1 شيعة الولايات المتحدة والمرجعية (6- 6)
خليل علي حيدر الجريدة الكويت
تذهب الباحثة الأميركية “وولبريدج” كما بينا، إلى أن “حزب الدعوة”، الذي نشأ في مدينة النجف في العراق، ورغم أن علماء الدين الشيعة هم مؤسسوه، وأن الجماعة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذه المدينة ذات المكانة المتميزة للأصولية الشيعية، فإن مكانة العلماء فيها محدودة باعتبارات معينة.
وتقول الباحثة “يمتد استياء “الدعوة” من العلماء إلى أبعد من مسائل مثل اتجاه القبلة وأوقات الصيام الدقيقة، إنهم يشعرون أن إضفاء التبجيل على المراجع والعلماء عموماً قد يؤدي إلى الفساد والافتقار الى المبادرة من جانب المؤمن العادي وغياب المسؤولية. وقد أغضب ميلهم إلى الاستفهام عن الحجج وراء قرار ما أو رأي بعض العلماء من أتباع الدعوة وأدى إلى نفرتهم. ويجد العلماء الأمر مروعاً حينما تتعرض آراؤهم وآراء المرجع للتحدي. لقد وصف لي شخص كان يزور منطقة “ديترويت” أنه كان جالساً مع أصدقاء، لهم تفكير متماثل وكان يسأل عالما عن أحد آراء المرجع في مسألة معينة. أعطى العالم جواباً، غير أن الحاضرين أصروا على أن يوضح إن كان ذلك رأيه أم رأي المرجع. صعق العالم، ووبخ الحاضرين بسبب ما اعتبره عنجهية من جانبهم، على الرغم من أن العلماء يهتمون بكسب هذه المجموعة بسبب مستواها التعليمي العالي وإمكانيتها في التأثير وقدرتها على كسب المال، إلا أنهم يلتزمون الحذر تجاههم بسبب استقلال تفكيرهم وتعبيرهم عن آرائهم بصراحة”.
(العرب في أميركا، ص97).
وبعكس أعضاء “حزب الدعوة” تجد الباحثة أتباع “حزب الله”، “أقل تحدياً لأنهم ينظرون إلى العلماء من المستويات كافة لقيادتهم، ولا يطلبون من علمائهم سوى الاهتمام بفرض الشريعة وتولي دور نشيط في تقريب الناس الى الالتزام الشرعي بالإسلام”.
وفي تجمع ديني استضافه شيعة باكستانيون، تقول الباحثة، تم اختيار متحدث إسلامي ليس “عالماً”، ليخاطب الجمهور، على الرغم من وجود عدة علماء بارزين في القاعة، وهو إسلامي نشط في المجال السياسي، من أجل تعزيز حقوق الشيعة في العراق (في زمن النظام السابق).
وتقارن الباحثة بين الجماعتين سياسياً فتلاحظ قائلة: “يختلف أنصار حزب الله والدعوة في جوانب أخرى، فالمرتبطون بحزب الله، باتباعهم خامئني، يؤكدون رغبتهم في أسلمة الحكم والمجتمع، ويرى هؤلاء أن خامئني رمز انتصار الإسلام على العلمانية الغربية، وبسبب نفورهم من القيم والتقاليد الغربية لا يشعرون بالضيق من دعم شخص يكون من الواضح أنه على خلاف مع الحكومة الأميركية، وعلى الرغم من اشتراك أنصار الدعوة في بعض النشاطات المعادية للغرب فإن لهم عموماً منظوراً أوسع وأكثر واقعية، إنهم يدركون جيداً الحاجة الى العمل مع الآخرين لتحقيق التغيير. ومن مشاغلهم المهمة مصير العراق وسكانه الشيعة الكثيرون”.
