1 مقاطعة الانتخابات العراقية أو تحمل الإثم المقبل هيفاء زنكنة القدس العربي
يشير الوقوف عند بوابة الانتخابات العراقية، في 12 أيار/مايو المقبل، الى ان الدخول من خلالها سيبقي معظم ابناء الشعب، مهما حاولنا ضخ شحنة التفاؤل بالتغيير، في ذات الباحة الخربة التي يعيشون فيها الآن. الاسباب متعددة، من بينها: معظم المرشحين هم ذاتهم من النخبة الفاسدة التي غرزت اقدامها في الطائفية والعرقية والفساد منذ غزو البلد واحتلاله عام 2003. بعد مرور 15 عاما من صراعاتهم الدموية بين انفسهم وضد الآخرين من العراقيين مع محاباة المحتل الامريكي والايراني، بالامكان تلخيص « انجازاتهم» بانهم جعلوا من ارض العراق ساحة حرب بين امريكا وايران تسقيها دماء العراقيين. في ظلهم، لم يعد العراقي معروفا بعراقيته بل أصبحت هويته مسبوقة بصفات كان يشمئز منها في حياته السابقة. كان يعتقد انها صفات لا تليق به ولا يمكن استخدامها لأنها «عيب». صار العراقي المعتز بهويته الوطنية والدينية أما شيعيا أو سنيا. في ظلهم، نبع الارهاب. الناتج الطبيعي لمتلازمة الاحتلال والظلم. صارت المرأة الفخورة ببيتها وحديقتها الزاهية بالنخيل والورد الجوري، المرحبة دائما بالضيوف، وبتعليم ابنائها وتفوقهم، تحمل لقب «نازحة» تستجدي المساعدات «الانسانية». حولوا ملايين العراقيين الى نازحين يعيشون في العشوائيات والخيام. «يسكن في العشوائيات 3 ملايين و200 ألف شخص اي ما يمثل 10 بالمئة من سكان العراق»، قال وزير العمل والشؤون الاجتماعية، محمد شياع السوداني (23 نيسان 2018)، مبينا أن «هذه الأرقام مأخوذة عن احصائية دقيقة لاستراتيجية التخفيف من الفقر». يشير تقرير البنك الدولي للشهر الماضي الى «ارتفاع معدل الفقر بشكل حاد.. وتأثر النساء بشكل خاص نتيجة غياب الأمن الذي فرض عليهن قيودا في الحركة للوصل الى اماكن العمل والتعليم والصحة». حولوا العراق الغني بنفطه وثروته الزراعية وميزانيته البالغة 120 مليار دولار، سنويا، الى خرابة بينما يتم تهريب 800 مليون دولار، اسبوعيا، أما الى حساباتهم الخاصة في الخارج أو غسيل الاموال في المدن الاوروبية، عبر شراء العقارات، كما في لندن.
يتبين من رصد الحملات الانتخابية ان كل المرشحين، تقريبا، هم ذاتهم، ممن شاركوا في تحقيق «الانجازات» التي قادت الشعب ولا تزال الى الحضيض، وانهم، جميعا، بلا استثناء يتحدثون عن النزاهة والقضاء على الفساد. وان المرشحين «المستقلين»، على قلتهم، ينشطون ضمن قائمات انتخابية يترأسها فاسدون، لديهم خبرة 15 عاما، بالفساد السياسي والاداري. مما يجعل المستقل، رغم حسن الظن بنظافته، مجرد بيدق في لعبة، الفائز فيها معروف مسبقا. فلا عجب ان تتصاعد الدعوة الى مقاطعة الانتخابات، بدلا من المشاركة، كاسلوب افضل للتغيير، اذا ما كان التغيير هو ما يريده الشعب حقا.
واذا كانت هيئة علماء المسلمين ( 9 تشرين الثاني/نوفمبر)، هي التي دعت الى مقاطعة الانتخابات عام 2004، المتزامنة مع اقتحام قوات الغزو مدينة الفلوجة وتدميرها، اذ لا يمكن ان تقام انتخابات» على اشلاء القتلى ودماء الجرحى»، فان أصوات المقاطعة امتدت هذه المرة لتشمل شبابا ومنظمات مدنية متعددة، بالاضافة الى الشيخ جواد الخالصي، من المدرسة الخالصية، ببغداد، واحد مؤسسي المؤتمر التأسيسي الوطني الذي تم تشكيله اثر الاحتلال.
يرى الخالصي ان العملية السياسية التي شيدها الاحتلال « مشروع معلب قادم من الخارج»، وهي اساس البلاء الذي اصاب البلد من انقسام طائفي وعرقي، سماده الفساد. محذرا، في 16 نيسان/أبريل، من «الانشغال بالألاعيب السياسية التي تجري هذه الايام… وإنما الانشغال بإثبات استقلال البلد، وتحقيق الثوابت الكبرى وهي: الوحدة والهوية والاستقلال». داعيا الشعب العراقي (20 نيسان/أبريل)، لتخليص البلد من فتنة العملية السياسية التي رسمها الاحتلال، وان ما تحتاجه الأمة، في الحقيقة، اصبح ضحية مخططات الاحتلال والعملية السياسية والانتخابات الفاسدة. وذهب الخالصي، أبعد من ذلك، في 27 نيسان/ أبريل مؤكدا بأن «من يشارك في الانتخابات، ومن شارك، سابقاً، فإنه يتحمل الاثم الذي جرى على العراقيين طوال تلك الفترة، وسيتحمل اثم الفترة القادمة». وان «هناك هيئة تعمل بأمر الامريكان مشرفة على المشروع الانتخابي في العراق والأمر محسوم مسبقاً». يثير موقف الخالصي، وبقية المقاطعين، تساؤلا مهما حول كيفية تخليص الناس من المأساة الحالية، اذا لم تكن الانتخابات هي الطريقة الافضل؟ يقول الشاعر والمدون ابراهيم البهرزي ان «التغيير الوحيد الممكن هو باطلاق التصويت للافراد، حصرا، دون أحزاب وكتل، واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة، على أمل أن يجد بعض الأحرار في هذه البلاد فسحة لتقديم وجوه جديدة غير ملوثة».
