5 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 حرب وشيكة في العراق سببها المياه د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا
شح المياه في العراق ينذر ليس بحرب شيعية سنية أو عربية كردية، وإنما سنية – سنية وشيعية – شيعية بسبب الحصص المائية للمحافظات، إذ تحاول كل محافظة زيادة حصتها على حساب المحافظة التي تليها.
ماذا تبقى للعراق
منذ 9 أبريل 2003 وإلى الآن، لا يصحو العراقي من كارثة حتى يستيقظ على أخرى، وآخر هذه الكوارث كارثة سد أليسو التركي الذي يهدد العراق بالجفاف التام.
ومع هذه الكارثة شاع تساؤل عراقي مشروع ما إذا كانت تركيا وإيران اتفقتا على دفع العراق إلى كارثة الجفاف، أم أن الأتراك والإيرانيين وجدوا حكومة هشة ونظاما سياسيا غير منشغل إلا بنفسه وبقياداته فسلبوا العراق حصصه المائية، في خطة لإماتة زراعته وضمان عدم نهوض صناعته، وإجباره على استيراد ما تنتج تركيا وإيران، ومنه الماء الصالح للشرب.
وراجت على مواقع التواصل الاجتماعي حكاية عبرت عن سخرية عراقية بمن يحكمون البلاد، تقول إن “مجموعة من الإعلاميين العراقيين التقت وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري وتحدثت معهُ عن خطورة سد أليسو التركي وأنه سيتسبب بجفاف نهر دجلة، فكان جواب الوزير أن جفاف نهر دجلة من علامات ظهور الإمام المهدي، وهذا ما ننتظره”.
ربما ليست هذه الحكاية حقيقية، رغم أن من كتبها يكاد يقسم أنها حقيقية، ولكنها تصور عقلية حكام البلاد الذين يهربون إلى الغيبيات والخرافات عند النظر إلى مشكلات العراق وأزماته، غير أن المثير للسخرية أكثر هو تصريح وزير الري العراقي، أسترالي الجنسية، حسن الجنابي، الذي علّق أزمة المياه على شماعة “تقصير الحكومات السابقة لحكومة الخضراء”، وفي ظنه أنه بذلك أراح واستراح.
من غير المعقول أن يجهل وزير الري أن العراق أنشأ صفرا من السدود والنواظم، منذ 2003 وحتى الآن، وأن جميع السدود والنواظم العملاقة وعددها بالعشرات بناها النظام الوطني العراقي، منذ 1921 وحتى 2003، فعدا ما بناه مجلس الإعمار في العهد الملكي وفي عهود الجمهورية السابقة لنظام البعث، فإن الأخير وحده بنى أكثر من 15 سدا عملاقا عدا النواظم، وأنجز بناء سبعة سدود خلال حرب الخليج الأولى فقط، وسدين آخرين خلال الحصار الدولي، الذي فرض على العراق في تسعينات القرن الماضي، فضلا عن تنفيذ النهر الثالث أو “نهر صدام” لعزل مياه الصرف الزراعي والصناعي والصحي عن نهري دجلة والفرات وإنقاذهما من التلوث وزيادة الأملاح، بعد أن حجبت تركيا نصف مياه نهر الفرات، وحجبت إيران 70 بالمئة من واردات مياه دجلة الواردة من أنهار إيران. كذلك تم شق ما سمي في حينه، نهر وفاء القائد وإجراءات أخرى لإيصال الماء العذب إلى البصرة والعمارة والناصرية.
في صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، غرّد الأديب العراقي ماجد صالح السامرائي بالقول “ما هذا الذي فعلته تركيا بالعراق وبالعراقيين؟ لقد صحتْ ‘حكومتنا الشريدة’ من نومها فوجدت نهريها بلا مياه”.
