1 رسالة أبو بكر البغدادي إلى دونالد ترامب
جلبير الأشقر
القدس العربي
(وصلتنا الرسالة التالية التي ننفرد بنشرها) باسم انعدام الرحمة وجنون العظمة اللذين نشاطرهما، أخي العزيز، الشيخ الجليل دونالد ترامب، أمير «الدولة الإمبريالية الصليبية في الولايات المتحدة»،
اسمحوا لأخيكم الأصغر أمير «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أن يحيّي خطوتكم المباركة بالمشاركة بالاحتفال بالذكرى السبعين لإعلان «الدولة اليهودية الصهيونية في إسرائيل». وكم كان موفّقاً وحكيماً إرسالكم لابنتكم الشبيهة بلعبة باربي (Barbie) وزوجها الشبيه بلعبة كِن (Ken) في تلك المناسبة، يرافقهما العلّامتان روبرت جيفرس وجون هاجي، وهما من خيرة علماء «الصهيونية المسيحية»، أولهما قسّكم المفضّل الذي تميّز بتصريحه ذات يوم بأن جهنّم مصير اليهود المحتوم، شأنهم في ذلك شأن المسلمين وبعض شيَع النصرانية؛ أما الثاني، وهو مؤسّس «اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل»، فقد اشتهر بقوله أن أدولف هتلر كان جزءا من خطة أعدّها الله عزّ وجلّ لإرسال اليهود إلى إسرائيل تعجيلاً ليوم القيامة، الذي سوف يشهد سقوط جميع الذين لم يعتنقوا النصرانية في جهنّم وإلى الأبد، على حدّ زعمه وزعم أشباهه.
وكما تعلمون، لا ينقصنا علماء يضاهون قسّيكم في اتساع المعرفة بعلوم التزمّت وفنون التعصّب الدينييْن ويلتقون معهما في الرأي القائل بأن جهنّم هي المصير المحتوم لجميع الذين لا يتبنّون تصوّرهم للدين الخاص بهم. أما قيام الذين يعتنقون كل دين من أدياننا بقتل من يعتقدون أنهم كفّار، فمُباح بل هو واجب شرعي في فهمنا المشترك. وهو الواجب الذي يقوم به على أفضل وجه جنود أخيكم الشيخ بنيامين نتنياهو، أمير «الدولة اليهودية الصهيونية في إسرائيل»، عندما ينفّذون أوامره بارتكاب المجزرة تلو المجزرة بالفلسطينيين العزّل كلّما اقتربوا من الطوق الذي تفرضه دولته عليهم بغية تحويل قطاع غزّة إلى جحيم على هذه الأرض.
ولا بدّ لي في هذه المناسبة من أن أشكركم وأشكر الشيخ بنيامين لمساهمتكما التي لا تقدّر بثمن في تجنيد الشباب في شتى أنحاء المعمورة للقتال في صفوف دولتي التي، وإن كانت لا تزال محدودة القوة قياساً بدولتيكما، إلّا أن جنودها لا يقلّون عن جنود دولتيكما عزماً على الإرهاب والقتل العشوائي. وقد قمنا بقسطنا في ممارسة الإرهاب على أقبحه، وفاءً منّا للعقد المقدّس الذي يجمع دولنا الثلاث بحيث تساهم كل دولة في تغذية نهجنا المشترك. ونحن في «الدولة الإسلامية في العراق والشام» نكنّ مشاعر الامتنان العميق لسلفكم الشيخ جورج دبليو بوش، الذي أتاح لدولتنا القيام على أرض بلاد ما بين النهرين وذلك عند أمره باحتلالها وإرهاب أهلها. كما نكنّ مشاعر مماثلة للشيخ آرييل شارون، رحمه الله، سلف أخينا الشيخ بنيامين، الذي ساهم قبل سلفكم في تحريض المسلمين على الالتحاق بالصيغة التمهيدية لدولتنا، تلك التي أسّسها سلفنا الشيخ أسامة بن لادن، رحمه الله هو أيضاً.
ولا بدّ من أن نحيّي في هذا الصدد إسهام «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» في تصعيد التوتّر الإقليمي والكراهية الطائفية بانتهاجها نهجاً توسّعياً يتناسب مع مصالحنا جمعاء، وكل طرف من أطرافنا يتغذّى من كراهية الآخر وما ينمّ عنها من ممارسة للعنف على أشكاله. وقد بلغنا أن أقرب المقرّبين إلى نهجنا المشترك في تلك الجمهورية، الذين يُسمّون بالمتشدّدين، ارتاحوا عظيم الارتياح لقراركم الحميد بنقض الاتفاق النووي المبرم بين دولتيكم. وقد ارتاح مثلهم خدّامكم في «المملكة العربية السعودية»، أصدقاء أخيكم الشيخ بنيامين. وختاماً، نتعهّد لكم بأن نصعّد أعمالنا الإجرامية في البلاد الأوروبية تشجيعاً لصعود زملائنا في أقصى اليمين الأوروبي الكاره للمسلمين، وقد رأيتم كيف كان اسهامنا عظيماً في الدفع بهم إلى الصدارة في شتى البلدان من جرّاء التفاعل بين مختلف أنواع إدارة التوحّش التي اتخذناها أجمعين سبيلاً إلى النصر الأكيد.
دمتم، ودامت جهودنا المتكاملة.
أبو بكر البغدادي، أمير «الدولة الإسلامية في العراق والشام»
2 حين يهب العراقيون أصواتهم لمتعاقدين
فاروق يوسف
العرب بريطانيا
ما قام به المثقفون العراقيون القادمون من الخارج لا يقل خطورة عن الدور الذي لعبه رجال الدين من أجل إخضاع الشعب من خلال إلهائه عن النظر إلى حقيقة الكارثة التي ضربته وتقدير حجمها.
نتائج مخيبة للآمال
قرأت تصريحا لأحد المرشحين الذين فشلوا في الانتخابات العراقية يقول فيه ما معناه إن مشاركته في الانتخابات كانت فرصة طيبة لزيارة وطنه الأم الذي سيغادره بعد انتهاء الموسم الانتخابي عائدا إلى وطنه البديل.
إلى جانب ذلك المرشح هناك نواب سابقون فشلوا في الاستمرار نوابا سيغادرون أو غادروا هم الآخرون إلى أوطانهم البديلة حيث تقيم عوائلهم. كانت نزهة وانقضت. خرجوا منها برواتب تقاعدية عالية، إضافة إلى ما اقتنصوه من أموال نتجت عن صفقات فاسدة عقدوها أو يسّروا للفاسدين عملية الوصول إليها.
هذا الوضع ليس جديدا في العراق. فمنذ السنوات الأولى للغزو الأميركي اختفت وجوه كثيرة فجأة مثلما ظهرت فجأة. خدمَ عراقيون كثيرون سلطة الاحتلال وحين انتهت الفترة التي تنص عليها عقودهم غادروا بصمت إلى أوطانهم البديلة، تاركين العراقيين لأوجاعهم ولبؤسهم وتعاسة أيامهم.
“ليس هناك من أمل” يقول لي واحد من أوائل العراقيين الذين استعملتهم سلطة الاحتلال في عملية تطبيع ثقافة الذل والخنوع والاستسلام.
لا أعتقد أن أحدا من عراقيي الخارج ممن قَدموا مع الغزاة كان يجهل أن المشروع الأميركي إنما يهدف أصلا إلى تدمير العراق. أما مفردة “تحرير” التي تمت إشاعتها بين شرائح الشباب في المجتمع العراقي، فقد كانت جزءا من ثقافة الاحتلال التي كُلف أولئك العراقيون بإشاعتها لتحل محل مفردة “احتلال” وهو ما نقضه الأميركان حين اعترفوا أمميا بأن وجودهم في العراق هو احتلال وأن العراق واقع بلد محتل.
لم يكتف بعض عراقيي الخارج بزيارة وطنهم المنكوب، بل زوّروا الحقائق التي شاهدوها بأعينهم ولمسوها بأيديهم رغبة منهم في التقرب من المحتل، من أجل أن يكون لهم دور في العراق الجديد الذي يعرفون أن ماكنة الكذب الأميركي ستنتجه معلبا بصلاحية استعمال منتهية.
لا أحد منهم بإمكانه اليوم أن ينكر ما فعله. لقد وقع الاحتلال في زمن الإنترنت. وهو ما يعني أن المرء لا يحتاج إلا لبضعة ثوان ليحصل على الوثائق التي يريدها.
ما قام به المثقفون العراقيون القادمون من الخارج لا يقلّ خطورة عن الدور الذي لعبه رجال الدين من أجل إخضاع الشعب من خلال إلهائه عن النظر إلى حقيقة الكارثة التي ضربته وتقدير حجمها.
