1 قصة سورية موازية لقصة العراقي الذي «أسقط الأباتشي ببندقية صيد» حازم الامين الحياة السعودية
شرح أحد الناطقين اللبنانيين بلسان النظام السوري على إحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية كيف أسقط جندي سوري ببندقيته صاروخاً كانت أطلقته الطائرات الأميركية في الغارة التي نفذتها أواخر الأسبوع الفائت على قواعد النظام السوري في دمشق وحمص. قال الناطق إن الجندي السوري تلقى أوامر بالتصدي ببندقيته للصواريخ فأصاب محرك الصاروخ، وسقط الأخير من دون أن ينفجر، وأهداه الجيش السوري للجيش الروسي لكشف «ذكاء» هذه الصواريخ التي تحدث عنها دونالد ترامب.
ما قاله الرجل لا يُطمئن إلى حال النظام في سورية، ذاك أنه يعيدنا إلى قصة العراقي الذي أسقط طائرة الأباتشي الأميركية ببندقية الصيد التي بحوزته عام 2003. هذه الحكاية التي بثها التلفزيون العراقي في حينه وراحت وسائل الإعلام العربية الكبرى تتناقلها بصفتها علامة على «تقدم الفطرة على الذكاء»، أعقبها حدث وقع بعد أقل من 48 ساعة، تمثل بوصول الجيش الأميركي على حين غفلة إلى بغداد.
الحاجة إلى هذا المستوى من الخرافات لتعزيز موقع النظام في مواجهة لا يخوضها أصلاً، مؤشر إلى انهيار. ليست واقعة إسقاط الصاروخ وحدها ما يُعزز هذا الاعتقاد. فالتلفزيون السوري بث صبيحة الغارة شريطاً مصوراً يُظهر الرئيس بشار الأسد متوجهاً إلى مكتبه في الساعة الثامنة صباحاً، حاملاً حقيبة العمل. لم يسبق أن استيقظ الرئيس في هذا الوقت، ولم يسبق له أن حمل حقيبة، وظل الشجرة في حديقة القصر ظهر عمودياً فكشف أن الصورة التقطت في ساعة الظهيرة، وليس في الثامنة صباحاً.
ليست نتائج الغارات ما يبعث على الاعتقاد بأن حالة النظام رديئة، ذاك أن القيمة الميدانية للغارات محدودة جداً. ما يدفع إلى ذلك المسرحيات الركيكة وغير الذكية التي رافقت الغارات. الرغبة في الكشف عن «نصر» لا أحد يعرف كيف تحقق وأين. المبالغة الكاريكاتورية في تصوير «الحياة العادية» للرئيس في هذه الظروف. الرصاصة التي أسقطت الصاروخ. التظاهرات المفتعلة في اليوم الذي أعقب الغارات. والإعلان عن غارات جديدة تم إحباطها ثم بيان النفي الذي أعقبها. هذه مؤشرات عن حال الوهن والانهيار التي يعيشها ما تبقى من النظام، وهي مؤشرات إلى أن يـــوماً واحداً من دون الروس والإيرانيين سيفضي إلى انهياره في غارة واحدة.
النظام السوري اليوم ليس أكثر من هيكل متآكل لتحالف إقليمي دولي. الحاجة إليه تقتصر على هذه المهمة، وقد تمتد فترة أدائه هذه المهمة سنوات، إلا أن أي تسوية ومهما كان شكلها ستفضي إلى تقديمه كبش فداء لها. علينا دائماً أن نستعيد تجربة صدام حسين في السنوات العشر الأخيرة من حكمه. عاش صدام ونظامه تلك الفترة على وقع خطاب قومجي فارغ ومحشو بقدر هائل من الأكاذيب ومن وقائع الارتزاق عبر معادلة النفط مقابل الغذاء، والتي كشفت الوثائق أنها كانت وسيلة لاسترزاق نخب الممانعة من المحيط إلى الخليج على حساب العراقيين الذين أنهكهم الحصار. وما أن لاحت ساعة الحقيقة حتى انهار النظام بضربة واحدة.
اليوم يعيش السوريون لحظة مشابهة وإن كانت الفروق كثيرة. خطاب ممانع يروج لكذبة كبرى، وحال من الارتزاق تتولى حجب حقيقة الانهيار. أما الفارق، فهو نظام الحماية الإقليمي لرئيس لا وظيفة له سوى الظهور في شريط مصور. ويبدو هنا أن هذا الشريط هو السبيل الوحيد للتصدي للغارات.
الغارات الأخيرة التي نفذتها واشنطن ولندن وباريس جاءت لتقول لمن يحمي الرئيس: نحن شركاء أيضاً في هذا التوازن. لم يكن الهدف منها إسقاط النظام، وهي لم تكن بفعالية الغارة التي نفذتها اسرائيل قبل اسبوع على مطار «تي 4». الغارات حملت رسالة دقيقة، وكشفت عن أن موسكو ليست غطاء كافياً للنظام ولطهران. غارات من كل حدب وصوب تستهدف الرئيس المستيقظ في الثامنة صباحاً، ومن دون أن يقف الحلفاء في وجهها، ووحدها بندقية الجندي السوري من يتولى صدها، هذه وقائع تقول الكثير عما يجري فعلاً في سورية.