ويجيب مكتب الخالصي، مبينا ان ازاحة السياسيين الحاليين «من خلال صناديق الاقتراع، خدعة لا دليل على صحتها اصلاً، والأولى ضمان لنا سلامة الانتخابات ومن ثم نناقش المشاركة فيها». التساؤل الآخر، على من يراهن دعاة المقاطعة؟ يقول الخالصي، في 24 نيسان/ أبريل: «أراهن، لحد هذه اللحظة، على بعض أبناء الشعب العراقي الذين لم يتغيروا، وأراهن على امكانية تغيير البقية نحو الاحسن، من خلال الثبات والاستمرار والحفاظ على هذه النخب الطيبة التي ما زالت تؤمن بالرسالة». وختم قائلاً: «الشيء الاهم ان هناك اناسا كانوا يقولون ان يوم 9 نيسان هو يوم تحرير للعراق، والجيش الامريكي جاء محرراً، أما الآن لا يجرؤون على القول به، علناً، بعد ان قالوه في الماضي، وهذه هي مكاسب سببها ان بعض العراقيين رفضوا الانجرار خلفها وكشفوها وفضحوها». واذا كان التعاون مع المحتل، بكل المقاييس، جريمة لا تغتفر، فأن المساهمة، بأي شكل من الاشكال، في تخريب البلد والمجتمع، لا تقل عنه اجراما. ويكفينا ان نعلم ان هناك ثلاثة ملايين طفل، انقطع عن التعليم، في جميع أنحاء العراق. وان بعضهم لم يجلس يوما في صف مدرسي، وان أكثر من ربع الأطفال يعيشون في فقر مدقع، خاصة في المناطق الجنوبية والريفية الأكثر تضرراً (حسب اليونيسيف 2018)، في بلد بالغ الثراء، لندرك حجم الخراب الذي الحقه ساسة الاحتلال والعملية السياسية بمستقبل العراق، وكيف ان انتخابهم مشاركة في الجريمة.
2 “العراق أولا”.. لكن في خيام النازحين حامد الكيلاني العرب بريطانيا
في العراق لم تعد لدينا أحزاب وطنية أو حضارية أو تقدمية، هناك شعب موزع بين اصطفافات قومية ودينية وطائفية يعتقد الكثيرون أنها أصبحت من الماضي بعد التجارب المريرة.
من لهؤلاء الذين يعيشون في الخيام
هل احتاج العراقيون 15 سنة ليتعرفوا على مشاريع الاحتلال، ويعيدوا قراءة مساوئ المحاصصة الطائفية والسياسية وشرذمة الأحزاب وتكيفها مع الظروف في كل دورة انتخابية؟ وهي مشاريع تجديد طروحاتها من دون أي اعتبار لهواجس المواطن ومعاناته واحتجاجاته، أو إهاناته المكشوفة للسلطة وشخوصها.
وفي المقابل، هل كانت نتائج هذه المدة الطويلة في تجربة الحكم ولذات الأحزاب، غائبة عن حزب الدعوة أو المجلس الأعلى أو الحزب الإسلامي أو سعاة الوطنية في حكومات الاحتلال والدورات الانتخابية السابقة؟
هل كانت توقعاتهم تصب في صالح وحدة العراق وتقدمه وإعماره عندما تم ترسيخ الطائفية كبرنامج للحياة السياسية في العراق أو استمرار إلغاء الآخرين وتهميشهم، وصناعة أسباب الإرهاب أو الإثراء بتوحش وشراهة من المال العام السائب، أو إصدار القرارات بتهديم مؤسسات الدولة وربط بعضها بصلاحيات متهورة؟
لماذا هذه الصحوة العامة الظاهرة في الدعاية الانتخابية لجميع المرشحين في نبذ التجارب السابقة التي أدت بالعراق إلى الهاوية؟ ومنهم زعماء تلك المختبرات السياسية، بما يدفعنا للتساؤل هل كان هناك فعلا برلمان في العراق بعد الاحتلال وممثلون عن الشعب، أم أن الشعب يجيد فعلا صناعة جلاديه مرة بعد أخرى؟
3 دورات انتخابية عجزت عن تعديل ولو فقرة من الدستور أو كلمة في الديباجة لتأسيس دولة المواطنة، رغم اكتشاف الثغرات وما نتج عنها من خراب مجتمعي أطاح بالسلم الأهلي، وفتح الباب واسعا للإرهاب والمذابح والاقتتال والتهجير، تحت حماية نص دستوري يوجز العلاقة بين إخوة الوطن بالاحتماء في خنادق المكونات، ويؤسس لفراغ بين العراقيين وأمتهم العربية، عدا عن تورط فقرات من الدستور في تبديد الموارد الطبيعية من ثروات العراق وخلق قواعد قانونية وثغرات تسمح بتفتيت البلاد، تحت ذرائع جغرافية أو إدارية، إلى مجموعة كتل بشرية تتنازع على الاستئثار بالثروات والبقاء.
كل حزب أو كتلة أو قائمة تتأبط مجموعة ملفات فساد وقضايا لها مساس بالدم، تلوح بها للخصوم في تواطؤ مسيء ومخجل، لكن تلك الملفات تعمل وفق آلية الصبر من أجل تقاسم مغانم السلطة، وإلا كيف نفسر عدم فتح الآلاف من ملفات الفساد وتقديمها لقضاء، نفترض فيه العدالة والقرار المستقل، رغم اكتمالها وتكدسها في مكاتب اللجنة المعنية في برلمان العراق.
تتحكم بالعراق، أو بالعملية السياسية، قوى تابعة للنظام الإيراني تماما ومعها قوى قلقة تتأرجح بين الولاء لعقيدة تضمها مع المرشد علي خامنئي وبين ولائها للوطن أو بعض تاريخ أو حمولة ميراث شخصي، وقوى تابعة لتيارات إسلام سياسي تمرغت بوحل الاحتلال وشاركت بقسط كبير من مسؤولية الإبادة والتهجير الديموغرافي وما جرى من تدجين لليأس في نفوس حتى أهلهم، وهناك قوى عابرة من أحزاب المنتفعين وهي عادة تنشط في طلب الزيارات الرسمية للدول والمؤتمرات، وكذلك في فترة الانتخابات للارتزاق بنفاق صدفة تبذير الأموال استعدادا ليوم الانتخابات. من غير هؤلاء سيقود التغيير؟
في العراق لم تعد لدينا أحزاب وطنية أو حضارية أو تقدمية، هناك شعب موزع بين اصطفافات قومية ودينية وطائفية يعتقد الكثيرون أنها أصبحت من الماضي بعد التجارب المريرة، لكن حديث الاستغناء عن صلاحية شحنها الطائفي بسبب نشاط مجموعة من الشباب والمثقفين في مراكز المدن، الذين مهما بالغنا في تأثيرهم الإعـلامي والإنساني على الناخبين لن يكونوا سوى مجموعة ضغط قليلة التأثير، قياسا لما يجري من تحشيد في المجالس الدينية والـدواوين العشـائرية لنصرة الطائفة أو المرشح “المجرب” تحت بند التعاضد مع الأقربين أو الأعراف في إسناد من ينتخبهم، ولذلك شجون وطقوس لا علاقة لها من قريب أو بعيد ببناء وطن بنظم سياسية حديثة.
في تلك الأماكن أو المجالس إعلام مختلف غير مرئي أكبر أثرا من اللافتات الدعائية أو الإعلانات التلفزيونية مدفوعة الثمن أو لمالكيها من المرشحين وأحزابهم، هنالك استحقـاقات وولاءات دينية ومناطقية بعضها يبتعد عن الطائفية، لكنه بذات السياق يؤسس لنظام مماثل للإقطاعيات بأقنعة انتخابات سياسية تهيئ العراق حتما إلى خطوة مضافة على طريق التدهور والتـوغل في المشروع الإيـراني، أو استرضائه للتقليل من مخاطره، مع أن الحقائق توثق انكفاء النظام الإيراني على معالجة حماقاته الداخلية والخارجية. قصر نظر معتاد في أنظمة من نوع النظام السياسي في العراق بما يشبه عمل المافيات والاحتراب في ما بينها، لكن الفارق بكونها مافيات سيطرت على دولة بحجم اقتصاد العراق وموقعه وتاريخه.
