15 مقالة عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 المرأة العراقية : سرقة تحت لافتة الكوتا
د.باسل حسين
صحيفة العراق

عندما وضع المشرع العراقي نظام الكوتا في الدستور وفقا للمادة (49) والتي نصت “يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل لاتقل عن الربع من عدد اعضاء مجلس النواب” فقد انصرف ذهنه او هكذا يفترض ان ينمي المشاركة السياسية للمراة العراقية، لاسيما مع تردي واقع المرأة السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثفافي الذي ادى الى انعدام المساواة واقعا،وعدم تمكين المراة من التنافس الحقيقي مع الرجل في مجالات الحياة المختلفة، لعل من اهمها الجانب السياسي، الذي كان ولايزال رهينة لذكورية الرجل واعرافه وانطباعاته بحيث اضحى حال المراة اليوم من توابع الاستبداد السياسي للرجل. ومن هنا جاء نظام الكوتا ليحفظ جزءا من حقوق المراة على الرغم من انه في احدى جوانبه تمييز لكنه تمييز ايجابي .
كل هذه المقدمات تقودنا مناقشة ظاهرة غريبة حدثت في الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا ، تلك الظاهرة التي غطى عليها غبار الصراع السياسي بين القوى المتصارعة ،بحث لم يشر اليها اي احد لامن قريب او بعيد لا وهي ظاهرة سرقة مقاعد عدد من النساء تحتةلافتة الكوتا بما يخالف المقاصد التي جاء من اجلها نظام الكوتا ، وهذا ما يؤكد حقيقة مفادها ان قوانيينا السياسية التي تخص المراة قد ارتقت قبل ان نرتقي وسبقتنا الى ما لم نصل اليه بعد ولم يزل راسخا في اعتقاد الطبقة السياسية حب الاستئثار بالسلطة وعدم احترام حقوق المرأة.بل ان معظهم يعدون نظام الكوتا عبء او شر لابد منه وانهم يتقبلوه عنوة كي يبدو النظام السياسي امام العالم المتحضر وكانه يواكب العصرنة والحداثة واحترام حقوق الانسان. لكن في داخلهم انكار حقيقي لكل ما يتعلق بحقوق المراة السياسية. وجل القضية ان نظام الكوتا الذي اقره الدستور واقره القانون الانتخابي بتعديلاته قد وضف بالشكل السلبي وتم تكييفه على نحو مغاير تماما لم يجب ان يكون عليه وهي جريمة اشتركت فيها اطراف متعددة اولا القوى السياسية جمعاء والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والسلطة القضائية. والامم المتحدة لان النظام وضع اساسا كي لاتقل نسبة حضور المراة في البرلمان عن نسبة الربع (25% ) لكن ذلك لايعني بأي شكل من الاشكال ان لاتحصل المرأة على اكثر من الربع في حال تمكنها من الوصول الى البرلمان دون الاعتماد على الكوتا .لقد وزعت المفوضية الكوتا على المحافظات ليبلغ العدد 83 على المقاعد العامة , وهذا يعني أنه دستوريا ينبغي أن لا تحسب مقاعد النساء اللواتي نجحن بدون الحاجة إلى الكوتا بل يعاملن معاملة الرحال.
وبالتالي على المنظمات الحقوقية والنسوية ان يقدمن طعنا على نتائج الانتخاب لعدم دستوريتها ومخالفتها لقانون الانتخاب ، مما يتوجب عليه اضافة عدد يساوي من فزن دون كوتا إلى البرلمان
2 هل صوّت العراقيون ضد إيران وأمريكا؟
افتتاحية
القدس العربي
ليس من عادة الانتخابات العربية تقديم مفاجآت حقيقية لمواطنيها وللعالم، وهذا لأنه صار معروفاً أن الاقتراع والتصويت يجريان في مكان، فيما تقبع السلطات الحقيقية الحاكمة في مكان آخر، بحيث تشبه الانتخابات التي تجريها الأنظمة العربية القول المنسوب للخليفة العباسي هارون الرشيد وهو يخاطب سحابة مثقلة بالمطر: أمطري حيث شئت، فإن خراجك لي.
لا تختلف الانتخابات العراقية في هذا الأمر عن انتخابات غيرها من البلدان العربية فالسلطة الحقيقية استتبّت بعد اجتياح الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الرديف لها في أيدي القوى الشيعيّة التي صارت نهباً لتأثير إيران، وللقوى الكرديّة التي كانت تحت حماية الأمريكيين، أما وقد تقسّم العراق على أسس مذهبية وإثنية فما كان على التيارات المحسوبة على السنّة إلا الائتلاف مع «النظام» الجديد مقابل الحصول على بعض المناصب الوزارية والمقاعد البرلمانية، فيما كان مصير المناهضين للنظام القتل والسجون والملاحقة، مرة، في إطار قانون «اجتثاث البعث» (الذي تم تفعيله بقساوة قبيل الانتخابات الحالية رغم مرور 15 عاماً على سقوط نظام البعث وصدام حسين)، ومرّات تحت قانون «مكافحة الإرهاب».
على هذه العلل الحاكمة لأسسها ومآلاتها، فقد قدمت الانتخابات العراقية الأخيرة معطى جديدا يستحق التأمل، وهو حصول الزعيم الشيعي مقتدى الصدر على النسبة الأكبر من الأصوات مشكلا كتلة انتخابية من 49 مقعدا، وهو ما جعله الأحق بتشكيل حكومة عراقية جديدة، وقد اندفعت بعض التحليلات الصحافية لاعتبار ما حصل انتصارا سعودياً على إيران، فيما اعتبرت وكالة أنباء شهيرة أن الصدر هو «مرشح الأمريكيين».
ترتكز التحليلات الأولى على أن الصدر زار السعودية وفتح بعض الخطوط السياسية معها، لكن الصحيح أن سياسيين عراقيين آخرين زاروا الرياض أيضاً بينهم رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته حيدر العبادي، فيما تعتمد التحليلات الثانية على أن مناصري الصدر هتفوا، أكثر من مرة، لخروج إيران، ورجلها القويّ قاسم سليماني، والحقيقة أنه رغم قوة الصدر الشعبية التي تتماحك مع باقي القوى الشيعية، بما فيها المرجعية الشيعية نفسها، ورغم تعبير جمهوره عن تيّار متنافر، بحدود، مع النفوذ الطاغي لإيران على العراق، لكنّها، لا يمكن أن تتصادم مع إيران استراتيجياً.
يحتسب للصدر، رغم الكلام السابق، أنه كوفئ من قبل الجمهور العراقي على كونه الزعيم الشيعي الأوحد الذي يماحك النظام الذي قامت بتركيبه أمريكا وإيران على أشلاء نظام حزب البعث السابق، وأنه لا يكتفي بالمناورات السياسية والبرلمانية بل يخوض معارك سياسية وشعبية ترعب النظام وتهدد مؤسساته.
إضافة إلى وراثته إرث أسرة ناضلت ضد نظام صدام حسين، فإن قوات الصدر كانت الطرف الشيعي الأكبر (اذا لم يكن الوحيد) الذي خاض معارك ضد الأمريكيين. وإذا كان من الصعب أن ينسى أن قوات محسوبة عليه شاركت في السنوات التي تلت سقوط النظام في المعارك الطائفية الدموية ضد السنّة، فإن من الضروريّ أيضاً أن يذكر أنه ردد كثيرا سرديّة وطنيّة تتواشج مع باقي المكونات المذهبية والقومية في العراق، وأن مواقفه افترقت عن مواقف نوري المالكي بخصوص الاعتصامات السلمية في الأنبار والمحافظات السنية، التي تأثرت بالثورات العربية، وأنه اتخذ مواقف مختلفة فيما يخص نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ولعل الملخّص الذي يمكن الخروج به من هذه المعمعة فهو أن الطريق إلى التغيير في العراق ما زالت طويلة، وإذا كانت الانتخابات لا تقدّم وصفة ناجحة وسريعة للديمقراطية، وأنها قد تكون الوجه الآخر للحرب الأهلية التي لم تنطفئ جمراتها بعد، فإنها خيار سلميّ يساعد جمهور العراقيين على الإشارة بأصابع الاتهام إلى المسؤولين عن كارثتهم، وقد يمكنهم، في زمن لاحق، من تغيير قواعد اللعبة الدموية التي تحيط بالعراق.
3 يندم العراقيون متأخرين
فاروق يوسف العرب بريطانيا

