1 لن ينبعث العراق من رماده إلا بفك ارتباطه بإيران فاروق يوسف العرب بريطانيا
من أجل أن يفك العراق ارتباطه بإيران فإنه في حاجة إلى ولادة مشروع وطني، لن تكون الأحزاب والكتل السياسية جزءا منه.
الولاء لإيران أولا
من أجل أن يحق للعراقيين الحديث عن سيادة وطنية لا بد من أن يُفك ارتباط العراق بإيران. ذلك الحق العراقي سيكون في حالة تأجيل، لا لأن نظام آيات الله متشبث بالعراق فحسب، بل أيضا لأن العراق الرسمي من خلال أحزابه وسياسييه وحكومته لا يمكنه الاستغناء عن الوصاية الإيرانية.
وكما هو معروف فإن السياسة ليست مجرد أمنيات. ما يتمناه الشارع العراقي لن يكون بالضرورة مصباحا يقرأ السياسيون العراقيون أوراقهم على ضوئه.
أولئك السياسيون صاروا على دراية بأن سقف أحلام العراقيين صار منخفضا إلى درجة تيسّرت معها عملية القفز عليه، من غير أن يحتج أحد.
العراقيون اليوم لا يحلمون بدولة ذات سيادة. تلك السيادة هي آخر ما يفكرون فيه. لا معنى للسيادة في مقابل الفقر والجهل والمرض والتخلف وانقطاع الأمل والتمييز ومحو طبقات وصعود طبقات رثة بديلة.
العراقيون اليوم في واد، والتفكير في السيادة الوطنية في واد آخر. فإذا ما كانت متاهة الاحتلال الأميركي واحدة، فإن العراق دخل عبر الخمس عشرة سنة الماضية متاهات لا حصر لعددها.
لقد نجحت الأحزاب الدينية في تدمير الثوابت الوطنية لدى شرائح كبيرة من العراقيين، إما عن طريق إفسادها، أو عن طريق حرمانها من حقوقها مقابل تمتع شرائح طفيلية بتلك الحقوق.
لذلك فإن أي دعوة لفك ارتباط العراق بإيران قد تواجه بصمت شعبي مريب، يكمن سببه في عدم الفهم، أو عدم الرغبة في الفهم.
يجهل العراقيون أن التبعية لإيران هي سبب كل الكوارث التي ضربتهم من كل الجهات. وهم حين ينقلون أنظارهم الحائرة بين سياسييهم المتصارعين في ما بينهم، فإنهم يتوهمون أن ما يجري لهم إنما هو نتيجة لخصومات بين أطراف محلية، لو أنها انتهت لرأوا النور. لقد تم استبعاد الجانب الوطني من تلك المسألة المصيرية. لم يعد الشعور الوطني مقياسا في العراق بعد أن تم تدمير الثوابت الوطنية.
وهو ما أدى إلى صعود شخصيات إيرانية الولاء، مثل هادي العامري وأبومهدي المهندس وأكرم الكعبي وقيس الخزعلي، إلى مناصب سياسية تؤهلهم لصنع القرار السياسي والاقتصادي وحتى العسكري لأربع سنوات قادمة.
لم يكن العراقيون الذين وهبوا أصواتهم للإرهابيين معنيين بمسألة التبعية لإيران وارتباط العراق بفلك آيات الله. اكتسب أولئك الإرهابيون من خلال الانتخابات هالة وطنية لم تكن تخطر في أذهانهم، وهم الذين نذروا أنفسهم لخدمة آيات الله في طهران وقم.
مع الصعود السياسي لرموز التخلف الإيراني في العراق يبدو العراقيون كما لو أنهم قرروا بأنفسهم أن يغلقوا باب الأمل. فلا أمل للعراق في النجاة في ظل وجود أكثر من أربعين إرهابيا تابعا لإيران في مجلس نوابه.
لم تعد مسألة فك الارتباط بإيران لتشكل أمرا حساسا في الخلاف بين فريقيْ مؤيدي ذلك الارتباط ومعارضيه. لقد ظهر الطرفان كما لو أنهما انتصرا على ما كان يخيفهما. لقد تخطيا نقطة الاختلاف من غير أن يصرحا بذلك. لم يلتفت أحد منهما إلى حالة الذهول التي ضربت منتظري الفرج. وهو موقف سلبي ينسجم مع طريقة تعامل الأطراف السياسية المتنفذة مع الشعب الذي تنظر إليه من جهة كونه مجموعات قطيعية يمكن إدارتها عن طريق وسطاء، هم موقع ثقة من جهة ارتباطهم بعمليات الفساد.
