أيها الجيران الإيرانيون ضحايا لمشروعكم، كما سنكون نحن، لكن الخطاب الديني الإيراني المنتشي بهتاف العامة، وتلويح قبضات الغوغاء، وطاقة الكراهية التي تولدها قصص البكائيات الطائفية، لم يلتفت لصوت العقل ومناشدات الحكماء في الأمة، ودفع مئات الآلاف أرواحهم ثمناً لذلك، وخسرنا تريليونات الدولارات وفرصاً تنموية لا تعوض.
اليوم ذلك المتطرف في البيت الأبيض يستغل مشروعكم الإيراني لابتزاز المنطقة كلها، يفرض عليكم العقوبات ثم يستدير للدول الخليجية ليبتزها بعنوان حمايتها من الخطر الإيراني الذي تصنعونه من عسكرة المنطقة وتدميرها، خربتم العراق وقوضتم مشروعه الديمقراطي، تلاعبتم بالقضية الفلسطينية، ومزقتم الصف الفلسطيني، مسحتم الدولة السورية، وقمتم بأكبر عملية تطهير عرقي في المنطقة لتستريح وتطمئن إسرائيل لخمسين سنة مقبلة، وجعلتم لبنان محمية إيرانية فاقدة لمقوماتها الأساسية، المتمثلة في التنوع والانفتاح الذي تخشاه تل أبيب، وقسمتم اليمن… فماذا بعد؟!
قوة إيران العسكرية اختبرت مؤخراً أمام إسرائيل، إذ قامت الأخيرة بتدمير قواعدكم في سورية، وكان ردكم مخجلاً ببضعة صواريخ أو ألعاب نارية، لم تصب حتى قطة ضالة في أحراش مرتفعات الجولان، وفي المقابل الغرب وأميركا يشجعونكم على لعب دور الولد الشقي، الذي يطوف في بلدان الشرق الأوسط ليشعل المعارك والمشاجرات العبثية، ويعيد إفشاء قصص الضغائن والحكايات الطائفية القديمة، وفي النهاية يخرج مجروحاً ومدمياً وخاسراً لأمواله، وهو ما يحدث لطهران حالياً.
لذا تناشدكم الأجيال الشابة على ضفتي الخليج العربي أن توقفوا هذا المشروع الإيراني الخرافي والمدمر لكم ولنا، فإنكم لن تعيدوا الإمبراطورية الفارسية في ظل موازين قوى العالم الحالي، ولن يدوم بقاؤكم في العراق وسورية ولبنان، والتاريخ ينبئكم بذلك، ولن تستفيدوا شيئاً من اقتناء قنبلة نووية في ظل تخلف اقتصادي وتكنولوجي واجتماعي سياسي، وهو أمر ماثل لكم في الحالتين الكورية الشمالية والباكستانية، ورجال الدين الإيرانيون الذين يبشرونكم بالنصر هم على حافة مغادرة عالمنا ليتركوكم تواجهون مصيركم الصعب، فبالله عليكم أوقفوا هذا الجنون، واسحبوا من أيادي أعداء المنطقة والمسلمين أهم أداة يستخدمونها ضدنا وضدكم، ألا وهي المشروع الفارسي المصاغ بإرشادات حكم الثيوقراط في قم.
2 أطول أيام الحرب وليد الزبيدي الوطن العمانية
جميع أيام الحرب طويلة وساعاته متعبة وتفاصيله مرعبة، إنها الحروب التي يلعنها العقلاء في كل زمان ومكان، لكن أحيانا يقارن المرء بعد المرعب والأكثر رعبا والظلام والأشد حلكة، وبين الحزن وألم الحزن.