العراق الأبي والحريص على سيادته ووحدة شعبه هو بمثابة العدو الذي يجب اقتلاعه بالنسبة لحزب الدعوة الذي يخطط لمستقبل رث للشعب العراقي في ظل ولاية مطلقة للولي الفقيه الإيراني.
إياد فتيح الراوي ترك للعراقيين ما يفخرون به
كان إياد فتيح الراوي جنديا عراقيا برتبة فريق أول ركن. كان مقاتلا مخلصا لشرفه العسكري إذا ما تعلق الأمر بسلامة وأمن وسيادة وطنه، وهي المهمة التي نذر نفسه كأي جندي من أجلها.
سيرته العسكرية حافلة بالإنجازات التي تؤهله لكي يكون رجل تاريخ. وهو ما يُفترض أن يفخر به العراقيون كما تفعل الأمم حين تلتفت إلى ماضيها لتكرم أولئك الرجال الصامتين الذين لم يكونوا مادة للدعاية والإعلام، بالرغم من أن حجم ما قدموه من تضحيات تصغر أمامه كل شهرة.
الراوي الذي ينبغي أن يرفع العراقيون رؤوسهم فخرا به مات قبل أيام وحيدا في سجنه، بعد أن تم اعتقاله حين قامت قوات الغزو الأميركي باختطاف قيادة العراق الشرعية بعد أن وزعت صورهم على بطاقات اللعب الـ“55” الشهيرة. وهي عملية غض الكثير من العراقيين للأسف نظرهم عما تنطوي عليه من إذلال ومهانة واستخفاف بكرامة الشعب وتاريخ البلد.
ما لم يكن يحق لقوات الاحتلال بحكم القانون الدولي أن تقوم به، وافق عليه ورحب به عراقيون ما كان في إمكانهم أن يصلوا إلى السلطة لولا الغزو الذي قامت به الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق، لا ليؤكدوا انتهازيتهم وتمكن روح النفاق منهم فحسب، بل وأيضا ليجذروا مبدأ الانتقام الذي يفتح أبواب إيران لهم.
لقد حوكم إياد فتيح الراوي على جريمة هي بمثابة وسام على صدر كل عراقي. فالرجل قاتل بتفان في حرب الثماني سنوات ضد إيران دفاعا عن العراق الذي هو واحد من جنوده.
وكما يبدو فإن الولايات المتحدة قد نسقت مع النظام الإيراني لتضم لائحتها مطلوبين من قبل ذلك النظام لدورهم البارز في حماية العراق أثناء تلك الحرب، وكان الراوي وسلطان هاشم، وزير الدفاع في مقدمة أولئك المطلوبين الذين قدمتهم الولايات المتحدة لإيران عربون صداقة.
كان اعتقال قيادة العراق جريمة حرب لم يكن هناك مسوّغ لاشتراك العراقيين فيها. أما أن تتماهى الحكومة العراقية مع تلك الجريمة حتى بعد أن “انتهى” الاحتلال صوريا عام 2011 حين سحبت الولايات المتحدة قـواتها من العراق، فإن ذلـك معناه أن تلك الحكومة لا يمكن الثقة بها، فهي لا تنظر إلى العـراق إلا من خلال الثقب الإيراني.
الراوي وسلطان كانا رمـزي بطولة للعراق الذي تصدى لمشروع الخميني التوسعي. كانا بطلين في بلد لم يضعف أحد من أفراد قيادته في مواجهة أسوا محاكمة في التاريخ.
مات إياد فتيح الراوي بطلا في سجنه. ذلك لأن بطـولته سبقته إلى الخلود ولم تعد ملكـه. لـم تعـد واحدة من مقتنيـاته الشخصية التي يحرص عليها وهو العسكري الفـذ الذي نذر نفسه من أجل الدفاع عن وطنه.
كان أمرا مهينا بالنسبة للحكومة العراقية أن يستمر اعتقال الراوي وهاشم وسواهما من العسكريين والسياسيين ممن لم تنجح إيران في اغتيالهم من خلال ذراعها فيلق بدر المسؤول عن قتل الكثير من الكفاءات العراقية، أطباء ومهندسين ومؤرخين وعلماء آثار ومفكرين وطيارين وعلماء.
كان إياد فتيح الراوي قائدا عسكريا في لحظة عصيبة من تاريخ العراق. وإذا ما كان الرجل قد أدى واجبه بإخلاص وتفان، فإن ذلك يضيف إلى سجل الشرف العراقي صفحة ناصعة أخرى. وهو ما لا يمكن أن يفهمه أتباع الولي الفقيه الإيراني الذين يحكمون العراق منذ اثنتي عشرة سنة.
العراق الأبي والحريص على سيادته ووحدة شعبه الذي كان سر بطولة إياد فتيح الراوي وسواه من القادة العسكريين هو بمثابة العدو الذي يجب اقتلاعه بالنسبة لحزب الدعوة الذي يخطط لمستقبل رث للشعب العراقي في ظل ولاية مطلقة للولي الفقيه الإيراني.
أدى إياد فتيح الراوي واجبه جنديا دافع عن وطنه بشرف وترك للعراقيين ما يفخرون به. أما ما سيندمون عليه فقد صنعوه بأيديهم.
4 حكومة الـ20 بالمئة د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

رغم التخوف من ردة فعل يبديها المقاطعون عقب تشكيل الحكومة، التي سميت حكومة الـ20 بالمئة، فإن المقاطعة العراقية للانتخابات فضحت الصورة التي أراد المتصارعون على الحكم منذ 2003 خداع العالم بها
كانت المقاطعة الشعبية للانتخابات العراقية، التي جرت يوم 12 من الشهر الحالي، واضحة وواسعة، ويسميها العراقيون المقاطعون لها “انتخابات الـ20 بالمئة”، وهم ينتظرون كيف ستشكل حكومة الـ20 بالمئة.
قالت مفوضية الانتخابات إن عدد النواب المطلوب انتخابهم هو 329 وإن كل نائب يمثل 100 ألف مواطن، وإذا ما استثنينا على سبيل الإحصاء الدقيق، المقاعد النيابية التسعة المخصصة للأقليات الشبكية والصابئية والأيزيدية والفيلية، فإن عدد العراقيين المطلوب تمثيلهم في مجلس النواب الجديد هو 23 مليونا و900 ألف مواطن.
وقالت مفوضية الانتخابات، أيضا، إن عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت هو 24 مليونا و33 ألفا و494 مواطنا. وأوضحت المفوضية أن عدد المواطنين، الذين حدّثوا بياناتهم لغرض المشاركة في الانتخابات، هو 11 مليونا و529 ألفا و966 مواطنا.
رئيس تحرير الصحيفة العربية البغدادية الصحافي عبدالرضا الحميد أجرى عملية حسابية بسيطة، استندت إلى تصريح المفوضية، تبين منها أن عدد المواطنين الممتنعين عن تحديث بياناتهم والمعربين مبكرا عن مقاطعتهم للانتخاب هو 12 مليونا و503 آلاف 528 مواطنا، أي أن المقاطعين أصلا أكثر من محدثي بياناتهم بـ973 ألفا و562 مواطنا، وهو عدد يحصل على عشرة مقاعد برلمانية، ويعني هذا أيضا أن أكثر من نصف المواطنين الذين يحق لهم الانتخاب قد قاطعوا الانتخابات بقضها وقضيضها.
وطبقا لمفوضية الانتخابات فإن نسبة الذين صوتوا إلى نسبة الذين حدثوا بياناتهم هي 44.54 بالمئة وبرغم عدم دقة هذه النسبة المبالغ بها، يقول الحميد، فسنتعامل معها وسنجد بعد معالجة حسابية بسيطة، أن هذه النسبة تمثل 5 ملايين و188 ألفا و484 مواطنا، مما يعني أن 6 ملايين و341 ألفا و482 مواطنا حدّثوا بياناتهم بغية المشاركة في الانتخابات ثم قاطعوها.
ويجد الحميد، بإجراء عملية حسابية جد بسيطة لجمع عدد الذين رفضوا تجديد بياناتهم وقاطعوا الانتخابات، أصلا، مع عدد الذين قاطعوا الانتخابات بعد تحديث بياناتهم، أن العدد الكلي للمقاطعين هو 18 مليونا و845 ألفا و10 مقاطعين فقط لا غير، مما يعني أن قرابة 19 مليون عراقي قاطع الانتخابات وشارك فيها 5 ملايين فقط، وطبعا لم نلتفت هنا إلى قضايا التزوير والتجاوزات والإغراء بالمال السياسي وشراء الأصوات، التي أوصلت عدد المشاركين إلى خمسة ملايين، ومع ذلك استقر المقاطعون على وصف هذه الانتخابات بانتخابات الـ20 بالمئة، والحكومة التي ستسفر عنها بحكومة الـ20 بالمئة.
وصف بعض المقاطعين الانتخابات بأنها غير شرعية لأنها لم تعبّر عن إرادة العراقيين، بما أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية، بينما رأى بعضهم الآخر أن نتائج هذه الانتخابات لن تتغير، حتى لو قاطعها الجميع وشارك فيها المرشحون أنفسهم فقط، وإنما تتغير بثورة شعبية واسعة وشاملة، ولا طريق لإنقاذ العراق وإعادة بنائه على أسس وطنية وحضارية إلاّ بتبني مشروع حل وطني شامل يخلص العراق من مشروع الاحتلال، الذي تقوده وتديره إيران وميليشياتها الإرهابية.
ومع ذلك كله، وبرغم التخوف الذي يبديه بعضهم من ردة فعل قوية يبديها المقاطعون عقب تشكيل الحكومة، التي سموها حكومة الـ20 بالمئة، فإن ما لا تخطئه العين أن هذه المقاطعة العراقية الواسعة للانتخابات فضحت الصورة التي أراد المتصارعون على الحكم في العراق منذ 2003 إلى الآن، ترسيخها وخداع العالم بها، والقائلة إن الصراع في العراق هو صراع فئوي ضيق بين أديان وطوائف وقوميات وأقليات ومناطق أو غيرها، وأثبتت أن الصراع كان بين إرادة عراقية وطنية ثابتة لم تنكسر ولم تنحن، وبين إرادة قوى دولية وإقليمية ومحلية معتدية ومحتلة تلاقت مصالحها في إيصال العراق إلى ما وصل إليه من صورة مزرية، وأنه صراع من أجل الوجود بين شعب العراق بقومياته وأديانه وطوائفه، وبين قوى أرادت بالعراق والأمة شرا، وطوابير عملائها ومرتزقتها ممن ينفذون أجندتها، وأن لا حلّ، كما رأت جهات سياسية عراقية شاركت في المقاطعة، إلا “بتشكيل حكومة إنقاذ وطني من الكفاءات العراقية المستقلة لفترة زمنية محددة تتولى مهمات ضبط الأمن وتقديم الخدمات وإعادة كتابة الدستور، وتجميد وإلغاء قوانين الإقصاء والاجتثاث والمحاصصة، وتنظيم انتخابات حرة نزيهة بإشراف دولي واسع، لانتخاب قيادة عراقية وطنية، ولإقامة النظام الديمقراطي التعددي الحقيقي”.
إن عراق ما قبل المقاطعة هو ليس عراق ما بعد المقاطعة، فهل سيمر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة من دون زوابع ورعود، مع هذه الصورة، التي عرضناها للوضع؟
إن أدق وصف للعراق وهو ينتظر تشكيل الحكومة الجديدة أطلقه الشاعر العراقي سامي مهدي عندما قال “بريت ماكغورك مبعوث الرئيس الأميركي يتنقل بين بغداد وأربيل، وقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني يجتمع ببعض زعماء الكتل في المنطقة الخضراء للتشاور معهم، وكلاهما معني بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة وألوانها، والبلاد مازالت كاروكا مخلعا تهزه أميركا من جانب وإيران من الجانب الآخر”.