وتلاحظ الباحثة كذلك أن الشيعة العراقيين في الولايات المتحدة يرتبطون عادة بحزب الدعوة، فيما ينتمي الشيعة اللبنانيون إلى حزب الله، ورغم ذلك ثمة صلات وثيقة بين الشيعة اللبنانيين والشيعة العراقيين في الولايات المتحدة “إذ تميل كلتاهما إلى مشاطرة المساجد إلى حد لا تبلغه المجموعات الشيعية المواطنة الأخرى. والأرجح أن يكون العلماء العراقيون خطباء ورواة في مجالس العزاء في شهر محرم، وثمة درجة كبيرة من التفاعل بين المجموعتين، ويتمتع العراقيون بسمعة كبيرة بين اللبنانيين بسبب صلاتهم بالمدن المقدسة”.
ماذا عن التفاعل السني- الشيعي في المناطق التي يقيم فيها أتباع المذهبين؟ تقول الباحثة: “حافظ الشيعة الاثنا عشرية في الولايات المتحدة على هوية منفصلة قوية، وعلى الرغم من أن السنّة والشيعة يؤمون مساجد بعضهم بعضا أحياناً لأداء صلاة الجمعة، يبدو أن الشائع أكثر هو أن يصلي السنّة في مساجد الشيعة- بالتأكيد في مؤسسة شيعية- في كوينز بعد ظهر يوم الجمعة. لم تصبح هذه الحقيقة معروفة لديّ إلا بعد أن وجدت نساء فلسطينيات يرتدين الزي الفلسطيني يؤدين الصلاة هناك، وعندما سألت عن السبب أجبن أنهن لا يأبهن للفرق بين السنّة والشيعة وأيدت النساء الشيعيات الاثنا عشرية حولهن أنه “لا يوجد فرق” غير أن الشعائر وبعض المعتقدات لدى الشيعة تجعل من الصعب تجاهل الاختلافات كافة، وفي مسجد صغير على جادة “أتلانتيك” في بروكيلين قال الشيخ الذي قدم من مدينة كربلاء المقدسة إنه يلبي حاجات أميركيين- أفارقة كثيرين يعتنقون الإسلام ولا يهتمون إطلاقا بالفروق الشيعية- السنية، غير أن هذا ليس النمط المعهود في الجاليات الإسلامية”.
وتبين ملاحظات الباحثة بعض ما يعوق تقارب الشيعة والسنّة في أماكن كثيرة، ومنها الولايات المتحدة، حيث تميل الثقافة الاجتماعية إلى تذويب الأقليات و”صهر مختلف الجماعات في البوتقة الأميركية”، كما كان يقال دائماً.
تقول الباحثة عن مراسم عاشوراء: “وثمة أسباب كثيرة لعدم تحمس الشيعة للانضمام إلى السنّة في الولايات المتحدة. وهي أسباب لا علاقة لها بالتقارب في الرأي بل بواقع محاولة إبقاء التقليد الديني حياً في مجتمع يميل إلى مجانسة الأديان. إن الجمع بين السنّة والشيعة في شؤون المساجد المعتادة يعني بصورة شبه مؤكدة اضطرار الشيعة الى قبول الحلول بالإمام الحسين، التي تشكل جزءا كبيراً من حياتهم الدينية. وفي السعي إلى التوصل إلى قاسم مشترك مع السنّة ستكون تلك الشعائر هي الضحية وحتى أنصار حزب الدعوة المتحمسون لعودة المبادئ الأساسية غير مستعدين للتنازل عن أداء طقوس شهر محرم وغيرها. وقد لا يشعرون أن العويل والأشكال المتطرفة من الندم التي تمارس أحياناً مناسبة، إلا أنهم لن يمتنعوا حتماً عن إحياء ذكرى أحداث كربلاء”.
وقد تنشب بين الشيعة أنفسهم هناك خلافات لأسباب غير مذهبية، تولد توترات أحياناً!