نظام سيجد نفسه، عاجلا أو آجلا، من دون مظلة حماية من نظام ولاية الفقيه أو ميليشياته وعندها لن يجد شعب العراق إلا العودة إلى رشده بالاحتماء تحت مظلة وطنه وطلب الغفران من بعضهم.
“العراق أولا”؛ هذا العنوان أو الشعار وبفعل التناحر تم حصره بهويات وحلقات أصغر في المدن والقرى وصولا إلى “القبيلة أولا”؛ وذلك من سمات الخوف والتراجع للقتال دفاعا عن جدران الأسرة الصغيرة أو مجموعة الأسر المتوحدة.
أحزاب السلطة وميليشياتها تشكك مسبقا بنزاهة الانتخابات، وتضع مقدمات فوزها ونسب الفوز لتكون مرجعا لها في حالة تراجع أصوات ناخبيها في لعبة مزدوجة تتناسب مع أسوأ الاحتمالات، رغم أن التشكيك يفضح طبيعة مهزلة النظام البرلماني في العراق حيث تجميع شتات الأصوات في كتلة متجانسة محسومة الأهواء والمرجعيات بعد الانتخابات.
الانتخابات، كما يروج، يراد منها تصحيح العملية السياسية، بمعنى تصحيح أخطاء اجتهادات الساسة في حكم العراق طيلة 15 سنة؛ لكن هل بإمكانهم طمس ملف جريمة مثل جريمة الموصل في تسليمها للإرهاب أو تحريرها تحت غطاء الاجتهاد أو الخطأ السياسي؟
3 مَن هم الفاسدون في العراق؟
فاروق يوسف العرب بريطانيا
الصراخ المندد بالفساد الذي يعلو اليوم في الفضاء العراقي ما هو إلا فقاعات تجريبية يمسك من خلالها الفاسدون بأماكنهم في السلطة.
تسممت حياة العراقيين بالفساد
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في العراق تصاعدت وتائر التنديد بالفساد والفاسدين إلى الدرجة التي تدعونا إلى الاعتراف بأن العراق هو البلد الوحيد في العالم الذي يتطابق فيه رأي الشعب والسياسيين في الدعوة إلى محاربة الفساد بشكل استثنائي.
الجميع هناك يقف ضد الفساد. الفقراء والأثرياء. المنبوذون وأصحاب الامتيازات الخاصة. الخدم والسادة. العلمانيون والمعممون. العامة والخاصة. المثقفون وباعة الملابس المستعملة. المعارضون والمستفيدون من غنائم نظام المحاصصة الطائفية. القتلة السابقون والقتلة الجدد. أئمة المساجد وزعماء الميليشيات التي ارتكبت أبشع الجرائم.
في كل لحظة يبدو العراقيون هذه الأيام كما لو أنهم يخرجون في تظاهرة ضد الفساد. لم يعد لديهم ما يجمعهم سوى الهجوم على الفساد. وهو ما يشير في ظاهره إلى صحوة نموذجية بعد ليل الأحزاب الدينية الطويل.
لقد دمر الفساد حياة العراقيين. هذا صحيح. الفساد أذلهم وقهرهم وانحرف بأخلاقهم فصاروا إما مسروقين أو لصوصا. حطم الفساد قيمهم وأعرافهم وحقائق حياتهم، وسرق أجمل ما يملكون وهو التكافل الاجتماعي والتسامح في النظر إلى الآخر المختلف. الفساد حرمهم من أنظمة التعليم والصحة وخدمات البنية التحتية، وهو الذي دمر قدرتهم على أن يروا الحقائق كما هي. فلا دينهم سويّ ولا دنياهم نضرة.
إذا كانت الطبقة السياسية التي حكمت العراق عبر اثنتي عشرة سنة تدعو اليوم إلى محاربة الفساد، فمن الذي أوصل العراق إلى المرتبة الأولى في سلم الدول الفاسدة؟
كل هذا صحيح ولكن الفساد ليس ظاهرة تجريدية أو ذهنية. وهنا يبرز سؤال قانوني هو “مَن هم الفاسدون؟” لا فساد من غير فاسدين.
فإذا كانت الطبقة السياسية التي حكمت العراق عبر اثنتي عشرة سنة تدعو اليوم إلى محاربة الفساد، فمَن الذي أوصل العراق إلى المرتبة الأولى في سلم الدول الفاسدة ومَن هم الفاسدون؟
كان أحد أعضاء مجلس النواب العراقي صريحا بطريقة فاجعة حين قال ذات مرة على شاشة التلفزيون “كلنا فاسدون”، ولكن ذلك الاعتراف لن يكون حجة دامغة إلا إذا تدخلت السلطة القضائية في تأكيد الوقائع من خلال وثائق لا يتخللها الشك. وهو ما لا يمكن توقع حدوثه في العراق. ذلك لأن السلطة القضائية هي الأخرى تحوم حولها شبهات الفساد. ألم تبرئ تلك السلطة سليم الجبوري، وهو رئيس مجلس النواب، من تهم الفساد التي وجهت إليه خلال ربع ساعة؟
لقد تسممت حياة العراقيين بالفساد. رائحة الفساد العفنة تنبعث من كلامهم وثيابهم وطريقة عيشهم وأسلوب نظرهم إلى العالم وطريقة تعاملهم مع الحقيقة. هم كائنات مفسدة، وهم في الوقت نفسه ضحايا ماكنة فساد عظيمة لا قدرة لشعب تعرض للتجهيل والتضليل عبر سنوات مضنية على مقاومتها.
في سياق المنطق السليم يمكن القول إن الفاسدين هم من أوصل العراق إلى المرتبة العليا في سلم الدول الفاسدة. وهو منطق نظري لا يمكن أن يهتدي إلى صلابته الواقعية ويمسك بعصا العقاب إلا من خلال وثائق قانونية.
ما صرح به نوري المالكي، وهو عميد أكاديمية الفساد في العراق، من أنه يملك ملفـات كثيرة تـدين الفاسدين هو أمـر لا يمكن الاستهانة به، ذلك لأن ذلك الرجل الذي عاش حياة، يكمـن سر نجـاتها في التآمر على الآخرين عرف جيدا كيف يجر الجميع إلى مستنقع الفساد. وهـو يدرك أنه عن طريق ذلك لن يكون الفاسد الوحيد. وهنا علينا أن نعترف أن الرجل نجح في تنفيذ مخططه.
غير أن المالكي حين يهدد خصومه السياسيين بتلك الملفات، فإنه من حيث لا يدري يفصح عن فساده الشخصي. كان يومها رئيسا للسلطة التنفيذية وهو ما يؤهله للتصدي للفاسدين بحكم منصبه، لا أن يتستر عليهم من خلال الاحتفاظ بملفات يمكن أن يستعملها في عمليات النيل من خصومه.
