8 مقالات عن العراق في الصحف العراقية يوم السبت في الصحف العربية

1 حكومة أبوية في العراق بعد خراب الموصل
حامد الكيلاني العرب بريطانيا

حكومة أبوية كالتي يدعو إليها زعيم التحالف الفائز تتطلب أولا إلغاء آثار الاحتلال ليكون بيت العراق آمنا لكل أبنائه، فما أكثر أبناء العراق خارج أبوة الوطن.
ما زالت بقايا البيوت المدمرة
عمليات استخراج الجثث من تحت أنقاض مدينة الموصل القديمة، بقرار استذكره رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد مدة طويلة من انتهاء العمليات العسكرية، استذكار يثير الأسئلة التي تتجمع كالذباب على العملية السياسية ومهازل الانتخابات ودور قادة الأحزاب والكتل خلال 15 سنة من الاحتلال تم فيها تحويل العراق إلى بركة آسنة تزكم الأنوف بنتانة أفعال وتعاسة أمراض السلطة وخبث عقلها.
مازالت العوائل الموصلية المنكوبة تتدبر حالها بصعوبة وكفاح مستميت لاستخراج الجثث من بين الركام الهائل في مدينة قرر العالم أن يحررها من إرهاب تنظيم الدولة في وقت محدد، لإنقاذ ماء وجه المجتمع الدولي.

كانت المحصلة شارة النصر إلى أحد زعماء حزب الدعوة وإعادة بعض كرامة الجندية المسفوحة للقوات النظامية في هزيمتها المدوية رغم امتلاكها أرقى الأسلحة وعدة فرق مدربة أمام أعداد قليلة العدد والتسليح في يونيو 2014؛ كما منحت الميليشيات الطائفية قدرة فتح الباب واسعا للمشروع الإيراني لدخول البرلمان المقبل.
من يشهد حجم التدمير والمأساة الإنسانية في الموصل يدرك مغزى استخدام كل صنوف الأسلحة بإطلاق نار غير مقيد، رغم معرفة القوات المهاجمة لطبيعة ميدان المعركة وازدحامه بالمدنيين، وإصرارها على عدم ابتكار وتخطيط وتطبيق الوسائل الخاصة التي كان من الممكن توفرها بدعم كبار القادة العسكريين في قوات التحالف، وهي جزء مهم وحيوي في غرفة عمليات الحركات والقطعات الساندة. أسباب التدمير الشامل للمدينة يفضحها الإهمال واللامبالاة بعد إنجاز المهمة.
ما يزيد الضغط على الجروح أن النصر كان له مقابل انتخابي والفتح الميليشياوي له مقابل انتخابي أيضا، والقوى الكبرى عززت في إعلامها الثناء على ما بذلته قواتها من دعم للقضاء على الإرهاب دون أن تقدم قتيلا واحدا في المعارك، مقابل آلاف القتلى في صفوف المقاتلين العراقيين والمدنيين في معركة تداخلت فيها النيات الدولية والإقليمية والمحلية لصناعة أبطال فوق أكوام من الجماجم استثمرت في مزاد الاستئثار بالسلطة لتشكيل تحالف الكتلة الأكبر للانطلاق بالبرلمان والحكومة نحو سنوات عجاف أخرى من حياة العراقيين.
النظام الإيراني عبر عن علاقته الطيبة برئيس تحالف “سائرون” وعدم ممانعته انتخاب أي رئيس وزراء للحكومة القادمة. لن تفسر هذه التصريحات إلا على ضوء أسلوب النظام وسلوكه طيلة 40 سنة من باطنيته في تصفية حساباته واستباقه لإعداد مسارح جرائمه وإفراغها من الأدلة بخلق مساحات من الفوضى والإرباك وتشظي الاتهامات
أشد الطائفيين طائفية من السياسيين المجربين على مدى سنوات الاحتلال وهم كثر، لا يقفون ولو لحظة ليتأملوا ما ارتكبوه من جرائم؛ إذ أنهم يصفون العمل السياسي في العراق بالمعيب وأن التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لا يقبله عقل سليم أو منطق أو ضمير، في ممارسة ميليشياوية لقمع أي استغراب أو علامة تعجب محتملة ضد تقلبات مشروعهم ومصالحهم.
زعماء الأحزاب لم ولن يتغيروا بالانتخابات، التغيير حصل في ركاب الدرجة الثانية والثالثة وإضافات في مفردات المشاريع إن كانت عربية أو وطنية، وهؤلاء الزعماء ليست لديهم الشجاعة ليكونوا قادة دولة بكل معنى الكلمة ولا القدرة على امتلاك أخلاق الفرسان ليعيدوا النظر بأشرطة ما أنزلوه من كارثة بالعراق، فالسلطة لهم حماية تبقيهم خارج المحاسبة بحكم الحصانة والتأثير والمنصب وحجم الأتباع، وهي تكليف بأداء المهمات المرسومة لهم. أكيد عند بعضهم لم تكتمل المهمة.
يشمل ذلك كل عملاء الاحتلالين الأميركي والإيراني من سياسيي الخارج والداخل المشاركين بالعملية اللعينة، فمنهم من كان مراقبا أو شاهد زور أو راقصا على الحبال، إن كان من الأحزاب الطائفية أو العلمانية، فالكل يدرك الآن أن التحشيد الطائفي والتهميش المتعمد أديا إلى حرب أهلية زُج فيها بالإرهاب كعنصر بديل للمواجهات المباشرة التي استنزفت الإخاء المجتمعي في حفلات الإعدام والقتل على الهوية والمناطقية والتهجير القسري، الذي كان من نتائجه أزياء طائفية موحدة يسهل معها عند الحاجة الاقتتال الجماعي.
الفرقاء على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم السياسية شاركوا، بقدر أو بآخر، بأهوال سنوات الاحتلال، وسياسة البكاء على الأطلال لن تبرئهم من جرائم تسويق الطائفية والفساد المالي وانهيار العملية الانتخابية بسقوط مفوضية الانتخابات في أداء مهمتها التي تعتبر سامية في الأعراف الديمقراطية.