في مثل ذلك الوضع المزري الذي يعيشه العراقيون لا يمكن توقع أن يخرج العراق من الثقب الأسود الإيراني بمجرد أن يتبارى دعاة نزع سلاح الميليشيات في ما بينهم في سباق، لم تكن صدفة أن تشرف عليه إيران بطريقة تؤكد نفوذها المطلق على مصير العراق.
من أجل أن يفك العراق ارتباطه بإيران فإنه في حاجة إلى ولادة مشروع وطني، لن تكون الأحزاب والكتل السياسية جزءا منه.
2 ان يحترف السياسي الكذب: توني بلير نموذجا د. سعد ناجي جواد راي اليوم بريطانيا
يصر السيد توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، بين فترة واُخرى، على العودة للحديث عن الجريمة التي اقترفها تجاه العراق والعراقيين، بل والمنطقة العربية بأسرها. ويصر في كل مرة ان يكابر ويتلاعب بالحقائق متصورا انه يمكن يبريء نفسه. ولا ادري هل السبب في ذلك هو تأنيب ضمير متاخر ينتابه؟؟؟ بين فترة واُخرى بسبب هذه الجريمة، ام ان كوابيس وضحايا ما اقترفته يداه من جرائم لا تكف عن مطاردته وحرمانه من النوم؟ المرجح هو المكابرة والعناد والغرور الفارغ.
قبل ايام قليلة عاد بلير الى الاضواء مرة ثانية وبدون اية مناسبة ليدلي بتصريح مضحك اخر قال فيه عن ذهابه للحرب في العراق ( ربما اخطانا ولكننا لم نكذب). ان هذا التصريح الاستفزازي مر مع الاسف مرور الكرام، ولم يتم الرد عليه بالطريقة التي يستحقها.
لا ادري ما هو معيار الكذب لدى السيد بلير، وكيف بنى حكمه هذا وعلى ماذا استند في تبرئة نفسه، ولكن يبدو ان محترفي الكذب من الساسة أصبحوا لا يأبهون بما يقولون، ويعتقدقون ان الناس نسيت ما قالوه وما فعلوه سابقا، او انهم من كثرة كذبهم بداوا يصدقوا انفسهم، او ربما صدقوا مقولة مهندس الدعاية النازية الكذاب و الملفق الأكبر جوبلز التي تقول (اكذب واكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس).
ان استعراض سريع لأقوال وتصريحات وأفعال توني بلير بشأن العراق منذ ان بدأت الأزمة تتصاعد بعد 11/9/2001، كلها تثبت انه كذب ولاكثر من مرة بشأن العراق. فهو كذب عندما أكد ان العراق يمتلك ويخزن أسلحة دمار شامل، وكذب عندما ادعى ان لدى العراق برنامج نووي و برنامج انتاج أسلحة كيمياوية وجرثومية مستمر، وكذب اكذوبة أكبر عندما ادعى، ثم سرب المعلومة الى الولايات المتحدة، ان العراق قادر على شن هجوم وبأسلحة محرمة خلال 45 دقيقة، ولو ان الاتهام هذا حول الى الاستخبارات ، ولكن بلير علم بضعف هذا التقرير ولم يفعل شيئا لإيقاف التحضيرات للحرب. و روج و ردد اكاذيب كثيرة لاستخدامها كذريعة لشن الحرب على العراق، هذا الكذب كله وهو كان يعلم جيدا، و من معلومات استخبارية موثقة ، بريطانية وفرنسية وألمانية، ان ما كان يدعيه مَن كانوا يُطلِقونَ على أنفسهم (معارضة الخارج) ومِن مَن يحملون الجنسية العراقية مع الاسف، كانت كلها اكاذيب مفبركة، كانوا يؤلفونها من اجل الحصول على الإقامة او الجنسية او الدعم المالي ليس الا. كما انه كذب عندما قال ان الحرب على العراق هي ليست الحل الأخير، حيث ظهر من الوثائق ما دلل على انه كان متفقا مسبقا مع الرئيس الامريكي الأسبق بوش الابن، الذي فاقه