المالكي الذي يعترف اليوم من خلال شعاراته الانتخابية بأنه أهدر ثروة العراق يضفي طابعا إنسانيا على ما فعله. ذلك لأنه كما يقول كان قد وزع تلك الثروة المنهوبة بطريقة ارتجالية على أرامل وأيتام وفقراء عراقيين، وهو يقصد أعضاء حزب الدعوة الذين صاروا بحكم ما حصلوا عليه من امتيازات أباطرة العراق الجديد.
كان المالكي ولا يزال مطمئنا إلى أن أحدا لن يطارده ولن يقبض عليه بتهمة الفساد ما دامت السلطة القضائية تدين بالولاء له. لذلك فإن الصراخ المندد بالفساد الذي يعلو اليوم في الفضاء العراقي ما هو إلا فقاعات تجريبية يمسك من خلالها الفاسدون بأماكنهم في السلطة.
4 العبادي وسنّة العراق.. من يشتري الآخر همام طه العرب بريطانيا
العبادي بحاجة إلى عمق سني وشرعية وطنية، والسنة بحاجة إلى التحالف مع مشروع شيعي عقلاني مؤمن بفكرة الدولة.
العبادي يحتاج أن يبعث للمجتمعات السنية رسالة بأن مرشحيه فيها ليسوا مجرد “دمى”
من خلال تأمّل الخارطة الانتخابية في العراق وشراسة التنافس السياسي الذي تحوّل من صراع بين المكونات إلى نزاع محتدم بين القوى داخل كل مكون إثني على انتزاع تفويض تمثيل مصالحه في نظام المحاصصة يمكن القول إنه ليس لرئيس الوزراء حيدر العبادي اليوم سوى السنّة وليس للسنّة سوى العبادي.
لقد التقت مصالح الطرفين بشكل فريد يمكن أن يكون فرصة مهمة لتغيير المعادلة السياسية في البلاد إذا استثمرها الطرفان بذكاء وسعة أفق. فإما أن يشتري العبادي ولاء السنّة وإما أن يشتروا هم وفاءه. إما أن يتقرّب إليهم بخطوات انفتاح حقيقية وعميقة تضع حدا لدوامة استضعافهم والتمييز ضدهم فيحصد تأييدهم في الانتخابات، وإما أن يبادروا ويجازفوا هم كجمهور انتخابي بالتقرّب إليه وأن يمنحوه ثقتهم في الانتخابات فيصوتوا بكثافة لمرشحي ائتلافه في محافظاتهم، ثم ينتظروا منه الوفاء بمطلبيتهم السياسية والحقوقية بعدها؛ ذلك أن ممثليهم وحاملي هذه المطلبية سيكونون جزءا من ائتلافه وليسوا خصوما أو معارضة من الائتلافات الأخرى.
بغير أحد هذين المسارين فإن ائتلاف العبادي سيكون مضطرا لـ”استجداء” الصوت الواحد في البيئة الشيعية كي يتفوق على منافسيه الشيعة الذين يمتلكون المال والسلاح والدعم الإيراني وهالة “الدفاع عن المذهب”، وفي المقابل سيستمر ممثلو السنّة في ممارسة “التسوّل السياسي” على أبواب الحكومة التي ستتشكل بعد الانتخابات كما اعتادوا على ذلك منذ 2003، وستبقى مناطقهم موصومة بأنها “متمردة” أو “معادية” للدولة.
كلا الطرفين، العبادي والجمهور السني، وضعه ضعيف وهشّ ويعاني الانكشاف السياسي، فالعبادي يتلمّس طريقه كزعيم طموح يحاصره منافسون أقوياء في بيئته الشيعية الأصلية، وهو بحاجة إلى قاعدة جماهيرية تمنحه زخما شعبيا وسياسيا.
والسنّة، في المقابل، جمهور مصدوم بعد تجربة داعش القاسية وسنوات الاستضعاف التي سبقتها، ويبحث عن زعامة تأخذ بيده بعد تراجع ثقته بالنخب التي مثّلته سابقا؛ ولكن بإمكان العبادي والسنّة معا أن يحوّلا هذا الضعف إلى قوة لهما، وللعراق.
ولكن تحقق هذا التحالف بين العبادي والمجتمعات السنية يظل مشروطا بقدرة رئيس الوزراء على إيصال رسائل واضحة وتعهدات صريحة وقرارات عملية تمهيدية هادفة لبناء الثقة مع تلك المجتمعات قبل حلول يوم الانتخابات، وعلى أن يثبت لهم أنه مختلف عن غيره من القيادات الشيعية التي باعتهم، وهم الشراكة والإنصاف منذ 2003 وإلى اليوم.
العبادي يدرك أهمية الانفتاح على السنّة لكن يفوته أن الانفتاح المطلوب منه ليس مجرد تكتيك انتخابي بالاعتماد على “ما كان” من تخليص هذه المناطق من داعش في عهد حكومته، إذ يجب أن يتحول هذا الانفتاح إلى استراتيجية وطنية بالاعتماد على “ما سيكون” مستقبلا إذا ما فاز العبادي بولاية جديدة، وهو تفكيك المظلومية السنية وتجفيف منابع التمييز، وإنهاء السياسات الطائفية وتكريس العدالة والمساواة في إدارة الدولة.
مازال العبادي يعتقد أن الانفتاح على السنّة يقضم من رصيده الشيعي، كما أنه يتجنّب التماهي الصريح مع الحلم المذهبي للشيعة خشية أن يضرّ ذلك بالصورة الوطنية التي يطمح إلى تسويقها عن نفسه ومشروعه السياسي. ولذلك هو يتبع “سياسة مزدوجة” تجمع بين محاباة الشيعة ضمنيا ومجاملة السنّة ظاهريا دون أن يكون قادرا على تحقيق تأثير عميق وحاسم في أي من البيئتين.
في البيئة الشيعية ينافسه الحشد الشعبي والمالكي العازفان على وتر المظلومية الشيعية، وفي البيئة السنية تنافسه القوى التقليدية السنية التي تعزف على وتر المظلومية السنية. والعبادي إلى حدّ هذه اللحظة لم يستطع أن يكون واضحا في إرسال رسائل للبيئتين بأن ولاية جديدة له ستضمن تفكيك المظلوميتين بشكل جذري وحاسم وإقناع المكونين، السني والشيعي، بمشروعه وجمعهما حول فكرة “الدولة العادلة” المنصفة للجميع.
يحاول العبادي أن يزاوج في مشروعه بين مفهومي “الأغلبية الشيعية” و”الشراكة الوطنية”، وهي مزاوجة تعيد إنتاج أزمة النظام السياسي العراقي ولا تعالجها، وفي خضم هذا الصراع الداخلي الذي يعيشه العبادي يفوته أن انفتاحه على السنّة إذا أدير بذكاء ومصداقية وأفق وطني وضمن مشروع متكامل، قبل الانتخابات ومن دون تضييع للوقت، سيجعله يكسب الشيعة أيضا لأنهم سيجدون فيه قائدا وطنيا حقيقيا وجريئا، وسيتمكن من صناعة “أغلبية وطنية” قادرة على تعزيز وضعه في الانتخابات وموقفه التفاوضي بعدها.