ما كان صادما حقا أن يسبق يساريّو العراق المعارضون غيرهم للترويج للديمقراطية الأميركية التي هبطت على العراق، بعد أن تم تدمير دولته ونشر التنظيمات والجماعات الإرهابية المسلحة فيه.
يومها لعب المبشرون بالديمقراطية دورا مريبا في التستر على الجرائم التي كانت قوات الاحتلال الأميركي ترتكبها في أماكن مختلفة من العراق. وكان واضحا تبنيهم لوجهة النظر الأميركية التي صنفت المقاومة باعتبارها نوعا من الإرهاب.
وعلى العموم فقد عُرف أولئك الديمقراطيون كيف يغسلون أيديهم من آثار تلك الديمقراطية حين غادروا العراق سالمين بعد أن انتهت خدمتهم وهم يرددون “إن الوضع سيء ولا يمكن أن يتحسن”. أما خيانة بعضهم البعض الآخر فهو ما كان يحدث كل لحظة.
نكذب على أنفسنا حين نظن أن الذاهبين مع المحتل أتباعا لا يعتبرون أنفسهم خونة. “انتهى المناضلون السابقون إلى الخيانة”. هذه الخلاصة التي كانت من الممكن أن تكون مؤلمة، لولا أن أولئك المناضلين قد كشفوا بأنفسهم أنهم لم يكونوا سوى متعاقدين ينتظرون بنفاذ صبر انقضاء مدة تعاقدهم، ليغادروا العراق عائدين إلى أوطانهم التي لم تعد بديلة بل هي الأصل.
في ذلك السياق سيكون مؤلما أن نقول “إن العراقيين كانوا قد ذهبوا في أربع دورات انتخابية إلى مراكز الاقتراع من أجل أن يهبوا أصواتهم لمتعاقدين، سيغادرون العراق ما إن تنتهي مدة تعاقدهم من غير أن يلقوا عليهم تحية الوداع”. وهنا بالضبط ما يهب فوز القائمة التي يتزعمها مقتدى الصدر في الانتخابات الأخيرة معنى التحول الذي شهده العراق، بالرغم من أن تلك القائمة قد ضمت هي الأخرى عددا من المتعاقدين.
3 مقتدى الصدر .. الأول.. الدلالات والاستحقاقات محمد حسن البحراني راي اليوم بريطانيا
بلغة الارقام؛ الرابح الأكبر في الانتخابات العراقية الاخيرة هو زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” الذي فاجأ الجميع بمضاعفة رصيده من المقاعد البرلمانية مقارنة بالدورة السابقة (ارتفع من 34 الى 54)، وبهذه النتيجة يكون الرجل قد اثبت لأنصاره وخصومه على حد سواء انه كان ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 ومازال يشكل الرقم الاصعب في المعادلة السياسية للعراق الجديد، بل ان الصدر بما حصل عليه من رصيد إضافي هذه المرة سيفرض على الفرقاء العراقيين بمختلف الوانهم وعناوينهم السياسية الاصغاء اليه بعناية أكثر في المستقبل. وبهذه النتائج سيتطلب الامر من خصوم مقتدى الصدر مراجعة حساباتهم في المرحلة المقبلة والتعايش مع ظاهرة التيار الصدري “المتنامية” كأمر واقع.
سيتطلب الامر من هؤلاء الخصوم مغادرة حالة الغطرسة الفارغة التي كانوا يتعاملون بها مع هذا التيار وزعيمه؛ والكف عن الاساءة للصدر وتياره وتاريخه من خلال أساليب التدليس والتضليل، وخلط الحق بالباطل .. لابد لخصومه لاسيما أولئك الذين يحملون عناوين إسلامية “الإقرار” أولا ان شعبية الصدر هي الأكثر في الساحة العراقية من شعبيتهم، وأن الرجل يستحق الاحترام احتراما لتياره العريض الذي سيمارس بالتأكيد دورا سياسيا أكبر في رسم مستقبل العراق. لكن هذا لايعني اطلاقا ان لا يوجه النقد الصريح لزعيم التيار الصدري عندما يخطأ في اتخاذ قرار ما؛ سواء تعلق الامر بشأن داخلي او خارجي فالنقد في محله ينبغي ان يوجه له كما يوجه لغيره.
في كل الأحوال، ونحن نتحدث عن تقدم تيار مقتدى الصدر في الانتخابات البرلمانية لابد من الإشارة الى ان وراء هذا التقدم عاملان أساسيان.
الاول : الكاريزما التي مازال يتمتع بها زعيم التيار الصدري دون غيره من القيادات السياسية العراقية لدى الشريحة الاجتماعية البسيطة والمهمشة والأكبر في العراق؛ من خلال التواصل معها بخطاب ثوري وبسيط ومفهوم يتبنى همومهم ومطالبهم ويتناغم مع عواطفهم .. كاريزما عززها الانتماء الاسري العريق للصدر دون شك.
الثاني : فشل القوى السياسية في ادارة البلاد على كافة المستويات خاصة الخدمية والامنية منها؛ سهّل على السيد مقتدى الصدر امتطاء صهوة الإصلاح والتغيير، بعد الصاق تهمة الفساد ونهب المال العام بخصومه السياسيين .. تهمة لاتبتعد عن واقع الحال كثيرا ..
4 الشيف «قاسم سليماني» يعد طبخة «رئيس الوزراء» في العراق! عبدالمنعم ابراهيم
اخبار الخليج البحرين
مثلما تتحكم (إيران) في المفاصل الانتخابية بلبنان.. فهي أيضًا تتحكم في المفاصل الانتخابية بالعراق.. وعلى الرغم من أن النتائج الأولية أشارت إلى تقدم قائمة (مقتدى الصدر) بالمقاعد في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة فإن إيران تسعى بكل الطرق لقطع الطريق على وصول أي من مرشحي قائمة (الصدر) إلى كرسي رئاسة الوزراء نظرًا إلى مناهضة (الصدر) للنفوذ الإيراني في العراق.. وقد أشار مراسل «أخبار الخليج» في بغداد الدكتور حميد عبدالله أمس الأول إلى معلومات تفيد بوصول قائد فيلق القدس (قاسم سليماني) إلى بغداد، وأنه اجتمع مع قياديين في التحالفات الشيعية للتداول في كيفية تشكيل ائتلاف سياسي شيعي مرتبط بإيران.. وأنه يسعى إلى منع وصول أي شخصية من التيار الصدري إلى منصب رئاسة الوزراء بسبب قرب (الصدر) من المحيط العربي ومن بينها دول الخليج العربية.. بينما قال قيادي في قائمة (العبادي) إن الخيار المطروح الآن هو تشكيل تحالف سياسي بين ائتلاف (النصر) برئاسة العبادي، وائتلاف (سائرون) المرتبط بمقتدى الصور والذي يقترب عدد أعضائه من مائة نائب؛ ليقطع الطريق على أي تحالف تقوده إيران.
إذن قاسم سليماني يتحرك في بغداد هذه الأيام ليرسم شخصية (رئيس الوزراء) في العراق.. يتحرك في الاجتماعات لمختلف القوائم الشيعية الفائزة في الانتخابات الأخيرة كما لو كان (الشيف) الذي يعد الطبخة على الطبق الإيراني!
كل هذا ولا تزال إيران تردد أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية!.. لا تتدخل في العراق! ولا تتدخل في سوريا! ولا تتدخل في لبنان! ولا تتدخل في اليمن! ولا تتدخل في قطر!.. وإن شئتم الحقيقة فإن إيران حقا لا تتدخل في هذه الدول إلا بقدر ما يسمح لها (الخونة) في البلاد العربية.. هؤلاء هم الذين يفتحون الأبواب والنوافذ في بلادهم لكي تدخل إيران وتعبث بالأمن القومي العربي.. تتدخل بالسلاح والمتفجرات والمال لتجعل من كل بلد عربي (حديقة خلفية) تتجول فيها كيفما تشاء.. وتعبث فيها كيفما تشاء.. ففي الحروب تقتل الأبرياء.. وفي السياسة تعيِّن (رئيس الوزراء)!
