1 ممارسة التعذيب… نجاح التحالف البريطاني العربي هيفاء زنكنة
القدس العربي
لم يكشف تقرير لجنة الاستخبارات والأمن في مجلس العموم البريطاني، الصادر في 28 حزيران/يونيو 2018، أسرارا خفية عن « تساهل» الحكومة البريطانية مع «برامج تعذيب وترحيل معتقلين» عقب هجمات 11 سبتمبر. فكل المعلومات التي وردت في التقرير، تقريبا، بصدد مساهمة جهاز الاستخبار البريطاني، في ترحيل معتقلين والاطلاع على تعذيبهم، كان معروفا. شهادات العديد من المعتقلين، وتقارير منظمات حقوقية دولية ومحلية، بالاضافة إلى ما كشفته لجان مستقلة، قدمت ذات المعلومات الواردة في التقرير الحالي. عن دور الاستخبارات البريطانية، يقول المواطن البريطاني، معظم بيغ، الذي كان محتجزا في سجن غونتنامو مدة 3 أعوام، وأطلق سراحه عام 2005، بدون توجيه تهمة اليه: «كان عملاء الاستخبارات البريطانية يشاهدونني بأعينهم، وأنا معصوب العينين، ومقيد اليدين، وكانت بندقية تصوب إلى رأسي، وأهدد بإرسالي إلى سوريا أو مصر إذا لم أتعاون… كان هناك صوت امرأة تصرخ في الغرفة المجاورة، أخبروني إنها زوجتي وهي تتعرض هناك للتعذيب. عملاء الاستخبارات البريطانية يعرفون كل شيء عن هذا». وقد دأب الوزراء البريطانيون، العدل والخارجية خاصة، على نفي أن يكون لجهاز الاستخبارات البريطانية الخارجية (أم آي فايف) أو الداخلية (أم آي سيكس) أي دور في أعمال التعذيب، أو أن تكون قد تواطأت بها من قريب أو بعيد.
« تدين الحكومة البريطانية التعذيب في كافة الظروف، وإنني أدعو الحكومات في كافة أنحاء العالم للقضاء على هذه الممارسات الشنيعة. نحن نواصل جهودنا الكبيرة لمكافحة التعذيب، بما في ذلك دعم المنظمات الأهلية للعمل بشكل مستقل على رصد وتفقّد الأوضاع في مراكز الاعتقال. وإنني أهيب بكافة الدول التي لم توقع أو تصادق أو تطبق اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الخياري أن تفعل ذلك. فباتخاذ هذه الخطوة تكون الدول قد أعربت بوضوح عن التزامها بإنهاء التعذيب وتحقيق العدالة لضحايا التعذيب وعائلاتهم»، قال وزير شؤون حقوق الإنسان بوزارة الخارجية، لورد أحمد، في حزيران/يونيو 2017، قبل عام بالضبط من صدور التقرير الحالي، ليقدم لنا نموذجا، عن زيف ادعاءات الحكومات «الديمقراطية» في مجال الالتزام بتطبيق حقوق الانسان في سياستها الخارجية.
يستحق التقرير المتابعة لعدة أسباب. أنه يؤكد، رسميا، دور الاستخبارات البريطانية بمد جهاز الاستخبارات الأمريكي، خاصة، بالمعلومات، والمساعدة بتنفيذ الاعتقالات، ونقل المعتقلين إلى بلدان اخرى يتم فيها تعذيب المعتقلين، بالنيابة، عن الاستخبارات الأمريكية، بالاضافة إلى كونها شريكا في التحقيق مع محتجزين في معتقل غوانتنامو. تم كل ذلك تحت مظلة «الحرب ضد الارهاب»، بشكل يتنافى، غالبا، مع القوانين المحلية والدولية. واذا كان التقرير قد فند مزاعم وكالات الاستخبارات البريطانية، بأن الحالات التي وردت تفاصيلها كانت مجرد «حوادث منفردة»، فأنه لم يحدد مسؤولية جهاز الاستخبارات بشكل يقتضي المحاسبة، مكتفيا بديباجة تنص على أنه «لا توجد أدلة على سوء معاملة وكالة الاستخبارات البريطانية للمعتقلين مباشرة». وهذا نص كلاسيكي باحتوائه على مفردات «مباشر» و«لا توجد أدلة»، ويعيد إلى الاذهان الخط الاحمر الذي توقف عنده « تقرير تشيلكوت» حول مسؤولية شن الحرب العدوانية على العراق. حيث تم توزيع المسؤولية على عدة جهات، بطريقة سياسية محنكة، جعلت كل المسؤولين، من رئيس الوزراء السابق توني بلير، إلى الوزراء، والقادة العسكريين، غير خاضعين للمحاسبة القانونية جراء انتهاك القانون الدولي.