النحيب على فقدان الأصوات الانتخابية عند بعضهم يختلط مع أصوات المكلومة قلوبهم على أحبتهم من ضحايا الموصل الذين تتوسط قبورهم باحات البيوت الزاخرة بالمعنى والتاريخ وسجايا الناس المثقلة بالألم والوجع والصبر على هذا الانسحاق تحت الركام أو تحت مخطط النكاية بهم.
كيف نعلل أسباب خروج السياسيين من المحاصصة الطائفية إلى المشروع الوطني إلا باكتمال المهمة بطرف منتصر، وطرف خاسر يقبع في المخيمات أو في أماكن إيواء تحت خيمة من رحمة سلطة أو مجموعة أو منظمة.
خطايا لا تغتفر للعملاء يصعب معها هضم المعادلة الوطنية التي يطرحها تحالف “سائرون” بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر ورهانه على الاحتجاجات في الفوز بعدد من المقاعد يتجاوز بنسبة قليلة مقاعد المشروع الإيراني الذي تمثله الميليشيات.
بالإمكان العودة إلى ما أعلنه زعيم كتلة “سائرون” الفائزة بالانتخابات أثناء التظاهرات لجماهيره وتحذيره لهم بما يشبه الوصية لتوقعه محاولة اغتيال تنال من دوره في تحشيد جزء مهم من العراقيين، في قراءة واقعية تقع على خط التحالفات لتشكيل الكتلة الأكبر والحكومة وربطها بما جاء في تغريدته “اليوم أكملت لكم الصورة وأتممت لكم اللمسات الأخيرة بعد أن أكملت المشورة ورضيت لكم الحكومة”، إلى آخر التغريدة بإيحاءات رغم أنها تحيلنا إلى بداية خطوة أولى نحو مشروع وطني جامع، إلا أنها في طياتها تحمل روح النهايات بما يدفعنا للتساؤل عن المخططات السرية لنظام دولة ولاية الفقيه الإيراني الذي بات في وضع الأزمة الأقرب إلى التشخيص والمعالجة أيضا بما ورد من إشارة خطيرة في حديث وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو عندما اتهم الحرس الثوري الإيراني بتنفيذ اغتيالات سرية على امتداد العالم.
النظام الإيراني عبر عن علاقته الطيبة برئيس تحالف “سائرون” وعدم ممانعته انتخاب أي رئيس وزراء للحكومة القادمة. لن تفسر هذه التصريحات إلا على ضوء أسلوب النظام وسلوكه طيلة 40 سنة من باطنيته في تصفية حساباته واستباقه لإعداد مسارح جرائمه وإفراغها من الأدلة بخلق مساحات من الفوضى والإرباك وتشظي الاتهامات.
إيران تعتبر العراق عمقا استراتيجيا بأرضه وشعبه وبسياسة ملمس الحرير التي تنسجم مع سياسة البكاء على الأطلال؛ لكن حكومة أبوية كالتي يدعو إليها زعيم التحالف الفائز تتطلب أولا إلغاء آثار الاحتلال ليكون بيت العراق آمنا لكل أبنائه، فما أكثر أبناء العراق خارج أبوة الوطن.

2 رئيس كردي ليس قدرا عراقيا
فاروق يوسف
العرب بريطانيا

يستحق الأكراد حقوق المواطنة وواجباتها. حالهم في ذلك من حال جميع العراقيين، غير أن تكون الرئاسة حصتهم الدائمة فذلك وضع غير سوي ينبغي التراجع عنه.
العراق المتنوع

منصب رئيس الجمهورية الذي صار شرفيا في العراق الجديد هو من حصة العراقيين كلهم. لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي، كردي وعربي.
“تلك قسمة ضيزى” في استعارة من القرآن الكريم. يمكنني القبول برئيس للعراق يكون من أصول كردية، بشرط أن يتسلم ذلك المنصب باعتباره عراقيا لا باعتباره كرديا.
أن يكون كردي رئيسا للعراق فهو أمر لا ضير ولا خطأ فيه. لكن أن يكون الرئيس كرديا دائما فتلك قسمة ضيزى، ينبغي الوقوف ضدها والتنديد بها والعمل على تصحيحها.
الأكراد مواطنون عراقيون وإن كان الاستفتاء الذي أجري عام 2017 في شمال العراق يقول غير ذلك. لقد أعلن الأكراد يومها عن رغبتهم في الانفصال عن العراق بالرغم من أن رئيس جمهورية العراق كان كرديا.
يومها لم يعلن ذلك الرئيس عن موقف مضاد لأحلام شعبه الصغير التي عبر عنها الاستفتاء، ولم يلتزم بشروط المنصب أمام شعبه الكبير.
في حدود العاطفة الإنسانية يمكن القول إن الرجل كان محقا، غير أن العرف السياسي لا يقول ذلك بالتأكيد بل يقف ضده. وهنا تقع الإشكالية التي يجب أن تُرى من مختلف أبعادها.
فرئيس لدولة مثل العراق تتميز بتعدد وتنوع طوائفها وأعراقها ينبغي في سياق النظرية الديمقراطية التي أوصلته إلى ذلك المنصب أن يكون رئيسا لكل العراقيين وأن يتخلى طالما كان في منصبه عن هويته الضيقة ويخلص إلى هويته الواسعة.
رئيسان كرديان لم يفعلا ذلك. قبل فؤاد معصوم وهو الرئيس الحالي والذي سيغادر منصبه بعد حوالي شهر إذا لم يكن قد غادره فعلا قاصدا وطنه البديل بريطانيا، كان هناك جلال الطالباني وهو زعيم حركة متمردة، عُرف بميوله اليسارية.
قبل سنوات ومن موقعه رئيسا للجمهورية أعلن جلال الطالباني أن كركوك هي قدس الأقداس بالنسبة للأكراد. وكان في ذلك التصريح منحازا لكرديته على حساب عراقيته. وهو خطأ كان من الممكن أن يحاسب عليه دستوريا إذ أنه يتناقض مع وظيفته.
لم يقم مجلس النواب بمساءلة الرئيس الظريف على تجاوزاته، فأعضاء ذلك المجلس هم الآخرون موزعون بين انتماءاتهم الطائفية والعرقية وليس هناك ما يشدهم إلى مرجعية عراقية ثابتة وواضحة المعالم.