5 “صانع الملوك” في العراق!! وليد صبري الوطن البحرينية
فجر تحالف «سائرون» بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والحزب الشيوعي في العراق مفاجأة سياسية من العيار الثقيل بعدما جاء على رأس نتائج الانتخابات البرلمانية، وحل التحالف النادر، الذي جمع أصحاب «العمائم السوداء» مع ذوي «المعاطف الحمراء»، في المرتبة الأولى في 6 محافظات بينها العاصمة بغداد من أصل 18، وثانياً في 4 أخرى، فيما يبقى الصدر بتياره «صانعاً للملوك» في العراق من خلال تحالفاته لتشكيل الحكومة، حيث بإمكان التيار اختيار رئيس الوزراء القادم سواء من داخل التحالف النادر أو من خلال ائتلاف حكومي يدعمه، لكن بطبيعة الحال لن يتولى الصدر رئاسة الحكومة لكونه لم يخوض الاستحقاق النيابي، لكنه يستطيع أن يزكي من داخل تياره من يختاره لقيادة الحكومة العراقية. ولا شك في أن نتائج الانتخابات قد خلطت الأوراق في العراق وأربكت حسابات حلفاء بغداد، خاصة طهران وواشنطن، لاسيما وأن الصدر ليس مقرباً من الأولى، حيث يأتي خلف كل من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وقائد منظمة «بدر» ووزير النقل والمواصلات العراقي السابق هادي العامري، ورئيس الوزراء الحالي المنتهية ولايته، حيدر العبادي، كما أن الصدر معروف بعدائه الشديد لأمريكا. وتمكن تحالف الصدر مع الشيوعيين في العراق من قلب الطاولة على الجميع ليحتل المرتبة الأولى في النتائج الجزئية، فيما جاء تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري الذي يضم فصائل في «الحشد الشعبي»، المدعومة من إيران، في المرتبة الثانية، في حين جاءت لائحة «النصر» بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، المدعوم من التحالف الدولي، في المرتبة الثالثة، فيما حل ائتلاف «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يرتبط بعلاقة قوية مع إيران، في المرتبة الرابعة. ويذهب مراقبون ومحللون إلى أن شعبية الصدر قد زادت في الفترة الأخيرة لكونه ابتعد كثيراً عن إيران، كما أنه استطاع أن يستقطب الشيوعيين من أجل تشكيل حكومة تكنوقراط والتي دائماً ما دعا إليها في تحول استراتيجي لرجل دين يرتدي عمامة سوداء، ويضاف إلى ما سبق، الاحتجاجات المليونية التي كان يدعو إليها ضد الفساد والفاسدين في العراق، حيث لا يترك مناسبة إلا ويوجه انتقاداته الحادة سواء للحكومة السابقة برئاسة المالكي «خصمه اللدود»، أو لرئيس الوزراء الحالي المنتهية ولايته حيدر العبادي. وبالرغم من أن الصدر ينحدر من سلالة دينية شيعية، إلا أنه ليس مدعوماً لا من واشنطن ولا من طهران، حيث دائماً ما دعا في الفترة الأخيرة إلى تحرر القرار السياسي العراقي من التبعية، وربما هذا ما دفع العراقيون إلى التصويت إلى تحالفه مع الشيوعيين. ورغم أن عائلة الصدر قريبة من آية الله روح الله الموسوي الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، ودرس لسنوات عدة في إيران، فإنه يدعو اليوم إلى سيادة العراق في السياسة الخارجية، وهذا يتقاطع مع ما يريده شيوعيو العراق. ولابد أن يؤخذ في الاعتبار الاستدارة التي قام بها الصدر وتأكيده على عروبة العراق ووحدته، وقد تجلى ذلك في زيارته التاريخية إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في أغسطس 2017، وما يؤكد ذلك المنطق، تعليق وزير الدولة لشؤون الخليج العربي والسفير السعودي السابق في العراق، ثامر السبهان، على تغريدة زعيم التيار الصدري، مقدماً للعراق تهانيه على إنجاز الانتخابات النيابية، حيث قال السبهان في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، «فعلاً أنتم سائرون بحكمة ووطنية وتضامن، واتخذتم القرار للتغيير نحو عراق يرفع بيارق النصر باستقلاليته وعروبته وهويته وأبارك للعراق بكم».وكان الصدر قال في تغريدة سابقة له إنه «يدرس التحالف مع كيانات متنوعة، مثل تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم والجيل الجديد والتغيير في إقليم كردستان والقرار العراقي برئاسة أسامة النجيفي».وتابع الصدر في تغريدته «إننا «سائرون» بـ«حكمة» و«وطنية» لتكون «إرادة» الشعب مطلبنا ونبني «جيلاً جديداً» ولنشهد «تغييرا» نحو الإصلاح وليكون «القرار» عراقياً فنرفع «بيارق» «النصر» ولتكون «بغداد» العاصمة وليكون «حراكنا» «الديمقراطي» نحو تأسيس حكومة أبوية من «كوادر» تكنوقراط لا تحزب فيها». ويلاحظ من تغريدته أن الصدر كان يغمز من قناة تجاهل «الحشد الشعبي» بقيادة هادي العامري و«ائتلاف دولة القانون» بقيادة المالكي. وكانت الصدمة الكبرى التي تلقتها طهران هي طريقة احتفال أنصار الصدر بنتائج الانتخابات حيث تجمعوا وسط بغداد للاحتفال «بالنصر على الفاسدين» و«بداية مرحلة جديدة للشعب العراقي»، وأطلقوها مدوية عندما هتفوا «بغداد حرة حرة!… إيران برا برا!». ويبدو أن الهتاف المناهض لإيران هو أحد النقاط الأساسية التي اشترك فيها رجل الدين الشيعي مع ذوي «المعاطف الحمراء»، حيث يعارض الحزب الشيوعي توزيع السلطة على أساس الطائفة ويدعو إلى عراق علماني محايد إقليمياً وغير منحاز دولياً. وتنص المادة 76 في دستور البلاد، أن على رئيس الجمهورية، بعد انتخابه من قبل البرلمان، أن يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً في مجلس النواب تشكيل حكومة مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية. ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته، خلال مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ التكليف. * وقفة: استدارة الصدر نحو السعودية، وتخليه عن إيران، ومناهضته لأمريكا، وتمكنه من التحالف مع ذوي «المعاطف الحمراء»، كلها عوامل جعلته «صانع الملوك» في العراق من خلال أحقيته بتسمية رئيس حكومة لن يخرج عن «بوتقة التكنوقراط»!!
6 حبر العراقيين.. فَرجٌ أم شِدَّة؟! رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية
على الرغم من الممارسة الطائفية، أقوالاً وأفعالاً، لدى القوى السياسية الإسلامية المتصدرة المشهد منذ 2003، لم يجرؤ حزب ولا منظمة بإعلان كيانه الانتخابي باسم الطائفة، مع أن الخطاب الطائفي كان على أشده، ومن قِبل الوزراء ورئيسهم قبل غيرهم. فلو تطّلع على أسماء القوائم في الدورات الانتخابية الأربع لأعوام (2005،2010،2014،2018)، ستجدها مسميات يشع منها نور الوطنية والعدالة وطلب السَّعادة للعراقيين، «ائتلاف وطني»، «وفاق وطني»، «سلام»، «دولة قانون»، «رفاه»، وأُضيف لها في الانتخابات الأخيرة «النَّصر»، و«الفتح المبين»، و«سائرون».. إلخ. لكنَّ الناخبين، في ما سبق، حُشدوا طائفياً، ولما الذريعة «قد ركت مِن تقادمها»، اعتاضوا عنها ربط التصويت للمرشح لمنصب ما بالتَّدين، حتى ظهر أحد الوزراء الدعويين معلناً أن لا يكون أمين العاصمة إلا صائماً مصلياً، وبعدها تأتي المهارات والخبرات، وكأنه يريد إمام مسجد لا أمين عاصمة.
كذلك صرح أحد الإسلاميين، المطرود من حزبه لاتهمامه باختلاس التبرعات التي تصل الحزب عن طريقه، بأن رئيس وزراء العراق بالضرورة يجب أن يكون مصلياً صائماً، وبرر ذلك بأن الإسلاميين ضحوا كلَّ هذه التضحيات من أجل أن يسود التدين، فلا يرتضون برئيس وزراء لا يلتزم بسمات التّدين! لهذا تبرأ العبادي علانية من سماع الأغاني. نشر أثناء كتابة الدستور أحد رجال الدين السياسيين، الذي يتصدر اليوم المشهد مع ولده في إحدى المحافظات، دستوراً مقترحاً من قبله، اشترط فيه أن يكون عضو البرلمان قائماً صائماً، وذلك لضمان الحفاظ على إسلامية العراق! ثم ظهر فقيه حزب إسلامي وأفتى بتحريم انتخاب العلماني، وعُلقت الفتوى في الطرقات العامة. أيضاً سارع حزب «الدعوة» وسبق الانتخابات الأخيرة (2018)، من على فضائيته، ببرنامج «حديث الجمعة» يُحرض فيه ضد غير الإسلاميين، وربطهم بالكفر دفاعاً عن الدين كما يدعي. حتى تجرأ واعتبر الحرية منحةً من الإسلاميين! أقول: تجرأ بنفاق مفضوح لأن العراقيين يدركون أن الغزو الأميركي هو الذي فك عقدة من لسانه، وجعل حزبه يمتلك فضائيات وعقارات كغنائم من الدولة!