إن أطول أيام الحرب الأميركية على العراق، كان السابع من أبريل/نيسان 2003، كانت ليلة ثقيلة جدا، القصف تواصل بضراوة على أماكن كثيرة داخل بغداد وخارجها، ودوي الانفجارات الهائلة والمتواصلة لم يتوقف، كان الكثيرون بانتظار شيء ما، لا بد أن تعلن القيادة العراقية شيئا جديدا عن الموقف العسكري في منطقة المطار، وقد تحصل مفاجأة، من بين المفاجآت العديدة، التي يتوقع الكثيرون حصولها في أية لحظة، من جانبهم، ظل الأميركيون يرقبون الأوضاع عن كثب، ويتابعون تطور الأحداث دقيقة بدقيقة، وبينما كان الغموض يلف كل شيء، دوى انفجار هائل في منطقة المنصور بجانب الكرخ ببغداد، وتحول المبنى إلى ركام متناثر، وبينما كانت البرقيات والاتصالات تتوالى بين أركان قيادة البنتاجون والبيت الأبيض، لم يفهم الناس في المناطق القريبة من الانفجار، الهدف الذي كان بداخل المبنى، وتبين بعد ذلك، أن المقصود بالهجوم هو شخص الرئيس العراقي صدام حسين ونجلاه عدي وقصي، بعد أن تلقى الأميركيون معلومات دقيقة، عن وجودهم مع كبار المسؤولين العراقيين في داخل المبنى.
لقد جاء الإعلان الأميركي عن تلك الضربة الجوية المباغتة، ليزيد من حالة الارتباك السائدة بين الأجهزة الأمنية العراقية، وبالأخص الذين كانوا على علاقة بالدوائر القريبة من الرئيس صدام حسين، يضاف إلى ذلك تواتر المعلومات، التي تتحدث عن سيطرة القوات الأميركية على بعض القصور الرئاسية، إلا أن خبر استهداف الرئيس ونجليه، أسهم بصورة فاعلة، في زرع حالة من الارتباك في الكثير من المفاصل المقربة من الرئيس العراقي، وبسبب ضعف أو انعدام الاتصالات في تلك الساعات، فلم يكن تكذيب ذلك الخبر، عملية سهلة. كما أن الفترة الزمنية بين حصول الهجوم، وقدوم الليل، لم تكن كافية لإدامة الاتصالات مع جميع الأطراف، إذ وقع الهجوم في الساعة الثالثة عصرا حسب التوقيت المحلي لمدينة بغداد، وعندما تم تداول المعلومات عن ذلك الهجوم، ومن أهمها احتمال وجود الرئيس العراقي ونجليه وكبار مساعديه في المكان، فإن الشمس أوشكت على الغروب، وعند ذاك تتحول شوارع بغداد إلى فراغات موحشة، ولا تسمع إلا دوي الانفجارات، وأصوات الطائرات التي تتحرك باستمرار في سماء العاصمة العراقية.
لم تتوقف وكالات الأنباء، عن توزيع ذلك الخبر، مع الإضافات والتحليلات، التي تصب في خانة محاولة تأكيد مثل هذا الخبر، لما له من تأثير سلبي على ما تبقى من قطعات الحرس الجمهوري ومجاميع حزب البعث والأجهزة الأمنية، من الذين ما زالوا يمسكون أسلحتهم ويتوزعون على الأماكن المخصصة لهم، سواء كان في العديد من مناطق وأحياء العاصمة، أو في محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار والموصل وكركوك والقرى التابعة لها.
تأكد لاحقا خطأ المعلومات الأميركية بعد ظهور الرئيس في بعض أحياء العاصمة، لكن ذلك اليوم كان طويلا وصعبا وقاسيا على الكثيرين.
3 المشهد الإعلامي بعد 15 عاما على احتلال العراق احمد صبري الوطن العمانية
لقد أفرزت الأوضاع التي شهدها العراق عددا من الظواهر تجسدت في البداية بحالة من الفوضى والانفلات الإعلامي عددا هائلا من الصحف والمنشورات أول الأمر، كإحدى صفحات المشهد الإعلامي العراقي الجديد ـ لسهولة إنتاجها وتوزيعها ـ حتى تراوح عددها ما بين 180 إلى 200 صحيفة يومية وأسبوعية، وأخرى نصف أسبوعية وشهرية، متباينة في التوجهات السياسية والأيديولوجية. التوجه الطائفي والعرقي والديني لأغلب وسائل الإعلام العراقية بعد احتلال ىالعراق تحول إلى ظاهرة خطيرة في المجتمع، إذ أصبح لكل طائفة وهوية عرقية، صحيفة، وإذاعة، وتلفزيون، وموقع إخباري الذي حول الإعلام العراقي إلى منابر دعائية تخدم مخططات خارجية دون اهتمام في التصدي للتحديات والمخاطر الخارجية والداخلية الحقيقية التي تواجه العراق، لا سيما إخفاق الطبقة السياسية التي أنتجها الاحتلال في إدارة شؤون العراق والتنبيه إلى استشراء الفساد وضياع ثروات العراقيين، وانتقال الفعالية الإعلامية بعد الاحتلال من مرحلة الإعلام المُحتكَر من قبل السلطة المركزية متمثلا بعدة صحف وثلاث قنوات محلية وفضائية واحدة، إلى إعلام متحرر من كل القيود وغير منضبط على صعيدي الكم والنوع، فوجدت وسائل الإعلام العراقية نفسها فجأة في مواجهة وضع جديد لم يعشه العراق منذ تأسيسه، لا سيما التمويل الخارجي لمشاريع إعلامية ـ صحف ـ قنوات فضائية ـ اذاعات ـ مراكز بحوث ـ إعلانات مدفوعة الثمن.