من هذا المنطلق يمكن اعتبار العرف الذي يقضي بموجب نظام المحاصصة الرث في أن يكون منصب الرئاسة دائما من حصة الأكراد وهو ما صارت الأحزاب الكردية تصر عليه، هو بمثابة إهانة للوطنية العراقية. فقياسا إلى التجربتين السابقتين (الطالباني ومعصوم) فإن وجود كردي في منصب الرئاسة يحرم العراقيين من وجود رئيس جمهورية يثقون به لا على مستوى تمثيلهم في المحافل العربية والدولية فحسب، بل أيضا على مستوى موقفه من خلافاتهم الداخلية.
ولأكون أكثر صراحة، أقول إن الرغبة الأميركية والإيرانية كانت تقف وراء اختيار وجه كردي لتمثيل العراق عربيا ودوليا، وذلك من أجل طمس هوية العراق العربي. وهي الرغبة ذاتها التي أفضت إلى أن يكون هوشيار زيباري وزيرا للخارجية وهو الرجل الذي عُرف بميوله العرقية التي انعكست على تمثيل العراق دوليا حين امتلأت السفارات العراقية بموظفين أميين، لا يملكون من المؤهلات سوى أنهم أكراد. أعتقد أن تلك القسمة غير العادلة يجب أن لا تستمر في ظل الاعتدال الوطني الذي أعاد المزاج الوطني العراقي إلى الصدارة.
يستحق الأكراد حقوق المواطنة وواجباتها. حالهم في ذلك من حال جميع العراقيين، غير أن تكون الرئاسة حصتهم الدائمة فذلك وضع غير سوي ينبغي التراجع عنه. لوثة طارئة صنعها المحتل وينبغي البراء منها.
فمنصب رئيس الجمهورية الذي صار شرفيا في العراق الجديد هو من حصة العراقيين كلهم. لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي، كردي وعربي.
ما يهم في الأمر أن يكون ذلك الرئيس عراقيا. أن يكون أبا عادلا في نظرته إلى الجميع. من السذاجة اعتبار ذلك المنصب الشرفي أمرا لا يستحق النقاش. الأكراد يعرفون قيمة ذلك المنصب لذلك يصرون على الاحتفاظ به، فيما يتعامل معه العرب بخفة تكشف جهلهم بالسياسة الدولية.
فالأكراد يقدمون أنفسهم إلى العالم من خلال رئيس كردي فيما يحرم العرب أنفسهم من تلك الفرصة التي هي حقهم الطبيعي. تلك مهزلة يجب أن تنتهي.
3 صيف العراق السياسي القاسي يُعقّده بريت ماكغورك وقاسم سليماني يوسف ابراهيم
راي اليوم بريطانيا

بدأت الزيارات المكوكية بين التحالفات والأحزاب الحاصلة على مقاعد في البرلمان العراقي الجديد حتى قبل الاعلان الرسمي للنتائج النهائية ولكن زاد زخمها بعد أن الرابعة وأعلنت النتائج الانهائية من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بعد أسبوع من اجراء عملية التصويت العام.
ومع كل اللغط الذي رافق العملية الانتخابية بالمجمل من لحظة انتخاب مجلس مفوضين جديد مرورا بتعديل قانون الانتخابات الى تسجيل الكيانات والائتلافات الانتخابية والى لحظة التصويت وما بعده من اعلان المفوضية النتائج ورفض بعض الجهات وخاصة في كركوك والسليمانية النتائج واعتبار ان عملية الانتخابات شابها الكثير من الخروقات الانتخابية وتزوير الأصوات، إلا أن هناك قبول عام بالنتائج التي أعلنتها المفوضية وخاصة من القوى والائتلافات السياسية التي تحمل الثقل الأكبر على الساحة السياسية في بغداد، مركز صنع القرار العراقي.
كانت عملية نسج التحالفات الانتخابية التي سبقت الانتخابات، والتي قد لا تبقى على شكلها مع تشكيل الحكومة، مثال جدل كبير على الساحة العراقية والدولية لما حملت من مفاجآت ومتناقضات غير مسبوقة في بعض أوجهها في الشارع العربي العراقي خصوصا.
قد يمثل بشكل أساس هذه التحالفات المفاجئة هم تحالف سائرون والنصر والذي يتزعمهما مقتدى الصدر ورئيس الوزارء حيدر العبادي على التوالي. فسائرون جمع ما كان يعتبر عنصران متضادان تاريخيا وهم الصدريون والشيوعيون، والنصر بمشاركتها بقوائم من تيارات وأحزاب ذو خلفيات دينية وعرقية مختلفة والتي نزلت في كل محافظات العراق بمافيها محافظات اقليم كردستان وذلك بعد فترة ليست بالطويلة من التحرك العسكري لبغداد لاعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
اعتبر الكثير من المراقبين تلك التحالفات هي نقطة التحول في الانتخابات العراقية والمسار السياسي بالمجمل من تحالفات قائمة على الطائفة الى التحالفات الوطنية او العابرة للطوائف وتحولت هذه الحالة الى عامل ايجابي خلال الحملات الانتخابية التي –شبه- خلت من البعدي الطائفي والعقدي بالتحشيد للمشاركة في التصويت واختيار القوائم الممثلة. كما يستحق الإشارة إلى عامل آخر أنجح او لم يؤثر سلبا على تشكيل هكذا تحالفات وقبولها من الشارع العراقي وهو ارتياح شيعي من ناحية المسك في زمام الحكم وانكسار وابتعاد في المجتمع السني عن هكذا تحشيد الذي لم تكن له اي نتائج لصالحه.
إن تحالف الصدريون مع الشيوعيين كان أكبر وأكثر التحالفات خروجا عن المألوف على الساحة العراقية. لكن هذا التحالف لم يكن وليد الصدفة فبالعودة الى بداية العقد الحالي قد تتضح الصورة أكثر خلال لحظة التقاء الأولى بين التيارين فنرى أن مقتدى الصدر مرة بمرحلة تغير عميقة على المستوى الشخصي مع تقديم نفسه كشخصية عراقية وطنية تضع مصلحة العراق في المرتبة الأولى، والقوى المدنية الرافضة للتدخل الخارجي في الشأن العراقي والتي نزلت للشارع في مظاهرات –كانت قد قمعت- للمطالبة في الديمقراطية وضد الفساد والمحاصصة.