5 يونادم كنّا ومكيخا الثاني والصعود في زمن السقوط د. رياض السندي
راي اليوم بريطانيا

قفزت الحركة الديمقراطية الأشورية إلى واجهة الأحداث في العراق عام 1991، بعد أن أقامت قوات التحالف الدولي التي أخرجت العراق من الكويت في ربيع ذلك العام، المنطقة الآمنة شمال العراق، والتي سمِّيت بالملاذ الآمن، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 688 يوم الخامس من أبريل/نيسان 1991 م، مع أنه لا ينص على فرض الحظر الجوي، امتدت منطقة الحظر شمالاً من خط العرض 36 وجنوباً حتى خط العرض 32, وفي أواخر عام 1996 م وتم توسيع منطقة الحظر الشمالية إلى خط 33 والذي كان أقرب إلى حدود العاصمة بغداد، على الرغم من أن هذا الحظر لم يطبق بشكل كامل لحماية الشيعة جنوب العراق، لذا إنحصر تطبيقه ضمن المنطقة الكردية.
ولم يكن للمسيحيين أية تنظيمات سياسية حزبية بسبب البيئة المضطهدة والمستندة إلى إستخدام القوة في التعامل مع المعارضين داخليا. وكان التشكيل السياسي الوحيد مع جماعات المعارضة (إن صَحَّ التعبير، لإفتقارها لرؤية وطنية موحدة) هو الحركة الديمقراطية الأشورية، وهو فصيل صغير ظهر بعد قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية عام 1972 الذي خلق مناخاً من الحرية الفكرية قاد إلى تقارب عدد من المثقفين المسيحيين على مختلف مذاهبهم وطوائفهم التي أعترف بها القانون وفقاً لنظام ملحق نظام رعاية الطوائف الدينية المعترف بها رسميا في العراق رقم 32 لسنة 1981، وهي (14) طائفة مسيحية.
وكان للتدخلات الدولية دورا كبيرا في نشوء هذه الحركة التي قامت في أعقاب الحرب العراقية-الإيرانية صيف عام 1981. ولم يكن النظام الإيراني يشجع كثيرا على نشاط هذه الجماعات على إقليمه خشية أن تتسرب الأفكار القومية إلى شعبه فتقود إلى إنقسام المجتمع وتمزق الدولة أولا، وتلافي إتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى عضو في الأمم المتحدة ثانيا. ومن أجل دعم هذه الحركة وغيرها من الأحزاب الكردية والشيوعية المعارضة لنظام صدام حسين، فقد أقيم لهم معسكر صغير في منطقة المثلث الحدودي الفاصل بين العراق وإيران وتركيا. ومن البديهي أن تركيا لم تكن تشجع بأي شكل من الأشكال أي تنظيم سياسي مسيحي، وخاصة إذا كان من الأشوريين الذين ثاروا على الدولة العثمانية وإنضموا إلى القوات الروسية ثم البريطانية إبَّان الحرب العالمية الأولى.
وإستطاعت هذه الحركة أن تجري إتصالات مع أطراف دولية في بريطانيا وأمريكا التي إحتضنتها إسوة بالمجموعات الأخرى المعارضة لصدام حسين للإستفادة منها لاحقا. وبمجرد إقامة الملاذ الأمن أو منطقة حظر الطيران شمال العراق، إنحدر مقاتلو هذه الحركة وهم قلة قليلة إلى مناطق تواجد المسيحيين في محافظتي دهوك وأربيل، وأقاموا مقرات لأحزبهم وأنشأوا إذاعة محلية أول الأمر ثم تطور الأمر إلى قناة فضائية، كما أصدروا صحيفتهم ومجلتهم بشكل شبه منتظم. وعند قيام أول حكومة كردية تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني، منح يونادم كنّا سكرتير عام الحركة الذي عاد إلى شمال العراق بعد فقدان الحكومة العراقية السيطرة عليه إثر حرب الخليج وشارك ضمن العمل السياسي في إقليم كردستان العراق منصبا حكوميا حيث أصبح عضوا في البرلمان الكردي ووزيراً للإسكان في أول حكومة محلية في الإقليم عام 1992. ومنذ ذلك اليوم، أخذ كنَّا يتنقل بين المناصب من وزير إلى عضو مجلس الحكم، فعضو في البرلمان العراقي، طيلة 28 سنة، وحتى يومنا هذا، ففاق بذلك فترة حكم صدام الذي يدعي مقارعته لدكتاتوريته التي إستمرت 23 عاما، وهي أقل من فترة كنَّا بخمس سنوات. وقد أثيرت الكثير من الشبهات حول دور كنَّا وعلاقته بالنظام السابق وبالدول الكبرى ومصادر تمويله، وجنسيته الأجنبية.
وبعد سقوط النظام السابق في العراق عام 2003 من قبل القوات الأمريكية بشكل قاد إلى أسقاط الدولة ومؤسساتها وحل جيشها، بموجب قرارات الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، وفي سعيه لتشكيل مجلس حكم يتولى مقاليد البلاد، برز كنَّا ومن خلفه الحركة الأشورية بإعتبارها الفصيل الوحيد الممثل للمسيحيين والمدعوم أمريكيا وبريطانيا وحتى إيرانيا، ناهيك عن العلاقة مع الأكراد بحكم تواجد أغلبية مسيحية متمركزة في المنطقة الكردية شمال العراق، فأعتبر ضمن الأحزاب الرئيسية المناهضة لصدام حسين والمشاركة في السلطة الجديدة، فمنح منصب عضو مجلس حكم في المجلس الإنتقالي أواخر عام 2003، على الرغم من إعتراض البطريرك الكلداني عمانوئيل دلّي على ذلك بإعتبار أن الطائفة الكلدانية هي أكبر الطوائف المسيحية في العراق. وعند التوقيع على الدستور الجديد عام 2005، ظهر كنَّا فرحا جذلا أكثر من الأخرين وبدلا من أن يوقع على وثيقة الدستور فقط كما فعل زملائه، فإن فرحته قادته إلى رفع وثيقة الدستور فوق رأسه أما كاميرات الصحفيين والإعلاميين وعبى شاشات التلفاز.
إستمر يونادم كنَّا وحركته الأشورية تلعب دور الوصي على مقدرات المسيحيين، مما أدى إلى نفور العديد من الطوائف الأخرى منه، كما أن مناخ الحرية التي أقامه الأمريكان في العراق بعد سقوط النظام السابق، أدى إلى ظهور تنظيمات سياسية جديدة منها كلدانية بدفع وتحريض وتمويل من الأحزاب الكردية، وأخرى أشورية دخلت الساحة بحثا عن فرصة للإثراء والغنيمة، بالإضافة إلى أحزاب سريانية نظمت نفسها سريعا، وأخيراً، ظهر تنظيم سياسي بجناح عسكري تحت راية وتوجيهات شيعة العراق والحشد الشعبي المدعومة من إيران.
وهذا نشأ 14 حزبا مسيحيا، لا بل الأكثر من ذلك، فقد إندفعت التنظيمات السياسية المسيحية إلى إنشاء ميليشيات مسيحية على غرار الشيعة والسنة والأكراد، بعد سقوط مدينة الموصل بيد داعش عام 2014، وفي مقدمة هذه الأحزاب الحركة الأشورية، فنشأت 7 فصائل مسلحة مسيحية تتصارع فيما بينها أكثر مما تتصارع مع من يهدد وجودها، الذي قَلّ كثيراً من 1،4 مليون عام 2002 على 400 ألف مسيحي فقط عام 2017.
والأسوأ من كل ذلك، هو دخول رجال الدين المسيحيين حلبة التنافس والصراع السياسي متجاهلين تعاليم الكنيسة في الإبتعاد عن السياسة وفصل الدين عنها، وبدا البطريرك الكلداني سياسيا أكثر من أي حزب أو فصيل سياسي مسيحي، لا بل ذهب أبعد من ذلك إلى ضرورة خلق مرجعية دينية تتحكم بالسياسة وتوجه أتباعها، على غرار المرجعية الشيعية. كما جاء في تصريح صادر عن البطريرك بتاريخ 16/1/2018.
وكان يونادم كنَّا وحركته الأشورية الأكثر استعدادا للدخول إلى حلبة الصراع السياسي والإستحواذ على منصب تمثيل المسيحيين في العراق. ولم يكن كنَّا يتفوق على الأخرين بكفاءته وحرفيته، كما يصوِّره أتباعه على المواقع الألكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بل إن كل ما يميزه عنهم هو علاقاته الدولية ودهائه السياسي، حتى صوَّره البعض بأنه مخادع كبير في محيط صغير.
وفي ظل الوضع العام في العراق بعد عام 2003، وهو وضع شاذ قائم على التخلف والجهل بغية تمرير مخطط إعادة العراق إلى القرون الوسطى كما عنه جيمس بيكر في محادثاته مع طارق عزيز مطلع عام 2003. ولم يكن المتصدِّين للعمل السياسي من الكفاءات العلمية والمهنية وحتى السياسية، بل كانوا حفنة من الإنتهازيين والمخادعين والباحثين عن السلطة وإمتيازاتها بأي ثمن كان، حتى وأن كان على حساب مصالح البلد والشعب. وجاءت ترشيحات الحركة الأشورية للمناصب الحكومية منسجمة مع ذلك التوجه العام. فقد رشَّح يونادم كنَّا إبن أخته سركون لازار صليوا لمنصب وزير البيئة عام 2010، ولكنه لم يستمر طويلا، بعد أن أصدرت محكمة جنايات النزاهة في العراق عليه حكمًا أوليًا بالحبس الشديد لمدة عامين وغرامة 338 مليون دينار عراقي (نحو 300 ألف دولار) بحقه، لـ “ضلوعه بقضايا فساد” عام2015. كما إن مرشحه لثلاث دورات متتالية منذ 2006 هو عماد يوخنا ياقو الذي فاز بدورتين برلمانيتين لثماني سنوات، ومازال، في حين أعلن البرلمان في كانون الثاني الماضي إستبعاده من الترشح مجدداً نظراً لحصوله على شهادة الإعدادية فقط. ومع ذلك، فقد أصرَّ كنَّا على ترشيحه مرة ثالثة ضمن نسبة سعت اليها أحزاب السلطة في البرلمان بالسماح لحملة الأعدادية بنسبة 20% من المرشحين. وحتى على صعيد المناصب الأخرى، فقد رشَّح كنَّا عدد من الأشخاص غير المؤهلين لمنصب سفير، منهم ألبرت يلدا سفير العراق في الفاتيكان، الذي اعتبر أضعف سفير في الخارجية، وكذلك رشَّح مؤخرا، وليم شعيا لمنصب سفير، وهو طبيب بيطري مقيم في السويد، ويتناقض إختصاصه مع السلك الدبلوماسي.
ومن جانب أخر، وقفت الحركة وكوادرها ضد أي مرشح كفوء، كما حاربوا إحدى المرشحات الأشوريات من حملة الدكتوراه في القانون، ولم يتركوا أي وسيلة لمحاربتها.
وإزاء مقاطعة نسبة كبيرة من الشعب العراقي للإنتخابات الأخيرة بنسبة كبيرة وصلت إلى 80% من مجموع التاخبين، وسعي الولايات المتحدة إلى إزاحة الكتل السياسية التي شاركت في مجلس الحكم ورؤسائها، لإنتهاء الغرض منهم، ولتمسكهم بالسلطة بشكل مقيت، فقد جرى تفتيت تلك الكتل بقص إضعافها، وهكذا جرى تقسيم المجلس الأعلى وغيره، كما أزيح من المشهد السياسي أحمد الجلبي وجلال الطالباني ومسعود البارزاني، ونوري المالكي إلى حد كبير، وعدد من قيادات حزب الدعوة. أما الحركة الأشورية فقد بدت أخر المتماسكين من تلك الكتل، وجاء فصيل حركة بابليون المدعوم شيعيا، إلى جانب إئتلاف الكلدان المدعوم من البطريرك الكلداني والرابطة الكلدانية، ليسحبوا البساط من تحت أقدام كنَّا وحركته، فكانت النتائج الانتخابية للكوتا المسيحية مثيرة للجدل، وكالآتي:

حركة بابليون، فازت بمقعد واحد لمرشحها في نينوى أسوان سالم الكلداني.
حركة بابليون، فازت بمقعد واحد لمرشحها في بغداد برهان الدين إلياس.
تحالف الكلدان، فاز بمقعد واحد لمرشحها في محافظة أربيل هوشيار قرداغ.
المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، بمقعد واحد لمرشحتها في محافظة كركوك ريحان حنا.
أئتلاف الرافدين، فازت بمقعد واحد لمرشحها في محافظة دهوك عمانوئيل خوشابا.