صبغ العراقيون سباباتهم بالحبر الأزرق، وهذه المرة الرابعة، وقبلها واحدة كانت للجمعية الوطنية، أملاً في «الفرج بعد الشدة»، وعلى حد ما نظمه يوسف التَّوزري (ت 513هـ) في «المنفرجة»: «اشتَدي أزمَةُ تَنفَرِجي/ قَد آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ/ وَسَحَابُ الخَيرِ لَهَا مَطَرٌ/فَإِذَا جَاءَ الإِبّانُ تَجي» (الأنصاري، أضواء البَهجة في إبراز دقائق المنفرجة). غير أن هذا الأمل في الحبر الأزرق، وآذان حلكة الليل بالبلج، قد قلل منه رئيس «ائتلاف دولة القانون»، الذي لم يُسأل، يوم كان رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، عن قتلى «سبايكر»، وعن سحب فرق الجيش العراقي من الموصل، المدججة بالثقيل والخفيف من السلاح، لتهزم أمام بضعة مئات من المقاتلين. نقول قتل الأمل بالحبر الأزرق عندما كشف عن توقيع وثيقة داخل «الدعوة»، بين «دولة القانون» و«النصر» كي تبقى رئاسة الوزراء بيد حزبه، الوريث لأصحاب مقولة «جئنا لنبقى»! بينما كان الأمل أن لا يستمر هذا الحزب أكثر مِن ثلاثة عشر عاماً في رئاسة السلطة التنفيذية. الأمل أن يتجاوز حيدر العبادي عقدة الحزب، وقد كسب شعبية غير قليلة، كي يفطم نفسه مِن كيان صار عبئاً على الناس، لا أن يشترك في خديعة جديدة.
كان الحماس للانتخابات في دورتها الرابعة، ليس كالسابقات، فإذا دعا رجال دين سنّة إلى المقاطعة في الدورة الأولى (2005)، وتحمس لها رجال دين شيعة، ظهر في هذه الدورة منهم مَن يدعو إلى المقاطعة، على أن «المجرب سيُجرب»، خلاف ما أعلنه وكلاء المرجعية: «المجرب لا يجرب». فعلى ما يبدو سيجرب أفظع المجَربين صاحبي قائمتي «الفتح المبين» و«دولة القانون»، والاثنان عنوانان كبيران، فـ«الفتح المبين» آية قرآنية: «إِنا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيناً» (الفتح:1). يدرك العراقيون أن لصاحب قائمة «الفتح» عاطفة ومولاة مع دولة أجنبية علانية لا سراً! ولم يُقبل يد الولي الفقيه أمام الملأ، وهو الوزير، نفاقاً وإنما إخلاصاً، ويتذكرون أن وزارته للمواصلات منعت طائرة من الهبوط في مطار بغداد، لأنها قلعت في وقتها ولم تنتظر نجله السائح ببيروت؟! أما «دولة القانون» فأمرها أمر. يشرئب صاحبا القائمتين لرئاسة الوزراء، على قاعدة «المجرب يُجرب»!
لستُ يائساً، لكن الحبر الأزرق لا يشق الظلام بهذه السهولة، ولحلكته، يتمثل كثير مِن العراقيين بأبي العلاء المعري (ت 449هـ): «قد نِدمنا على القبيحِ فأمسَي/ نا على غير قَهوةٍ نَتَنادم/ وبصير الأقوام مثليَّ أعمى/ فهلموا في حندس نتصادم» (لزوم ما لا يلزم). العذر أن الحندس صار القاعدة، ولا عُذر لصاحب مقولة «المجرب لا يُجرب»، لأن الخطأ الجسيم، الذي باركه أول الأمر، أصبح عُرفاً ثابتاً! حتى أمسى القبيح في ماضينا جميلاً في حاضرنا!
7 «جلجامش» وزهرة الخليج ريم الكمالي البيان الاماراتية
من أكثر الملاحم متعة في تجربتي القرائية كانت ولا زالت ملحمة «جلجامش» الطويلة جداً، والهامة في تعاطيها الإنساني والفكري والأخلاقي، لكن ما يعنيني اليوم أنها الملحمة العالمية الوحيدة التي يجري جزء من أحداثها في خليجنا العربي بعد عدة مناطق في الشرق الأوسط، من خلال سرد جاذب وجميل لرحلة الملك السومري «جلجامش» ملك أوروك في حوالي 2600 ق.م وبحثه عن الخلود.
كان جلجامش ظالماً وجباراً لكنه ينهار فجأة بموت صديقه «أنكيدو» صاحب القلب الطيب، وذي الأصل البري الذي تمدّن، ليرفض دفنه لعله يحيا، حتى بدأ الدود بالتهامه، متسائلاً حينها بحزن عن فكرة الخلود، فهو لا يريد أن يموت كصديقه.
يرحل جلجامش إلى أراضٍ شاسعة وصعبة، مُصرّاً البحث عن خلوده، هادفاً الوصول إلى شخص حكيم يقترب عمره من الألف عام، ليسأله عن سر خلوده، وبالطبع فإن الأحداث لا تنتهي هنا، خاصة بعد أن أكرمه الحكيم بمواعظ خالدة، لكن جلجامش أصر على أن الخلود شيء يؤكل، ليظفر بقوله إنها عشبة أو زهرة قابعة أمام جزيرة دلمون أسفل البحر حيث الينبوع الحلو هناك.
وقبل أن أكمل هنا، فإن الآثاريين في القرن العشرين أخذوا يبحثون عن جزيرة دلمون بوصفها الجنة كما كُتِبَتْ في عدة مواقع أثرية، ليتصوروا بالحدس الجغرافي أنها ربما جزيرة قبرص، أو جزر أخرى قرب اليونان، لكنهم لم يجدوا هناك سوى آثار إغريقية ورومانية.
وهكذا حتى عثروا على دلمون صدفة، فأثناء التنقيب في البحرين تم اكتشاف أكبر مقبرة أثرية في العالم هناك. نستكمل الحكاية مع جلجامش الذي أتى إلى البحرين «دلمون» ويغوص مقابلها، ليأتي بتلك الزهرة المعجزة لأنها لا تنبت إلا في مياه حلوة وفي قاع بحر مالح.
كان سعيداً بإخراجها، وكم كانت فواحة، ليحملها إلى مدينته أوروك «الوركاء»، وحتى منتصف الطريق وأثناء استراحة يضع زهرته جانباً، لتشم الحيّة الزاحفة أريجها، وتبلعها من روعة الشذى، ومنذ ذلك اليوم والثعابين إجمالاً لا تشيخ وتجدد جلدها كل عام حتى أصبحت الحيّة ذات الصحة والعافية علامة من علامات الصيدليات في العالم كله.
عاد جلجامش إلى مدينته وشعبه بلا زهرة، متمعناً في نصائح ذلك الحكيم، وكلماته الخالدة، ليصرفها في خدمتهم، فالحياة فانية.
أعود للزهرة الفواحة والقاع العذب الذي خَمَّنَ البعض بأنه من جهة الشمال لمملكة البحرين، ليظن البعض الآخر اختفاء هذا البئر البحري مع الإنشاءات الجديدة بعد الدفن، لكننا لا نستطيع التأكد أمام القيل والقال، إلا بالبحث من جديد وبهمة عالية، فقد قيل أيضاً إن الناس وقبل عقود قليلة، كانوا يجلبون الماء الحلو من ينبوع في أسفل البحر. يبقى الماء مطلب وثروة المستقبل، والتنقيب ضروري، فما بالنا إن وجدنا نباتات عطرية ممتلئة بالطيب والشفاء هناك، ففكرة الخلود لدى الإنسان لم تمت بعد.
8 أهم إنجازات الانتخابات العراقية!
صالح القلاب الجريدة الكويتية
الأهم في الانتخابات العراقية، رغم كل ما يقال ضدها وما يؤخذ عليها، أنها بنتائجها قد جاءت لتجُبَّ الكثير من التشوهات الطارئة التي غرق فيها هذا البلد العظيم، منذ الغزو الأميركي في عام 2003، وعلى مدى خمسة عشر عاماً، ولعلّ ما زاد الطين بلَّة، كما يقال، أنه فتح حدود بلاد الرافدين الشرقية لتمدد إيراني اتخذ طابع الاحتلال العسكري والتدخل في كل الشؤون العراقية الداخلية.
والأسوأ أن هذا التمدد شكل حاضنة لموجات فساد وإفساد غدت متجذرة وحاضنة للنزاعات المذهبية السياسية، التي ترتب عليها عنف بدائي متبادل شكل مناخاً لظهور ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأدى إلى حروب وثارات قذرة بالفعل تحتاج إزالة آثارها السياسية والاجتماعية والأخلاقية إلى كفاح سنوات طويلة.
