1 باريس وثروة البغدادي كاظم الموسوي العرب بريطانيا
عقد في باريس نهاية شهر نيسان/ ابريل هذا العام، مؤتمر ضم حوالي 500 خبير و80 وزيرا من 72 دولة للبحث في سبل وقف تمويل الإرهاب الدولي، خصوصا تمويل تنظيمي داعش والقاعدة. وكانت جلساته مغلقة وختمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اعلان القرارات، وفق وكالة الأنباء الفرنسية. والمؤتمر استكمال لاجتماعات دولية أصدرت قرارات وبيانات، وللاسف كغيرها, او كمثل قرارات الأمم المتحدة تحمل ازدواجية التعامل والتطبيق، والمهم فيها انها درست وحللت وتوصلت إلى وقائع وحقائق لا يغفلها التاريخ.
انعقد المؤتمر تحت شعار “لا أموال للإرهاب – مؤتمر مكافحة تمويل داعش والقاعدة”، وكان الرئيس الفرنسي قد أعلنه في خطاب ألقاه أمام السفراء الفرنسيين في العالم أواخر اب/ اغسطس العام الماضي في باريس.
من جهته اعتبر قصر الإليزيه أن “النصر العسكري على داعش نجاح مهمّ” إلا أنه “لا يحمينا لا من عودة داعش ولا من أنشطة الجماعات والأشخاص الذين بايعوا هذا التنظيم – حتى في فرنسا مؤخرا- أو القاعدة”. وأضاف المصدر نفسه “خلال ثلاث سنوات، منذ 2014 حتى 2016 تمكن داعش من تجميع ثروة ضخمة قاربت المليار دولار سنوياً (…) هذه المجموعات موهوبة جداً في استخدام التقنيات الأكثر تعقيدا لنقل الأموال، هي تعرف كيف تتلاعب بالحدود”. ومهما اختلفت الارقام المعلنة والتحقيقات فيها أو حولها تظل عمليات التمويل المعلنة او المكشوفة للجميع مغطاة من قبل القائمين بها وتجري عمليات تستر عليها وغض نظر وقح ومعلن ايضا.
مثلا كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في تقرير لها عن مصادر تمويل تنظيم داعش الإرهابي استنادا لأحدث تقديرات أجهزة المخابرات الفرنسية أن ثروة داعش بلغت نحو 3 مليارات دولار، موضحة أن أبو بكر البغدادي زعيم داعش، لديه القدرة اليوم على شراء شركة الطيران الفرنسية (أير فرانس)، لكون قيمتها تقارب ما يمتلكه، الأمر الذي شكل قلقا للمتخصصين في مكافحة الإرهاب، والدوائر الرسمية التي تخفي ما تعرفه عنها لاسبابها التي لابد أن تعرف يوما اذا لم تعرف بعد.
ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى أن المخابرات الفرنسية تتبعت عملية الحسابات التي اشتبهت بضلوعها في الإرهاب، واتضح أن عملية نقل الأموال تتم عن طريق حسابات صغيرة لأفراد غير مطلوبين بعيدا عن مستوى الشبهات. وأضافت الصحيفة الفرنسية أنه “بتحديد هوية 320 من جامعي الأموال المتصلة بالإرهاب، اتضح أن غالبيتهم من الأتراك، كما حددت التحقيقات أيضا أن عملية الأموال تتم عبر جمعيات والمنظمات غير الحكومية، التي تتستر تحت غطاء التبرعات وتقوم بإرسالها إلى الإرهابيين”. وحول آلية الدفع، أوضح التقرير أن “عملية الدفع تتم جميعها عبر البطاقات المدفوعة مقدما. فيما اعتبرت المخابرات الفرنسية، أن ثروة تنظيم داعش الإرهابي على رأس قائمة الأموال الضخمة المثيرة للقلق.
حسب وكالات الأنباء أن السلطات الفرنسية تعرفت على 416 متبرعا شاركوا في تمويل تنظيم داعش، وفق ما أعلن مدعي عام باريس، فرنسوا مولينس، الذي أشار الى “تمويل صغير” للارهاب عبر مبالغ “زهيدة” لكن كثيرة.