ومن الناحية التاريخية، فإن يونادم كنَّا قد لعب دورا مشابها لما لعَبه الجاثليق مكيخا الثاني أثناء سقوط بغداد على يد المغول بقيادة هولاكو عام 1258، والذي تقرَّب من هولاكو بفضل زوجته المسيحية (النسطورية) دقوز خاتون، فمنحه هولاكو الحماية هو وجماعته، وأعطاه قصر الدويدار المعروف، وهو قصر أمير الجيش الذي كان سُنِّيا، بعد أن قابل هولاكو مع الوزير الأول إبن العلقمي الذي كان شيعيا، وفضَّل عدم قتال المغول ومهادنتهم، وأعتبر منقذا لهم، وفاتهم أن المغول مهما طال بقائهم فهم راحلون، وهكذا لم يستمر شهر العسل مع هولاكو أكثر من 37 سنة، أعقبها موجة من الإضطهادات ضد المسيحيين بعد أن أسلم أيلخانات المغول منذ عهد السلطان محمود غازان عام 1295. (ومن غرائب الصدف أن يكون هذا اليوم المصادف 21 آيار/مايو هو يوم إنتصار هذا السلطان ودخول المغول الإسلام). وبعد محمود غازان جاء تيمورلنك الذي إضطهد المسيحيين وطاردهم في إيران، فلجأوا إلى جبال هكاري في تركيا، فتحصنوا فيها لسبعة عقود، ولم يغادروها إلا بمجيء الروس فالبريطانيين عام 1914-1917.
وهكذا تمكنت كل الأطراف من إزاحة يونادم كنَّا من المشهد السياسي، ليخرج على شاشات التلفاز يوم 17/5/2018 ليتهم فصيل شيعي بالإستحواذ على مقاعدهم من الكوتا المسيحية، وليندب حظه مثل أي مرشح خاسر أخر. وقد كتب أحد المرشحين المسيحيين رغم خسارته، مخاطبا كنَّا: ما زرعتم من زيوان وأشواك ودغل اسود حصدناه وأياكم. قائلا، “أخي يونادم : ليست الانتخابات من وضعت أوزارها، بل مرحله كامله وضعت أوزارها وانتهت من زمن شعبنا، مرحله مريره وقاسيه ،مرحلة جدب وقحط واضطهاد، موسم هجرة شعبنا استطال لعقدين من السنين إلى مفازات الدنيا ،مرحلة امتدت مذ عرف شعبنا إطلالتكم الكريمة وخاصة بعد 2003 حتى نهاية هذه الانتخابات ، هذه المرحلة من شعبنا كان جنابكم (بطلها) دون منازع”. (أنظر، صباح ميخائيل برخو، في رسالة مفتوحة إلى كنَّا بتاريخ 15/05/2018).
ومع هذا، فإن ما جاءت به هذه الانتخابات من توزيع جديد لمقاعد الكوتا المسيحية، يجب أن لا تفهم على إنها ضد يونادم كنَّا فحسب، بل هي ضد الحركة الأشورية التي فقدت بريقها، وأصبحت على وشك مغادرة المشهد السياسي المسيحي في العراق، والذي هيمنت عليه طيلة 15 سنة، وإن أفضل ما تفعله الآن هو أن تعيد النظر بسياساتها بشكل عام، لأننا أمام عهد جديد، عسى أن يشفع لها ولسكرتيرها العام ذلك، وإلا فإن هذه الانتخابات قد دقَّت المسمار الأخير في نعش الحركة الأشورية.

6 العراق: مفاوضات وصراعات وتزوير.. والدور الايراني يصعب تجاهله سيف ابراهيم
راي اليوم بريطانيا
ان استغراق هذا الوقت الطويل من اجل اعلان النتائج النهائية لانتخابات العراق 2018 على غير ما صرحت به المفوضية في وقت سابق بان الاعلان سيتم في غضون ساعات بعد اغلاق صناديق الاقتراع ، كل هذا التسويف ينذر بوجود تلاعب و تزوير من اجل اعادة تدوير بعض الوجوه التي فشلت و ارجاعها للمشهد السياسي العراقي رغم انف الجميع و هذا لعله فعل حزبي داخلي ، كذلك التاخير يعني ان هناك عمل مضني يجري خلف الكواليس من اجل تزوير النتائج و بما يتلائم مع رفد بعض الكتل الكبيرة بعدد لا باس به من المقاعد من اجل تدعيم موقفها عند الحديث عن تشكيل الحكومة المقبلة و هذا يجري بفعل خارجي اقليمي و دولي لا يخفى .
من كل هذا و على الرغم من التزييف و المماطلة تبقى الكتل الكبيرة بعدد المقاعد التي حصلت عليها متقاربة و خاصة على مستوى الكتل الشيعية الثلاث سائرون و الفتح و النصر على التوالي ، و من خلالهم بالتحديد ستنطلق المفاوضات نحو الظفر بالحكومة القادمة و هنا يبدا التعقيد في المشهد .
فبحسب ما يظهر لنا ان سائرون قد عد العدة و حزم الامر و حسم موقفه و اخذ يدعو الجميع من كل المكونات ما عدا كتلتين ، الى فتح باب الحوار و التشاور من اجل وضع النقاط على الحروف و البدء بالاتفاق حول النقاط الرئيسية التي يتوجب العمل وفقها و تطبيقها كتطبيق لمشروع وطني قادم .
هذا الحراك العلني الذي دعا اليه السيد الصدر ، لا شك ان بقبالته هناك تحرك غير معلن بالصريح على الجنبة الشيعية الاخرى برعاية الفتح و القانون و لكن بصبغة ايديولوجية و برعاية اقليمية من الجارة ايران . ان التحرك من هذا الطرف او ذاك و قدرته على لم شمل المكونات الاخرى هو من سيحسم ايهما سيكون قادرا على تكوين عدد مقاعد النصف زائدا واحد و المضي بتشكيل ملامح حكومة الاربع سنوات القادمة .
كان المتوقع ان تكون الحكمة بيضة القبان في المشهد التحالفي الشيعي كونها خبيرة التوازنات ، حيث النصر اقرب الى سائرون و القانون اقرب الى الفتح و بذلك كان من الممكن ان تلعب الحكمة دورا بارزا في جعل اي التحالفين اقرب للحصول على الاغلبية ، لكن ما قام به السيد الحكيم من زيارة للسيد الصدر في مقره حيث الحنانة و خروجهما بعد اللقاء بمؤتمر صحفي ، انما يدلل على حدوث التوافق بينهما و تقارب في وجهات النظر و بذلك انضم الحكمة بصورة رسمية ضمنية الى تحالف سائرون ، ان هذه الخطوة من جانب الحكمة التي قد توصف بالمتسرعة كونها قد حددت مسارها و لن تصبح قادرة على المناورة في امكانية انضمامها الى التحالف الذي من الممكن قيامه برعاية الفتح و القانون ، فإما وجودها مع السائرون بالحكومة و اما ان يكونا بالمعارضة سويا ، ان هذه الخطوة من جانب الحكمة قد جعلت النصر هو من يكون له الريادة في صنع التوازنات القادمة ، فالنصر سيكون بيضة القبان التي تعطي الامكانية لاي تحالف ينضم اليه بتشكيل حكومة 2018 .
و بوجهة نظر عقلانية نرى ان النصر اقرب في تحالفه الى سائرون و الحكمة من القانون و الفتح بحكم عدة اعتبارات منها ان امريكا تدعمه في هذا التوجه كونه سيبتعد بذلك عن المحور الايراني الممثل داخليا بالفتح و القانون ، كذلك ان هذا التحالف سيضمن له بنسبة كبيرة بقاءه كرئيس للوزراء لفترة ثانية و هذا لن يناله بسهولة فيما لو قرر الانضمام للتحالف الاخر خاصة ان هذا سيجعله يخسر معظم المتحالفين معه في النصر و تصبح كتلته واهية ضعيفة بقبالة الفتح التي ستطالب بحصة رئاسة الوزراء .
لكن ما يجعل الموقف متأزما و ينذر بسوء ، هو ان ولادة هكذا تحالف شيعي بأضلاعه الثلاث سائرون و نصر و حكمة و الذي منه ستنطلق المشاورات مع المكونات السنية و الكردية الاخرى من اجل الحصول على اغلبية مقاعد البرلمان ، يجعل ايران خارج المشهد السياسي العراقي بالمطلق ذلك ان لا ممثل لها سيكون في الحكومة كي يرعى مصالحها و بذلك سيشتد الحصار عليها و يضيق بها الحال تزامنا مع العقوبات التي فرضتها واشنطن بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي .
هذا يعني ان ايران ستزداد عزلتها و سيكون اثر العقوبات الامريكية اكبر من ذي قبل عليها كونها ستخسر متنفسها الاقتصادي المتمثل بالعراق و متنفسها الاستراتيجي الذي يربطها بمحور المقاومة و هذا ما سيؤثر و بصورة كبيرة حتى على المشهد السوري . ان هذا الانعكاس السلبي على ايران جراء امكانية قيام حكومة غير تابعة لها في العراق ، يجعلنا امام عدة سيناريوهات قد تقوم بها ايران من اجل ايجاد ممثل لها في تلك الحكومة ، منها هو امكانية تفكك تحالف الفتح المكون من عدة احزاب ، و انضمام تيار العامري المتمثل ببدر الى التحالف الشيعي الثلاثي بعيدا عن مكونات الفتح الاخرى و القانون ، و بذلك ستضمن لها بقاء الوجود و التاثير في الحكومة العراقية . كذلك قد تقوم ايران بالضغط على الاطراف السياسية الفاعلة و التي بدورها ستشكل رأي عام قوي يضغط على المفوضية و يوجه الناس نحو وجوب الغاء نتائج الانتخابات بإدعاء وجود التزوير بصورة كبيرة جدا بسبب استخدام العد و الفرز الالكتروني و تحديد موعد جديد لاجراء انتخابات نيابية بديلة و بعد و فرز يدوي ، و ما يتوجب الانتباه له ان حصول اي من السيناريوهات اعلاه قد يتوجب ايذاء الشعب من اجل الضغط على صانعي المشهد السياسي القادم ، لذلك قد نشهد مفخخات و تفجيرات و انعدام الاستقرار الى حين الرضوخ للمطالب .