لكن الواقع أن الناطق الرسمي لوزارة الموارد المائية العراقية، أوضح في وقت سابق، أن كميات المياه الواردة إلى العراق عبر نهر دجلة ستتأثر بنحو كبير عند إكمال تنفيذ مشروع سد أليسو، وأن السد سيتحكم في تحديد كميات المياه المطلقة إلى العراق، وأن الوارد المائي الطبيعي لنهر دجلة عند الحدود العراقية – التركية هو 20.93 مليار متر مكعب في السنة وفي حالة تنفيذ المشاريع التركية، فمن المتوقع أن ينخفض هذا الوارد إلى 9.7 مليار متر مكعب في السنة وهو ما يشكل نسبة 47 بالمئة من الإيراد السنوي لنهر دجلة وأن مثل هذا النقص له انعكاسات خطيرة للغاية على العراق في مجالات الزراعة والشرب وتوليد الطاقة والصناعة وبدرجة كبيرة إنعاش الأهوار والبيئة. وستكون محافظة ذي قار أكثر المحافظات تضررا من تدني منسوب نهري دجلة والفرات، بصفتها في آخر سلم المستفيدين من مياه النهرين الآتية من الشمال.
لكن الغريب أن أحدا من الحكومة والبرلمان لم ينبس ببنت شفة أمام الجريمة، التي اقترفتها إيران ضد العراق بقطعها الأنهار الآتية منها، عن العراق تماما، والأخرى التي غيرت مسارها لتجعلها داخل إيران فقط وتمنع مياهها من الدخول إلى العراق.
إن شح المياه في العراق ينذر ليس بحرب شيعية سنية أو عربية كردية، وإنما سنية – سنية وشيعية – شيعية بسبب الحصص المائية للمحافظات، إذ تحاول كل محافظة زيادة حصتها على حساب المحافظة التي تليها. فهل سيتحول العراق، بسبب المياه، إلى ساحة حرب أهلية، بعد أن خرج من حرب طائفية دامية، مازالت جراحها لم تندمل بعد؟
2 تفكيك المفكك: شهادة شاهد عيان عراقي لشراء امريكا لذمم المثقفين صباح علي الشاهر راي اليوم بريطانيا

قالوا الفوضى الخلاقة فضحك البعض ، وأكتفى البعض الآخر بالسخرية من جمع المتناقضين .
ترى ماذا ستخلق الفوضى غير الفوضى، ولأنها خلاقة فهي مُستدامة، ولأنها فوضى خلاقة أو “مستدامة” فهي كفيلة بإعادة خلط الأوراق في كل آن، وإعادة ترتيب الأولويات، وتدوير المشاكل التي ستكون بدورها كالفوضى خلاقة أو مُستدامة” .
لا نحتاج للتدليل وإيراد الأمثلة فهي أكثر من أن تُعد وتُحصى في العراق المُبتلى، الذي أصبح ميداناً لتطبيق أكثر الأفكار جهنمية وخبثاً ، لقد أصبحنا حقل تجارب .
***
كان العالم على أعتاب قفزة كونية في مجال الاتصالات والميديا، ووسائل التواصل الاجتماعي عندما بدأ البعض ينسج بهدوء وأريحية وكرم زائد عن الحدود خيوط ما سيسميه لاحقا ” الفوضى الخلاقة “
وكانت الديكتاوريات بطبعها الشمولي الإقصائي التجهيلي تحرم على الناس ، و حتى على أتباعها، ليس فقط مُنجزات العلم والتكنولوجيا كالستلايت والموبايل ، والأنترنيت ، وإنما حتى الببسي كولا بدعوى إضرارها بالصحة ، لكنها تحتكر المتاجره بأردأ أصناف السيجاير غير الصالحه للإستعمال ، وتشترط على الرسام رسم صورة القائد، مثلما تشترط على المغني تقديم أغنية في مدحه ، أما الشاعر فقد كان ملزماً من أجل أن يعيش أن يتغنى بجمال القائد قبل حكمته .