تجددت المظاهرات من قِبل –بشكل أساسي- القوى المدنية في العام 2015 والتي انضم لها ودعمها لاحقا مقتدى الصدر وهنا بدأت مرحلة التحالف بين “الحركتين السياسيتين الوحيدتين المتجذرتين بعمق في التربة الاجتماعية لنسبة كبيرة من عرب العراق” وفق ما كتبه الدكتور فارس كمال نظمي، دكتور علم الإجتماع العراقي.
توجت تلك العلاقة التي راها الكثير علاقة مصلحية مرحلية ومحاولة صعود جديد لمقتدى للواجهة السياسية من خلال المظاهرات الى تحالف سياسي-انتخابي مع قطاع كبير من القوى المدنية وعلى رأسهم الحزب الشيوعي فيما انكفا جزء من القوى المدنية ورفض هكذا تحالف. ولم يعد مهم في هذه المرحلة نقاش مدى صدقية هذا التحول بقدر مدى تأثيره على مزاج الشارع العراقي العربي وبعده اللافت عن استخدام العصبيات بل مهاجمتها خلال بناء التحالفات والحملات الانتخابية، وتأثيره المتوقع على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
في المقابل، لم يبنا تحالف النصر بزعامة السيد حيدر العبادي على ضوء شراكات وسياسات خلال فترة السنوات الأربع الماضية بقدر ما اعتمدت على الصورة الايجابية التي تركها العبادي في الشارع السني خصوصا في خطابه طوال فترة توليه رئاسة الوزراء وميله أكثر للخطاب العقلاني وتعامله خلال السنوات الماضية مع الملف الامني في المناطق الغربية وعدم الانجرار الى الحروب الاعلامية وأيضا توقع فرص فوزه العالية من كل الأطراف المعنية والتي كانت عامل إغراء للبعض للانضمام إليه.
كل ما سبق لا يلغي حقيقة أن التحالف يعبر عن مرحلة انتقالية مهمة من التحالفات القائمة على الطائفة بشكلها البنيوي إلى تحالفات (انتخابية) وطنية او بشكل أصح عابرة للطائفية حيث أن الشكل النهائي لتحالف النصر ضم فيه أحزاب وتيارات وشخصيات من مختلف الطوائف والقوميات مثل حزب الفضيلة (الشيعي) وبيارق الخير بزعامة وزير الدفاع السابق خالد العبيدي السني في محافظة نينوى (الموصل). كما مُثل تحالف النصر في كل محافظات العراق (وهو ما لم ينجزه تحالف سائرون) حتى في محافظات اقليم كردستان في سابقة نوعية، وكان حيدر العبادي قد أقام فعاليات انتخابية في محافظتي السليمانية وأربيل ولكنه لم يزر محافظة دهوك. ربما كانت رسالة إيجابية الى مسعود البرزاني حيث تعتبر داهوك هي المعقل الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني. وعلى قدر ما يعتبر هذا التحالف هو الأوسع والأكثر تمثيلا على قدر ما يعتبر الأكثر هشاشة لتنوع واختلاف المنضوين تحت عنوانه.
ولكن بالعودة لنتائج الانتخابات –لازالت الطعونات من قبل البعض تنظر في المفوضية والمحاكم- نرى أن تحالف سائرون لم يحقق اختراق حقيقي في المحافظات الغربية وقد يعود هذا لعدة اسباب ابرزها ان الزخم الجماهيري للصدريون هو في الوسط والجنوب وضعف الحركات المدنية في تلك المنطاق وخاص الشيوعية، كما ان تبعات 2006-2007 لازالت عالقة في ذهن بعض قاطني هذه المحافظات، ولكن ذلك لم يمنع سائرون من الحصول على اعلى عدد من المقاعد على مستوى العراق، وهو ما اعطى زخما حقيقيا لهم في بدء المفاوضات والحديث المبكر عن الحكومة القادمة. على الجانب الآخر فقد استطاع تحالف النصر الذي احتل ثالثا على المستوى الوطني من الحصول على أكثر المقاعد في محافظة نينوى (الموصل) وهي التي تعتبر المعقل الأكبر للطائفة السنية، ولم يحقق اي نتيجة كبيرة في محافظات الجنوب وهو ما قد يعكس حقيقة الوضع المختلف للناخب في هذه المحافظات وأولوياته حيث لم ينجح العبادي في تحسين الوضع الاقتصادي والخدماتي في تلك المناطق بالاضافة الى الولاءات العشائرية والدينية في تلك المحافظات وبذلك خالفت النتائج كل التوقعات بحصول النصر على المركز الثالث على مستوى العراق.
كما يجب الإشارة هنا الى أن تردد قادة النصر في عقد التحالفات والجدل الكبير الذي حدث على تمثيل حزب الدعوة في الانتخابات تحت قيادة المالكي او العبادي والتحالف قصير الأمد مع الفتح والحكيم أربك المشهد أكثر وأكثر للمراقبين والناخبين على حد سواء.
على الرغم من كل الجدل الدائر فالنتائج تظهر ميل كبير في الشارع العربي العراقي نحو الخروج من الحالة الراهنة من الاستقطاب المذهبي الغير مجدي وهو ما ينم عن وعي سياسي للشارع العراقي. حيدر العبادي الحاصل على أقل من 5000 صوت انتخابي في 2014 استطاع ونجح في نهاية المطاف على بناء تحالف كبير يضم احزاب وتيارات وشخصيات من كل العراق وحصل على أكثر من 40 مقعد في البرلمان من دون الاعتماد على ارث وجمهور حزبه الكامل وشبكة العلاقات المصلحية المبنية على الاستفادة من أدوات الحكم، وسائرون استطاع أن يحصد المركز الاول في الانتخابات وعلى أكثر من خمسين مقعد من كل التوقعات التي أعطته بالحد الأقصى 35 مقعد.