تقول هذه الوقائع إن موسكو حليف جبان وضعيف سبق أن قتل الأميركيون مئات من جنوده في دير الزور ولم ينبس ببنت شفة، وها هو اليوم لا يُسعف الرئيس في محنته، ويتركه في ظل بندقية واحدة أسقطت صاروخ الإمبريالية الزاحفة إلى قصر المهاجرين. وتقول أيضاً إن طهران يمكن لها أن تتلقى الضربات الإسرائيلية في دمشق وأن تؤجل ردودها لسنوات وسنوات على نحو ما عودنا النظام تأجيل الردود.
يبدو مذهلاً وباعثاً على الخوف فعلاً أن تكرر الجماعات الأهلية ونخبها وأحزابها نفس السقطة من دون أن تكترث لتعاقب الفشل والهزيمة سنة بعد سنة، وأن يحتفظ خطاب فارغ وكاذب وغير أخلاقي بنفس القوة على رغم انكشافه وركاكته، وأن يبقى لحكاية الرصاصة التي أسقطت الصاروخ قدرة على النفاذ والانتشار. فالرجل الذي أسقط الأباتشي ببندقية الصيد ظهر بعد الهزيمة وكشف أن لا ناقة له ولا جمل في هذه الحكاية، والسياسي اللبناني الذي كشف عن قصة الرصاصة التي أسقطت الصاروخ خرج من الإستديو وأشاح بوجهه مبتسماً خلف الكاميرا. لكن لحكايته قوة طالما أن الهزيمة لم تقع بعد. وهو اذ يستخف بعقولنا يدرك أننا سننسى وسننتخبه بعد أيام قليلة.
قالت الرواية الممانعة إن العالم بلا أخلاق لأنه نفذ هجوماً رمزياً على النظام في ســــورية. لا شك في أنها محقة بأنه بلا أخلاق، لكن لسبب هو عكس السبب الذي أشهرته اليوم وسبق أن أشهرته في عراق صدام حسين. العالم بلا أخلاق لأن الغارة الأخيرة كشفت أنه شريك فعلي في حماية النظام، وأن موسكو مجرد وهم جرى تبديده مؤخراً. قد تكون حجة العواصم التي نفذت الغارات أن لا بديل سورياً عن هذا النظام اليوم إلا الإسلاميون، لكن من قال إن حجم الكارثة سيكون أكبر.
2 «الكردي المخذول» سمير عطا الله الشرق الاوسط السعودية
كتاب آخر في مؤلفات فؤاد مطر السياسية. لم يترك الزميل الكبير مسألة عربية لم يؤرخ لها بالبحث والموضوعية. من لبنان إلى السودان إلى فلسطين إلى ليبيا إلى السعودية إلى العراق. والآن إلى «الكردي المخذول»، أو الكردي الحزين، أو الكردي البائس، أو الكردي سيئ الطالع. انتقِ التسمية التي يتهيأ لك أنها الأكثر دقّة.
«الكردي المخذول» هي حكاية أحدث الفصول في المأساة الكردية (الدار العربية للعلوم – ناشرون)، انطلاقاً من الاستفتاء الذي دعا إليه رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، وما تلاه من أحداث ومضاعفات، من العراق إلى تركيا مروراً بسوريا.
يلفت النظر أكثر من أي شيء في هذا السرد التاريخي علاقة القربى بين العرب والأكراد فوق جغرافيا واحدة وفي تاريخ واحد. وقد سرت الدماء الكردية في أسماء لها مشاعل، ليس بدءاً من صلاح الدين، ولكن يختار فؤاد مطر البداية المعاصرة مع محمد علي، مؤسس مصر الحديثة. وقد حملت النهضة اسمي اثنين من رعاتها الكرد، الشيخ محمد عبده وقاسم أمين. ونعرف أن أحد سادة المقرئين، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، في اللائحة الكبرى. وكذلك محمد حسنين هيكل وعباس محمود العقاد ومحمود تيمور ونجيب الريحاني. ولا أدري لماذا فاته اللون الكردي في دماء أحمد شوقي الذي أصبح أمير الشعراء العرب، وهو خليط من جذور إسلامية أخرى.
يستذكر فؤاد مطر ما سمعه شخصياً من صدام حسين حول الموضوع الكردي، ومن أخيه برزان التكريتي، الذي كان يبدو أنه يسعى إلى إيجاد حل للنزاع. لكننا نعرف جميعاً أن النظام في العراق كان قد أمضى شوطاً بعيداً في ضرب الأكراد منذ وصول البعث إلى الحكم عام 1963، وبسبب العنف المفزع والطويل، عمَّقت بغداد مشاعر الانفصال في جبال الشمال، بدل تهدئتها.
تلك هي طبيعة الأشياء، وتلك هي طبيعة القضية الكردية. فهي ليست مسألة عراقية فقط، ولا عربية فقط، بل أيضاً إيرانية، وخصوصاً تركية. حينما تطلع الأكراد بحثاً عن هوية ذاتية، وجدوا أمامهم جداراً عالياً وأودية عميقة. والقوى التي عرضت عليهم التحالف كانت تفعل ذلك دائماً بالسر، بدءاً بالاتحاد السوفياتي وانتهاء بالولايات المتحدة.