7 التيار الاسلامي الصدري واختبار جديد.. وتحديات الحكم الضخمة عبد الجليل الزبيدي
راي اليوم بريطانيا

قضي الامر الذي فيه تستفتيان ..التيار الصدري قائد المرحلة المقبلة ..وامامه امتحان صعب وحزمة من المشكلات الاقتصادية والسياسية والامنية .. فهل ينجح ؟
وهل سيتحول هذا الفوز وتجربة الحكم للتيار الصدري الى فخ حينما يفشل باعتباره تيار اسلامي شعبوي حوزوي ؟
قبله وطيلة خمس عشرة عاما اخفقت حكومات الحركة الاسلامية في اغلب المستويات الاساسية والمهام الستراتيجية الاقتصادية والسياسية والامنية وان هذا الاخفاق قد تسبب في تصدع صورة عريقة تعود الى ستة عقود من تاريخ العمل الحركي والدعوي ( حسبما خرجت به استطلاعات رأي عشوائية ) وايضا طبقا لما تكتنزه مخيلة الفرد العراقي من صور اسطورية للمخلص الآتي بعد رحيل نظام صدام حسين .
اما الطبقة المتوسطة والمتعلمة العراقية فليس لديها ما تقيسه في محاسبة الاسلاميين ( الحكام الجدد) سوى المقارنة مع التجارب الاسلامية الناجحة بدرجات في كل من ايران وماليزيا وتركيا.
ويقول خبراء علم الاجتماع ان الجمهور العام والنخبة في العراق يعتمد اسلوب الاسقاط والانعكاس العشوائي في اطلاق الاحكام على الاشياء وبصورة عاطفية وانفعالية وذلك مع غياب المعايير المنطقية والعلمية التي تتنافر مع ( رهاب) الخوف من المستقبل المجهول .
فهل يدرك الزعيم مقتدى الصدر جسامة وعظمة وخطورة المسؤولية؟؟ لان في هذه المرة سينسحب الفشل ليس فقط على النخبة كما في التجربة الحركية بل سينعكس احباطا على جمهور الشارع الاوسع وهو ما يهدد الحركة الاجتماعية المذهبية الايمانية التقليدية بما في ذلك اهتزاز العلاقة مع مؤسسة المرجعية .
وليس غريبا هذا الامر على المجتمع العراقي، فهذه الحالة مر بها المجتمع في اربعينيات القرن العشرين حينما اعتكفت الحوزة النجفية على نفسها بعد عودتها من المهجر ، فحصل انحسار في المعتقدات الايمانية بحيث استغل الفراغ الحزب الشيوعي الذي تحول الى حزب الشارع بسرعة لافتة . ..
احد الدعاة الحركيين ممن خاضوا محنة الداخل والصراع مع النظام الاستبدادي السابق ، سالته وقبل خمسة عشر عاما : لم رفضت المناصب ولماذا اعتكفت مقابل الآتين من رفاقك من الخارج ؟!
اجاب قائلا : ارى في الامر خدعه وما يحدث هو هرولة للسلطة حيث قفز الدعاة من منبر الوعظ والارشاد الى كرسي الحكم من دون النزول من خلال جمهور المتفرجين .!!
صديقي ذهب اكثر من ذلك وقال : ان ما يحصل جنون لان العراق ما بعد 2003 ليس مؤهلا لادارة مباشرة من قبل الاسلاميين ولاسباب كثيرة ..
قلت : وماهي هذه الاسباب؟ اليست الشعارات اللتي رفعت في اغلب الانتفاضات والحركات الثورية في العراق كانت اسلامية ؟
قال: ان امة خرجت للتو من سجن الكبت الى الحرية والانعتاق من الصعب قيادتها عبر اطر تنظيمية وادارية بما في ذلك اطر الحكومة والدولة ، وان الطامة الكبرى هي في ( فخ ) الديمقراطية الذي جرى تصميمه لاضعاف مركز السلطة وتفكيك منظومة القوة السياسية والقانونية في العراق ..
ثانيا : وهو الاهم هو ان نظام البعث وطيلة 35 عاما نجح في قطع رؤوس القيادات الارشادية والتوعوية الميدانية والتي تظهر طبيعيا وتلقائيا في اي مجتمع مسلم . وبذلك نجح النظام في خلق تدين لدى الامة عاطفي وشعاراتي وعشوائي وغير منظم وغارق في الطوباويات الى حد الخرافات التي تزدهر في المجتمعات المنغلقة والتي حرمت من التسديد والتشذيب في السلوك والمعتقد .
ولذلك تجد العلاقة الحالية بين الجمهور والقيادات الاسلامية بما فيها المرجعيات تقوم على اساس الزعاموية التي تشتغل على صدمات العقل الجمعي وليس التدين المؤطر والمؤدلج الذي اشتغل عليه الزعيم نجم الدين اربكان طيلة ثلاثة عقود واسس قاعدة شعبية متدينة ومؤدلجة في المجتمع التركي ومهدت للفتى رجب طيب اردوغان وعلى اساسها قفز الى السلطة بسلاسة وظلت تلك القاعدة متماسكة ورصينة وتسنده الى اليوم .
صديقي اختتم اجابته قائلا : ان اللعبة في العراق تقضي على مايبدو ، باسقاط المشروع الاسلامي بمفرداته واحدة تلو الاخرى وفي غضون عشرين عاما ، لان ما يخطط لمستقبل العراق غير الذي هو عليه الان . ( الى هنا انتهى الاقتباس من كلام صديقا الداعية الزاهد ) .
وبغض النظر عن صحة او عدم صوابية صديقنا الداعية . يبدو مما سبق ان التيار الاسلامي بل وحتى المؤسسة الدينية ولاسيما الشيعية منها انها واقعة في دائرة الاستهداف، وعليه ؛ هل سيتمكن السيد الصدر ورفاقه في المشتركة الاسلامي انهاء لعبة الاستهداف؟
وماهي امكانية المراجعة باتجاه اعادة انتاج وعي حركي اسلامي معتدل ويوازن مابين الثوابت ومابين المستحدث من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع العراقي واللتي افرزتها تجربة السنوات الخمس عشرة الاخيرة ؟
8 من سيغتال مقتدى الصدر؟
عبدالله بن بجاد العتيبي الاتحاد الامارتية
خرج السيد مقتدى الصدر على المشهد العراقي من جديد وبشكل مختلف بعدما فازت كتلته الانتخابية «سائرون» رابحة في الانتخابات العراقية كأكبر كتلة في البرلمان القادم، متقدماً على جميع الكتل العراقية الأخرى وعلى رأسها كتلة نوري المالكي ونسخته الجديدة هادي العامري.

مقتدى الصدر اليوم هو قائد وطني، عبّر الشعب العراقي عن رغبته فيه وفي توجهه الوطني كما أنه مثل الحصان الرابح للمرجعية المذهبية العراقية الوطنية بعيداً عن تكتلات أخرى مثلت مجرد أدوات تستغل ثروات العراق لأمرين فقط لا غير، الفساد المالي الواسع، وخدمة المشروع الإيراني الثوروي ونهج الولي الفقيه ونظام الحرس الثوري الإيراني، بمعنى أن الصدر أصبح رمزاً لمرحلة جديدة لعراق ما بعد 2003.
تطور كبير حدث للسيد مقتدى خلال عقد ونيف فحسب من عمر الزمن، فمن يسمع خطاب الصدر القائد الوطني المدافع عن العراق ووحدته وسيادته والجامع لكل مكوناته والساعي لبناء حاضره ومستقبله، لا يمكنه مقارنته بخطابه في مرحلة ما بعد 2003 و«جيش المهدي» والسيطرة على النجف، وهو دليل على حيوية شخصية وتطور في الوعي السياسي والرؤية السياسية الحاكمة لتياره وأنصاره.
هذا الانتصار السياسي الداخلي الذي قلب المعادلات الداخلية العراقية، سيمثل مرحلة مهمة من تاريخ العراق الحديث إذا استطاع الصدر بناء تحالفات قوية ومتماسكة تسمح له بإظهار التيارات الوطنية العراقية على السطح الذي كان ملوثاً لسنوات طويلة بعراقيين يخدمون أجندة خارجية إيرانية، وإذا استطاع اختيار الكفاءات من التكنوقراط العراقيين ليقودوا مؤسسات الحكومة نحو أهداف تنموية وأمنية تعيد للعراق مجده وحيويته.
على المستوى الإقليمي يمكن للعراق الجديد البعيد عن الطائفية وعن النظام الإيراني، أن يعيد العراق لعمقه العربي في السعودية ودول الخليج والدول العربية، وأن يعود ليصبح حارس البوابة الشرقية للعالم العربي، خصوصاً مع تشكل المحور العربي الجديد بقيادة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهو ما يمكن أن يشكل إضافة لإعادة التوازنات في المنطقة.
على المستوى الدولي يمكن لهذا التوجه العراقي الوطني الذي يمثله الصدر وحلفاؤه أن ينقل العراق إلى علاقات متطورة وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية وإدارة الرئيس ترامب الذي لم يزل يسعى لتنظيف كل المشكلات التي خلفتها الرؤية المعطوبة لإدارة الرئيس السابق أوباما.
عراق قوي ومتماسك داخلياً وإقليمياً ودولياً هو مكسب للدولة العراقية وللشعب العراقي أولاً ثم هو مكسب للدول العربية وشعوبها، وهو ما يمكن أن يشكل بداية لعودة العراق إلى وزنه الطبيعي في المنطقة والعالم.
هذا الاتجاه المتفائل لن يرضي النظام الإيراني دون شك، فكيف ستسعى إيران إلى استعادة دورها في العراق؟ الجواب الذي تعرفه إيران هو: الاغتيالات والتفجيرات، والتهديد والتخويف بهما.. ومن هنا يأتي السؤال: من سيغتال مقتدى الصدر؟ أو من سيغتال عدداً من نوابه لإعادة هندسة تركيبة البرلمان العراقي؟ وهو أمر سبق أن حدث من قبل عندما تم اختطاف تشكيل الحكومة من إياد علاوي ومنحها لنوري المالكي.
إنها إيران ولا أحد غيرها، أما كيف سيتم ذلك؟ وهل سيكون على أيدي متطرفين سنة، كما تم اغتيال محمد باقر الحكيم الذي اغتاله تنظيم «القاعدة»؟ أم على أيدي متطرفين شيعة، كما كان في تفجير مرقد الإمامين العسكريين بسامراء؟ تلك أسئلة تجيب عنها الأجهزة الإيرانية وميليشياتها وعملاؤها في العراق.
إيران الدولة الإرهابية الأكبر في العالم تستطيع تحريك كل أياديها في المنطقة والعالم ونشر الإرهاب في شتى البلدان القريبة والبعيدة، والأعمال الإرهابية الأخيرة في أميركا وأوروبا وإندونيسيا والجناية على شعب غزة من قبل «حماس» لم تتحرك من تلقاء نفسها ولم تكن مجرد مصادفة لأنها عملت بالتوازي والتنسيق المعروفين سابقاً.
9 اهتزازات في مناطق النفوذ الإيراني.. والبداية من العراق عبد الوهاب بدرخان صحيفة الاتحاد الماراتية