مع نهاية العملية الانتخابية وظهور النتائج التي لم تكن في حسبان اي مراقب تعود العراق للواقعية السياسية ففي العراق لا يقدم أي فريق التهاني للفائز ولا يعتبر أي طرف أنه خسر الانتخابات وعليه سوف يمثل المعارضة، فالعملية السياسية في العراق ورئاسة الوزراء، وخاصة بعد حادثة 2010 المعروفة، تعتمد بشكل كبير على التحالفات السياسية بعد الانتخابات أكثر من التحالفات الانتخابية ولذلك نرى أن جميع الأطراف السياسية الممثلة في البرلمان تقوم بالزيارات المكوكية لبعضها البعض في حالة دراسة تشكيل هكذا تحالفات سياسية والتي يجب ان تسجل في أول يوم للبرلمان الجديد كأكبر كتلة في البرلمان للفوز باستحقاق تشكيل الحكومة المقبلة. وبذلك يكون كل ما تقدم ليس الا –في واقع الحال- الخلفية لمشهد انطلق من لحظة اعلان النتائج للانتقال من عقد التحالفات الانتخابية الى التحالفات السياسية التي سوف تفضي الى تشكيل الحكومة المقبلة.
الانطباعات الأولية التي أخذت من الجولات المكوكية الاولى بين الأطراف السياسية وخاصة التي تحسب بشكل أساس على التيار الشيعي او بمسمى آخر تحت قيادة شيعية أن هناك تياران يميلان للتحالف في مرحلة التفاوض وهما يمثلان دولة القانون أو “معا للقانون” وتحالف الفتح والآخر هو سائرون والنصر وتيار الحكمة تحت قيادة عمار الحكيم مع ميل قد يكون منطقي لتحالف الوطنية الى التيار الثاني. وعلى الرغم من مشاركة الاحزاب الكردية والتحالفات السنية في عقد اللقاءات مع اطراف العملية السياسية المختلفة فالدور الأساس لهم سوف يبدأ في المرحلة التالية بعد الاستقرار على اسم رئيس الوزراء المقبل.
ولكن بوجود المبعوث الأميركي إلى العراق بريت ماكغورك وقاسم سيماني وكل التناقضات الموجودة على الساحة السياسية العراقية وتشابكها مع دول الإقليم هل يكون لأصحاب التوجهات الوطنية والراغبة في البعد عن المحاصصة الاثنية والطائفية في تشكيل الحكومة المقبلة اليد الطولى في تشكيل الحكومة العراقية؟ وهل يمكن فعلا الحديث فعلا ان حكومات وطنية وفي نفس الوقت هناك محادثات موازية او حتى متشابكة مع الحراك السياسي في اختيار رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية على الطراز القديم بمنح الحصص للسنة والكرد؟ أم أن السؤال الحقيقي والحقيقة الصعبة لم تطرح من قبل أحد على الأقل مباشرة على الجمهور العراقي هو أنه لا مفر من المحاصصة ولكن البحث جاري عن صيغة توافقية لا تهمش أي طرف وتعطي الاولية للعراق.
لا يمكن التكهن في نتائج المحادثات والمشاورات الراهنة بين جميع أطراف العملية السياسية في العراق، حيث أن حلول الدقيقة الأخيرة حدثت أكثر من مرة من قبل في اختيار رئيس وزراء جديد للعراق، وهو ما قد يحدث مرة أخرى في العام الحالي. ولكن ما يمكن تأكيده أن صيف العراق السياسي القادم سوف يكون قاسي وقد نرى الأطراف المفاوضة تستخدم كل أدوات التفاوض المتوفرة.
4 تفاؤل حذر في العراق
محمد عاكف جمال
البيان الاماراتية

بقدر ما اختزنت ذاكرة المواطن العراقي من تجاوزات على حقوقه وتجاهل لإرادته ومساس بكبريائه على مدى خمس عشرة سنة، كان الثاني عشر من مايو الجاري يوماً استثنائياً في أهميته.
حيث كان موعداً لتسوية الحسابات، فقد صُدمت الجهات السياسية الحاكمة بنتائج الانتخابات التي أطاحت من شارك بها ومن قاطعها على حد سواء بعدد غير قليل من النواب والأحزاب التي جثمت على صدره وأراح الناس من عشرات الوجوه التي احترم قلة منها بعض ما تبقى لديه من حياء فتوارى بخياره عن المشهد الانتخابي لمعرفته بحقيقة رصيده لدى الناخب الذي طفح به الكيل ولم يبق في قوس صبره منزع.
تصدر المشهد الانتخابي «ائتلاف سائرون» رغم قلة موارده وتواضع قدراته الترويجية وهو ائتلاف يضم التيار الصدري وعدداً محدوداً من الأحزاب والحركات اليسارية والعلمانية، التي تتبنى مطالب الشرائح الأكثر فقراً ومعاناة من الشعب، ائتلاف لم يتشكل من خلال لقاءات قادته خلف أبواب موصدة برعاية أجنبية بل تشكل على نار هادئة وعلى مدى أكثر من سنتين من التفاعل والتفاهم السياسي في ساحات التظاهر والاعتصام والتمرد.
حيث التقت القواعد الشعبية لمكونات هذا الائتلاف عفوياً في عرض همومها ومعاناتها فولدت ونضجت وتبلورت من خلال ذلك معالم برنامج عمل سياسي وطني مشترك لإنقاذ العراق من براثن الجهات السياسية، التي مسخت معنى الديمقراطية وحولتها لمظلة تحمي الفساد بأنواعه وأمعنت بنشر الجهل وأفقرت البلد وفرطت بأمنه وارتهنت سيادته.
فوز ائتلاف «سائرون» مؤشر قوي عن مدى الحاجة إلى المؤسسات التي يسكنها الهاجس الوطني في مقاربة القضايا الداخلية والدولية، إلا أن تنفيذ البرنامج الذي طرحه هذا الائتلاف من خلال حكومة قوية قادرة على التصدي للإرهاب وفرض سلطة القانون ومواجهة التحديات الأمنية والخدمية وتنشيط الاقتصاد المحلي للقضاء على البطالة والإيفاء بوعود التخلي عن المحاصصة واعتماد معايير الكفاءة في اختيار القيادات الإدارية، مرهون بطبيعة التحالفات التي سيتمكن هذا الائتلاف من إقامتها.
نتائج الانتخابات رغم سماتها الإيجابية لم تكن حاسمة، فهناك ثلاثة ائتلافات متقاربة في النتائج التي حصلت عليها ما خلق حراكاً محموماً تنافسياً يتمحور حول ائتلاف سائرون وحول ائتلاف دولة القانون لتكوين الكتلة النيابية الأكبر التي سيكون من حقها ترشيح رئيس الوزراء المنصب الأهم في الدولة.