أمام العبادي طريقان؛ إما أن يتنافس داخل البيئة الشيعية مع قوائم شيعية حيث الصراع الضروس على السلطة؛ وبذلك سيكون كما أسلفنا في حاجة إلى الصوت الواحد لمجاراة منافسيه، وسيبقى وضعه قلقا حتى لو فاز ائتلافه بعدد كبير نسبيا من أصوات الشيعة والسنّة، وهذا متوقع، ولكنه سيظل بعد الانتخابات تحت رحمة خصومه داخل البيت الشيعي لأنه يحتاج إلى التحالف معهم للفوز بكرسي رئيس الوزراء مجددا وتشكيل الحكومة.
وإما انتهاج الطريق الثاني بأن يأخذ خطوات براغماتية جريئة باتجاه السنّة لرد الاعتبار لهذا المكون قبل الانتخابات، وتضميد جرح الكرامة لدى المجتمعات السنية المستضعفة منذ 2003، فمن خلال خطوات رمزية محمّلة برسائل مكثفة وبليغة للمكون السني وللرأي العام الوطني والدولي بإمكان العبادي أن يقلب المعادلة القائمة ويتفوق على منافسيه في البيئة السنية؛ في نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى وبغداد، ولا سيّما أنه أساسا يتمتع بقبول سني ولكنه يحتاج إلى حسم وتبديد للحيرة والارتباك اللذين يعيشهما الناخب السني.
ويحتاج العبادي أن يبعث للمجتمعات السنية رسالة بأن مرشحيه فيها ليسوا مجرد “دمى”، بل شركاء حقيقيون وأنهم مؤهلون ليحلّوا محل النخب السنية التقليدية، حيث يواجه ائتلاف العبادي منافسة قوية في المناطق السنية من الزعماء السنّة التقليديين مثل السياسي الموصلي أسامة النجيفي، نائب رئيس الجمهورية، وحليفه الأنباري خميس الخنجر، إذ يتمتع الرجلان بقدرات مالية لا يستهان بها وعمق مناطقي في نينوى والأنبار؛ ولكن ثمة مصلحة حقيقية للسنّة في التحول الذي يريد العبادي إجراءه في مفهوم “الهيمنة الشيعية” على العراق باتجاه تصوّر لهذه الهيمنة أقل عدوانية وثأرية وأحادية، وأكثر انفتاحا على المكونات العراقية في الداخل، وأكثر نأيا بشيعة العراق وخياراتهم عن السياسة الإيرانية، وأكثر انفتاحا على خيارات عربية وإقليمية ودولية أخرى في علاقات العراق الخارجية.
بقي أقل من أسبوعين على موعد الانتخابات، وهي فترة كافية للعبادي لإثبات حسن النية للمجتمعات السنية والشيعية على السواء عبر وضع اليد على الأزمات الحقيقية للمجتمع، فهو يعرف طبيعة المظلومية المذهبية للسنّة الذين يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، والمظلومية الطبقية للشيعة الذين يشعرون أن ثمة طبقة عليا متنفذة منهم تستأثر بالسلطة والثروة وتستخدم الشيعة لصون هيمنتها.
وهذا يحتاج إلى خطاب مصارحة مع الشيعة ومصالحة مع السنّة يتجاوز اللغة الإنشائية التي يستخدمها حاليا. بهذه الطريقة وحدها يستطيع العبادي أن يحقق نتائج في الانتخابات تعزز وضعه السياسي وتجعله يفرض نفسه على القوى الشيعية والجانب الإيراني ليحظى بولاية جديدة.
5 الانتخابات الإيرانية في العراق أحمد الشمري الوطن البحرين
تم تحديد 12 مايو 2018 موعداً لإجراء انتخابات مجلس النواب في العراق لدورته الرابعة وفق مرسوم جمهوري عراقي، إلى هنا انتهى الدور العراقي في الانتخابات. يأتي دور اللاعب الإقليمي صاحب الجوار السيئ ليبدأ بعملية ما أسميها في مقال اليوم بـ«إقصاء الكفاءات وتقريب الولاءات».
كيف سيكون السيناريو المحتمل يا ترى؟ لن تهدأ إيران في الأيام القادمة حتى تثبت كراسي أصحاب الولاء من أذنابها ووكلائها في العراق لكي يصبح الطريق معبداً من طهران إلى بغداد، فبعدما أصدرت مراجع دينية في جنوب العراق فتاوى سابقة تنص على تحريم الزوجة إذا لم تشارك في التصويت للسياسيين الموالين لإيران! لم تذكر الفتوى السابقة شرط الولاء؟ لكن انظر إلى المرشحين تعرف من سيرهم الذاتية ماذا أقصد! لا يوجد في طابور الترشيح إلا هم ولا ينبغي أن يرشح غيرهم، ولن يظهر منافسٌ يزاحمهم لذا الطبخة أراها تنضج في قدر إيراني وبمقادير إيرانية من جديد.
فتوى هذا العام لا تختلف عن فتوى الانتخابات في الدورة التشريعية الثالثة قبل أربع سنوات، حيث ذكرت المرجعية في بيان لها نشر قبل أسبوع على موقعها الرسمي جاء فيه: لا بدّ أيضاً من التجنّب عن تشتيت الأصوات وتعريضها للضياع مع مطالبة بزخم من الرجال والنساء اللواتي مازلن طبعاً على ذمم أزواجهن وفق الفتوى السابقة في الدورة النيابية الثانية للبرلمان للمشاركة بقوة! بما يثبت أن الولاءات الإيرانية يجب ألا تزحزح من المشهد السياسي العراقي مهما كلف الأمر!
كانت إيران تستخدم أساليب بدائية في إقناع الناخبين في العراق تبدأ بـ«يا أيها البرلماني الموالي «أخبر المواطن العراقي بأنك وكيل الله في الأرض» ولا تنتهي بـ«تحريم الزواج إن ثبت عدم المشاركة»». كل هذه الرسائل الإعلامية البدائية تمت هندستها على أساس طائفي مقيت، أما من لا يقتنع بهذا جعل إيران تلجأ إلى تعليم تلاميذها في العراق طرقاً جديدة قد تكون عصرية هذه المرة منها: «سفرات سياحية للناخبين إلى شمال العراق مع رجاء من المرشد السياحي على متن الحافلة لانتخاب السيد النائب الموالي لإيران»، أو تحضير السلة الرمضانية لأن موعد الانتخابات سيحل قبل شهر رمضان المبارك بثلاثة أو أربعة أيام أو ربما تكون الدعاية الأقوى والتي قد لا تقاوم «انتخبني وزواجك على حسابي».