إن أول ما يمكن اعتباره إنجازاً عظيماً لهذه الانتخابات العراقية الأخيرة هو أنها بنتائجها وجهت ضربة قاصمة لعدد كبير من رموز الفساد، الذين استغلوا غياب الدولة وهيبتها المفترضة، فنهبوا البلاد وأفقروا العباد، وبالإمكان إيراد أسماء كثيرة في هذا المجال -لولا بعض المحاذير- من المفترض أن تطاردهم سيوف العدالة في هذا العهد الجديد، الذي بالإمكان المراهنة عليه، رغم أنه لا تزال هناك مستجدات متوقعة كثيرة، ولا يزال حصول انتكاسة تعيد الأمور إلى ما كانت عليه وارداً في أي مرحلة لاحقة.
ثم، وإضافة إلى هذا الإنجاز، الذي هو في منتهى الأهمية بالفعل، أن هذه الانتخابات قد أظهرت أن الشعب العراقي لم يعد قادراً على احتمال استمرار الأمراض الطائفية والمذهبية التي تجاوزت الحدود كلها، خلال السنوات الماضية منذ عام 2003 وحتى الآن، والتي مزقت البلاد شر ممزق، وجعلت أبناء البلد الواحد والأمة الواحدة يدخلون في صراعات عبثية مقيتة فتحت أبواب بلادهم للذين وجدوا أن الفرصة غدت سانحة لتسديد حسابات قديمة، والأخذ بثارات من المفترض أنها لم تعد قائمة، وأن عوامل الزمن قد محتها كلها وجعلتها نسياً منسياً.
وهكذا، فإن الأهم من هذا كله هو أن هذه الانتخابات، ببداياتها ونهاياتها، قد أظهرت أن العراقيين بأغلبيتهم، الشيعة قبل السنة، ما عادوا قادرين على تحمل التدخل الإيراني السافر المتعدد الأشكال في شؤون العراق الداخلية، وما عادوا يقبلون أن يكون حاكمهم الحقيقي والفعلي هو جنرال حراس الثورة الإيرانية قاسم سليماني. وهنا فإن المفترض أن كل المتابعين سمعوا هتافات العراقيين في الساحات العامة، وفي بغداد وغيرها من المدن العراقية: “العراق حرة حرة… وإيران تطْلعْ برّة”!
9 الدبلوماسية الخليجية تخنق نظام الملالي هادي اليامي صحيفة الوطن السعودية
الحفاظ على أمن الشرق الأوسط يفوق في قيمته الحقيقية أي مكاسب اقتصادية آنية يمكن أن تحصل عليها أميركا من التعاون مع إيران، وهو الفخ الذي وقعت فيه دول أوروبية
ركزت معظم الصحف والفضائيات ووكالات الأنباء خلال الأيام الماضية، عند تناولها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، على الآثار المترتبة على ذلك القرار الذي كان منتظرا منذ فترة طويلة، وفي مقدمتها عودة نظام العقوبات المؤلم الصارم على طهران، كما تبارى معظم الكتَّاب والمحللين السياسيين في الحديث عن الآثار المتوقعة لتلك العقوبات، لا سيما أنها أثبتت جدواها خلال العقود الماضية. وليس في كل ذلك خلاف أو ضير بطبيعة الحال، لأنها كلها حقائق ثابتة، لكن الذي غفل عنه الكثيرون هو الدور الذي لعبته دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في ذلك القرار، ونجاح الدبلوماسية الخليجية في محاصرة النظام الإيراني، الذي ظنّ أن بإمكانه خداع العالم أجمع، عبر التظاهر بتنفيذ الاتفاق، والالتزام ببنوده، نصا وروحا، فيما كانت تخرقها صباح مساء، عبر تطوير البرنامج الصاروخي المثير للجدل، وإنفاقها عشرات المليارات من الدولارات -التي دخلت خزينتها عقب توقيع الاتفاق- على حركات إرهابية مثل القاعدة وداعش، ودعم الجماعات المتمردة على دولها، في العراق ولبنان واليمن.
النجاح الكبير للدبلوماسية الخليجية الذي أشرت إليه يتمثل في إقناع الولايات المتحدة بخطورة التحركات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، وسعيها لتشكيل مناطق نفوذ متصلة في سورية والعراق ولبنان، إضافة إلى محاولة إضعاف الدول الخليجية، عبر تكوين فرع جديد لحزب الله في اليمن، حتى يكون شوكة في خاصرة تلك الدول التي يمثل استقرارها وأمنها شرطا لاستقرار الاقتصاد العالمي، بسبب ما تحتويه أراضيها من ثروات نفطية يعول عليها العالم أجمع، واندلاع أي فوضى فيها كفيل بوضع العالم فوق فوهة بركان لا يدري أحد -إلا الله- ما يمكن أن يسفر عنه من آثار اقتصادية مدمرة. كما أن تدخلات طهران في شؤون الدول الأخرى لم تقتصر على الدول الخليجية أو العربية فقط، بل إنه لا تكاد دولة من دول العالم سلمت من شرورها، للدرجة التي باتت فيها إيران تتبوأ المرتبة الأولى في العالم من حيث الدول التي تواجه مقاطعة سياسية وعزلة دبلوماسية.
الرؤية الأميركية الجديدة تجلت في إدراك تلك الحقائق، واستيعاب أن الحفاظ على أمن الشرق الأوسط يفوق في قيمته الحقيقية أي مكاسب اقتصادية آنية يمكن أن تحصل عليها الولايات المتحدة من التعاون مع إيران، وهو الفخ الذي وقعت فيه عدة دول أوروبية سارعت إلى استثمار مبالغ طائلة في إيران عقب توقيع الاتفاق، وتواجه شركات تلك الدول مخاطر هائلة في كيفية الانسحاب من طهران، واسترداد الأموال التي أنفقتها هناك، بعد تأكيد الرئيس الأميركي بفرض عقوبات اقتصادية فادحة على أي شركة غربية تنتهك العقوبات الغربية، التي يدرك النظام المارق أن عودتها تعني وقف تصديره للنفط، وتجميد أرصدته في الدول الغربية، وإيقاف التعامل الاقتصادي معه بشكل يعيده إلى عهد القرون الوسطى، ويمهد الأجواء أمام انتفاضة شعبية لن تتوقف هذه المرة إلا بعد اقتلاع النظام المتطرف من جذوره.
النجاح الذي حققته الدبلوماسية الخليجية في خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، وإعادة فرض العقوبات على إيران، تطلب جهدا كبيرا ومضنيا، استمر عدة سنوات، وتحديدا بمجرد مجيء الإدارة الأميركية الجديدة، تضمّن كشف التجاوزات الإيرانية، وبيان زيف ادعاءات نظام الملالي، ومحاولاته المخادعة، ومساعيه غير المشروعة لإشعال المنطقة العربية، وتدخلاته السالبة في شؤون دولها. ورغم الضغوط التي مارستها روسيا وعدد من الدول الأوروبية على الرئيس الأميركي، ومحاولات إثنائه عن الانسحاب من الاتفاق، إلا أن الصوت العربي كان أعلى وأوضح، وكانت الحجج الخليجية التي سيقت لواشنطن أكثر إقناعا، وهو ما أدى أخيرا إلى إعادة شد الحبل على رقبة نظام الخميني، ومحاصرته من جميع الجوانب.
وربما يكون من الإنصاف القول إن ضيق الأفق السياسي، الذي ظل سمة ملازمة للنظام الإيراني، منذ مجيء الخمينيين إلى سدة الحكم سهَّل المهمة، فقد اعتمد هذا النظام على لغة العنتريات الجوفاء عديمة المعنى، وتمسك بسياسة التحدي، وإطلاق التصريحات الخنفشارية التي ما قتلت ذبابة، وربما توهّم أتباع الولي الفقيه أن باستطاعتهم مواجهة العالم كله، وهم بذلك قد صدقوا الكذبة التي أطلقوها بأنفسهم، فنظرة بسيطة إلى أوضاع بعض الدول العربية في المنطقة كافية لإصدار أكبر شهادات الإدانة بحق طهران، لا سيما في سورية واليمن، إضافة إلى الوضع السياسي الهش في العراق، والاحتقان الطائفي في لبنان، فأذناب إيران في تلك الدول مثل الحوثيين وميليشيات الحشد الشعبي وعصابة حزب الله، ما كان لهم أن يتمكنوا من ممارساتهم الإرهابية لولا مليارات الشعب الإيراني المغلوب على أمره، والتي أنفقها عليهم أتباع الولي الفقيه، بدلا من صرفها على شعبهم وإصلاح أوضاعه المتردية.
بقي التأكيد على أن النجاح الذي حققته الدبلوماسية الخليجية على وجه العموم، والسعودية بصفة خاصة، سوف ينعكس خيرا كثيرا، ليس على دول المنطقة فقط، بل سيشمل كافة الدول الإسلامية، ودول العالم المحبة للسلام، لأن قدرة النظام الإيراني على مواصلة التدخل في شؤون الآخرين سوف تقل كثيرا، بسبب تناقص قدرته على تمويل أذرعه الإرهابية، بعد فرض العقوبات وعودة الرقابة المشددة على حركة الأموال في طهران، إضافة إلى كلمات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الواضحة، التي أكد فيها أنه سيتم تشديد العقوبات، وممارسة أقصى درجات الرقابة، قبل التطرق إلى حلول أخرى.