كما أن التركيز على طائفية الأمكنة التي كانت مسرحا للتفجيرات والأعمال العسكرية تندرج في إطار السعي لتكريس الطائفية في المجتمع العراقي.
لقد أفرزت الأوضاع التي شهدها العراق عددا من الظواهر تجسدت في البداية بحالة من الفوضى والانفلات الإعلامي عددا هائلا من الصحف والمنشورات أول الأمر، كإحدى صفحات المشهد الإعلامي العراقي الجديد ـ لسهولة إنتاجها وتوزيعها ـ حتى تراوح عددها ما بين 180 إلى 200 صحيفة يومية وأسبوعية، وأخرى نصف أسبوعية وشهرية، متباينة في التوجهات السياسية والأيديولوجية.
لم تقف السلطات موقف المتفرج إزاء هذا الانفلات وواجهته في التضييق، وحملات تكميم الأفواه، واستهداف الصحفيين بالاغتيالات والخطف، الأمر الذي انعكس سلبا على حرية الرأي والتعبير، وعلى انسيابية حركة الإعلام والصحافة، وبما جعل من حرية الصحافة في العراق تمضي صوب منحدر خطير.
وما يؤكد ما ذهبنا إليه أن رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، حاول خلال ولايتيه السيطرة على الماكينة الإعلامية المحلية بعد أن اعتبرها بمثابة الوسيلة الأمثل لتسويق نفسه، وتبرير سياساته، إذ خرق كافة قوانين حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، ووضعَ قيودا وإجراءات صارمة على العمل الصحفي وصلت إلى حد الطلب من الصحفيين الحصول على موافقات مسبقة قبل تغطية أي نشاط إعلامي، وما زالت قوة عمليات بغداد تعمل بموجب هذه التعليمات.
واستخدمت الحكومة هيئة الاعلام والاتصالات كرقيب مباشر على وسائل الإعلام، ووصل الأمر إلى حد تدخل الهيئة بالسياسة التحريرية لوسائل الإعلام، وتحديد نوع التغطية، وتهديد وسائل الإعلام بالإغلاق وسحب الإجازة إذا تجاوزت الخطوط الحمراء بما مسموح به من النقد الموجه للسياسة الحكومية.
وبعد مرور نحو 15 عاما على تجربة الانفلات الإعلامي نستطيع القول إنها قاصرة، ولم تلبِّ مشاغل العراقيين وتطلعاتهم، وتحولت من صوت للشعب إلى منبر للطائفة والعرق، وأدت للترويج لمشاريعهم، وأصبحت أسيرة لهذا النهج الذي أبعدها عن رسالتها النبيلة، كمنبر حقيقي لكشف اللصوص وتسليط الضوء على التحديات التي تواجه العراق، لا سيما تغول الفساد والسلاح في المجتمع، وتكريس سياسة الإقصاء والتهميش التي طاولت ملايين العراقيين.