النقطة الثانية التي تستدعي الانتباه، عند قراءة تقرير كهذا، هو تواطؤ الحكومة البريطانية مع حكومات قمعية، معروفة بانتهاكاتها حقوق الانسان، خاصة في العالم العربي. حيث عقدت الحكومة البريطانية مذكرات تفاهم واتفاقيات مع حكومات عربية تمارس الارهاب ضد شعوبها بحجة «الحرب على الارهاب»، محولة بذلك الانظمة العربية القمعية إلى انظمة ديمقراطية. ولا يخفى تواطؤ الإعلام البريطاني الذي يعتبر نفسه مميزا بمراقبته للقمع، ويبقى كشف التفاصيل ورصد التقارير مقتصرا على صحافيين وشخصيات مستقلة مثل السفير السابق كريغ مري.
يوضح الموقف البريطاني من انتهاكات حقوق الانسان، بالعراق، وكيفية التعامل معه، مثالا على ازدواجية المواقف وزيف ادانة الحكومة البريطانية انتهاكات حقوق الانسان. يذكر تقرير لمكتب الكومنولث والسياسة الخارجية، عن حقوق الانسان، بالعراق (تم تحديثه عام 2017 )، «ظلت حالة حقوق الإنسان في العراق مصدر قلق بالغ». يعزو التقرير سبب ذلك إلى جرائم منظمة داعش و«الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن الحكومية، بما في ذلك قوات الأمن العراقية، وقوات الأمن الكردية، وقوات الحشد الشعبي والميليشيات». قد يدور بخلد المتابع ان الحكومة البريطانية، مادامت تعترف بهذه الانتهاكات وتشعر بالقلق، ستحاول، ايجاد علاج سريع، لهذا الوضع المأساوي. الا ان ما تقوم به هو عكس ذلك تماما، ولا يقتصر الامر على العراق فقط.
حيث زادت بريطانيا، في العامين الاخيرين، نسبة بيع الأسلحة والمعدات الدفاعية، من بينها ما يستخدم ضد المتظاهرين، إلى أنظمة قمعية، بالاضافة إلى ارسال المدربين والمستشارين واستقبال الساسة الفاسدين ذوي السجل الحافل بانتهاكات حقوق الانسان، ويعتبر العراق واحدا من هذه الدول. وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ارتفعت صادرات الأسلحة إلى العراق بنسبة 83 بالمئة، بين الفترتين 2006 ـ 2010 و 2011 ـ 2015. اعتبارا من عام 2015، صار العراق سادس أكبر مستورد للأسلحة الثقيلة في العالم. ويخبرنا تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في العام الماضي «تحصل الميليشيات الشيعية المرتبطة بالحكومة العراقية على السلاح من 16 دولة على الأقل، بما في ذلك المملكة المتحدة»، اذ زودت بريطانيا العراق، في السنوات الأخيرة، بأسلحة قالت وزارة الدفاع البريطانية إنها موجهة لقوات البيشمركة الكردية، بالإضافة إلى الحكومة العراقية، بدون « ضمانات موثوقة بانها لن ينتهي بها الأمر في أيدي الميليشيات المدعومة من الحكومة العراقية والتي لها سجل مشين في مجال انتهاكات حقوق الإنسان».
يتبين لنا عند مراجعة سجل ويوميات السياسة الخارجية البريطانية انها لم تتغير كثيرا في جوهرها الامبريالي. الاولوية، لا تزال كما كانت. الربح المادي، مهما كان مصدره وما يسببه، هو الاول، بغطاء دعائي، محبوك بخبرة مئات السنين، عن احترام القوانين الدولية، والقيم الاخلاقية. أنها سياسة التهديم والتفرقة صباحا ومد يد الاحسان والمصالحة مساء. وتبقى مسؤولية تغيير هذه المعادلة، بالدرجة الاولى، على الشعوب المستغلة داخليا من قبل حكامها وخارجيا من قبل الاستعمار، على اختلاف أسمائه. ولابد لكل جيل ان يكتشف رسالته وسط الظلام فأما ان يحققها وأما ان يخونها، كما يذكرنا فرانز فانون.
2
سياج وطني لمنع دخول الميليشيات إلى برلمان العراق حامد الكيلاني
العرب بريطانيا
النظام الإيراني تورط في إرهابه، والتجارب تؤكد أن ترسانة الخوف من النظام تحطمت، والمعطيات تشير إلى بداية ثورة لن تنزلق في تهويمات الذعر من التغيير رغم معرفتنا بحتمية بعض الفراغات بعد زوال أنظمة دامية كالنظام الإيراني.