ليس غريباً أن تكون القفزة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والميديا ووسائل التواصل الاجتماعي في صدر إهتمامات من خطط للفوضى الخلاقة ، وتطبيقاتها في العراق ، فالذين صنعوا هذه الوسائل أدرى بمدى تأثيرها. وسنأجل الحديث عن هذا لمقال لاحق.
***
من عاش في المنافي يتذكر تلك الرسائل التي كانت ترسل بشتى الطرق ، كانت تلك الرسائل كاليد التي تمتد لغريق في عمق اليم ، فيها من الإغراءات ما يسيل له لعاب البعض ، وبالأخص أولئك الذين فقدوا الأمل في كل شيء ، فإذا بهم في نهاية المطاف يوعدون بما لا يحلمون به .
لم يستجب لهذه الرسائل سوى قلة قليلة من النخب توزعت على مراكز التدريب في بعض الدول الأوربية ، الأغلبية الساحقة من النخب رفضت كل الإغراءات ، ترافق هذا المسعى مع القفزة الإعلامية الفضائية ، وتوسع الإعلام الورقي الذي كان يبالغ في التوضيف ومنح الرواتب والمكافآت لإستمالة الكتاب والمثقفين ، وإدراجهم في إطار الحملة التي تم التخطيط له ..
***
من أهم ما ركزت عليه مناهج التدريب في مراكز الإعداد التي أقامتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هي الإعلام والثقافة، والنشاط الاقتصادي ، والنشاط الاجتماعي ، وما سيعرف لاحقاً بتنظيمات المجتمع المدني ، أما المجال العسكري فقد أوكل لعناصر عسكرية إدعت بأنها معارضة إرتبطت مباشرة بالبنتاغون، أو كلت لها مهمة تصفية الجيش العراقي، وبناء جيش وفق مواصفات بيان 91 سيء الصيت ..
لم يقصر النظام الديكتاتوري الأهوج في تقديم كل الذرائع الممكنة لمن خطط لتدمير البلد ، ولم تكن أقوال وذرائع المؤيدين لغزو البلد مجرد أكاذيب ، بل وقائع وحقائق، ربما كانت أقل مما كان يجري في الواقع ، ولم يكونوا بحاجة إلى أي جهد لإثبات ظلم النظام وبطشه، وإستهتاره بمصائر الناس والبلد ، وكان النظام ممثلاً برموزه يعطي في كل يوم المبررات التي كانت أكثر من كافية لإثبات عدم جدارته في البقاء، وضرورة زواله، وهذا أمر لم يختلف عليه من أجبره النظام على اللجوء إلى المنافي ، ولكن الإختلاف كان في الوسيلة ، وفي رفض الأغلبية الساحقة أن يكون سقوط النظام الذي كان آيلا للسقوط ، جراء مغامراته وبطشه وسياساته الرعناء وسيلة أو حجة لسقوط البلد ، وتحويل المعارضين إلى أدلاء للغازي المحتل الذي سوف لن تكون مصلحة العراق والعراقيين في سلم إهتماماته، وهذا ما أثبتته وقائع سنوات ما بعد الاحتلال العجاف .
لم يكن الأمر مجرد إختلاف في الرؤى ، قد يكون هذا ممكناً لو لم يتدخل البترودولار والإغراء وشراء الولاء والذمم ، لقد وضعوا لكل شيء ثمن ، وكانوا قادرين ومقتدرين ، فهم سادة الكون والمال ، فإذا ترافق هذا مع طبيعة النفس الخواره أمكن بسهولة معرفة النتيجة التي ستكون حتمية ، خصوصاً وأن من يقف بوجه أمريكا والرجعيات العربية كان عار من أي قوة ، سوى قوة صواب رؤيته ، فلا حركة يسارية مساندة ، ولا أحزاب شيوعية ، ولا إتحاد سوفيتي ، ولا حتى حركة تحرر وطني ، عربية أو عالمية .. كان الطريق سالكاً لوضع العراق تحت السفود ، والإمعان في تمزيق أوصاله ، وجعله ميدان تجارب ، ليس للأسلحة فقط ، بل للأفكار التي سيقدم أكثر من مليون ضحية، وملايين الأيتام والأرامل، وهذا الكم من الدمار والخراب النفسي والإجتماعي ، لإثبات فشلها .