أصبحت الخطة الأميركية أكثر وضوحاً بمراحلها التي بدأت بالانسحاب من الاتفاق النووي، تليه دفعات من العقوبات المتصاعدة، وضربات ردعية إذا اقتضى الأمر على غرار الضربات الإسرائيلية للإيرانيين في سوريا، مع دعوات إلى تفاوضٍ باتت طهران تعرف أنه سيتناول تعديل الاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي والسياسة الإقليمية. قد تكتسب هذه الخطة قوة إضافية إذا توصلت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى اتفاقات جدّية وعملية على خفض تدريجي للخطر النووي الكوري مقابل رفع تدريجي للعقوبات الأميركية والدولية. فعندما توجّه كيم يونج أون إلى التفاوض كان مدركاً أن التشديد الأميركي الأخير للعقوبات يعني خنقاً غير مسبوق لاقتصاد بلاده. قد يصل التشدّد مع إيران إلى المآل نفسه خلال الشهور الستة المقبلة، مع فارقَين: الأول، أن الداخل الإيراني قد يتحرك. والآخر أن طهران تعتقد أن تسهيلات بعض الدول ستمكّنها من مواجهة الضغوط والالتفاف عليها.
الأهم من ذلك أن إيران لم تتخلَّ عن خيار المواجهة، بل إن تعرّض موقعها وهيبتها للاهتزاز في بعض أرجاء «امبراطوريتها» يدفعها أكثر إلى تحيّن الظروف بحثاً عن انتصارٍ ما، ذاك أنها تريد إيلام الولايات المتحدة كما تؤلمها، ولن ترضى بأن تكون الكلمة الأخيرة لإسرائيل في التحدّي القائم بينهما. فقبل أن تبتّ خيار التفاوض لا بدّ لها من استعادة الهيبة لئلا تضطر لتجرّع «كأس السم» والتفاوض من موقع ضعف. والواقع أنها كلّما استبعدت التفاوض تضاءلت فرصها لتحويل توسّعاتها الإقليمية إلى مكاسب خارجية. ولذلك أسباب لا تنفكّ تواجهها في سوريا والعراق واليمن، وحتى في لبنان رغم أن ميليشيا «حزب الله» التابعة لها تواصل الاحتفال بانتصارها في الانتخابات.
بين الروايتَين الإسرائيلية والإيرانية لما حصل ليل الأربعاء – الخميس (9-10 مايو) في سوريا، كانت الثانية ضعيفة وغير رسمية، على عكس الأولى. لكن المعلومات المذهلة عن الخسائر البشرية والعسكرية والمادية، كما وردت في تقارير رصينة، تفسّر الصمت الذي التزمته طهران بعد الضربات وحافظت عليه حتى الآن. بل تفسر الأهمّ، وهو أن إيران خسرت عملياً ورقة تهديد إسرائيل وإشعال جبهة الجولان بعدما لوّحت بها طويلاً. قد تعود إلى التهديد لكنها لن تتمكّن من تنفيذه، ليس فقط بسبب اختلال ميزان القوى، بل خصوصاً لأن روسيا هي صاحبة الكلمة الفصل في سوريا وهي التي أعطت ضوءاً أخضر لإسرائيل.
قد تكون هذه المرّة الأولى التي تتلقّى فيها إيران ضربة ردعية بهذا الحجم، لكن مخرجات الانتخابات العراقية تبدو بالمستوى نفسه من الخطورة؛ نظراً إلى طبيعتها الاجتماعية العميقة من جهة، وإلى تشويشها المتوقع على احتمالات إزعاج الأميركيين العراق من جهة أخرى. وبمعزل عمّا ستؤول إليه التطوّرات لاحقاً تلقت طهران إنذاراً ببدء أفول نجم أتباعها، فالناخبون أكدوا رغبتهم في صفحة جديدة، وما فوز تياري حيدر العبادي ومقتدى الصدر وحلفائهما إلا تزكية لتمايزهم عن الخطّ الإيراني. من شأن ذلك أن يعزّز البُعد العربي العابر للطوائف، ويعطي أملاً بالحفاظ على وحدة العراق، وبإقناع الكرد بإقامة علاقة سويّة مع بغداد بعدما اكتشفوا التلاعب الإيراني بهم وعليهم.
ورغم اعتقاد طهران بأن جماعة «الحوثيين» لا تزال رقماً صعباً يصعب إقصاؤه في اليمن، فإنها لم تتلقّ منذ زمن أي أخبار جيدة من صنعاء، فالتطوّرات الميدانية أبعد من أن تكون لمصلحة أتباعها ولم يعد من الممكن إيقافها. أما بالنسبة إلى لبنان، وسواء انزلقت التوترات إلى مواجهة بين «حزب الله» وإسرائيل أم لا، فإن هذا «الحزب» لن يتمكّن من استثمار «انتصاره» في الانتخابات على النحو الذي خطّط له. إذ جاءت العقوبات الأميركية لتنبّهه ومعه كل الطاقم السياسي بأن دعم الدولة وتعزيز الجيش وإصلاح الاقتصاد هي الوجهات الوحيدة الممكنة، وعدا ذلك فإن البلد سيتعرّض لعقوبات أكبر. وبما أن إيران تعتبر لبنان ساحة مريحة، فإن إقحامه في أي مواجهة ستعرّض «حزبها» لمجازفة غير مأمونة العواقب.
بمقدار ما بدا توسيع النفوذ جاذباً لـ «أوراق» المساومة على النفوذ في الإقليم بمقدار ما وفّر إمكانات لتفعيل الاختراقات الممكنة لهذا النفوذ. كل ما كان يلزم هو أن تقتنع واشنطن بوجود مصلحة لها في معالجة المخاطر، وأن تنصت إلى تحذيرات حلفائها العرب. لو فعلت الإدارة السابقة لكانت منعت في الوقت المناسب حدوث الكثير من المآسي، لكن باراك أوباما لم يشأ إضافة إنجاز كهذا إلى «إرثه» وفضّل مطاردة مكاسب مع إيران تبيّن له في الوقت غير المناسب أنها كانت أوهاماً.
11 العراق ما بعد الانتخابات عائشة المري صحيفة الاتحاد الاماراتية

النتائج الرسمية والنهائية للانتخابات التشريعية في العراق والتي أجريت في 12 مايو أكدت فوز تحالف «سائرون»، الذي يتزعمه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بالمرتبة الأولى حاصداً 54 مقعداً من أصل 329 في البرلمان. ومن ثم تحالف «الفتح» الذي يتزعمه هادي العامري، الذي يضم فصائل “الحشد الشعبي”، والمدعوم من إيران حاصداً 47 مقعداً، أما «ائتلاف النصر» بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، فقد حلّ ثالثاً ب42 مقعداً. بينما حصد «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي 26 مقعداً، و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة الرئيس السابق لإقليم كردستان مسعود برزاني 25 مقعداً، و«ائتلاف الوطنية» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق ونائب رئيس الجمهورية الحالي إياد علاوي على 21 مقعداً، و«تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم حصل على 19 مقعداً. وحزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي كان يتزعمه الرئيس العرقي الراحل جلال الطالباني، حصل على 18 مقعداً، كما حصد تحالف القرار العراقي بزعامة السياسي السُني البارز أسامة النجيفي 11 مقعداً. لكن ماذا تعني نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية على مستقبل العراق؟ ما هي الانعكاسات المستقبلية للنتائج على العلاقة مع طهران، وعلى واشنطن ودول الجوار العربية؟
عكست نتائج الانتخابات حالة الانكسار والتشظي التي تعرضت لها الأحزاب السياسية شيعية وسُنية وكردية، فتشظت الأصوات والمقاعد التي حصدتها الأحزاب، ولكن ومن الواضح للمتتبع للشأن العراقي بأن نتائج الانتخابات الحالية لن تقلب المعادلات السياسية، ولا مستوى الفرز الطائفي، ولن تنجح في التحول عن نظام المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب السياسية «رئاسة الوزراء، رئاسة الجمهورية، رئاسة البرلمان» فالأحزاب لن تستطيع أن تشكل حكومة منفردة، الصفقات ما بعد الانتخابات لها الكلمة الفصل في تشكيل الحكومة. تشير النتائج إلى تقدم تحالف «سائرون» الذي يجمع «الصدر» والحزب الشيوعي وبعض الأحزاب العلمانية، التي تسعى لتكوين دولة مدنية بعيداً عن المحاصصة السياسية السائدة ومشروع الإصلاح السياسي الذي يطرحه تيار «الصدر» مدعوم من المرجعية الشيعية في النجف وكان المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق، آية الله علي السيستاني قد دعا العراقيين في خطبة الجمعة السابقة للانتخابات إلى عدم التصويت لمن سماهم السياسيين «الفاشلين والفاسدين»، «لاسيما من كان منهم في موقع المسؤولية في الدورات السابقة»، وذلك في تدخل نادر بالسياسة منه قبيل الانتخابات، موضحاً في الوقت ذاته بأنه يقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين في الانتخابات النيابية وعدم مساندته لأي شخص. وقد ظهرت بوادر تحالف مع تيار «الحكمة» بقيادة عمار الحكيم لتشكيل الحكومة العراقية. حزب «الدعوة» الذي لم يشارك في الانتخابات حسب ما أعلن مسبقاً فقد فاز عنه «ائتلاف النصر» بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي و«ائتلاف دولة القانون» برئاسة المالكي، ولا يُستبعد أن ينضم إليهما تحالف «الفتح» الذي يتزعمه هادي العامري، المدعوم من إيران أي ما مجموعة 115 مقعداً، وبذلك يمكن أن يضمن للعبادي ولاية ثانية ولكن «عسيرة».
ما المتوقع؟ ستبقى رئاسة الوزراء «شيعية» هذه هي الحقيقة المؤكدة، قد يحظى العبادي بفترة رئاسية ثانية فهو يحظى بقبول دولي وإقليمي وفي الوقت نفسه، يستند داخلياً على رصيد نجاحاته في هزيمة تنظيم «داعش» وتركيز برنامجه الانتخابي على محاربة الفساد ووحدة العراق. أما إذا نجح التيار الصدري في جمع التحالفات المناسبة، فلن يرضى بديلا عن اختيار رئيس الوزراء من قائمته، وقد أعلن «الصدر» مسبقاً أنه يؤيد محافظ «ميسان» السابق «على داوي» مما يعني وجهاً سياسياً جديداً لرئاسة الحكومة العراقية بدعم من التيار الصدري وتحالفاته المحلية والإقليمية.
تمضي العملية السياسية في العراق منذ عام 2003 في نفق مظلم رغم مشاركة 11 مليون ناخب من مجموع الناخبين المقدر ب24 مليون أي نسبة 44.5 الحالمين بالتغيير، ولكن الضعف دليل على حالة اليأس السياسي للشعب العراقي، فخيوط اللعبة السياسية مازالت «طائفية» رغم الشعارات الانتخابية لبعض الأحزاب «العابرة للطائفية»، فالأحزاب تحشد كل ما يمكن من طاقات المذهب لصالح كسب أصوات أتباعه، شيعة كانوا أم سُنة، ومن ثم تتحدث عن دولة وطنية نقولها تفاؤلاً، لا جديد تحت شمس العراق.
12 في انتظار زعيم العراق الجديد عبد الرحمن الراشد صحيفة الشرق الاوسط السعودية