10 العراق… «جدل غير عاجل»
مصطفى فحص
صحيفة الشرق الاوسط
بداية الخريف الماضي وفي واحد من مقاهي بيروت، التي ما زال بإمكان روادها ممارسة ما تيسّر لهم من حرية التعبير وإبداء رأيهم في الأحداث التي تجري في بلادهم وفي بلاد الشرق، التي يشخص حالتها الكاتب العراقي سرمد الطائي بأنها مصابة بحمى الانقراض التدريجي على مستوى «الدولة والشعب»، في المقهى بدا هيوا (الناوبرداني) نسبة إلى مسقط رأسه ناوبردان، التي تقع على سفوح جبل «سكران» الفاصل بين إيران والعراق، أكثر يقظة من أغلب المؤيدين لاستقلال كردستان ومن المعارضين له، الذين دفعوا ثمن دفاعهم عما اعتبروه متلازمة «بغداد – كردستان» كضرورة وطنية لبناء عراق يتسع لجميع أبنائه، اضطر هيوا أن يغادر وظيفته الحكومية في بغداد عشية الاستفتاء على الاستقلال، بعد أن فقد منطقه الطريق إلى آذان غُلاة الكرد المغامرين في مستقبل شعبهم، ورفض شركاؤه العرب في بغداد تفهم موقفه.
في رحلة شقائه الجديدة روى لنا هيوا الساعات التي قضاها على معبر إبراهيم الخليل مع تركيا وطوابير المنتظرين على الحدود، عن قساوة الجندرما التركية ونقاط التفتيش المنتشرة على الطرقات الموصلة إلى مطار ديار بكر، عاد الخروج من كردستان يستغرق أياماً وعادت الذاكرة إلى سنين مضت استرجع فيها صوراً من القسوة والصمت، تلك التي تؤرخ عنف البعث بأبعادها الثلاثة (العربي، التركي والفارسي). في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد وصوله إلى بيروت، عرض عليَّ الكاكا هيوا أن أنضم إلى مجموعة عراقية ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، عرضه كان نصيحة لكي أكون أكثر اطلاعاً على الأحداث العراقية وتفاعلاتها بعد أزمة استقلال كردستان والحرب على «داعش».
الانضمام إلى مجموعة «جدل غير عاجل» فتح نافذة تسللت منها إلى داخل واحدة من أبرز أروقة صناعة الرأي العام الافتراضية، تختزل هذه المجموعة العراق من شماله إلى جنوبه، التماسك الجغرافي بين أعضائها يعوض فشل المكونات العراقية في التعايش فيما بينها، خصوصاً أن وصفة المكونات باتت قابلة للتفكك بعد أن عصفت بها الأحداث ومزقتها، وتحولت فرقتها إلى مصلحة عراقية تحتاجها الوطنية العراقية الصاعدة، التي ظهرت ملامحها على حطام الهزائم الكبرى التي تعرضت لها كل المكونات؛ الكردية – العربية، والسنية – الشيعة، التي ذهبت إلى أقاصي العنف وعادت محطمة تبحث عن رافعة وطنية تنتشلها من قعر التطرف القومي والعقائدي الذي انحدرت إليه في الخمس عشرة سنة الأخيرة.
في «جدل غير عاجل»، يفتح ابن الفاو المنتفض على الموروث العقائدي والمنشغل في تفكيك شيفرة الإسلام السياسي الشيعي من داخله، يفتح الجدل واسعاً عن علاقة الإسلام ودولة التشيع والسياسة، الحوزة والسلطة، ويتقاطع مع شيخ المجموعة وكبيرها الذي علمها الحكمة القادم من ديالى، والذي يعلق على النتائج الأولية للانتخابات في البيئة الشيعية بقوله: «نرى شيئاً من التلاقي الموضوعي والتاريخي بين الشيعية والوطنية العراقية التقدمية على أساس مبادئ سياسية متقاسمة ربما أقل اجتماعية»، هذه القراءة شجعت شيوعياً من المجموعة على الاعتراف بأن ما حصل عليه الحزب الشيوعي في الانتخابات على يد السيد مقتدى الصدر لم يحصل عليه في زمن قادته التاريخيين، فيما يرى ابن الموصل أن تصويت أبناء مدينته لقائمة رئيس الوزراء هو نتيجة قناعة لدى العراقيين السنة بالعودة إلى كنف الدولة المركزية والتصالح معها، وهو ما شجع أحد الأعضاء وهو من بابل على الاعتراف بأن السنة كانوا أكثر مرونة في اختياراتهم، بينما خضعت البيئات الكردية والشيعية في اختياراتها إلى سطوة القوى المسلحة.
لم يتردد أعضاء هذه المجموعة القادرة على صناعة الرأي العام العراقي والتأثير نسبياً على بعض صناع القرار، في طرح أكثر القضايا السياسية والاجتماعية جدلاً في تاريخ العراق الحديث، من انقلاب 1958 وإعادة تقييم موضوعية للمرحلة الملكية، إلى البعث ومغامراته مروراً بشخصية صدام حسين القيادية، والانتقال إلى الدكتور أحمد الجلبي والأسئلة الحرجة، والتوقف عند كنعان مكية واعتذاره المثير للجدل، وعن إعادة الاعتبار لتجربة برهم صالح وعادل عبد المهدي بعد أن آلمهما ظلم ذوي القربى.
«جدل غير عاجل»، صورة مصغرة عن عراق مثير للاهتمام، يعاد تشكيل أجزاء أساسية منه بعيداً عن عيون الفاسدين والملثمين، تطمح نخبه في الوصول إلى دولة الممكن، وفن الممكن في الحالة العراقية أن تتيح الظروف المقبلة لهذه النخب المتواضعة الجلوس في مقهى الشاهبندر شارع المتنبي لقراءة قصائد شيركو بيكس، وطرح الأسئلة على زميلهم فرانكشتاين بغداد.
11 الانتخابات في لبنان والعراق ذات النتائج المعروفة مرزوق الحلبي صحيفة الحياة السعودية
أتّفق مع التنظيرات القائلة إن العولمة انتقصت من الفكرة الديموقراطية كما شهد التاريخ تطبيقها لأن ضعف الدولة الإقليمية استتبع انحساراً في الديموقراطيات. وتعليله هو أن الديموقراطية فكرة تجسّد حُكم الشعب وإرادته في دولة مُعطاة، بينما العولمة تعني في ما تعنيه سيولة القوة والإرادات من خارج حدود الدولة ومجتمعها للتأثير في مجريات الأمور والخيارات داخل الدولة.
بموجب وجهة نظر تحليلية كهذه، فإن كل عملية انتخابات تشريعية أو للسلطة التمثيلية أو للرئاسة (في النظام الرئاسي) لا تعبّر عن إرادة المشاركين في الانتخابات فحسب، وهم مواطنو الدولة المعنية، بل عن إرادات ومصالح قوى خارجية كدول وحكومات ومؤسسات مالية وشركات ومحاور إقليمية وسواها. وقد شهدنا «تورّط» روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة ولا تزال التحقيقات في هذه القضية في بدايتها. لكن الأمر ينسحب أيضاً على الدول الأقلّ شأناً أو تلك التابعة لمحور إقليمي أو دولي.
من المُفيد أن نرى إلى الانتخابات اللبنانية والعراقية في الأسبوع الماضي من خلال هذا التحليل، فلا يكون احتفاؤنا بهما وبالعرس الديموقراطي مقطوعاً من سياق واقعي إن كان في سيرورة ما حصل ونتائجه، أو في سيرورة العملية الانتخابية التي لا تعني بالضرورة تعزيزاً للديموقراطية أو ما تعنيه هذه الفكرة من حريات وإجراءات تحفظ الفصل بين السلطات أو حقوق الإنسان أو الدَسْتَرة.
فإذا نظرنا إلى العراق، سنجد في نتائج الانتخابات هناك الملالي من إيران ونزعات الحرس الثوري الإيراني والتيار المُعتدل. وسنجد على خط موازٍ تأثيرات التدخّل الأميركي ومصالح البيت الأبيض. أما الحكومة التي ستتشكّل فتكون في مؤدّاها محصّلة التوازنات بين هاتين القوتين الخارجيتيْن الداخليتيْن! يغيب الفارق بين قوة تأثير الناخب وبين قوة تأثير القوة الراعية له أو للمرشحين الوافدة من خارج القُطر. صحيح أن عوامل أخرى عدة تفعل فعلها في النتائج، لكن العامل الحاسم هو المصالح التي يُراد للقوى المشاركة في الانتخابات أو «الفائزة» فيها خدمة مصالح محورين قوييْن من خارج البلد.