وفي مؤتمر باريس حول تمويل الارهاب الدولي، أوضح ردا على أسئلة إذاعة “فرانس انفو”، أن عملا “منسقا بين أجهزة الاستخبارات المالية” سمح بالتعرف على 416 متبرعا لتنظيم الدولة الإسلامية في فرنسا في السنوات الأخيرة، معتبرا أن هذا العدد “كبير”. وأضاف القاضي أن هذه الأجهزة رصدت أيضا 320 شخصا يجمعون الأموال “متمركزين بشكل خاص في تركيا ولبنان، يتمكن عبرهم الارهابيون الموجودون في سوريا من الحصول على الأموال”. وقال مولينس لصحيفة “لو باريزيان” ان “داعش حصل على تمويل بشكل خاص مستخدما وسيلتين. أولا الزكاة والإحسان حيث تُرسل أموال الى جمعيات خيرية أو مباشرة الى أفراد العائلة الموجودين على الأرض (…) وثانيا الغنيمة، غنائم الحرب، ما يعني التمويل عبر أعمال إجرامية”.
حسب مصادر إعلامية فرنسية هناك ملفات عديدة لدى القضاء تشير إلى أهال يُشتبه بارسالهم أموالا إلى أبنائهم الذين يشاركون في صفوف الجماعات الارهابية وقد صدرت أحكام في مثل هذه القضايا. واستخدمت أيضا الثغرات في نظام الحوالات المالية الذي يسمح بإرسال الأموال سريعا الى شخص آخر، لتمويل الجماعات الارهابية التي تقاتل في العراق وسوريا. ومنذ أيلول/ سبتمبر الماضي، فتحت النيابة العامة في باريس تحقيقا أوليا للاشتباه بعدم قيام المصرف البريدي بدوره الرقابي في هذه المسألة.
بينما أوردت صحيفة “لوموند” معلومات تفيد بأن تنظيم داعش الإرهابي لا تزال لديه وسائل التمويل الذاتي وإعادة التنظيم، على الرغم من الهزائم التي لاحقته، لافتة إلى أن “هذه الثروة جمعت على مدار ثلاث سنوات”. من بين مصادر الثروة، ذكرت حصيلة الاستثمار في شمال العراق وسوريا لكون هذه المنطقة غنية بالنفط، ما در دخلا ما يقارب 100 مليون يورو في العام، بجانب قطاع الزراعة حيث حصل على 40% من إنتاج الحبوب في العراق و80% من القطن في سوريا.
كما ان التنظيم الإرهابي يمارس سياسة الابتزاز عن طريق الوزارة المزعومة، إبان سيطرته على أجزاء من العراق وسوريا، والتي أطلق عليها “وزارة الغنيمة”، وألتي قامت بمصادرة أموال السكان وعقاراتهم الذين استهدفهم ببيعها وإعادة استئجارها، ما مكنه من حصد أكثر من مليار ونصف مليار يورو جراء تلك السياسة”.
اما مصادر التمويل الأخرى، فهي الغرامات والرسوم، التي تجمع من سائر المناطق التي تقع تحت أيديهم من أعمال التجارة والنقل والأعمال حتى الزواج أو الولادة، والتي تفرض من قبل ما تسمى ب”المحاكم الشرعية” على حد زعمهم وشرطة الأخلاق والحسبة، الأمر الذي يدر لهم دخلا قدّر بنحو مليار يورو في خزانة “داعش”.
المعلومات التي ذكرت هي راس جبل الجليد في هذا الشأن، والدوائر المختصة على اطلاع على الجبل، بما فوقه وما تحته، لما لها من صلات مباشرة وغير مباشرة بما جرى وحصل، من التاسيس الى الانكسار العسكري، وما ينشر احيانا عن تداخلات مباشرة وعلنا بين قوات أمريكية وفرنسية وبريطانية وعصابات الارهاب وتقديم المساعدات اللوجستية للإرهاب في المنطقة يفضح هذه الدول والتنظيم وثروة البغدادي، اذا صحت التسمية او الكود السري في البنوك الأوروبية اساسا. وهذا المؤتمر الباريسي وما سبقه وما يليه لا يغير الكثير من الوقائع والحقائق القائمة والمعلنة في أغلب الاحيان، مما يتطلب فعلا أعمالا حقيقية وخططا ستراتيجية في منع التنظيم اساسا وغلق مصادر تمويله وتجفيف كل منابع ثروة البغدادي.
2 عبدالله بن بجاد العتيبي
انتخابات العراق.. صعوبة التجاوز الاتحاد الاماراتية
جرت في اليومين الماضيين انتخابات العراق التي ستحدد مستقبل العراق لأربع سنوات مقبلة ضمن مشهد عراقي وعربي، وإقليمي ودولي، يتغير بتسارع ويُعاد ترتيب القوى فيه بشكل كبير
قبل أسبوعٍ تقريباً جرت الانتخابات اللبنانية، ولم تحظ بكثير اهتمام نظراً لحجم لبنان في المعادلات الإقليمية من جهة ونظراً لأن الصراعات هناك مستعصية لقيامها على حساباتٍ إيديولوجية وشخصية لدى العديد من القيادات والأحزاب، ولكن انتخابات العراق لها أهمية سياسية حقيقية لحجم العراق وقوة تأثيره والمراحل المتعددة التي مرّ بها بعد إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003.