في العراق للحكومة دور كبير، ورئيس الوزراء صانع القرار، والعراق نفسه بلد مهم استراتيجياً للمنطقة. والجميع في المنطقة وقوى دولية، تترقب نتيجة المشاورات والمساومات بين القوى المتنافسة لمعرفة الحزب الفائز بقيادة العملية السياسية، ومن سيكون رئيس الحكومة.
السيد مقتدى الصدر، زعيم تحالف سائرون، الأكثر حظاً، لأنه الأكثر مقاعد في انتخابات البرلمان. ورغم فوزه، فإن نتائج الانتخابات العراقية زادت الوضع الغامض غموضاً، فالمنتصر يملك أغلبية، لكنها ليست الأغلبية في نظام برلماني يختار رئيس الحكومة بناء على حساب معادلة أكثرية المقاعد. وقد ينتظر العراقيون أسابيع قبل أن يعلَن عن الفائز، وحتى ذلك الحين، يبقى الوضع مفتوحاً على كل الاحتمالات.
أهمية فترة حيدر العبادي، رئيس الوزراء السابق، في أنها خلقت حالة وطنية جديدة. العراق عاش مرحلة انعدام الوزن بعد إسقاط نظام صدام، إلى الأميركيين، إلى ديكتاتورية المالكي. لم تكن هناك هوية للدولة والحكومة حتى جاء العبادي. حكومة كانت ضعيفة نتيجة الظروف السابقة، ومع هذا حارب الإرهاب ومنع انفصال إقليم كردستان وحال دون تفكك البلاد. العراق، مثل كل دول المنطقة، يتطلب زعيماً سياسياً قوياً يقف ضد الميليشيات الداخلية، والقوى السياسية، وجيوب التطرف والإرهاب على الجانبين السنّي والشيعي… وفوق هذا يملك الجرأة على مواجهة المشروع الإيراني، الأمر الأهم لحاضر العراق ومستقبله، والأصعب بالطبع.
حصول تحالف «سائرون» الذي يمثل الكتلة الصدرية على أغلبية في انتخابات السبعة آلاف مرشح، وحصول القوى الموالية لإيران على أقل الأصوات، دليل على توجه الشعب العراقي ورسالته بأنه ضد إيران. ليس ضد إيران الجارة، لكنه ضد الجنرال قاسم سليماني، و«فيلق القدس»، و«الحشد الشعبي»، و«عصائب أهل الحق»، وبقية الميليشيات التي زرعها الجنرال سليماني خلال فترة الفراغ الماضية في بغداد من أجل السيطرة على الدولة والبلاد.
نتائج الانتخابات البرلمانية جاءت صادمة لطهران التي سبق أن صرح مستشار مرشدها الأعلى، علي أكبر ولايتي، بأنهم ضد تحالف «سائرون». والتحالف يسير في الدفع نحو تحالفات تحقق له الرقم المطلوب لتشكيل أغلبية وحكومة.
المرحلة الحالية مهمة للعراق أكثر مما سبقها منذ صدام حسين، وفي حال نجح العراقيون في التوصل إلى حكومة تحظى بموافقة البرلمان وتتبنى برنامجاً وطنياً، فإننا سنشهد سنوات ستحسم قضايا حساسة؛ وحدة العراق، وتعزيز السلطة المركزية، وتفكيك الميليشيات أو دمجها ضمن القوات المسلحة، وقطع علاقاتها بالخارج، والبدء في مشروع تنموي سيكون الأول منذ قيام الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980. هذا ما يجعل اختيار رئيس حكومة قوي مطلباً شعبياً وحدثاً مهماً، لكن هل هذا ممكن مع صعوبة استيلاد حكومة لا بد من أن تتشكل من عدة قوى سياسية؟
المشاورات في معظمها تتم في محيط زعيم تحالف «سائرون» السيد الصدر الذي يتصدر العملية السياسية بعد أن كان في السابق من الناقدين لها… انتقد انتشار الفساد بين الطبقة السياسية، وانتقد ضعف الشعور الوطني، ووقف ضد الطائفية أيضاً. ومهما كان مثالياً، فإن تشكيل أي ائتلاف حكومي يتطلب تقديم التنازلات.
13 العراق الذي كسر حلم إيران
عبدالرحمن الطريري
صحيفة عكاظ السعودية

حين بلغ شعور النشوة بالنظام الإيراني مداه، وذلك في العام 2015، خرجت تصريحات لافتة من النظام الإيراني، فعلى سبيل المثال تحدث حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد، عن أن «إيران تسيطر على أربع عواصم عربية».
هذا التصريح، وخاصة بالتزامن مع اللمسات الأخيرة للاتفاق النووي، بينت الفرق بين الأهداف الإستراتيجية لإيران وبين التصريحات الوقتية، أو التحركات التكتيكية لحفظ المصالح الكبرى وتحقيق الهدف الأعظم، وهو استعادة الإمبراطورية البائدة.
وكان من اللافت أن لا يتحدث أي مسؤول إيراني عن أن بيروت أو صنعاء أصبحتا عاصمة الإمبراطورية، ولا حتى دمشق مقر «الخل الوفي» بشار الأسد، بل الحديث كان عن بغداد العاصمة التاريخية للإمبراطورية الفارسية. إذ ذكر علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، خلال مداولات منتدى «الهوية الإيرانية» مارس 2015، بأن بغداد باتت عاصمة للإمبراطورية الفارسية.
هذه الأحلام التوسعية تمثل بوصلة الساسة الإيرانيين، وتجيب كثيرا على من يطرح سيناريوهات التقارب والود وحسن الجوار، وبالرغم من أن دولا عدة جربت الحوار مع النظام الإيراني خاصة في الخليج، ودفعت نحو التعامل بحسن الجوار وعدم التدخل في شأن الآخرين، إلا أن التعامل بود هو في التكتيك الإيراني مجرد هدنة في الطريق الطويل لمعركة استعادة الإمبراطورية.

ولعل من يزور معرض بانوراما الحرب في طهران، ستطالعه خريطة عملاقة بحجم الحائط المعروضة عليه، تصور حدود الإمبراطورية الفارسية القديمة تبتلع بلاد الشام و مصر، وهو ما يفسر على جانب آخر تلك الابتسامة الكبيرة للرئيس أحمدي نجاد حين زار مصر، ربما فرحا بوصول الحليف «الإخوان المسلمين إلى حكم مصر».
وفي خضم هذه الطموحات التوسعية، كان المشروع النووي أحد الأدوات التمكينية لهذا الحلم، وكذلك كان الاتفاق النووي الذي أبرم في العام 2015، والذي كان هدفه الرئيسي من قبل النظام الإيراني، استعادة الأموال لحسم معركة سورية، وبالتالي الانتهاء من الخط الذي يربط طهران ببيروت، مرورا بالأراضي العراقية،إضافة إلى السيطرة على السواحل الغربية لليمن، مما يفتح عدة نوافذ على أفريقيا، ويعيد حلم الوصول لمصر وربما ليبيا.
وبالتزامن مع موعد حسم الإدارة الأمريكية لقرارها حول الملف النووي، كانت هناك انتخابات لبنانية وعراقية، والتي نظرت إليها إيران كأوراق مفترضة للتفاوض مع الجانب الأمريكي، وربما أوراق ضغط على الجانب الأوروبي، لكن وبرغم التعديل في القانون الانتخابي اللبناني سعيا لما سمي صحة التمثيل، بدا أن التأكد من نتائج الانتخابات لم يكن أمرا محسوما.
إضافة لتنوع لبنان ووزن المكونين السني والمسيحي، كان هناك عنف جسدي ضد كل صوت مستقل شيعي، دلالته عدم ثقة في المزاج الانتخابي في لبنان، ومحاولة لتحقيق انتصار سياسي يحقق تعديل أشمل في النظام اللبناني، ويحمي خاصرة سورية الأسد أكثر، دون تجاوز الضرورات السياسية لحزب الله من أجل ابتلاع لبنان من ضمنها، دفع البرلمان لإقرار قانون يشرع لسلاح حزب الله، ودفع الحكومة الجديدة لإيقاف تمويل محكمة الحريري.
لكن اللافت أن العراق المضمون الولاء في نظر إيران، حققت انتخاباته النيابية نتائج غير متوقعة، وبعد أن كان المسعى الإيراني نحو تفتيت العرب السنة عبر التهجير، والأكراد عبر اللعب على المتناقضات بعد استفتاء الانفصال، أتت النتائج غير المتوقعة من أصوات الشيعة، الذين أكدوا ما غمت عليه الحملات الطائفية، من حقيقة أن الولاء للوطن، وأن الوطن أيا كان مذهبك سيكون أرأف بك من إيران.
تدرك إيران اليوم أكثر من أي وقت مضى أن مشروعها سقط داخل المكونات الشيعية العربية أولا، قبل باقي المكونات التي استثمرت فيها، فخفض المشاركة في الانتخابات العراقية ناهيك عن نتائجها، هو كفر بمشروع إيران في العراق لعقد ونصف، وما خروج مرشحين شيعة في لبنان، رغم دائرة المنافع والإرهاب التي يديرها حزب الله، إلا دلالة على الضجر من الارتهان لأجندات خارجية، وتحويل اللبنانيين حطبا لشواء طهران.
أما العقوبات الجيدة فهي ما ستسهم في مزيد من الرشد الإجباري لدى طهران، بالتخلي تماما عن فكرة السلاح النووي، وإيقاف التمدد وتطوير الصواريخ البالستية، لأن الخيارات الأخرى ستكون مكلفة أكثر.
14 مزاج الرئيس بوش المتعكر وليد الزبيدي صحيفة الوطن العمانية