الأمر نفسه تُمكن رؤيته في لبنان. تحتَ الحملات الانتخابية والسجالات التي احتدمت وشطّت في مرات كثيرة، والخُطب النارية، تختبئ حقيقة مرّة وهي، وإن كان الناخب اللبناني يُدلي بصوته مُقتنعًا بمرشّح على لائحة ما، فإنه في نهاية المطاف يقترع لمصلحة قوى إقليمية ودولية. وأعتقد أن الناس تُدرك هذه الحقيقة بحسّها الفِطري وأن «اللعبة مبيوعة»، فإما أن تعزف عن اللعب أو أن تعزف معها لحن الديموقراطية الحزينة أو الهشّة. ربّما يقول المشاركون «رأينا لعبة أمامنا فلعبنا» أو «لو كانت هناك لعبة أخرى لاخترناها
المواطن يُشارك في «الديموقراطية» التي تتطور تاريخياً أو قد لا يُشارك. وهي ظاهرة غير محصورة بالمجتمعات العربية. لكن كلّما ضعُفت الديموقراطية وتضعضعت كان حضور الغريب والأجنبي في مواسمها قوياً ومؤثّراً. وهكذا تأتي النتائج على وقع هذا التدخّل ومَداه. وأمكننا أحياناً أن نقول في سياق الانتخابات اللبنانية فاز «الحرس الثوري الإيراني» بأوراق لعب جديدة أو تقلّصت حصة فرنسا في البرلمان أو ضعفت أوراق اللعب الخليجية. أتابع عن بُعد تفاعل الشعب اللبناني أو الشعوب العراقية مع الانتخابات لأجدها تعبّر في الوقت ذاته عن خيبتها وعن أملها في العملية الانتخابية والسياسيين وفي النتائج. أملها الإنساني بأن تصحّ الأمور في البلد وتستقيم وتنعكس حياة كريمة وحريات ونمواً ورفاهية. وعن خيبتها نتيجة معرفتها أن النتائج معروفة مسبقاً. ليست نتائج الانتخابات فقط بل النتائج المترتبة عن العملية الانتخابية لجهة أن ما كان هو ما سيكون وأن موارد البلد إما ستُهدر أو أنها ستؤول في نهاية النهار إلى قوى خارجية مرئية أو غير مرئية. أما البلد على ما يعنيه البلد كدولة ومجتمع وحقوق وتوزيع للموارد فيصير أسيراً أو رهينة التحالفات وترتيب المصالح بين قوى في داخل البلد وقوى خارجها. وتكون العملية الانتخابات غطاءً كلامياً وسياسياً وقانونياً لهذه الترتيبات. وهي عادة ما تُفضي إلى فوز الأقوياء وخسارة المُستضعفين وفي رأسهم المواطنون والجماعات المُقصاة وقليلة العدد وعديمة الحيلة.
12 نهج قومي أميركي متطرف في عهد بولتون … لفظ الاتفاقات والتلويح بالقوة آلان فراشون صحيفة «لوموند» الفرنسية
تردد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقتاً طويلاً في تعيين جون بولتون، على رغم أنه كان يتحدث معه يومياً. وهو مكروه في صفوف النخب الديبلوماسية والصحافية، وما يقترحه من حلول لشوائب المجتمع الدولي بسيط وغير مركب. وذاع صيت الاخير في السياسة الخارجية فهو من ينسف الديبلوماسية ويطيحها. وقال ستيف بانون في كتاب «نار وغضب» أن ترامب يرى أن شارب بولتون لا يليق بوزير خارجية. وربما كان يخشى أن يخفي الشارب هذا جانباً مستتراً منه، جانب شاعري ربما أكثر مما هو حربي. وإثر اطمئنان ترامب إلى شارب بولتون، عيّنه في منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض. فهو الرجل الذي يطلع الرئيس على المعلومات ويوجهه في مسائل الدفاع والسياسة الخارجية. فشارب جون بولتون خادع، وهو يضلل الأخصام – سواء كانوا ديبلوماسيين أم «ميونيخيين» (مهادنو هتلر في اتفاق ميونيخ) على اختلاف مشاربهم. ولا يخفى أن بولتون متطرف قومي أميركي، وهو يعلي شأن القوة في سبيل صون مصالح أميركا القومية، ويلوّح بالقوة العسكرية لحماية مكانة بلاده الريادية. ويتعذر على بولتون قبول أو حتى تخيل نظام دولي ترعاه منظمات متعددة الاقطاب في عالم كُتب عليه التعدد القطبي. ورؤيته الاستراتيجية هي صنو ولايات متحدة مغالية في التسلح والعسكرة تفرض وزنها وكلمتها من طريق الردع أو اللجوء الى القوة.
ورؤيته هذه تتناغم مع رؤية سيد البيت الابيض، ولكنها أكثر خطورة: فتطرف دونالد ترامب القومي أقرب إلى الارتجال والعملانية، على خلاف تطرف بولتون القومي وهو تطرف عقائدي متماسك وعمدي. فمستشار الامن القومي الاميركي هذا هو الابن الروحي لريتشارد (ديك) تشيني، أمير الظلمات الذي روَّج لغزو العراق في 2003 حين كان يشغل منصب نائب الرئيس جورج دبليو بوش. وأمثال بولتون وتشيني متطرفون قوميون، ولا يقيمون وزناً للأنظمة السياسية طالما أن البلدان الذين يتعاملون معها تقر بالريادة الاميركية وتصدع بها. فالمتطرفون القوميون هم على خلاف المحافظين الجدد في هذه المسألة. ويتمسك المحافظون الجدد بترويج الديموقراطية، وتذرعوا بنشرها في تسويغ المغامرة العراقية. ورؤية المتطرفين القوميين إلى الوطنية شاذة، وشريان حياتها هو القناعة بالتفوق الأخلاقي الأميركي. وهي لا تنفك عن مفهوم السيادة الوطنية المطلقة: لا يسع أي اتفاق أو أي منظمة دولية متعددة الأطراف تقييد يد أميركا في الخارج. وبولتون هو اليوم على رأس التيار القومي الأميركي. وهو يقر بحق واشنطن في إبرام اتفاقات، ولكنه لا يرى أن الاتفاقات هذه تُلزم حكومة بلاده. والقيد الوحيد على الحكومة هذه هو الدستور الاميركي، وكل ما عداه هو موضع نقاش. ولا يمت النظام الذي بلورته وأرسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية- الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية والناتو والمشروع الأوروبي- إلى «البولتونية» بصلة: فهو كثير القواعد والنظم والقيود، في وقت يرى بولتون أن سيادة الدول مطلقة ومفارقة.
ورأى القوميون والمحافظون الجدد أن عراق صدام حسين هو كبش فداء أمراض الشرق الأوسط كلها. وهذا الحسبان لم يكن في محله. ولكن بولتون، وهو كان مسؤولاً في وزارة الخارجية الأميركية في 2002، ساهم في بتر المعلومات «ليحمل الحكومة على شن حرب العراق»، تقول «نيويورك تايمز». واليوم، إيران هي المتهمة بالوقوف من غير منازع وراء زعزعة الشرق الاوسط. ويسير بولتون على نهجه السالف: الشيطنة والرسم المشوه والمبالغ في التهكم. وأسرّ ستيف بانون الى صحيفة «فايننشل تايمز» في آذار (مارس) المنصرم، أنه يستبعد اللقاء بين ترامب وكيم جونغ- أون في نهاية أيار (مايو) الجاري. وليس ما يرتجى من اللقاء، على قوله. فجعبة الرئيس الأميركي خالية من الكلام والنقاش، وما يريد قوله لا يحتاج إلى قمم ولقاءات ويُختزل في عبارتين: مباشرة نزع السلاح النووي الشامل أو المغامرة بالحرب. وثمة إجماع خارج الولايات المتحدة على أن الترامبية- «أميركا أولاً»- هي ضرب من القومية نواته الوعد ببعث عظمة أميركا من طريق عتقها من القيود، وهي قيود ارتضتها هي وبادرت إليها.
13 أيُّها العراقُ.. هَلا خرجْتَ من مزرعةِ البصل؟! محمد رضا نصرالله صحيفة الرياض السعودية
طالما ردد العراقيون بيتاً ذاع على ألسنتهم، يتوارثونه أباً عن جد، لشاعرهم المبدع علي الشرقي، منذ قامت لهم دولة وعلم ومجلس أمة، على يدي (الخاتون) البريطانية غروتيد بيل! بعدما طوت القوى الكبرى صفحات الوجود العثماني من الجغرافيا السياسية العربية، وفق اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916م بعد مراسلات مكماهون، وقد حمل البريطاني الشهير لورانس لواء الثورة العربية! التي انتهت بتقاسم الغنيمة بين المستعمرين البريطاني والفرنسي..