4 عبد الحليم وشاي عراقي! نادر رنتيسي الغد الاردنية
قلتُ للمحصِّل، في باص مقتصر على عشرين راكباً، كنتُ أولهم إنْ تمّ التعدادُ من يمين الباب الآليِّ: “أخبرني إنْ وصلنا إلى عمّان”. كانَ عليَّ أن أستدير نصف استدارة برأسي الصغير كثيف الشعر، لأسمع جوابه جيّداً بأذني اليسرى، وسط ضوضاء الغناء، وضجيج المحرِّك المنهك، وثرثرة عائلة تتكدس في المقعد الخلفيِّ كأنواع مختلفة من الطيور الثقيلة، لكنني لم أسمع سوى صوت لخنق ضحكة قبيحة استقرّت على هيئة ابتسامة إشفاق، ثمّ إجابة مختصرة لتذكيري ربّما بأنني دون سنِّ الطيش: “احنا بعمّان”.
لم تكن هذه البداية المثالية لفتى يكتب الشعر الغنائيّ، ويضع في عنقه قلادة من الفضة المغشوشة، ويظنُّ أنّ طالبات الثانوية العامة ينكسرن أمام بريق عينيه، وسلك أوّل طريق إلى “الرجولة”، وهذه “الرجولة” كنتُ متأكداً أنها لن تبدأ سوى من الطريق السريع بين الزرقاء وعمّان، وأضع في جيب بنطال الجينز الفضفاض ديناراً ورقياً، أصرفه في “متع” محرّمة على طالب السادس الابتدائيِّ، الذي تأخّر عامين عن الدراسة. وهذه “أول مرّة”، والمتعة أنْ ألتقي عمّان، كما ألتقي ابنة القرية خارجَ المدينة، ثم تصادفنا “عاصمة”.
الطرق التي أمشيها لأول مرة من دون كفِّ وليِّ الأمر، كأنّها نساء يحتفلن برجولتي المبكّرة. كدتُ أنزلق على أرض “مجمع رغدان” اللزجة بخليط أمطار خفيفة وزيوت وعوادم باصات كبيرة وصغيرة، لكنّني توازنتُ، وواصلتُ المشي نحو الدرج الذي وارءه تنتظرني عمّان. مكتظ الدرج دائماً بالصاعدين إلى السيارات الصغيرة البيضاء التي توصل إلى تلال المدينة، أو النازلين إلى حيث كنتْ، وعلى أحد هامشَيْه محل مزدحم لبيع ساندويشات الفلافل، تذكّرتُ تحذيراً صارماً من والدي أن أشتري منه، وأقسَمَ أنهم يقلون الأقراص الخضراء بزيت السيارات.
نهاية الدرج أخيراً، كمن يدخل لأوّل مرة ملعب كرة القدم، يمرُّ من دهليز طويل شبه معتم، ثم تلفحه البهجة بالضوء آخر النفق. فتحت عمّان حضنها لطفل كان في “ثراة أعشابها”. كما تقول أغنية المغني البدويِّ سيئ الحظِّ، فارس عوض، الذي توفي شاباً في طريقه إلى التلفزيون. لا أذكر بالطبع كيف تعلّمتُ المشي لأول مرة، لكنني لا أظنها كانت بالسوء الذي مشيتُ به أول خطوات لي في سنّ الطيش، من دون كفّ وليِّ أمر، بمرافقة “الحرية الشخصية”!
عند أكشاك بيع الكتب والمجلات الفنية، وقفتُ حرجاً أمام المتع المحرّمة، صار بإمكاني أن أقرأ بدقيقتين الأوراق الأولى من قصيدة “أشهد أن لا امرأة إلا أنتِ”، وحقيقة شبيه “صدام حسين”، حلمتُ بشرائها وإخفائها في طابق أرضيٍّ مخصّص لكتبي المدرسية بـ”نمليّة” المطبخ، لكنّ الدينار لن يكفي، سوى لشراء صورة لـ”عبد الحليم حافظ” وشاي عراقي، أسفل المدرّج الرومانيِّ. المدرّجُ ليس كما هو في أغنية فارس عوض قبل نشرة أخبار الثامنة، بالطبع يبدو أكبر! وأمشي على مهل الحبّ الأول، تصادفني مداخل لشوارع أخرى، هذا وسط البلد، إذن هناك، أطراف أخرى، وعمّان أخرى، ومثلَ قرويٍّ، أحبَّ قرويّة خارج مدينتيهما، أسألها: هل صادَفْتنا العاصمة؟