وتباهوا بأنهم أدخلوا الموز إلى دكاكين البقالة ، والفراولة إلى مزارع العراقيين، وجعلوا الببسي كولاً في كل مكان، ووضعوا في يد العراقي الموبايل، ونشروا الستلايت ، ومنحوا المواطن حق سب المسؤول دون القدرة على تغييره.. لقد أحدثوا التغيير .. لكنهم صمتوا عن قول تغير ماذا ؟
3 هل يمكن أن يكون اليسار مذهبيًا؟
كمال الذيب
الايام البحرين

مطارحات حول الحلف بين الشيوعيين والصدريين في العراق
قال الصديق متباهيًا:
لقد كان لافتا هذا التحالف بين تيار مقتدى الصدر في الانتخابات العراقية الأخيرة والحزب الشيوعي العراقي، فهذا تحالف عابر للأحزاب، ويؤكد بأنه بإمكان اليسار أن يتحالف مع الإسلام السياسي من دون أي إشكال لتحقيق أهداف مشتركة؟
قلت للصديق:
– أنت تعلم جيدا موقفي الثابت فيما يتعلق بالتحالف مع القوى الرجعية الطائفية، مهما كان لونها ومذهبها، قد أتفهم التنسيق داخل البرلمان بين القوى المختلفة في ملفات محددة، يكون حولها إجماع وطني، ولكني لا يمكن أن أفهم أبدا التحالف مع الرجعية الطائفية والقوى المحسوبة على اليسار، لأن مثل هذا التحالف لا يمكن إلا أن يكون مغشوشا وعلى حساب المبادئ والقيم السياسية والأخلاقية في ذات الوقت. فتيار الصدر كما تعلمون تيار طائفي مارس العنف الدموي والتنكيل بالعراقيين لسنوات عديدة، ولذلك فإن التحالف معه يعطيه مصداقية لا يستحقها، تماما مثل تحالف بعض قوى اليسار في البحرين مع جمعية سياسية دينية – طائفية التركيبة والفكر والتوجه، مما أدى في النهاية إلى كارثة حقيقية تتجرعون مرارتها إلى اليوم. وكان أولى بكم دعم التحالف بين القوى التقدمية والليبرالية في مواجهة مشروع الدولة الثيوقراطية التي هي في عمق خلفية أيديولوجيا التيارات الدينية جميعها، مهما تغيرت ألوانها.
إن التحالف مع القوى الرجعية الطائفية، لا يمكن إلا أن يكون انتهازيا ومؤقتا، وغير ذي قيمة في التاريخ السياسي او في الحراك السياسي. وقد بينت الوقائع على الأرض هذه الحقيقة، وسوف يأتيك بالأخبار من لم تزود حول هذا التحالف الكاريكاتيري بين الصدريين والشيوعيين في العراق. فكم كنت أتمنى ألا يخدعكم هذا التحالف الانتهازي المفارق للمنطق والسياسة.
قال مفسرا وجهة نظره في المقارنة بين الحالتين:
– بالرغم من أنني قد أتفق معك في بعض ما ذكرت، إلا أن وضعنا مختلف كليا عن التجربة العراقية، فتجربة تحالفنا مع الإسلام السياسي كانت حالة مرحلية، وهي عابرة للأيديولوجيا، ولم تكن على حساب المبادئ، لأن المشهد السياسي برمته فقد كان قائما على تحالفات متنوعة، بعضها رجعية طائفية بحتة وبعضها مختلطة بين القوي التقدمية الديمقراطية والإسلام السياسي بالاتفاق على المشتركات الوطنية… ولكن للأسف فقد سبق لكم أن أقمتم الدنيا ولم تقعدوها يوم تحالفنا مع جمعية اسلامية في حين ترون اليوم أن ذات التحالف يقوم في العراق حاليا وينجح في الوصول إلى البرلمان بين الصدريين والشيوعيين.