بينما صوّرت وسائل الإعلام الأميركية الحرب بأنها ستكون ” خاطفة” فقد تصوّر غالبية العراقيين أن الحرب ستكون ” طويلة” وأن الوصول إلى بغداد سيأخذ مدة ليست بالقصيرة، لكن سرعة تقدم القوات الأميركية لم تغير كثيرا من قناعات الشارع العراقي المسبقة، في حين تأثر المزاج الأميركي بذلك التأخير في إنهاء الحرب.
في الاول من أبريل 2003 تم الإعلان للمرة الأولى، عن الحالة النفسية، التي يعيشها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، وقالت وسائل الإعلام الأميركية، وهي تصف الرئيس الأميركي بقولها واستناداً إلى مشاهدات من داخل البيت الأبيض، إلى أن بوش اصبح متعكر المزاج وساخطاً على منتقدي العمليات العسكرية. كما أن المقربين من بوش قالوا، إن سير العمليات في العراق، أثر كثيراً على مزاجه، وأنه من النادر رؤيته وهو يمازح الموظفين، بل إنه كثيراً ما يسخر منهم، وذهب البعض من أصدقائه إلى أنهم يشعرون بالقلق على الرئيس.
وبينما لم تنشر وسائل الإعلام العراقية، أي شيء عن يوم الرئيس صدام حسين، وكان هناك نوع من التعتيم الكبير على حركته ونشاطاته، فإن وسائل الإعلام الأميركية، نشرت نتفاً من اليوم التقليدي للرئيس الأميركي، وذكرت، انه يبدأ يومه بقراءة الصحف، ويحصل في الساعة السادسة من صباح كل يوم من مستشارته لشؤون الأمن القومي على تفاصيل ما يحصل في جبهة الحرب، عبر الهاتف. أما بعد الساعة الثامنة، فأنه يعقد اجتماعاً لمجلس الأمن القومي.
وذكر قريبون من الرئيس صدام حسين، أنه كان يتابع تطورات الحرب من خلال التقارير العسكرية، التي تصله بصورة متواصلة، كما حرص على أن تكون هناك الأطباق اللاقطة (الستالايت) في الأماكن التي يتواجد فيها، والتي تم إعدادها خصيصاً قبل بداية الحرب بأكثر من أسبوع. في حين كان الرئيس بوش يعبر عن غضبه من المراسلين وهو يتابع تغطيات الحرب من خلال التلفاز، ولم يخف انزعاجه الشديد من الجنرالات المتقاعدين، الذين كانوا يشككون علناً في تكتيكات الخطة العسكرية.
أما في ميدان الحرب، فقد كانت الأمور تسير باتجاه آخر، خاصةً في الجانب العراقي، ولا يدرك خطورة هذا الاتجاه، إلا الذين كانوا في داخل ميدان المواجهة، والذين يتنقلون لسبب أو لآخر، بين المدن العراقية، ويشاهدون بأم أعينهم حجم القصف والتدمير العنيف والمتواصل، الذي تتعرض له قطعات الجيش العراقي بصورة عامة، وقوات الحرس الجمهوري على وجه الخصوص. وإذا تمكنت البيانات العسكرية العراقية وبعض التصريحات من رفع المعنويات لدى المقاتلين العراقيين بنسبة بسيطة، خلال الأسبوع الثاني من الحرب، فيمكن القول، إن بداية الأسبوع الثالث، هي نقطة التحول الأهم في الحرب، رغم إن الجبهة الداخلية العراقية، ظلت متماسكة، ولم تظهر بوادر قوية، تشير إلى تفكك الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية الأخرى.
لكن التطورات التي بدأت تقفز إلى واجهة الأحداث منذ بداية الأسبوع الثالث للحرب، لا يمكن فصلها، عن الذي حصل على ارض الواقع داخل العراق، خلال الأسبوعين الأولين من الحرب.
لكن بصورة عامة فمنذ الأيام الأولى، وحتى انتهاء القصف في التاسع من أبريل، كان المراسلون والمعلقون يصحون صباح كل يوم ليبثوا خبراً تكون مقدمته متشابهة تماماً، يقول: لقد عاشت بغداد ليلة مرعبة، ولم تشهد مثيلاً لها في الأيام السابقة، بسبب القصف الشديد، هذا يعني أن الذي يستطيع أن يُقَّيِمْ حقيقة ما يجري، ليس الذي يسمع الأخبار ويشاهد ألهبة النار والدخان المتصاعد، عبر شاشات الفضائيات، وإنما الذي يدرك ما يحصل، الذي تهتز الأرض من تحته، وترتج الجدران والأبواب والشبابيك، حتى يتخيل المرء أنها ستنقلع من أماكنها.
15 نحو قوائم حزبية في قانون الانتخاب.. لبنان وتونس والعراق مثالا
جهاد المنسي صحيفة الغد الاردنية
خلال أيام ماضية، جرت انتخابات نيابية في كل من العراق ولبنان، وفي تونس بلدية، المفارقة الإيجابية أن الانتخابات في البلدان الثلاثة تلك جرت وفق أسس وقوائم حزبية واضحة، وهذا ما دفع مراقبين لمعرفة التيارات الأوسع انتشارا في البلدان تلك فور إعلان النتائج، ومعرفة مدى تمدد هذا الطرف وتقلص ذاك.
قبل أن يقفز بوجهي منافح ليقول إن الانتخابات في العراق ولبنان جرت وفق أسس طائفية ومذهبية، وإن الديمقراطية لا تستقيم مع الفكر المذهبي والطائفي، فإنني سأقطع الطريق على تلك الأصوات لأقول نعم لنفترض ذلك، ولكن يكفي أن نرى ونشاهد ونلمس أن ثقافة القوائم والتحالفات الحزبية قائمة، وباتت راسخة في عقل ووجدان شعوب تلك البلدان (العراق ولبنان)، وهذا بحد ذاته يعزز ثقافة الانتماءات الحزبية والإصلاح، وينقل الدول تلك لاحقا وبعد تعدد التجارب الى الديمقراطية الكاملة التي لا تقوم على المحاصصة والطائفية، ولكن للحق فإن الذهاب باتجاه القوائم الحزبية هو بداية طريق الديمقراطية، وتعزيز ثقافة الأغلبية والأقلية رأس سهم الإصلاح.
لم أكتب هنا لأتحدث عن الانتخابات التي جرت في تلك الدول فقط، رغم أن نتائج الانتخابات في لبنان كانت مرضية لقناعاتي شخصيا بنسبة كبيرة مع التحفظ على تمدد تيار سمير جعجع الذي كنت أتمنى ألا يحظى بأي توسع، ولكن ضعف حزب الكتائب وتيارات أخرى أدى الى توسع حزب القوات اللبنانية الذي بقيادة جعجع، بيد أن المجمل العام لنتائج الانتخابات اللبنانية كان جيدا، واستطاع حلفاء تيار الثامن من آذار والتيار الوطني الحر الحصول على النسبة الكبرى من المقاعد، ما يمكنهم من فرض وجهات نظرهم وقناعاتهم، وهو أمر إيجابي ونكسة لتيار آخر صرفت عليه أموال طائلة بأمل الفوز ولكنه لم يستطع إقناع اللبنانيين برؤيته.
القصة هنا ليست انتخابات لبنان أو العراق التي أظهرت نتائج الانتخابات فيها تحولا يتوجب ملاحظته، وهذا التحول كان عنوانه حصول التحالف الذي كان قائما بين التيار الصدري والشيوعيين والتيار المدني على الموقع الأول بالنسبة لعدد المقاعد متفوقا على تحالفات قادها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي حصل على المرتبة الثالثة والحشد الشعبي الذي حصل على المرتبة الثانية.
التحالف الفائز، رغم ما شابه من علامات سؤال وأقاويل بانحيازه باتجاه دول خليجية، إلا أنني لا أعتقد أنه سيكون لقمة طرية لرؤى بعض العرب، وسيكون له رؤيته المستقلة ولم يخرج على قناعاته التي تحدث فيها مع العراقيين إبان الحملة الانتخابية، وفي كل الأحوال فإن هذا التحالف عليه أن يمد يده لتيارات أخرى لضمان تشكيل أغلبية.
قصتنا هنا، والدروس المستفادة التي يمكن لنا نحن في الأردن البناء عليها، هي ذهاب دول مثل لبنان وتونس والعراق للانتخابات عبر القوائم والنسبية ووجود أغلبية وأكثرية، وهذا يؤسس ويؤطر لفكر الأحزاب وأهمية التأسيس لثقافة حزبية، وهو الأمر الذي نفتقده في الأردن ويجعلنا نعيد المطالبة مرات ومرات، بالذهاب اليه سريعا قبل أن نجد أنفسنا ونحن الذين فتحنا الباب للديمقراطية قبل غيرنا بسنين -لو كانت مجزوءة- بين رمشة عين وأخرى في آخر الركب، ولذا فإنني أعتقد أنه قد آن الأوان للدفع بمشروع قانون للانتخاب يضمن قوائم حزبية، فلا حياة سياسية بلا أحزاب، ولا برلمان حقيقيا بلا قوائم حزبية وبلا أغلبية ومعارضة.
الإصلاح الحقيقي الذي يتوجب أن نذهب اليه فورا في الانتخابات المقبلة هو اعتماد القوائم الحزبية ومنح الحق لمن يفوز بأكبر عدد من المقاعد حق تكليفه بتشكيل الحكومة، ومن هنا تتشكل المعارضة والموالاة، ومن هنا تبرز وجهات النظر وتبرز التيارات التي يمكن الاعتماد عليها لاحقا، ومن هنا يتعزز الإصلاح ويصبح إصلاحا حقيقيا وليس كلاما في كلام.