مطلوب حماية مقومات الدولة من الميليشيات
من يريد أن يقرأ واقع العراق فليتابع أو يفتش عن أعداد الوافدين الجدد المسجلين في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة لمنظمة لأمم المتحدة، وتحديدا في دول الجوار الإقليمي، وبالذات من عشائر البصرة الذين يتعرضون لأقصى أنواع التهميش والترهيب من قبل الميليشيات الإيرانية ولأسباب طائفية.
يضاف إليهم طلائع اللاجئين بعد نزوح جماعي داخلي ناتج عن أسباب الجفاف ونقص المياه، وكذلك إعدام حقول المزارعين على الجانب العراقي من الحدود مع إيران، بهدف تحويل مجاري الأنهار إلى الداخل الإيراني.
مدينة البصرة العربية مستهدفة منذ سنوات طويلة بالمشاريع الميليشيوية والسياسية والاقتصادية والإروائية الإيرانية، وذلك لأن صمت النظام السياسي في العراق هو علامة رضا ودعم لتجارب السياسة الداخلية لنظام ولاية الفقيه في إدارة شؤون إيران.
فمصيبة الأحزاب، إن كانت أحزابا ناشطة في المعارضة أو على سدة الحكم في الدول المختلفة، أنها تربط مصير توجهاتها وسياساتها بمركز عقائدها في عواصم خارج الحدود رغم تغير وانقلابات مناخها وجوهر تكوينها، لذلك تتجاهل أساسيات بناء أي دولة في رعاية المصالح الوطنية لشعبها أو حماية حدودها، وهي تبدأ عادة بالتعامل مع المتناقضات لحسم إرادة عقيدتها السياسية أو انتمائها المذهبي والطائفي كما في العلاقة الحالية بين نظام الملالي وعملائه في العراق.
درجة التماهي تغض الطرف حتى عن التآكل الحاصل في جرف شط العرب من جهة العراق بما وصل إليه من ظواهر يومية انهارت معها أجزاء من الشارع المحاذي الذي كان بعيدا في تصميمه وتنفيذه الأول، بمعنى آخر أن خط التالوك بين البلدين وتشخيصه في أعمق نقطة فاصلة في شط العرب أخذ بالتحرك لمسافات ملحوظة وخطيرة باتجاه الضفة العراقية.
وهذا يعني أن إيران تكسب باستمرار أراضي زراعية خصبة على ضفتها، لأن انحسار المياه يوفر لها تقدما على حساب الحدود العراقية.
أزمة خط التالوك كانت من أسباب اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران في زمن حكم الشاه، ثم الحرب الإيرانية العراقية لأهمية المعايير القانونية الدولية في رسم الخرائط وتوزيع العائدية بين البلدان المتشاطئة، وأيضا لأهمية الالتزام بالاتفاقات الخاصة بين دول منبع الأنهار ومصبها، وما بينهما من دول المجرى التي تعزز من روح العلاقة بين الأطراف المشتركة أو المحاذية.
خط التالوك عندما كانت للعراق مقومات الدولة المستقلة كانت له مكانة الحدود البرية الفاصلة وتطبق عليه مبادئ وحذافير السيادة الوطنية.
انزياح خط التالوك في اتجاه العراق يعني، بعبارة أخرى، تأثر خط الملاحة في شط العرب، وما يتبعه من مؤثرات تتطلب عمليات كري شاقة ومكلفة ينبغي أن تتوفر لها الإمكانات والإرادة السياسية، وهي كما نعلم عمليات غائبة أو مخدرة بفعل التكامل السياسي مع توجهات النظام الإيراني في تصدير ثورته المقررة في دستوره، أو في معالجة مختلف أزماته الداخلية، ومخططات حلوله أو إجـراءاته لتخفيف أصداء العقوبات الأميركية عليه، والتي لن تبدأ بالتطبيق، عمليا، إلا مع بداية شهر أغسطس القادم.
إذ ثمة نقطة أعماق لتلك العقوبات لن تكون فيها للنظام الإيراني جرأة قراءتها كما فعل المرشد قبل أيام في إجازة انتفاضة البازار والشعوب الإيرانية في محاولة لثلم آثار العقوبات باللامبالاة، أو بربط الاحتجاجات بالعامل الخارجي في إعادة لإخراج الشيطان الأكبر من قمقم سنة 1979، وما تعرضت له ثورة الخميني من مجابهة بعد سنتين فقط من ذلك التاريخ، وتجابه اليوم على طريقة ذات المجموعات المؤثرة في طهران التي أدت حينها للإطاحة بنظام الشاه.