قلت موضحا:
يا أخي كأنكم لا تقرؤون التاريخ، أو لا تريدون استخلاص الدروس منه، فلا يوجد في التاريخ اي تحالف انتهازي يمكن ان يستمر، فحزب توده الشيوعي الإيراني تحالف مع الخميني، ولكن ماذا كانت النتيجة في النهاية؟؟ ألم يكن التنكيل بهم في مجازر غير مسبوقة هو النتيجة التي وثقها تاريخ المجازر والتنكيل (خمسة آلاف عضو في حزب توده أعدموا ضمن إعدامات المعارضين في العام 1988م، كما قضى 14 عضواً في اللجنة المركزية للحزب داخل السجون).
قال مقاطعا:
يا أخي لماذا أنتم لا تستوعبون التحولات التي تحدث في المنطقة وتصرين على التحدث بمنطق قديم؟ فحزب توده نفسه أصدر بيانا يمتدح فيه الانتخابات الأخيرة في العراق، حيث استطاع الحزب الشيوعي العراقي بالتحالف مع مقتدى الصدر أن يفوز بمقعدين في الانتخابات، هذا الانتصار له أهمية خاصة، لأن وصول الحزب إلى البرلمان، يضع حدا لأسطورة نهاية الشيوعيين والاشتراكية في العالم؛ ولأن الائتلاف بين الشيوعيين والصدريين دليل على أن المذهبية أو الطائفية لا تشكلان عائقا أمام التحالف والتعاون السياسي. وهذا من خصائص ومميزات التجربة الديمقراطية العراقية الجديدة.
قلت: ما غاب عنك في البيان المشار إليه أنه تحدث، وبشكل مدهش عن (اليسار المذهبي)، فهذه العبارة ليست من عندي، وإنما اقتبستها من البيان الصادر عن هذا الحزب اليساري، والمنشور على موقع «راه توده»، بعنوان (الدرس الذي يجب أن يتعلمه اليسار الإيراني والجمهورية الاسلامية من انتخابات العراق) (ترجمة عادل حبه). فبغض النظر عن مضمون البيان الصادر عن هذا الحزب، الذي سبق تعرضه للتنكيل والاجتثاث من قبل نظام الخميني، وما تضمنه هذا البيان من فرح وسرور غير مسبوقين بنتائج الانتخابات العراقية، وخاصة بالنسبة لحصول الحزب الشيوعي العراقي على مقعدين في البرلمان، من خلال تحالفه مع مقتدى الصدر. والأغرب من ذلك أن هذا الحزب الذي سبق له أن جرب التحالف مع الخميني إبان الثورة الإيرانية، وتعرض لأبشع تصفية جسدية واجتثاث كامل، قد استعاد فكرة التحالف مع الطائفيين (يسميهم مذهبيين تلطيفا). وتحدث عن وجود (يسار مذهبي) و(يسار غير مذهبي)، وهو أول اعتراف بأن الواقع المريض قد أفرز ما بات يسميه توده (يسارا مذهبيا) متمترسا داخل الطائفة، ويعمل من خلالها ولصالحها فقط، ما يعني موتا سريريا لليسار ولفكرة اليسار أصلا، لأن الطائفية أحد نقائض الفكرة التقدمية والفكرة اليسارية بالأساس. ولذلك فإنني أتطلع لتشرح لي ما معنى (يسار مذهبي) بالله عليك، فقد يكون طرأت على المفاهيم تغيرات لم نسمع بها؟
أما حديثك بحماس عن التجربة الديمقراطية العراقية، فإنه أمر يخصكم، ولكن من وجهة نظري من الصعب الحديث عن ديمقراطية حقيقية ضمن هذه التجربة في ظل التدخلات الأجنبية وتأثيرها على القرار الوطني، وفي ظل سيطرة الميليشيات ومنطق المحاصصات الطائفية، إلا إذا كان المقصود بالديمقراطية مجرد وضع ورقة في صندوق الاقتراع (مع أن حتى هذه العملية هي محل شكوك ومنازعات وخلافات بحسب القرار الصادر عن البرلمان العراقي نفسه).. فالواقع يؤشر بوضوح إلى أن هذه الديمقراطية – بأي معنى من المعاني تقلبها – ما تزال بعيدة المنال. لأنها تحتاج إلى الحرية والخيار الحر والاستقرار وسيادة القانون، ولا غرابة انها تتحول إلى شكل من أشكال السيطرة الطائفية المغلقة (إضافة إلى سيطرة وسطوة الميليشيات)، ما يفقد معها الفرد أي قدرة على ممارسة خياراته وقناعاته الحرة، ليتحول إلى مجرد دمية تحركها الإرادة الطائفية من دون أي قدرة على تبين الصالح من الطالح.