هذا الحراك يجري بالتوازي مع حراك آخر مكشوف وخفي تقوم بها جهات أخرى لها صلة وثيقة بالشأن العراقي وعلى رأسها الولايات المتحدة وإيران.
هذه الأجواء تعيد للأذهان ما حدث عام 2010 حين فازت القائمة الوطنية التي ترأسها إياد علاوي بأغلبية الأصوات إلا أن التعقيد في الظروف السياسية وقتذاك ساعدت على إبعاد علاوي ومنح المالكي ولاية ثانية بدعم كبير من طهران وتخلٍ من قبل إدارة الرئيس أوباما، إلا أن الصورة مختلفة .
الآن إذ من المستبعد أن يتكرر استسلام الإدارة الأميركية الذي ألحق بالعراق أبلغ الضرر في حينه، فالنزعة الوطنية العراقية التي بدأت تفرض وجودها في المعادلة السياسية تقلق طهران كثيراً ولكنها لا تقلق واشنطن بالقدر نفسه، فالشعارات المعادية للولايات المتحدة أصبحت مقتصرة على الجهات التي تميل ناحية طهران.
مقتدى الصدر، الزعيم الأبرز في المشهد السياسي العراقي، بدأ مشواره السياسي معارضاً مشاكساً إلا أن دوره أصبح إيجابياً منذ تخلى عن العمل المسلح واعتمد الممارسات السلمية وسيلة للتعبير عن مواقفه بما فيها التظاهر والاعتصام والاقتحام السلمي الذي نفذه أكثر من مرة للمنطقة الخضراء.
فالنضوج السياسي الذي بدأ يطبع مواقف التيار الصدري والعلاقات المتوازنة، التي أقامها مع المحيط الإقليمي والرصيد الجماهيري الواسع جداً الذي يتمتع به تجعل الحساسية إزاء التعامل معه تتراجع بشكل كبير.
واشنطن من هذا المنظور لا ترى ضيراً في تصاعد الدور الذي يلعبه هذا التيار في الحياة السياسية العراقية لا سيما أن ذلك لا يتعارض مع استراتيجيتها بتطويق النفوذ الإيراني في المنطقة.
وإضعاف وتقزيم حلفائه في وقت تتصاعد فيه إقليمياً ودولياً حدة مواجهتها مع طهران منذ انسحابها من الاتفاقية النووية والإعلان عن نيتها إنشاء تحالف دولي مشابه للذي أنشأته في الحرب على الإرهاب للتصدي لطهران وفق استراتيجية أعلنها وزير خارجيتها في الحادي والعشرين من مايو الجاري، فقد وضعت واشنطن أمام طهران اثني عشر شرطاً للتوصل إلى اتفاق جديد خصت الوضع في العراق بالسابع منها، شرط يلزم طهران بـ«احترام الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية».
5 استغاثة مقتدى الصدر مشاري الذايدي الشرق الاوسط السعودية
هل تسمح إيران لمن أصبح اليوم اللاعب الأهم في الحياة السياسية العراقية بأن يختبر إمكانيات التقارب بين الكتل العراقية وتكوين لحظة توافق سياسي وطني بعيداً عن النفوذ الإيراني أو أي نفوذ خارجي آخر؟
مقتدى الصدر، الزعيم الديني الشعبي الشيعي العراقي، حالة خارجة عن الأنماط التي اعتادت إيران التعامل معها في المسرح العراقي، خاصة بعد تحقيق تحالفه «سائرون» المركز الأول في حصاد المقاعد النيابية.
سليل البيت الصدري الديني – السياسي في العراق، وهو ابن الفرع الأكثر شعبية في الأسرة الصدرية، السيد محمد صادق الصدر، ثم هو، أي مقتدى، وارث القاعدة الشعبية الجماهيرية التي كونها والده في الطبقات الشعبية غير الحزبية. يجسد ذاك في العاصمة بغداد أحياء ذات كثافة سكانية مثل مدينة الصدر أو حي الشعلة.
بمناسبة ذكر حي الشعلة فقد وقعت تفجيرات إرهابية فيه مؤخراً أظن أنها من قبل خصوم مقتدى. ويتوقع أن تسعى إيران من خلال أتباعها أمثال «الحشد الشعبي» بقيادة هادي العامري، أو نوري المالكي الذين سيسعون بكل حرص على تشتيت مقتدى الصدر وكتلته أو إرهابهم للقبول بالحل الإيراني، الذي خلاصته إبقاء العراق تحت النفوذ الإيراني.
مقتدى الصدر علق قبل أيام خلال لقائه مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش، قائلاً إن «رؤيتنا للمرحلة المقبلة أن يكون القرار وطنياً عراقياً، وهي نابعة من رغبة جماهيرية وضرورة المرحلة، لأن الشعب العراقي قد عانى الكثير من الفساد وسوء الخدمات». وأضاف: «نشدد على أهمية زيادة دعم المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومساندتهما لخروج العراق من نفق الطائفية والمحاصصة المقيتة، ومنع التدخل في ملف الانتخابات حكومياً وإقليمياً».
هل ينجح الزعيم الشعبي العراقي مقتدى الصدر في الخروج بالعراق من نفق الطائفية والفساد والمحاصصة؟
تلك هي المسألة.
6 الانتخابات العراقية وقاسم سليماني سعدي العنيزي اليوم السعودية

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003م، وإزالة النظام السابق، دخل إلى العراق من إيران المئات من ميليشيا الحرس الثوري الإيراني مدججين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة والذي يعرف بفيلق القدس بقيادة قاسم سليماني وقدر عدد أفراده في العام 2007م بـ18 ألف مقاتل، ومنذُ ذلك الوقت أخذ الدور الإيراني في السياسة العراقية وتشكيلة الحكم فيه يتنامى بشكل متصاعد، الحكم المبني أساساً على المحاصصة الطائفية البغيضة والتي أخذ يشكو منها المواطن العراقي، ولم يثق بها بعد ما جاءت بالفاسدين إلى سدة الحكم، لدرجة أنه لم يشارك الكثير من أفراد الشعب في الانتخابات الأخيرة، حيث ذكرت المفوضية العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة بلغت 44% وهناك من يعتقد أنها أقل من ذلك بكثير. هذه الانتخابات الأخيرة جاءت على غير هوى الرغبة الإيرانية، حيث حصد النسبة الأكبر منها تحالف (سائرون) بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر، والمعروف بعروبته وبعدم رضاه عن تدخل السياسة الإيرانية المتزايد في العراق ورغبته في عودة العراق إلى المحيط العربي وخاصة الدول العربية المجاورة، ناهيك عن رغبته في التقارب مع تركيا كذلك.