ثورة العطش في عبادان والمحمرة، أي في الأرض المغتصبة والمقتطعة من العروبة، هي ذات مبررات العطش والتلوث في البصرة، لأن الأنهار يتم تحويلها بعيدا عن المواطنين العرب، سواء كانوا في البصرة أو في الأحواز، رغم أن 80 بالمئة من اقتصاد النفط الذي يُموّل أدوات النظام وفعاليات الحرس الثوري وميليشياته وأذرعه الخارجية تأتي منها.
غلق الأنهار بالسدود وتخزين المياه وإعادة توزيعها إلى المناطق ذات الأغلبية الفارسية، يوحي بهواجس النظام الإيراني القائم في ترقية نواظمه القومية للاحتماء بها في إيصال تفضيلـه لها باعتبار مسؤوليه حماة الثورة وأتباع الولي الفقيه لخلق ردات فعـل مضادة لها آثار مستقبلية بسياسة التخـويف من نتائج الانتفـاضة الجديدة، أو بالتخويف من البديل الذي أخذت ملامحه في التبلور في ذهنية النظام ليطرح فكرة الفـوضى والصراع بين المكونات، مع عدم وجود بديل ديمقراطي للنظام القائم، مع الاستفادة القصوى من نتائج سياساته الإرهابية، وتمدده لخلق دول هشة في المنطقة العربية تكون له نماذج في مصيرها لردع الشعوب الإيرانية عن أي انتفاضة أو تغيير.
أطروحات تلقى أحيانا استجابة حتى من أطراف متضررة من الإرهاب الإيراني، لأن منجزات الحرس الثوري وخط سير الثورة السورية الشعبية ضد نظام الأسد وما جرى لها من تجريف بالإرهاب واليأس والقمع والمداخلات الميليشيوية والدولية قوض الكثير من آمال التغيير في أي بلد وليس في إيران فقط، وأصبح البحث عن دكتاتور كالمرشد أو الحاكم في سوريا أو نماذج زعماء النازية والفاشية أقرب إلى الأمنيات نتيجة لتحويل الأوطان، برمتها، إلى صالة تعذيب لأجهزة الدولة القمعية والمتناهية البشاعة.
أزمة المياه ورقة نموذجية في يد المرشد الإيراني لضمان سياساته واستمراريته واضطهاد الشعوب الأخرى في إيران، والأدلة كثيرة ومسبقة على طبيعة النظام الإرهابية.
لكن في المقابل ثمة أوراق راح ضحيتها مؤخرا أربعة من إخوتنا عرب مدينة المحمرة، أحفاد الشيخ خزعل الكعبي، اشتعلت معها المواجهات وانطلقت الهتافات بذات المضامين وبلهجة الشعب العراقي “باسم الدين باكونة الحرامية”، مع إعادة إنتاج انتفاضة الجياع والتجار معا في طهران العاصمة ومختلف المدن الإيرانية الأخرى.
النظام الإيراني تورط في إرهابه، والتجارب تؤكد أن ترسانة الخوف من النظام كُسِرت وتحطمت، والمعطيات تشير إلى بداية ثورة حقيقية لن تنزلق في تهويمات الذعر من التغيير أو البديل، رغم معرفتنا بحتمية بعض الفراغات بعد زوال أنظمة عابثة وعاتية ودامية ومتوحشة من قبيل النظام الإيراني.
لذلك ينبغي عدم التفريط في بناء الأسس الرصينة لتشكيل جبهة مقاومة وإنقاذ وخلاص موحدة من كافة الشعوب الإيرانية، وعدم الاكتفاء بمركزية وتطمينات دولة المواطنة لأن المرحلة الانتقالية مع ما يرافقها عادة من كتابة الدستور ستتنازع عليه حتما حينها في كل حـرف فيه مصادر الفراغ وحجم القوى وتشكيلاتها ورغباتها ومحاججاتها ومزايداتها النضالية في زمن المعارضة.
حكام العراق ماضون في بناء الأسيجة، ومنها السياج المتعدد الوظائف والخدمات والتقنيات مع الجانب السوري وعلى مسافة تتجاوز 600 كيلومتر لمنع تسلل الإرهاب، ذهابا وإيابا، عبر الحدود، على الرغم من أن التفجيرات الأخيرة والحرائق وتفجير أكداس العتاد في العديد من مخازن الميليشيات، تبرهن على أن العراقيين هم في حاجة أولا إلى بناء سياج وطني حول البرلمان القادم في العراق، لمنع خروج أو دخول الميليشيات منه وإليه.