همس
أيتها الفارة مني،
سنلتقي ذات يوم
في الأكمة المرتعشة
تحت وابل المطر.
قد نموت ألف ومرَّة ومرة،
ولكن لروحينا جسد سرمدي
وللضوء وهج لا يموت
4 العراق وعطّار كرمان مصطفى فحص الايام البحرين

ليس سهلاً على طهران إظهار عجزها عن تشكيل حكومة عراقية جديدة، تضمن معظم مصالحها وتحافظ على نفوذها السياسي والأمني والاقتصادي، في مرحلة تصاعد الحساسيات الاجتماعية والثقافية والعقائدية داخل البيئات الشيعية، خصوصاً بين سكان الحواضر التاريخية التي شكَّلت على مدى قرون عقدة القطع والوصل بينها وبين شيعة العراق. فقلق طهران الجدي على نظام مصالحها دفعها منذ اللحظة الأولى إلى إعلان نتائج الانتخابات العراقية إلى إرسال شيخ العطارين لديها والمعروف بخلطاته العراقية إلى بغداد، لعله يستطيع أن يصلح ما أسهم في إفساده خلال الـ15 سنة الماضية، ولكن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني لم يفلح في إقناع الطبقة السياسية الشيعية العراقية بإعادة تموضعها وفقاً لحسابات طهران ومصالحها، فحتى الآن فشلت مهمته في توحيد صفوف حلفائه أو في استبعاد أو عزل خصومه، إضافة إلى عجزه عن الترويج لخلطته الجديدة التي لم تختلف عن سابقتها لا في التركيبة ولا في المضمون، ما فضح إصراره على التمسك بخياراته السابقة تجاه العراق، رغم أنها كانت سبباً مباشراً للنفور الشيعي الشعبي والسياسي من الوجود الإيراني في مفاصل الحياة العراقية، وأصبحت دليلاً قاطعاً على رغبة إيرانية دائمة في الهيمنة على العراق واستتباعه واحتواء شيعته، من دون الأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات في مناطق الوسط والجنوب التي كشفت عن تبلور حالة تمرد شعبي شيعي عليها، تمرد سينعكس حتماً على شكل وتشكيل الحكومة الجديدة، والمطالبة بحماية المصالح الوطنية العراقية، ورفض الوصاية الإقليمية والدولية على قراراتها، حيث من المرجح أن تطالب الحكومة العراقية المقبلة جيرانها بالتعامل معها بندّية كاملة، الأمر الذي تناوله الزعيم العراقي السيد مقتدى الصدر يوم الاثنين الفائت عندما قال: «أما إيران فهي دولة جارة تخاف على مصالحها، ونأمل منها عدم التدخل في الشأن العراقي كما نرفض أن يتدخل أحد بشؤونها».