لم ندخل في تأثير إيران على الانتخابات العراقية بعد، فكل ما ذكرته أعلاه هي أساليب بدائية غير مزعجة تستخدمها إيران بلطف عبر قنوات القوى الناعمة والخشنة في المحافظات العراقية تبدأ بالمراجع ودور العبادة وتستمر عبر قنواتها المعتادة كالعزف على مقتل الحسين رضي الله عنه. وإن انتخابات 2018 سيتم فيها والله أعلم محاكمة رموز الزمرة المجرمة التي قتلت سيد الشهداء كما هو موثق في مقطع فيديو تداولته بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر محكمة عراقية تقضي بـ«إعدام الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك بتهمة قتل زيد بن علي».
في 15 ديسمبر 2005 نشرت صحيفة «البيان» الإماراتية خبراً عن وكالة الوطنية العراقية للأنباء «إن قوات حرس الحدود العراقية ضبطت في منطقة بدرة القريبة من الحدود الإيرانية شاحنة صهريج لنقل الوقود وفيها حاوية تحمل آلاف الأوراق الانتخابية المزورة قادمة من إيران»، وأضاف «أن الصهريج يحمل لوحات مرورية إيرانية وأن سائقه إيراني واعترف بأن شاحنته ليست الوحيدة، وأن هناك ثلاثاً أخرى دخلت إلى الأراضي العراقية عبر مناطق الشلامجة وكفري وخانقين».
ليس هذا وحسب، إيران تعمل في العراق بجدية أكبر هذه المرة، لا سيما بعدما اتهم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إيران بمحاولة التأثير والتدخل في الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في مايو المقبل، جاء ذلك في تصريح له بتاريخ 6 مارس 2018. فمعلومات الولايات المتحدة الاستخبارية دفعت بوزير دفاعها إلى هذا التصريح وإلا ما هي المناسبة؟!
المتابع لخارطة التحالفات السياسية في العراق، يجد أن حزب الدعوة الإسلامية المصمم في إيران قرر المشاركة بقائمتين منفصلتين واحدة للعبادي والأخرى للمالكي، فإن سقط صوت من سلة الأول تلقفته سلة الثاني، وهكذا تكون الأصوات تحت مسمى واحد قطعاً.
أما «تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، وهو حزب طهراني بامتياز، يدخل تحت جناح العبادي، لأن أكثر السراق فيه خرجت رائحتهم إلى العلن، ولا بد من مناورة في خارطة التحالف. أما كتلة الاستقامة، فيتزعمها المعتزل السياسي على حد قوله مقتدى الصدر، الذي أعلن خوض الانتخابات البرلمانية عائداً بعد الاعتزال بقائمة منفردة ستندمج لا محالة مع المكون المدعوم إيرانياً خشية التفريط بالأصوات والشتات كما نصت عليه مخاوف المرجعية، كما أن أنباء رشحت مؤخراً عن تحالفه مع الحزب الشيوعي العراقي الذي كان والد مقتدى الصدر يرد عليهم ويتهمهم بالإلحاد ليتغير اسم الكيان إلى «ثائرون»، يا لأعاجيب 2018؟ أما ائتلاف الفتح، فيضم الحشد الشعبي ومنظمة بدر الإيرانية بقيادة هادي العامري، وجماعة عصائب أهل الحق الإيرانية بزعامة قيس الخزعلي.
لا تتعب نفسك! أي صوت يتشتت في الانتخابات القادمة بين الأسماء والكيانات والتجمعات والائتلافات يجمع في فتوى إيرانية واحدة، فلا تغرنك بهرجة الأسماء فكل القطيع السياسي سيأتي مهرولاً إلى حظيرة الطاعة إن بدأت إيران «الراعي» بالصفير.. لك الله يا عراق.
6 صفقة مخزية محمد يوسف البيان الامارات
تكشفت أسرار تلك الصفقة المخزية بين نظام قطر والإرهابيين في العراق وسوريا وقوات الاحتلال الإيراني.
بعد عام كامل من الإعلان عن «أكياس الأموال النقدية»، التي حاول القطريون تهريبها إلى العراق، ظهرت الحقيقة، فقد حاول كل من ساهم في اقتسام «الفدية» المليارية، أن يتكتم على الأمر.
فالمال كان من نصيب أجنحة متعددة، ترتبط ارتباطاً مباشراً بحكام بغداد، والمقابل، كان الإفراج عن مجموعة من الصيادين القطريين اختطفوا في الأراضي العراقية، ولهذا لم نلتفت كثيراً لذلك الحدث، وتم تجاهله لارتباطه بحياة أبرياء، واعتقدنا جميعاً بأنها كانت قضية ابتزاز لا أكثر، من تجار الحروب.
رغم أن الأحداث اللاحقة، بينت أنها أكبر من ذلك بكثير، فالصفقة تبعتها صفقات طالت بلدات ومناطق سورية، وآلاف من الناس تضرروا، وإرهاب منظم تشاركت قطر مع إيران وتركيا والعراق في تنفيذه، والعالم يتفرج ولا ينطق.
كنا بحاجة إلى «واشنطن بوست»، حتى نكتشف أن ما حدث في أبريل 2017، لم يكن الهدف منه إطلاق مجموعة قطرية كانت في «رحلة قنص»، وأن «صفقة العار»، كانت ضمن المخطط الذي رسمه نظام الحمدين لهذه الأمة، فالصحيفة الأميركية موثوقة، ولا يمكن أن تورط نفسها في وثائق ومعلومات غير مؤكدة لها، ولا يهم من أين حصلت عليها، ولكن ما تضمنته هو المهم.
الخيانة استكملت هناك، خيانة التحالف العربي الذي يواجه التمدد الإيراني في اليمن، فقد كان شرط «سليماني» لإنجاز الصفقة، خروج قطر من التحالف، وقد تم ذلك بعد شهرين، وكان طرداً وليس طوعاً، بعد أن اكتشفت دولنا وجود «خائن» في غرفة العمليات، وتكشف أيضاً تبعية التنظيمات الإرهابية السورية لنظام قطر، فهؤلاء أطلقوا الأسرى الإيرانيين استجابة لطلب قطر، أما الصفقة التي لن تمحى من التاريخ.
فهي تهجير سكان البلدات الأربع السورية، لتغيير التركيبة المذهبية والطائفية التي تسعى إيران لها، آلاف العائلات نقلت بعيداً عن بيوتها ومواطنها الأصلية إلى العراء في مواطن أخرى، وهؤلاء لن ينسوا أن «صفقة العار»، حولتهم إلى لاجئين في وطنهم، ولن تنسى سوريا المعرضة للتقسيم، تلاعب نظام صبياني عابث بمقدراتها، ومع كل يوم يستمر فيه الاحتلال الإيراني لأرض سورية، ستتذكر الأمة أن مليارات الحمدين مزقت سوريا.
7 العراق انتخابات بلا أميركيين عبدالرحمن الراشد الشرق الاوسط السعودية
حمى الوطيس في بغداد حيث بقي أقل من أسبوعين على الانتخابات البرلمانية العراقية، التي تقرر أيضاً رئاسة الوزراء.
هذه هي الانتخابات الرابعة منذ سقوط نظام صدام حسين، وكثيرون يصفونها بالديمقراطية المشوهة، بسبب نفوذ القوى الدينية، والتدخلات الأجنبية، والفساد السياسي. إنما تظل نسبياً أفضل من غيرها من الديمقراطيات العربية. ومع أن كثيرين تنبأوا بسقوط النظام السياسي البرلماني بخروج الأميركيين، وهم مهندسوه، إلا أن هذه هي الانتخابات الثانية تتم بدونهم.