3 أزمة السلطة في العراق بعد ستين عاماً من الانقلاب مينا العريبي
الشرق الاوسط السعودية
يدخل العراق مرحلة جديدة من الضبابية السياسية. يتزامن انتهاء ولاية حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لتصبح حكومة تصريف أعمال، مع بدء العد والفرز اليدوي لجزء من الأصوات في الانتخابات. ومع مرور 7 أسابيع من إجراء الانتخابات العامة في العراق، ما زالت النتائج النهائية غير معتمدة مع قرارات قضائية وبرلمانية لإعادة الفرز. وعلى الرغم من الإقرار العام بأن قائمة «سائرون» لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر هي القائمة المتصدرة، فإن فرق مقعد أو مقعدين لقائمة ما قد يعيد حسابات التحالفات الحالية بسبب شدة المنافسة والفوارق البسيطة بين غالبية اللوائح.
لأول مرة منذ انطلاق عملية التصويت في العراق بعد حرب 2003، تتم إعادة فرز وعد أصوات في 1800 محطة انتخابية. وعلى الرغم من المشكلات التي واجهت العملية السياسية في البلاد، لم يتم التشكيك في عملية الاقتراع على غرار ما حدث في هذه الانتخابات. والخوف من أن هذا التشكيك، مع النسبة المتراجعة للمصوتين أساساً، التي بأقصى حد بحسب الإحصاءات الرسمية لم تتعدَ 44 في المائة، يؤدي إلى رفض شعبي للحكومة المقبلة. شرعية هذه الحكومة تعتمد على توافق واسع في البلاد، وهو الأمر الذي بات غير مؤكد.
ومع فشل اكتمال النصاب الأسبوع الماضي، أنهى البرلمان أعمال دورته التقليدية من دون الاتفاق المتوقع على تمديد. وكان آخر أعمال للبرلمان العراقي إقرار إعادة فرز الأصوات في 7 محافظات عراقية. وبقاء بلد يعتمد نظامه السياسي على البرلمان في هذه المرحلة المرتبكة أمر مقلق، ولكن في الواقع هذا الأمر لن يؤثر في المواطن العراقي. فالقوانين المطلوبة لإدارة البلاد بطريقة سليمة، مثل قانون النفط والأقاليم، لم تعالج منذ سنوات. وعلى الرغم من انشغال البرلمان بالتصويت على صلاحيات النواب ومصالحهم، بقيت احتياجات المواطن في الغالب خارج قبة البرلمان. كما أن دخول حكومة العبادي مرحلة تصريف الأعمال، يضعف قدرة الحكومة على معالجة الملفات الشائكة، خصوصاً إذا كانت هناك جوانب خارجية، وعلى رأسها أزمة المياه مع تركيا التي ما زالت تهدد العراقيين بالعطش خلال أشهر الصيف. كما أن وزارة الصحة لم تنجح في معالجة حمى جديدة تضرب جنوب البلاد وتهدد بالانتشار.
ومع تسارع الأحداث في العراق، من الصعب الوقوف عند كل نقطة وتحول تشهدهما البلاد. ولكن وتيرة الأحداث لا تطمئن. فخلال الأيام الماضية، تم استهداف مراكز حفظ صناديق الاقتراع مجدداً. التفجير الذي استهدف مقر خزن صناديق الاقتراع في كركوك تذكير آخر على إصرار مجموعات معينة على تعطيل عملية الفرز، بعد استهداف مخزن آخر في الرصافة ببغداد. كما أن الحوادث الأمنية في ديالى تتصاعد، وما زالت هناك عناصر إما تابعة لـ«داعش» أو موالية له فعالة هناك. وتم الإعلان عن مقتل 6 عراقيين اختطفتهم عناصر موالية لـ«داعش» بالقرب من حمرين، بعد أن نشر التنظيم الإرهابي تسجيلاً لهم يقولون فيه إنهم من قوات «الحشد الشعبي». وعلينا ألا ننسى أن زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي ما زال حراً طليقاً. من جهة أخرى، توجد قوات من «الحشد الشعبي» داخل سوريا واستهدافها بقصف يتوقع أنه إسرائيلي، وإعلان أبو مهدي المهندس أن «الحشد» قد يرد على الجاني، يزيدان من تعقيد الأمور في العراق وخلط الأوراق فيه.
كل هذه التطورات تؤثر في سيادة العراق، الذي ما زال يبحث عن هوية للدولة تحمي جميع المواطنين.