موقف الصدر الواضح والصريح من تدخلات طهران أشبه بجرس إنذار لها، حتى تختار بين القيام بدور إيجابي وبين الاستمرار في ممارسة نفوذها السلبي. موقف الصدر لا يختلف عن موقف العبادي، الحكيم، في مطالبتها بالتعامل بمرونة مع التحولات العراقية، التي تتطلب منها قراءة هادئة لمسار طويل من الأخطاء التي ارتكبها عطّار كرمان وفريقه، الذين يدفعون الآن ثمن تحويل العراق إلى حديقة خلفية لإيران، دون أدنى اعتبار للحساسيات الداخلية أو للحسابات الدولية المعنية في المرحلة المقبلة بإعادة رسم المشهد العراقي وفقاً لأجندتها. فملامح أزمة طهران مع العراق أشار إليها صديقها السياسي العراقي الراحل الدكتور أحمد الجلبي في حديث لصحيفة «المدى» العراقية أجراه الكاتب سرمد الطائي في 25 أكتوبر 2013، حيث قال: «من الممكن جداً تصحيح العلاقة مع إيران، المشكلة أن العراقيين ينقسمون بين من يريد التماهي مع إيران بالكامل، ومن يريد القطيعة معها بالكامل، نحن نحتاج إلى سياسة مستقلة، وحين ننجح، فإن الأمر يجب أن يسعد إيران التي ينبغي أن تتذكر أن «الحكم الفاشل في العراق سيكون عبئاً عليها».
من الواضح أن مأزق عطار كرمان في التعامل مع العراق يتّسع، حيث باتت طهران بحاجة إلى خطوات شجاعة في مقاربتها للحالة العراقية الناشئة خصوصاً على المستوى الشيعي، مقاربة تختلف جذرياً عن التصرفات السابقة التي ترفض الاستماع إلى الأصوات المطالبة بإعادة تصحيح مسار العلاقات بين البلدين، ضمن ضوابط جديدة تتشكل بالتزامن مع استعادة العراق لمكانته ومكانه، بعيداً عن المحاور الإقليمية والصراعات الدولية، وتجنب لعبة لي الأذرع الإيرانية الأميركية على أراضيه.
في سنة 2011 تمت ترقية عطار كرمان نسبةً إلى مسقط رأسه في محافظة كرمان جنوب غربي إيران من رتبة عقيد إلى لواء، وأصبح حينها الجنرال قاسم سليماني القائد الفعلي لثلاث جبهات تقودها طهران في سوريا والعراق واليمن، فابن كرمان الشهيرة بصناعة النحاس والسجاد وزراعة الفستق الممتاز والكمون، أشبه بالعطار المتجول بين 4 عواصم عربية يُروج لخلطاته، إلى أن حط به الرحال مجدداً في أسواق بغداد التي على ما يبدو أن تُجارها رفضوا شراء خلطاته إما لكونها قديمة، وإما لأنهم استغنوا عنها، نتيجة بحث أغلبهم عن خلطة بمكونات محلية، من المؤكد لا توجد مواصفاتها في جرّة عطّار كرمان. وعليه، فإن قرار نخب بغداد وتجارها وبرجوازييها الاستغناء ولو جزئياً عن خلطة ابن كرمان أقرب إلى إعلان الاستغناء عن خدماته، وعودته سريعاً إلى بلاده بعدما فقدت رتبته هيبتها، فداخل أسوار بغداد ليس للجنرال أو للكولونيل من يكاتبه.
5 العراق… رفض النفوذ الأجنبي د. شملان يوسف العيسى الاتحاد الاماراتية

أعلن الزعيم العراقي مقتدى الصدر الذي نالت قائمته الأغلبية في البرلمان العراقي الجديد رفضه التدخل الأميركي أو الإيراني في الشأن العراقي، وهذا أمر طبيعي لأي قائد يحرص على استقلالية القرار الوطني برفض الوصاية والضغوط على بلده. فرفض الضغوط من دولة عظمى مثل أميركا أو دولة إقليمية كبيرة مثل إيران ليس بالأمر السهل.. خصوصاً وأن القيادات السياسية السابقة وتحديداً حزب “الدعوة” الحاكم أدخل العراق في متاهات سياسية هو في غنى عنها.