يقول د. نبيل الحيدري في كتابه (الإمبراطورية الفارسية) ان ويكيلكس نشرت العديد من الوثائق عن دور إيران في السياسة العراقية، ودور فيلق القدس بالذات بقيادة قاسم سليماني في تدمير العراق وسرقته، فضلاً عن القتل والإبادة للآلاف من الأبرياء، وكذلك دعم الميليشيات والأحزاب الدينية، وفرق الموت، وتصفية الوطنيين في عمليات منهجية واسعة في الساحة العراقية.
تذكر الوثائق مثلاً أن خمس طالبي الفيز الإيرانيين هم من الحرس الثوري وأجهزة المخابرات الإيرانية، ودفع إيران لأكثر من مائتي مليون دولار قبيل الانتخابات لدعم الأحزاب الشيعية التابعة لها، بل في تأسيس التحالف الوطني وصناعته بشرط وقوعه بأمر الخامنئي ومسؤولية مباشرة من قاسم سليماني، وذكرت بالاسم ارتباط المسؤولين العراقيين بسليماني.
ووفق الحيدري يمثل قاسم سليماني وجه ولاية الفقيه في الخارج وأن دوره لا يقتصر على فيلق القدس في العراق بل هو المسؤول الأعلى عن ما يعرف بالحشد الشعبي والذي حصد تحالفه (الفتح) بقيادة هادي العامري مؤخراً المركز الثاني ومسؤول عن خمسين ميليشيا طائفية في العراق، كذلك لا يقتصر دور سليماني على العراق فقط وإنما هو مسؤول عن جميع الميليشيات خارج إيران في سوريا واليمن (الحوثيين) وحتى حزب الله في لبنان. وإذا استعصى الأمر في إحدى المعارك على الميليشيات التابعة له لا بد من حضوره شخصياً لقيادة هذه المعركة أو تلك، وهذا ما حصل بعد سقوط الموصل عام 2014م في أيدي داعش، وصل إلى بغداد لتجميع الميليشيات وتنظيمها وكذلك سفره إلى الشمال العراقي لإعداد الأكراد عندما كانت أربيل مهددة من قبل الدولة الإسلامية في الشام والعراق، كذلك قيادته لمعركة تحرير البو كمال في الشرق السوري من تنظيم داعش، وأخيراً حضوره بعد ساعات من انتهاء الانتخابات العراقية الأخيرة وذلك لتنظيم صفوف الأحزاب الموالية لإيران.
7 قصف أميركي بطريقة “السجادة” وليد الزبيدي الوطن العمانية

تجاهلت الكثير من وسائل الإعلام بعد التاسع من نيسان ـ أبريل 2003 حجم الدمار الذي خلّفه القصف العنيف والهائل، وسايرت وسائل الإعلام التوجه الأميركي والتزمت بتوجيهات القوات المحتلة في العراق.
أما خطة القصف فقد انقسمت إلى مرحلتين، المرحلة الأولى، والتي استمرت خلال الأسبوع الأول، فركزت على قصف وتدمير مراكز القيادة والتوجيه، وتم ضرب المطارات والقواعد الجوية، والمواقع التي يعتقد باحتوائها على أسلحة وطائرات، وشمل ذلك جميع مدارج إقلاع وهبوط الطائرات في جميع المطارات العسكرية، وطال القصف مراكز الاتصالات وتم تدميرها بصورة كاملة وشاملة، وقد تم قصف المفاصل المهمة في قطاع المواصلات.
أما المرحلة الثانية، فكانت تسير باتجاهين متناسقين، أولهما استمرار القصف الانتقائي الذي أشرنا إليه، أما الاتجاه الثاني، فقد بدأ ينفذ القصف بطريقة (السجادة)، وهذه الخطة سبق أن أعلنت الإدارة الأميركية، بلسان كبار المسؤولين في البنتاجون، أنها ستتبعها في حربها ضد العراق، ولكن (القصف بطريقة السجادة) كان من حصة الحرس الجمهوري والحرس الخاص، وأينما وجد مقر لفدائيي صدام، والمقرات الرئيسية لقيادات حزب البعث.
وحسب ما قال أكثر من ضابط في قوات الحرس الجمهوري، والعديد من الجنود في قيادة قوات بغداد وقيادة قوات المدينة المنورة، وهما من أبرز قوات الحرس الجمهوري، فإن القصف الذي كان ينهال عليهم في كل دقيقة لا مثيل له. وأوضح آمر كتيبة مدفعية في قوات المدينة المنورة أن الأوامر قد صدرت في منتصف الأسبوع الثاني من الحرب، أي أواخر مارس، بالاستعداد لاستخدام المدافع الخاصة بقوات الحرس الجمهوري. ويقول: إن خمسين مدفعا كانت بإمرته، وكانت المهمة المكلفة بها وحدته (كتيبة المدفعية) هي تحديد أماكن انتشار القوات الأميركية في المناطق القريبة من بغداد، وتحديدا في المناطق الواقعة إلى جنوب العاصمة (المحمودية واليوسفية) واستخدام المدفعية في دكها وإلحاق أكبر الخسائر بها عند اقترابها المتوقع من بغداد. يوضح آلية القصف بقوله: إن المنطقة تمت دراستها بعناية فائقة قبل الحرب، ولمعرفتنا بضعف أو انعدام الاستطلاع البشري والجوي في حال وصول القوات الأميركية، فقد وضعنا جميع “الإحداثيات”، كما درسنا جميع الاختيارات، ومن أهمها الطرق التي ستسلكها دبابات ودروع القوات الأميركية، والأماكن التي ستتخذها للاختباء. ولم يغب عن بال القادة العسكريين احتمال التمويه في استخدام الطرق التي يسلكونها، والأماكن التي يتمركزون بها واستنادا إلى هذه الرؤية العسكرية، انصبت التوجيهات على تنفيذ الخطة الرئيسية في قصف العدو وتدميره، بعد أن يصل إلى تلك المواقع، والتي تعتبر الأسوار الرئيسية لبغداد، مع اتباع أسلوب القصف العشوائي لجميع الأماكن، لمعالجة الاحتمال الثاني الذي يرى أن الأميركيين درسوا المنطقة بدقة، ولا بد أنهم وضعوا خططا للتمويه، ودفع قطعاتهم بمسالك غير متوقعة، واختيار أماكن للتجمع بعيدة عن تصور قادة الجيش العراقي، يقول الضابط العراقي من الحرس الجمهوري: درسنا جميع الاحتمالات التي تمكننا من وضع القوات الأميركية تحت مطرقة المدافع العراقية، واشتملت الخطة التي وضعت أسلوب القصف عن بعد والمناورة بالمكان، أي استخدام الليل وبدء القصف تحت جنحه، وتوجيه أكبر عدد ممكن من القذائف، ثم تحريك المدافع إلى مناطق أخرى، لكي نتجنب قصفها من قبل الطائرات الأميركية، وكنا نعرف أن سيادة الجو كانت مطلقة للقوات الأميركية.