وكثيراً ما يقال إن الهوية الوطنية العراقية غير موجودة، وهذا أمر خاطئ. بل إن هوية السلطة هي التي تعاني من الاضطراب. فمطالبة المواطنين العراقيين بحكومة عابرة للطوائف والإثنيات تبدو صعبة المنال مع التحالفات المعلن عنها بين قوى إسلامية شيعية. وقد هددت قيادات سياسية مسلحة بأنها لن تقبل بتحالف يبقيها خارج السلطة، حتى إن اضطرت لحمل السلاح ضد الدولة. كما لم تترسخ «الفيدرالية» في البلاد، وبعد 10 أشهر من الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان ما زالت الخلافات شديدة ولم تظهر خريطة طريق للخروج من تلك الأزمة.
ولكن أزمة السلطة في العراق ليست جديدة، وإن كانت قد تفاقمت بعد حرب 2003. فمنذ 60 عاماً والعراق يعاني من أزمات سياسية وتساؤلات حول النظام السياسي في البلاد – وليست الهوية الوطنية. ويمكن العودة إلى نقطة تاريخية واضحة ولدت هذه الأزمات. فتحل هذا الشهر الذكرى الستون للانقلاب العسكري الذي غدر بالملكية العراقية وغير اتجاه بلد كانت لديه القابلية على التقدم تحت مظلة الملكية. وقد رسخ خطأ في ذهن كثير من العراقيين باستخدام تعبير «ثورة 1958»، ولكن في الواقع لم تكن ثورة، بل كانت انقلاباً عسكرياً دموياً، اعتقل من عارضه. مع تقدم الزمن وتقدم عمر الذين عاشروا الملك فيصل الثاني، رحمه الله، وعاصروا الحقبة الملكية، تختفي الأصوات التي تتحدث عن تلك المرحلة، ولكن علينا التذكر. نظام عبد الكريم قاسم لم يكن ببشاعة أنظمة تلته في العراق وفي المنطقة، ولكن واقعة قتل كل أعضاء العائلة المالكة في العراق، ما عدا الأميرة بديعة التي ما زالت في منفاها في لندن، أنذر بحقبة سياسية مبنية على العنف.
7 أسابيع منذ إجراء الانتخابات العراقية… 15 عاماً على الحرب التي أطاحت بنظام صدام حسين… و60 عاماً منذ مقتل الملك فيصل الثاني والانقلاب الدموي على الملكية العراقية. علامات فارقة في تاريخ العراق تحكم على شعبه. الانتقال السلمي للسلطة هو حلم العراقيين، الذين ضحوا بالكثير خلال السنوات الـ15 الماضية، أملاً في أن يضمنوا أقله الانتقال السلمي للسلطة… وحتى هذا المكسب معرض للخطر اليوم.
4 سقوط إيران بعد سقوط داعش؟ عبدالله بن بخيت الرياض السعودية
زجت التنظيمات الظلامية بالشعوب الإسلامية في معركة كبرى مع الحضارة والتمدن والقيم الإنسانية الأساسية. ولكنها كانت ضرورية لتحدث يقظة عند العامة الذين تم تضليلهم. سقوط داعش بهذا الشكل المهين وتغافل دول العالم عما يفعله النظام السوري ببقية التنظيمات الدينية في سورية تأتي تأكيدا على نهاية الفكر الديني. الشعوب الإسلامية صارت تؤيد فكرة القضاء على هذه التنظيمات بأي ثمن. استخدم داعش في معركة الموصل المدنيين دروعا. كان مقاتلوه يتمترسون في الأماكن المكتظة بالسكان على أمل أن تعمل المنظمات الإنسانية العالمية على إحراج جيوش أعدائهم ومن ثمة تضطر هذه الجيوش إلى الدخول في مباحثات تؤصلهم كقوة في أذهان الشعوب الإسلامية المتعطشة لأي انتصار حتى وإن كان انتصاراً إعلاميا فحسب. بيد أن استراتيجية محاربة التنظيمات الدينية عملت بطريقة مختلفة لم يفهمها داعش أبداً. أميركا لم تأت لمحاربة داعش ثم التفاوض معهم وقبول استسلاما مشروطا أو غير مشروط. أميركا جاءت لقتلهم فرداً فرداً وبأي ثمن.
سقوط داعش كان حتميا. ليس لأنه لا يملك القوة الكافية للدفاع عن نفسه ولكن لأنه لم يكن يملك خيالا سياسيا ولأنه أيضا خارج القيم الإنسانية والحضارة. هذا الأمر سهل على الدول القضاء عليه وتبرير قتل مجاهديه دون رحمة. الشأن مع إيران مختلف تماما. إيران هي داعش ولكنها تمتلك الخبرة والقدرة على المناورة وتعرف كيف تبقى بمحاذاة العصر الحديث. دولة ثيوقراطية بملابس عصرية. يستعين رجال الدين في إيران بكل أدوات العصر لنصرة منهجهم الديني بخلاف داعش الذي أنكر هذه المؤسسات وقوضها.