الأميركيون صمموا نظام العراق ليكون برلمانياً فيدرالياً، وليس رئاسياً حتى يستوعب الاختلافات التي تميز العراق في اثنياته ولغاته وأديانه، ويتحاشى سلطة الفرد الواحد، وصار لكل مائة ألف مواطن مقعد واحد يمثلهم.
للفوز برئاسة الحكومة، يحتاج المرشح الأغلبية، 165 نائباً، من إجمالي 329 نائباً. وبسبب التعددية الحزبية تقريبا يستحيل ذلك بدون تحالفات سياسية تحت قبة البرلمان. ومحافظة بغداد هي الأهم لأنها الأكبر بفارق كبير ولها 69 مقعداً.
العراقيون لهم تاريخ حضاري عظيم ينافس الرومان واليونان والفراعنة. هم من اخترع الحرف، وهم أول من كتب القانون. لكن الحضارات، بكل أسف، لا تورث، بل حتى التاريخ القريب للعراق لم يورث. من يتخيل أن العراقيين مارسوا التصويت عشر انتخابات في عهد الملكية في النصف الأول من القرن الماضي.
ففي العشرينات، أي قبل نحو مائة عام، كانت بغداد مدينة مزدهرة، حديثة، شبه أوروبية. بعد إخراجهم العثمانيين، بنى البريطانيون فيها مجلسين برلمانيين، منتخب من العامة وآخر معين للشيوخ.
وهم من أسس دولة العراق الحديثة بحدودها الحالية، وكذلك أقاموا نظاماً سياسياً يشبه نظامهم، فجعلوها مملكة في عام 1921. بعدها بـ 11 سنة استقلت عن التاج البريطاني، ودامت المملكة العراقية مزدهرة إلى 1958 حينما ظهرت موجة الانقلابات العسكرية في المنطقة التي جلبت الدمار وعدم الاستقرار.
ولطالما كان العراق هدفاً للغزو، وممراً للغزاة وموطناً للحضارات المحلية مثل السومرية والبابلية. غزاه الرومان من الغرب، والساسانيون الفرس من الشرق، والمسيحيون العرب المناذرة من الشمال، والمغول من أطراف الصين، وعرب شبه الجزيرة من الجنوب، والاتراك والبريطانيون.
العراقيون أنفسهم أمم متعددة، لهذا يحتاجون إلى هذا النظام الفيدرالي البرلماني، ضمن توازن دقيق، حتى يستطيعوا الحفاظ على العراق. وليس غريباً أن إيران الخامنئية تحاول جاهدة الاستيلاء على معظم جارتها العراق اعتقاداً منها أن ذلك سيمنح نظامها الثيوقراطي النفوذ والديمومة، لكنها في الواقع تهدم المعبد على رأسها.
كل الذين حاولوا ركوب وترويض هذا الحصان العراقي وقعوا، بما فيهم عراقيون مثل صدام حسين، الذي بلغ به جنون العظمة أن يتصور انه قادر على فرض نفوذه على إيران ودول الخليج العربية.
ولهذا كررت الحكومة الأميركية الحالية تحذيراتها لطهران بأنها لن تسمح لها بالهيمنة على العراق كبلد استراتيجي. وما حدث في الانتخابات العراقية الماضية قصة لم ترو بالكامل بعد، حيث قررت القوى العراقية والأميركيون ضرورة التخلص من نوري المالكي رئيس الوزراء الذي هيأ لنفسه الفوز بكل السبل.
وتم التخلص منه في ليلة مظلمة، شبه انقلاب، والسيطرة على قواته الحرس الجمهوري. ولم يكن هناك شجاع داخل حزبه، حزب الدعوة، ليأخذ مكانه سوى حيدر العبادي بعد أن هرب مرشحون آخرون خوفاً من رفيقهم المالكي الذي هدد منافسيه بمحاكمات الفساد وغيرها من أجل أن يبقى في رئاسة الوزراء فترة ثالثة، والأرجح مدى الحياة.
الانتخابات المقبلة مهمة لتثبيت النظام السياسي لكنها قد لا تصلح من حال البلاد التي تحتاج إلى التفرغ للتنمية، وتقليص العسكرة، والتخلص من نفوذ نظام خامنئي.
8 من دنيا الصحافة خالد القشطيني الشرق الاوسط
طوال وجود صدام حسين على دست الحكم، آمنت، كما آمن كثيرون من أمثالي، بأنه ما من أحد يستطيع إزاحته من الحكم غير قوة خارجية، أو بالأحرى قوة الولايات المتحدة. ولكن كثيراً من المغتربين ظلوا يلوحون في الخارج بأنهم قادرون وعازمون على تولي المسؤولية بأنفسهم. نظموا سائر المنظمات التي عرفت في الخارج باسم «المعارضة العراقية». لم أنتمِ لأي منها؛ لمعرفتي المسبقة بأنها لن تستطيع تحقيق الغرض المطلوب، وأن عملها سيكون مضيعة وقت، ولن تتمكن من إسقاط ديكتاتور بغداد. ولكن كان للأميركان رأي غير رأيي. تمكنت هذه الكتلة من الحصول على الدعم الأميركي بعد أن خصص الكونغرس مبلغ 93 مليون دولار لمساعدتها على العمل. ذكرني كل ذلك بما فعله الصحافي العراقي السيد عادل عوني. كان شرطياً موكلاً بحراسة المبغى العام في بغداد أثناء الحرب العالمية الثانية. ولكنه على ما يظهر «تثاقل» عن هذه الوظيفة ووجدها مخلة بسمعته ومكانته. ففكر بشيء أرقى من ذلك، وخطرت له مهنة الصحافة. أصدر أول صحيفة مسائية في بغداد عرفت باسم «الحوادث». اشتهرت بصورة خاصة بعمودها الفكه عن آخر الإشاعات والحوادث. وفي تلك الأيام عندما كان الإنجليز في حرب مصيرية مع هتلر، دأبوا على منح المكافآت للصحف العربية لنيل تأييدها ووقوفها بجانب الحلفاء.
وكان بينهم عادل عوني الذي واظب على تسلم هذه المكافأة، أو بعبارة أخرى هذا البرطيل. انتقده أصحابه على ذلك. كيف تقبل أن تأخذ فلوساً من الإنجليز؟ أما تخجل من نفسك؟ وأين وطنيتك؟ كان عادل عوني يعترف بذلك ويجيبهم بكل صراحة فيقول: هذا صحيح. أنا أتلقى منهم رواتب، ولكنهم لن يستفيدوا مني بشيء ينفعهم، فسواء كتبت أم لم أكتب فالوضع ماشي كما هو! لن يخسر الحلفاء الحرب أو ينتصر هتلر لأن عادل عوني كتب وقال كذا وكذا!