يضيف الضابط العراقي من قوات الحرس الجمهوري: إن الذي لم يكن بحساباتنا أننا أخرجنا خمسة مدافع لتجهيزها ضمن استعداداتنا لمجابهة القوات الأميركية لإلحاق أكبر الخسائر بها. ويؤكد أنه لا يبالغ بما يقول، فبعد ساعة من شروق الشمس في ذلك اليوم، فوجئ ضباط وجنود الكتيبة بسيل من الصواريخ الأميركية التي استهدفت المدافع التي أخرجناها من مخابئها لتجهيزها، ولم تكن ظاهرة ومكشوفة، لكنها خرجت للمرة الأولى من مخابئها، التي جهزناها لها قبل بدء الحرب.
يؤكد الضابط العراقي أن جميع المدافع التي أخرجناها تم تدميرها خلال أقل من عشرين دقيقة.
8 العراق عمق عربي محمد الشواهين
الغد الاردنية

تحت كل الظروف التي تبدو طافية على سطح المشهد العراقي، يبقى هذا البلد العزيز على قلوبنا، عمقا عربيا لا يُستهان به، بل ويُحسب له ألف حساب، ليس هذه الأيام التي اختلطت بها بعض الأوراق المهمة فحسب، بل منذ العام 1948، حينما قام الجيش العراقي بحماية شمال الضفة الغربية وصونها، من هجمات العصابات الصهيونية المدعومة بريطانيا، وغربيا على نطاق يفوق بكثير القدرات العربية مجتمعة؛ إذ كانت تطمع في اجتياحها وضمها للمناطق التي سيطرت عليها في ذلك العام، عام النكبة.
في الآونة الأخيرة، تعددت الزيارات المتبادلة بين مسؤولين أردنيين وعراقيين على مستويات رفيعة، كان آخرها اللقاء الذي تم بين وزيري خارجية البلدين الشقيقين.
منذ الخمسينيات وما قبلها من القرن الماضي، ظل البلدان يرتبطان بعلاقات وثيقة، وقامت وحدة هاشمية مرموقة، لو كُتب لها الاستمرار، لتغير وجه المنطقة وخريطتها، لكن ثورة العسكر بقيادة
عبد الكريم قاسم، وزميله عبد السلام عارف، في العام 1958 أطاحت بالحكم الملكي في العراق، وفصمت عُرى الوحدة.
قربنا الجغرافي من العراق، مع وجود حدود مشتركة، فتح باب المصالح المتبادلة، ما انعكس إيجابيا على الأوضاع السياسية والاقتصادية واللوجستية؛ حيث أصبح ميناء العقبة الوحيد الذي يستقبل البضائع والسلع المستوردة للعراق، والشاحنات الأردنية تقوم بإيصالها، على الرغم من خطورة الطريق! لأسباب لا يجهلها عاقل.
لو عدنا بالذاكرة قليلا، أثناء الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، التي استمرت سنوات عدة، حصدت مئات الألوف من الأرواح، والملايين من المصابين والجرحى والأسرى، لم يقف الأردن موقف المتفرج، بل ساند العراق بقوة، ووقف الى جانبه بكل إمكانياته.
أثناء الحصار على العراق الذي فرضته أميركا وحلفاؤها الغربيون، حوصر الأردن بشكل غير مباشر، ودفع الأردن ثمنا باهظا، لقاء مواقفه العروبية مع الشعب العراقي الشقيق، عرفانا من الأردن للعراق.
بعد سقوط النظام العراقي السابق برئاسة صدام حسين، تعرض العراق لكثير من المحن والمصاعب، من المحتل الأميركي، والتدخل الإيراني في شؤونه الداخلية، الأمر الذي لم يرق للأردن والعرب جميعا أن يصبح العراق نهبا للأطماع الأجنبية، وطالب في كل المحافل الدولية، بضرورة الحفاظ على سيادة العراق، وسلامة أراضيه وثرواته الطبيعية، وكذلك إتاحة الفرصة للشعب العراقي تقرير مصيره، بكل حرية واقتدار.
معضلة العراق اليوم، بروز الطائفية والمذهبية في أسوأ صورها، ولم يسبق الاطلاع على هكذا مظاهر في المجتمع العراقي.
النقطة المهمة التي ينبغي لنا التوقف عندها قبل الختام، هي أن نرى العراق قويا عزيزا، آمنا مستقرا، عروبي الوجه والموقف، وألا يُسمح لكائن ما كان، التدخل في شؤونه الداخلية، كما يهمنا تكاتف الشعب العراقي وانصهاره في بوتقة واحدة، من أجل صون مصالح العراق العليا، بعيدا عن التقوقع المذهبي أو الطائفي، هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، فهو تنشيط التبادل التجاري والخدماتي، وفتح الحدود على مصراعيها، بيننا وبينهم كسابق عهدها الذهبي، من خلال المنافذ البرية والجوية، بما يخدم عاليا مصالح الشعبين الشقيقين.