إذا قرأنا التغيرات السياسية التي حدثت في العالم الإسلامي سواء عن طريق الانقلابات أو عن طريق تحرك الشارع والمظاهرات سنرى أنها موجهة ضد المؤسسة الحاكمة وليس ضد الفكر الذي أوصل هذه المؤسسة وحافظ على بقائها. سيختلف الأمر عند اسقاط الملالي. دفعت الثورة الإيرانية بالفكر الديني إلى السلطة. ستصبح المعركة على السلطة في إيران بين الشعب وبين الفكر. اعتاد رجال الدين في العالم الإسلامي على مساندة السلطة أو لعب دور المعارضة عندما يقل نصيبهم من الكعكة. إيران تخطت هذه المعادلة. أصبح رجل الدين هو السلطة. مطالب الناس في المسجد تختلف عن مطالبهم في البرلمان أو في مجلس الوزراء وغيرهما من مؤسسات الدولة. لم يعد لبرامج الدين الخيالية المعتادة مكانا في السياسة. شكلت الثورة الإيرانية نموذجا لكل رجل دين إسلامي طامع في الحكم. سقوط الملالي في إيران سيكون سقوط الثيوقراطية في البلاد الإسلامية وتطهيرا للجسد السياسي من الفكر الديني.
5 مسعود بارزاني (رئيساً)للعراق.. أيُ مُعادَلةٍ ستنشَأ؟ محمد خروب الراي الاردنية
عاد اسم رئيس اقليم كردستان السابق.. مسعود بارزاني, للتداول في «بورصة» الاسماء المرشَّحة لرئاسة جمهورية العراق, والتي يأتي في ضِمنها أيضاً الرئيس المنتهِية ولايته فؤاد معصوم, ورئيس هيئة المستشارين الحالي في رئاسة الجمهورية عبداللطيف رشيد, وكلاهما «كُردي» ومحسوبان على حزب الإتحاد الوطني (حزب طالباني), رغم ان الأنباء تتحدّث عن «تراجُع» المنصب في أولويات الاتحاد الوطني, الذي يتطلَّع (وِفق الانباء ذاتها) لاستعادَة نفوذِه في كركوك, التي تُوصَف عراقياً وخصوصاً كردياً بأنها محافظة «الذهب الأسود», فضلاً عن مكانتها في الثقافة الكردية حيث يُنظَر اليها على انها «قدس» الكرد. بِهذا التفسير «غير المُؤكَد», بات حزب الاتحاد الوطني يرى في موقِع رئيس الجمهورية مجرّد «ورقة تفاوضية», بعد ان كان الموقِع حِكراً عليه, تولاه الرئيس الراحل جلال طالباني لدورتين, وكان الرئيس فؤاد معصوم هو من وقَع عليه الإختيار بعد اشتداد المرض على «مام جلال»، وِفق اتفاق كردي – كردي نصّ على ان يكون منصب رئاسة العراق من نصيب الاتحاد الوطني, فيما يؤول منصب رئيس اقليم كردستان للحزب الديمقراطي, تولاّه زعيمه مسعود بارزاني منذ العام 2005 حتى استقالته إثر تداعيات استفتاء 25 أيلول الماضي, الذي جاء بكوارث سياسية واقتصادية ونفسِية على كرد العراق. خسر فيه «كاك مسعود» كل رصيده السياسي وذهب مُجبَراً الى «صحراء السياسة» الى ان بدأ يستعيد بعض حيويته (السياسِية بالطبع), مُتطلِعا الى لعب دور جديد في مناخات كردية غير ملائمة, تتمثّل في انقسام عميق افقي وعامودي. إن على صعيد الاحزاب الفاعلة على ساحة الاقليم, حيث يجد الحزبان الرئيسيان نفسيهما مُجبَران على التحالف والتنسيق, رغم ما شاب علاقاتهما من توتّر وحملات تخوين وتشكيك, وبخاصة في اتهامات الحزب الديمقراطي (حزب بارزاني) لحزب الاتحاد الوطني بـ»الخيانة» والتواطؤ مع حكومة حيدر العبادي,عبر تسهيل مهمة اجتياح كركوك. أم لجهة رفض احزاب المعارَضة الكردية, إحياء ما كان يوصَف بـ»التحالف الكردستاني» الذي ضمّ تلك الأحزاب قبل استفتاء 25 ايلول الماضي وخصوصاً قبل انتخابات 12 أيار من هذا العام. الامر الذي يحول دون ظهور «كُتلة» كردية موحّدة, سواء على صعيد التفاوض مع بغداد للحصول على مكاسب إضافية ام للبروز كمفاوض ندّي ومؤثِّر مع الكُتل البرلمانية الفائزة أخيراً, لحسم معركة «الكتلة الأكبر» التي ما تزال موضع مناورات وتكتيكات متواصِلة, في انتظار ما ستُسفِر عنه عمليات العدّ والفرز اليدوي, التي قرّرها البرلمان العراقي المنتهية ولايته, بدءاً من محافظة كركوك حيث تتوقّع احزاب «كردية» مُعارِضة بالدرجة الاولى, ان تكون نتائج الفرز اليدوي لصالحها, وخصوصاً ان تلك الأحزاب تتّهِم الحزب الديمقراطي (بارزاني) وحكومة الإقليم بالتلاعب في صناديق الاقتراع، ولهذا ترفُض اي حديث عن إحياء «التحالف الكردستاني» قبل انتهاء عملية العدّ والفرز اليدوي.