وهذا في الواقع ما حدث. فلم تستطع «الحوادث» أو غيرها من الصحف العراقية أن تحول دون سقوط النظام. أو بعبارة أخرى ضيعوا فلوسهم عليهم. وهكذا لم تفلح جريدة «الحوادث» ولا كل من كتب فيها في حماية النظام القائم، وتسلم الحكم عبد الكريم قاسم في 1958. وكان أول ما فعله النظام الجديد الأمر بتعطيل جريدة «الحوادث». ولم يعرف عادل عوني أين يذهب. فلسوء حظه بادرت حكومة فاضل الجمالي إلى غلق وهدم المبغى العام. فلم يعد له مكان فيه.
ظل يدور ويفتش حتى سمع بتأسيس حزب شيوعي جديد خصص له كريم قاسم مبالغ ضخمة. وكان أن تخاصم عبد الكريم قاسم مع الحزب القائم، وللتنكيل بهم نادى على داود صايغ وكلفه تأسيس حزب شيوعي جديد، وكرس له مبلغا جيداً، راح صايغ يتقاسمه مع أصحابه، فاندس بينهم صاحبنا عادل عوني. أجابوه بالقول: امش من هنا. أنت مفضوح. أتريد أن تكسر عرضنا؟ وهكذا فشلت محاولة صاحبنا في استئناف دوره الصحافي القديم. وبذلك خاب مسعاه في الانضمام للحركة اليسارية. ومات بعد قليل مهموماً ومجهولاً.
9 انتخابات العراق ولبنان ومآلات الصراع في الشرق الأوسط بوتان تحسين صحيفة الحياة السعودية
ستشهد منطقة الشرق الأوسط في الفترة القليلة المقبلة عمليتي انتخابات مهمتين، يتوقع أن تكون لنتائجهما تأثيرات مباشرة في مجمل مسار الحرب والسلم، ليس في المنطقة وحسب، بل حتى على مستوى العالم. بتعبير آخر، يُتوقع أن تُظهر النتائج، في شكل أوضح، ملامحَ مرحلة جديدة من صراع إقليمي ودولي بين توجهين أو طرفين متصارعين.
من جهة، هناك رغبة إقليمية في الإبقاء على الوضع والخريطة السياسية في الشرق الأوسط على حالها، وألّا تشهد هذه الخريطة ومساراتها أي تغيير أو تعديل يُذكر. وهناك، في المقابل، رغبة أقوى، تسعى إلى إحداث تعديلات وتغييرات في منطقة الشرق الأوسط، وإطارات العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها، من أجل ضمان تدفق البترول والغاز إلى الغرب وتسهيله، وحماية أمن إسرائيل، والقضاء، إلى حد ما، على البذرة الفكرية للتطرف الديني والمذهبي في المنطقة، والتي باتت تشكل مصدر تهديد للعالم أجمع، من حوادث 11 أيلول (سبتمبر) وحتى الآن.
في السادس من أيار (مايو) المقبل ستُجرى الانتخابات اللبنانية، وقد وُضع النظام الانتخابي هذه المرة، بطريقة يمكن أن تقوض أدوات «حزب الله» وإيران ونفوذهما في الحياة السياسية اللبنانية. وستلي هذه الانتخابات أخرى مماثلة في العراق، حيث يُنتظر أن تسفر عن فوز الأطراف الموالية أو المرتبطة بالأجندة الغربية، والتوقعات تسير باتجاه إحراز قائمة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، على مستوى العراق، والحزب الديموقراطي الكردستاني، على مستوى إقليم كردستان، المرتبة الأولى. ويتوقّع تراجع القوائم المرتبطة بإيران والمدعومة من الحشد الشعبي، ما يعني سحب البساط من تحت أقدام إيران وتعريتها في شكل ديموقراطي. لذا، بدأت أطراف شيعية عراقية، ومنذ الآن، تثير الشكوك حول نتائج انتخابات 12 أيار، متحججةً بأن مركز السيطرة على الأصوات في الانتخابات موجود في دبي لا في بغداد.
بعد يومين من إجراء الانتخابات العراقية، ستنقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس. وهذه الخطوة بمثابة صب الزيت على النار، وستسفر عن ردود أفعال واسعة من جانب الدول الإسلامية والعربية. ويمكن أن تكون بداية مرحلة أخرى من الصراع في المنطقة. وهي المرحلة ذاتها التي استخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذريعة لتقديم موعد الانتخابات التركية. وهو أعلنها صراحة، بأن هناك عملية تغيير سياسية تلوح في الأفق في العراق وسورية، ويستلزم ذلك تطبيقاً سريعاً للنظام الرئاسي في تركيا، وتسريع آليات اتخاذ القرارات المصيرية هناك.
تفيد التوقعات بتحجيم الدور الإيراني في العراق ولبنان عبر صناديق الاقتراع. وهذا المسعى يثير علامات استفهام وتساؤلات كثيرة بخصوص رد فعل طهران، وما إذا كانت سترضخ بسهولة وتقبل بهذه النتائج والمستجدات والتطورات، في حين أن إيران استخدمت خلال السنوات الثماني الماضية جميع الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية لتقوية موقعها ونفوذها في المنطقة عبر حماية نظام بشار الأسد في سورية.
إن عدم تسليم إيران سيطلق صافرة بدء لعبة أقوى في المنطقة، وبدل الحرب بالوكالة، قد تحدث هذه المرة في شكل مواجهة مباشرة بين الدول أو أطراف اللعبة. ورفض الواقع الجديد سيعيد المنطقة إلى المربع الأول من عنف وعدم استقرار آخر. وستكون كل أطراف المعادلة والصراع القائم في الشرق الأوسط أمام احتمالين: حرب كبيرة، ربما تشعل فتيل حرب عالمية ثالثة، أو البحث عن سلام وحل دائم مشكلات الشرق الأوسط، وفك عقد كل مشكلات القومية والطائفية والمذهبية في المنطقة، ومن ضمنها المشكلة الكردية. وفي كلتا الحالين، سيدخل مستقبل العملية السياسية العراقية في نفق مظلم، لأن أجندة فريق ترامب الجديد لن تسمح بأن تقود إيران العراقَ وفق رغبتها وعلى هواها. وإعلان إدارة ترامب تهديدات بخصوص فسخ الاتفاق المبرم بين واشنطن وطهران بخصوص الملف النووي الإيراني، هو أحد مؤشرات احتمال تفاقم الصراع بين الجانين.
كذلك من المتوقّع ألّا ترضى إيران بترك حصتها من الكعكة العراقية بسهولة، وبذلك ستتعطل العملية السياسية في العراق وتفتح الباب على مصارعها أمام احتمالات عدة وبروز أصوات وألوان أخرى في الميدان. لذلك، فإن المؤشرات تفيد بأن انتخابات أيار في العراق قد تكون آخر عملية انتخابات في هذا البلد كونها ستفتح أبواب المنطقة أمام مشكلات أكبر وأكثر تعقيداً، ويمكن أن تكون مدخلاً لتقسيم البلد، بهدف قطع الطريق على تعقيدات ومشكلات أكبر بكثير تهدد مصالح أميركا وإسرائيل.