العراق بلد الحضارات المتعاقبة منذ فجر التاريخ، وفي تاريخه المعاصر منذ الاستعمار إلى الملكية إلى الانقلابات العسكرية، من عبد الكريم قاسم والشيوعيين إلى صدام حسين و”البعثيين”، وصولاً إلى ما بعد 2003 والاكتساح الإيراني والتدخلات الإيرانية في شؤونه الداخلية بشكل شبه كاملٍ لعقدٍ ونيفٍ، ولكن المشهد العراقي لم يعد حكراً على النظام الإيراني، فقد جرى في الساقية أحداث أخرى منذ سنواتٍ قليلةٍ.
لقد أصبح المحور الفاعل اليوم في العالم العربي هو المحور الذي تقوده المملكة العربية السعودية بتحالف كامل مع الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين والعديد من الدول العربية التي ليس لها تأثيرٌ فاعلٌ في عراق اليوم، وهذا المحور يعمل منذ سنوات على إعادة العراق إلى صفه العربي وتمكينه من استعادة هويته وسيادته واستقلاله ورفض أي تدخلاتٍ في شأنه الداخلي من أي دولة خارجية.
مرّ عراق ما بعد صدام حسين بمراحل مهمة، كانت إحدى علاماتها الكبرى مرحلة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، والذي رأى أن يضع الدولة العراقية في مشروع النظام الإيراني، وانخرط في ذلك بشكلٍ علني، وقدم لهذا المشروع خدماتٍ جلّى مكنته من زرع الفتنة في الداخل العراقي، من القضاء على “الصحوات” السنية التي قضت على “تنظيم القاعدة” إلى تمكين “تنظيم داعش” من الحصول على ما يقارب ربع مساحة العراق والاستحواذ على أسلحةٍ أميركية متقدمةٍ بكمياتٍ هائلةٍ مكنته لسنواتٍ من أن يكون الشغل الشاغل للعراق وللمنطقة والعالم.
وكانت إحدى علاماتها الكبرى الفساد، بكل ما يعنيه من نهبٍ مستمرٍ ومنظم ومنهجي لثروات الدولة العراقية، التي كان يتمّ توزيعها بين دعم الاقتصاد الإيراني وبين الفاسدين من السياسيين العراقيين، مع علامةٍ أخرى لا تقل شأناً هي الاعتماد على الإرهاب والطائفية كمصيرٍ أوحد لا خيار للشعب العراقي في مواجهته.
وهذا جميعاً ما حذّرت منه المرجعية الشيعية العراقية ممثلة في السيد السيستاني قبل هذه الانتخابات، وهو الذي عانى كثيراً من تدخلات إيران السياسية في بلده، ومن انتشار ما سبق من مظاهر الفساد والإرهاب، ومحاولات إيران المستمرة على إخمال مرجعيته وربما تخويفها.
بغض النظر عن نتائج هذه الانتخابات وتفصيلاتها وتوازناتها، وطبيعة الظروف التي أنتجتها، وطبيعة التحالفات التي ستنتج عنها، وصولاً إلى الحكومة التي سيتم تشكيلها للسنوات الأربع القادمة فإن مستقبل العراق يجب أن يصبح في يد أبنائه ومواطنيه فحسب، مع الأخذ بالاعتبار الإجابة عن سؤال مهم هو مَن مِن الدول الإقليمية والدولية يقف مع العراق واستقلاله ومصالحه ومصالح مواطنيه؟
لا حلّ للعراق، وللدولة العراقية، وللمواطن العراقي إلا السعي القوي والصادق للعودة إلى الاستقلال الكامل، والسيادة الكاملة، بعيداً عن المشاريع التي تصطرع في المنطقة وتريد استغلاله واستغلال قضاياه من شرقه لشماله، والرفض الكامل لانتهاك سيادته واستقلاله.
أخيراً، فقد يكون تجاوز الماضي القريب أصعب بكثيرٍ من تجاوز الماضي القديم، وهو ما يجب أن يفكر فيه كل عراقيٍ يريد استعادة قيمته وتأثيره ودولته واستقلاله.