لسنوات بدأ إقليم كردستان وكأنه على أبواب الاستقلال، وتصرف في الشق الاقتصادي والمالي وكأنه استقل فعلاً. وعرف حدوداً من الازدهار والاستثمارات لم يعرفها في أي مرحلة في تاريخه. لكن الحلم باستقلال كلّي كان خطأ فادحاً في قراءة مصائر الأقاليم والدول والفارق بينها.
3 خمسة عشر عاماً على الغزو الأمريكي للعراق 1-2 نجيب الخنيزي
الجزيرة السعودية
في التاسع من شهر أبريل الجاري حلت الذكرى الخامسة عشرة على سقوط بغداد، وانهيار النظام العراقي السابق على يد القوات الأمريكية وحلفائها وفي مقدمتها بريطانيا
في 2 مايو/ آيار 2003، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن انتهاء العمليات العسكرية الرئيسة في العراق في خطابه، الذي ألقاه أمام حشد من العسكريين الأمريكيين على متن حاملة الطائرات إبراهام لنكولن، وذكر فيه أن الحرب شنت بهدف تحرير شعب العراق وتحقيق السلام للعالم، وأكد بوش أن ديكتاتور العراق – حسب وصفه – قد سقط، وأن العراق قد حرر، وأن القوات الأمريكية تقوم الآن فيه بعمليات حفظ الأمن وإعادة البناء.
الغزو الأمريكي جرى تحت ذرائع واهية (من بينها امتلاك النظام العراقي لأسلحة الدمار الشامل، وتحالفه مع تنظيمات إرهابية وفي مقدمتها القاعدة) وقد تبين لاحقاًٍ أنها مفبركة.
وخلال ثلاثة أسابيع من الحرب جرى تدمير ممنهج للبنية التحتية، والمرافق الحيوية العسكرية والمدنية والاقتصادية والخدماتية على حد سواء، كما سقط مئات الآلاف من القتلى والجرحى جلهم من المدنيين.
على الصعيد الأمريكي ووفقاً لتقديرات مشروع تكاليف الحرب في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، فإن الحرب على الإرهاب كلفت الأمريكيين مبلغًا هائلاً يصل إلى 5.6 تريليون دولار منذ عام 2001، عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان وهذا الرقم لا يشمل فقط صندوق الحرب في البنتاغون، بل يشمل أيضاً الالتزامات المستقبلية مثل الخدمات الاجتماعية لعدد متزايد من المحاربين القدامى بعد 11 أيلول.
في عام 2015، عندما قام مشروع تكاليف الحرب في الولايات المتحدة بأحدث إحصاءاته، لقي 165 ألف مدني عراقي حتفهم كنتيجة مباشرة لحرب الولايات المتحدة، إضافة إلى نحو 8.000 جندي أمريكي ومقاول عسكري في العراق، وقد أبلغت الأمم المتحدة أن أكثر من 4.4 ملايين عراقي أصبحوا مشردين داخلياً، وأن 246.100 أصبحوا لاجئين في الخارج.
سأقف هنا عند أكذوبة كبرى تفوق بمرحل ما يسمى بكذبة أبريل، التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن المحافظة والمهووسة بأنساق القوة والهيمنة الأمريكية على العالم.
هذه الأكذوبة مفادها أن الولايات المتحدة في غزوها للعراق واحتلالها بغداد في 9 أبريل 2003، إنما استهدفت حرية الشعب العراقي من خلال القضاء على النظام الاستبدادي (ولا خلاف على هذا التوصيف) وتفكيك آلته القمعية ونزع وتدمير أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته، وتصميم نموذج للديمقراطية والحرية في منطقة الشرق الأوسط بما يتفق والمصالح الأمريكية، وحيث إن الشعب العراقي والقوى المعارضة داخل أو خارج العراق (بما في ذلك المعارضة المتعاونة والمتحالفة مع الولايات المتحدة) غير مهيأة وقادرة (في نظر الإدارة الأمريكية) على تشكيل البديل الديمقراطي، فإن الإدارة الأمريكية المسكونة بـ«القيم الحضارية!» قامت بدور تاريخي عظيم لإنقاذ العراق وشعبه عبر احتلاله، وتدمير مقوماته المادية والبشرية والحضارية والثقافية، وفرض حكم عسكري أمريكي مباشر. واستبدل لاحقاً بسيطرة الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر الذي أصدر في 23 مايو 2003 قراراً بحل الجيش العراقي أحد المكونات القليلة المتبقية للدولة العراقية المركزية، كما أشرف على تشكيل ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي وفقاً لنظام المحاصصة الطائفية والإثنية، وجرى الاستعانة بفريق من العراقيين الذين قدموا بمعية الاحتلال، بعد أن نالوا شهادات حسن سيرة وسلوك من قبل رامسفيلد ورايس وباول. للحديث صلة