يبقى السؤال: هل يستطيع القائد الشاب الصدر إبعاد نفوذ الدولتين عن بلده خصوصاً وأن لديهما مصالح متشعبة وراسخة في العراق؟ وهل هنالك دعم وتأييد له من بقية القوى السياسية العراقية على الساحة خصوصاً وأن معظم القوى والأحزاب الشيعية ومنهم “الحشد الشعبي” يريدون إبعاد النفوذ الأميركي.. لكنهم يفضلون بقاء الهيمنة الإيرانية على العراق لاعتبارات تتعلق بالمذهب والمصالح الخاصة. واقعياً وعملياً ليس من السهل إبعاد النفوذ الأميركي في العراق، لأن الولايات المتحدة ساهمت في تحرير العراق من نظام الطاغية صدام كما لعبت دوراً. ولاتزال في إعادة تأهيل الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية ولدى الولايات المتحدة علاقات ممتازة مع الأكراد ويوجد في العراق عدة قواعد أميركية تقوم بتدريب الجيش وتساهم مساهمة فعالة في محاربة “داعش” والقوى الإرهابية في العراق.. لقد لعبت الولايات المتحدة دوراً رئيسياً في تحرير الموصل والمناطق الأخرى من نفوذ “داعش” الإرهابي وإبعادها من العراق.
ماذا عن النفوذ الإيراني في العراق هل يمكن تقليصه أو إبعاده؟ هذا النفوذ قديم جداً بسبب الروابط المذهبية بين قم والنجف (العامل المذهبي)، وقد استفادت إيران من قرار صدام حسين بإبعاد أكثر من مليون عراقي إلى إيران لاتهامهم بالولاء لطهران في فترة الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988).. إيران تمكنت من تجنيد وتدشين أحزاب ومليشيات طائفية جديدة. رغم وجود أحزاب موالية لإيران أنشئت منذ فترة السبعينات منهم حزب “الدعوة الإسلامي” الذي يهيمن على الحكومة العراقية منذ أول انتخابات جرت في عام 2004 وحتى الانتخابات الأخيرة التي قلصت من نفوذ هذا الحزب.
وهذه الأحزاب والمليشيات و”الحشد الشعبي” كلها موالية ومرتبطة بإيران لا يمكن تقليص نفوذها بسهولة.. إننا لا نبالغ بأن الساسة العراقيين خدموا إيران بأموال الشعب العراقي من خلال تهريب النفط والبضائع وغيرها لإيران بسبب الحصار الدولي على حساب شعبهم العراقي.. مشكلة الأحزاب الموالية لإيران أنها لا تملك أي رؤية جديدة في كيفية النهوض بالعراق وتطويره وتحديثه وتنميته وتحسين الخدمات فيه.. لذلك من الطبيعي خسارة هذه الأحزاب في الانتخابات وتقلص نفوذها. لكنها قوة لاتزال تتحكم في معظم مرافق الدولة العراقية.
محاولات “الصدر” ستلقى معارضة من داخل القوى السياسية المتواجدة في العراق.. لكن يمكن العمل على تقليص النفوذ الأميركي، وهذا أمر صعب لأن العراق يريد إعادة إعمار بلده. فهو في حاجة ماسة للأموال والاستثمارات الخارجية الأميركية.. كما أن العراق محتاج إلى حماية بلده في حالة الخلاف مع تركيا أو عودة الإرهابيين.. إيران لن تترك العراق لأنها لا تريد تقليص نفوذها في المنطقة خصوصاً وأن هنالك محاولات دولية لإبعادها من سوريا ولبنان، لذلك من الصعب التخلص من النفوذ الإيراني. الخيار الوحيد أمام الحكومة العراقية الجديدة هو التزام الحياد في العلاقات الدولية وتأكيد على سياسة متوازنة طيبة مع إيران وأميركا من أجل مصالح العراق.