الى اين من هنا إذاً؟.
تجدُّد الشائعات عن مسعود بارزاني كـَ»أقوى» المرشحين لرئاسة العراق، يشي بان قوى ذات مصلحة في خلط الاوراق (المُختلِطة اصلا) على الساحة العراقية, حيث تراوح مكانها عملية «استيلاد» الكتلة البرلمانية الاكبر, التي سيكون بمقدورها «فرز» رئيس الوزراء الجديد. والتي تخضع في بعض تجلِّياتها لتقلّبات ومزاج زعيم التيار الصدري… مقتدى الصدر, الذي حلّ تحالفه (سائرون) في المرتبة الاولى, ثم راح يعقد صفقات مع حيدر العِبادي (تحالف النصر), ثم ما لبِث ان أدار ظهره له, ليلتقي لاحقاً في تحالف جديد مع رئيس (تحالف الفتح).. هادي العامري، قبل ان ينقلِب عليه, ليعود مجددا الى حيدر العبادي.. في آخر نسخَة من مواقِفه المُتقلّبة.
فرصة كاك مسعود للوصول الى منصب رئيس الجمهورية.. تبدو ضعيفة, في ظل المعادلة السياسية والحزبية القائمة الآن وبخاصة بعد انتخابات 12 ايار الماضي, التي ما تزال موضِع جدلِ وسِجالات وسيولة في المواقف والتحالفات, رغم انه»بارزاني».. يجد دعماً من «شخصيتين» بارزتين, أحدهما نائب رئيس الجمهورية وزعيم «ائتلاف دولة القانون»… نوري المالكي, والآخَر رئيس «تحالف الفتح».. هادي العامري, وكلاهما له «مصلحة شخصِية» في وصول بارزاني الى هذا الموقع، اقلّه في عدم تسهيل مهمة حيدر العبادي في التجديد لنفسه.. ولاية ثانية. رغم ان الأخير يُعارِض بشِدّة جلوس كاك مسعود في القصر الجمهوري. دون إهمال حقيقة رفض احزاب المعارَضة الكردية دعم بارزاني في مسعاه هذا. وهو ما عبّر عنه محمد شيخ وهاب أحد قيادات حركة التغيير (المتحالِفة مع ثلاثة احزاب وحركات كردية معارِضة, هي الاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية وتحالف الديمقراطية والعدالة) بالقول: لا يوجد اي اتفاق لإعادة إحياء التحالف الكردستاني مجدّدا، عبر صفقة شاملة تتيح لرئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني الفوز بمنصب رئيس العراق، فضلا – يُضيف – عن ان احزاب المعارَضة لا تثِق بحزب الإتحاد الوطني والحزب الديمقراطي, لأنهما قاما بتزوير إرادة الناخب. متسائِلاً: فكيف نثِق بهما ان يُنصِفانا.. ونشترِك معهم؟
قصارى القول: إنّ وصول مسعود بارزاني الى القصر الجمهوري لن يكون سهلاً ,ولن يتم إلاّ في اطار معادَلة جديدة ,تنهض على إزالة «جِبال» من الأحقاد والشكوك وانعدام الثقة, ميزت العلاقات بين القوى والشخصيات العربية والكردية وفي داخل صفوف كل كِياناتها, التي تقاسمَت الكعكة العراقية المسمومة, التي فرضها المُحتلّ الاميركي, ووجدت ترحيبا وحماسة من قبل «الثُوّار» الذين وعَدوا العراقيين, بنظام ديمقراطي تعدّدي يحترم حقوق العراقيين وكراماتهم, ويصون ثرواتهم ويلتزِم مشاركَتهم في القرار الوطني.
شيء من تلك الوعود لم يتحقّق, ولا يَلوح في الأُفقَين.. القريب والمتوسط انه سيتحقّق.