وإذ لم تكن للعراقيين دولة على أرضهم، المكتوية بنيران الصراع التركي العثماني والإيراني الصفوي، على مدى أربعة قرون.. فإن ثورة العشرين المنطلقة بقيادة السيد محمد سعيد الحبوبي، محفوفة بفتاوى مراجع النجف، المناصرة للدولة العثمانية ضد الاحتلال البريطاني لولايات العراق الثلاث.. انتهت بإرسال الشاعر والسياسي النجفي الشيخ محمد رضا الشبيبي، إلى مكة المكرمة لمرافقة الملك فيصل الأول، وقد توّجه البريطانيون إلى مملكة العراق الوليدة، إثر طرد الفرنسيين له من إمارة سورية، عندما حل الجنرال غورو في سورية ولبنان، بوصفهما غنيمة فرنسا حسب اتفاقية سايكس بيكو.
عاش العراق الملكي تحت الوصاية البريطانية، وبيت الشاعر العراقي معروف الرصافي المتبرم، بسبب هواه العثماني ونقده اللاذع لفيصل الأول، لحرمانه من عضوية مجلس الأعيان، يتردد على ألسنة الوطنيين العراقيين:
علمٌ ودستورٌ ومجلسُ أمةٍ
كلٌّ عن المعنى الصحيحِ محرف
ومع ذلك فإن العهد الملكي بمساوئه وإيجابياته، عرف حالة من الاستقرار السياسي، لم يعهده العراق منذ سقطت بغداد تحت سنابك هولاكو التتري سنة 656 هجرية.. بل إن العراق منذ شكل عبدالرحمن النقيب سنة 1920م أول وزارة في تاريخه الحديث، شهد حالة من التداول السلمي على السلطة، وقد تشكلت أحزاب وأصدرت صحف، وبرزت زعامات سياسية مختلفة المذاهب والمشارب، بل وجدنا التحالفات الحزبية تجمع ما بين جعفر أبو التمَّن الشيعي وعبدالمحسن السعدون السني، في تكتل سياسي واحد لدخول الانتخابات، أصبح بمقتضاها السعدون رئيساً للوزراء، مثلما كان غيره من الشيعة يحتل الموقع الرئاسي نفسه، كان آخرهم فاضل الجمالي الذي اعتقل صبيحة الانقلاب العسكري، هو ما عرف بثورة 1958م لتدشن حالة القلق السياسي المضطرب، بترييف الحكم والإدارة في العراق، حتى سقوط نظام صدام حسين الحديدي سنة 2003م على يدي الجيش الأميركي وإدارة بريمر، هذا الذي أنفذ مخطط إدارة جورج بوش الابن، في تدمير مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وفرش البساط الأحمر لعناصر المعارضة، وفق محاصصة طائفية وعرقية وقبلية، بسببها فشل الحكم الجديد في إدارة الدولة الوطنية، مما فوت عليه بسبب التنازع على السلطة، الإفادة من فوائض ثروة العراق النفطية، في بناء المواطن العراقي وفق رؤية وطنية، متجاوزة به الانتماء المذهبي والاثني والقبلي، وإقامة بنية تحتية لتنمية وطنية، قادرة على استيعاب طاقات العراقيين، خاصة ممن عاش في المهاجر الأوروبية والأميركية.
من المفارقات أن تكون حكومة نوري السعيد المتهمة بالعمالة للاستعمار في عهد الملك فيصل الثاني، هي أول من دشن في سنوات الخمسينات الميلادية المنصرمة، خطط التنمية في العالم العربي بإنشاء مجلس الأعمار، وإقامة سد الثرثار الشهير!.
في حين بددت الحكومات العسكرية المتعاقبة خاصة في عهد صدام حسين الاستبدادي، ثروات العراق البشرية قبل النفطية على حروبه العبثية في الداخل والخارج، ليتطاير دخانها الجهنمي أوهاماً ذهانية، حول عبادة شخصيته النرجسية المريضة، حتى أصبح العراق بعد غزو دولة الكويت على ما نراه اليوم، وقد غدا بلداً منقسماً على نفسه مذهبياً وطائفياً وإثنياً ما أحوجه اليوم إلى عقد اجتماعي جديد، يعيد له بناء الهوية الوطنية الممزقة، وينأى به عن مهب عواصف التدخلات الإيرانية والتركية، يحتاج لتجاوزها من ساسته إلى إرادة وطنية حرة موحدة، ضد حالة تبعثر المكونات وتحزب الهويات وتكاثر الزعامات، وكأن شاعره الوطني علي الشرقي ما يزال حياً في بغداد! ينظر من شرفة مكتبه بمجلس الأعيان ثم الوزراء، إلى مواطنيه العراقيين بكل ألم وحرقة، منبهاً إياهم إلى ضرورة تجاوز هذه الحالة المتشظية، وكأنها أصبحت نمطاً ثابتاً في التعاطي العراقي مع قضاياه الوطنية.
لقد لمس الشرقي حالة التنابذ والخلاف والتزعم المضطرمة في مجتمع العراق السياسي – منذ ذاك – مطلقاً صرخته الوطنية المبكرة سنة 1926م فوق صفحات مجلة الحرية.. وليس اليوم! قائلاً بملء فيه:
دعْ عنكَ مروانَ الحمار
وخل واقعةَ الجمل
للسعِ نعملُ دائماً
والنحل تعمل للعسل
بلدي رؤوسٌ كلُه
أرايتَ مزرعةَ البصل؟!
هل لهذا امتطى مجايله وزميله محمد رضا الشبيبي راحلته العربية، متوجهاً صوب مكة – وقتذاك – موفداً من قادة ثورة العشرين في الجنوب العراقي؟!.
14 هذا هو الشعب العراقي !! صالح القلاب صحيفة الراي الاردنية
الأهم في الإنتخابات العراقية، رغم كل ما يقال ضدها وما يؤخذ عليها، أنها بنتائجها قد جاءت لتجُبَّ الكثير من التشوهات الطارئة التي غرق فيها هذا البلد العظيم منذ الغزو الأميركي في عام 2003 وعلى مدى خمسة عشر عاماً ولعلّ ما زاد الطينة بلَّة كما يقال أنه فتح حدود بلاد الرافدين الشرقية لتمدد إيراني اتخذ طابع الإحتلال العسكري والتدخل في كل الشؤون العراقية الداخلية.
والأسوأ أن هذا التمدد قد شكل حاضنة لموجات فساد وإفساد غدت متجذرة وحاضنة للنزاعات المذهبية السياسية التي ترتب عليها عنف بدائي متبادل شكل مناخاً لظهور ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأدى إلى حروب وثارات قذرة بالفعل تحتاج إزالة أثارها السياسية والإجتماعية والأخلاقية إلى كفاح سنوات طويلة.
إن أول ما يمكن اعتباره إنجازاً عظيماً لهذه الإنتخابات العراقية الأخيرة هو أنها بنتائجها قد وجهت ضربة قاصمة لعدد كبير من رموز الفساد الذين استغلوا غياب الدولة وهيبتها المفترضة فنهبوا البلاد وأفقروا العباد وبالإمكان إيراد أسماء كثيرة في هذا المجال، لولا بعض المحاذير، من المفترض أن تطاردهم سيوف العدالة في هذا العهد الجديد الذي بالإمكان المراهنة عليه رغم أنه لا تزال هناك مستجدات متوقعة كثيرة ولا يزال حصول انتكاسة تعيد الأمور إلى ما كانت عليه وارداً في أي مرحلة لاحقة.
ثم وبالإضافة إلى هذا الإنجاز، الذي هو في غاية الأهمية بالفعل، أن هذه الإنتخابات بنتائجها قد أظهرت أن الشعب العراقي لم يعد قادراً على احتمال استمرار الأمراض الطائفية والمذهبية التي تجاوزت الحدود كلها خلال السنوات الماضية منذ عام 2003 وحتى الآن والتي مزقت البلاد شر ممزق وجعلت أبناء البلد الواحد والأمة الواحدة يدخلون في صراعات عبثية مقيتة فتحت أبواب بلادهم للذين وجدوا أن الفرصة غدت سانحة لتسديد حسابات قديمة والأخذ بثارات من المفترض أنها لم تعد قائمة وأن عوامل الزمن قد محتها كلها وجعلتها نسياًّ منسيا.
وهكذا فإن الأهم من هذا كله هو أن هذه الإنتخابات ببداياتها ونهاياتها قد أظهرت أن العراقيين بغالبيتهم، الشيعة قبل السنة، ما عادوا قادرين على تحمل التدخل الإيراني السافر المتعدد الأشكال في شؤون العراق الداخلية وما عادوا يقبلون بأن يكون حاكمهم الحقيقي والفعلي هو جنرال حراس الثورة الإيرانية قاسم سليماني وهنا فإن المفترض أن كل المتابعين قد سمعوا هتافات العراقيين في الساحات العامة وفي بغداد وغيرها من المدن العراقية :»العراق حرة.. حرة وإيران تطْلعْ برّأ»!!.