كذبا واقترافا للجرائم ضد الانسانية، على احتلال العراق، حيث كتب له بانه معه مهما كلّف الامر. وفِي هذا ليس فقط اصرار على الذهاب للحرب والانقياد لمخططات بوش وإنما ايضا استخفاف بالراي العام البريطاني وبالحكومة. (بالمناسبة فان مركزالمسؤولية المدنية الامريكي أعد دراسة ذكر فيها ان بوش الابن اطلق ٢٦٠ تصريحا كاذبا لتبرير الحرب على العراق). وكذب بليرعندما صرح ان الغرض من تغيير النظام البعثي هو لنقل العراق والعراقيين الى حال افضل تكون حريتهم مضمونة وحقوق الانسان مصانة، وكذلك دمائهم واموالهم و اعراضهم. و زاد على ذلك بقوله بعد الاحتلال، ورغم كل الماسي والكوارث التي كانت تحدث، ان العراقيين هم افضل حالا من ذي قبل. وربما يعتقد البعض بان ما ذُكِرَ أعلاه فيه مبالغة وتجني على هذا الشخص، كون الكلام يصدر من عراقي اختلف ولا يزال مع الاحتلال ومع من أتى معه، ولكن كل ما ذكر أعلاه لا يعدو ان يكون جزءا بسيطا مما كتبته عنه الصحافة البريطانية، وجريدتي الانديبندنت و الغارديان بالذات. كما ان تثبيت كذبه قد صدر في وثيقة بريطانية رسمية و في التقرير الذي اصدرته لجنة تشيلكوت الحكومية حول التحقيق في قرار الحرب على العرق. فلقد أكد التقرير ان رئيس الوزراء آنذاك توني بلير قد (ضلّل الحكومة والبرلمان) بشأن المعلومات عن العراق، ناهيك عن تضليله للشعب البريطاني. كما انه لم يقل الحقيقة عن ما كان يخطط له مع جورج بوش الابن بشان الحرب على العراق، وبأنه أهمل التحذيرات التي كانت تقال له من معاونيه. وطبعا كل هذه العبارات الديبلوماسية تعني بوضوح ان رئيس الوزراء الأسبق قد كذب في اكثر مرة. و اخيرا وليس آخراً، فان ما قاله قبل ايام يندرج في كونه كذبة جديدة تضاف الى أكاذيبه السابقة، لانه كذب ويقول انه لم يكذب.
ان التصرف الطبيعي الذي يجب ان يقوم به السيد بلير هو ان يعتذر للشعب العراقي، وبصراحة وبصورة علنية. وكذلك يجب ان يفعل شريكه بل وسيده في التخطيط لهذه الجريمة بوش الابن. كما ان على المحكمة الجنائية الدولية ان تقوم بمحاكمتهما كمجرمي حرب، وان تنظر الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في الطرق التي يجب فيها تعويض العراق والعراقيين على ما تعرضوا له منذ بداية العدوان والاحتلال و حتى هذا اليوم، أسوة بالمحاكم الدولية التي أقيمت بشان ألمانيا النازية ويوغسلافيا السابقة. ولو كان هناك قرارا سياسيا عراقيا مستقلا، او سياسيين غير خاضعين للاحتلال وتبعاته، لبادروا هم برفع دعاوى ضد قرار الاحتلال ونتائجه وضد من اتخذ هذا القرار الاجرامي. ربما لن ينعم جيلنا برؤية مثل هذا اليوم، ولكني متاكد بانه مهما طال الزمن فان كل الدول والحكومات التي اشتركت في جريمة احتلال العراق وتدميره ستعتذر عن كل الجرائم التي اقترفتها تجاه العراق والعراقيين الواحدة تلو الاخرى، ولكن الشيء الذي يحز في النفس ان اي اعتذار ومهما كان نوعه وشكله سوف لن يعوض ملايين الأبرياء الذين نكبوا، سواء بالقتل او بالإعاقة الدائمة اوباليتم او التهجير او الترمل من جراء هذا الاحتلال او الحرب الهمجية التي شُنَّت عليهم وعلى بلدهم.