وقد زارت الباحثة ذات مرة “المسجد اللبناني” في لوس أنجلوس في مارس 1996، فوجدته “خالياً تقريباً من الزخرفة، باستثناء صورة لعلي خامئني- مرشد الثورة الإيرانية- بجانب صورة للخميني، وقد تبين لها فيما بعد أن من يؤمون هذا المسجد ويصلون فيه يقلدون في الواقع السيد السيستاني لا خامئني، وعرفت الباحثة أن عدداً كبيراً من أتباع السيد فضل الله يؤدون الصلاة في هذا المسجد، وتضيف: “وبسبب تباين الآراء بشأن المرجع تقرر عدم تعليق أي صورة، إلا أن أنصار خامئني أصروا على تعليق صورته وبعد تعليقها تردد الناس في إنزالها” (ص100)
وتبحث “د. وولبريدج” أثر التطورات السياسية في المرجعية الشيعية فتلاحظ أنه “منذ نشوب الثورة الإيرانية اكتسبت مؤسسة المرجعية اهتماماً متزايداً بين الأكاديميين والشيعة أنفسهم. كان المرجع، تقليدياً، شخصية دينية يوجه الناس في أمور الواجبات والشعائر الدينية، غير اأنه منذ الثورة الإيرانية وإمكانية تولي المرجع دوراً أكبر في قيادة الشيعة روحياً وسياسياً وهو في طليعة المناظرات في الجالية الإسلامية الشيعية، وعلى الرغم من أن معظم الشيعة لا يتمنون حقاً إسلاماً مسيساً، بما في ذلك مرجعية مسيسة، فإنه حتى أولئك الذين يرون الإسلام قوة سياسية لديهم آراء متباينة نحو دور المرجع”. (ص100).
وتقول ملخصة ورقتها حول المجموعتين إن جماعة “الدعوة”، تستلهم كتابات السيد محمد باقر الصدر، مؤسس “الدعوة”، والأخرى “حزب الله” كانت تتبع السيد الخميني في حياته، وتضم الآن أتباع خلفه السيد “خامئني”، وهما على خلاف بشأن الدور الذي ينبغي على المرجع أداؤه في حياة الناس: “في رأي حزب الله المحافظ دينيا أن المرجع هو قائد معصوم تجب طاعته في جميع الأمور، سواء أكانت دينية أم دنيوية. وبالنسبة إلى الشخص المرتبط بالدعوة فإن دور المرجع محدد على نحو أضيق كثيرا، إذ يفترض في المرجع ألا يصدر الفتاوى إلا في الشريعية وليس في الأمور التي تتطلب الخبرة في مجالات تخصص أخرى. وتحترم هذه المجموعة المرجع لقيادته في الإصلاحات الدينية الاجتماعية مثل تعزيز حقوق المرأة والتوفيق بين العلم والدين، وإيجاد السمات المشتركة بين العقيدة الشيعية والسنية”.
وتقترح الباحثة مخرجاً لتوحيد الشيعة في الولايات المتحدة كما فعلت الجماعات الدينية الأخرى فتقول: “ثمة إمكانية في هذا البلد لتوحد الشيعة حول مرجع واحد يساعد الناس في النهاية على التغلب على الخلافات العرقية والقومية، مثلما يفعل الروم الكاثوليك في النهاية في الولايات المتحدة. غير أن الشيعة ينبغي أن يقرروا قدر الدور الذي يتولاه المرجع في تحديد الأبعاد الدينية للجاليات المختلفة، هل يكون المرجع من يلجأ إليه في الأمور الشخصية والحياة الطائفية كافة، أم يكون رئيساً صورياً ورمزاً لوحدة الشيعة؟ هل يتناول المسائل السياسية أم يعزل عن اضطراب العالم ولا يتناول سوى المسائل الدينية والشعائرية المحضة؟ إن الجاليات الشيعية تعمل حالياً على إيجاد الإجابات عن هذه الأسئلة”. (ص101).
2 عودة صدام!
عثمان ميرغني
الشرق الاوسط السعودية
جرى خلال الأيام القليلة الماضية تداول قصص وحكايات عن رفات الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأثير مجدداً الكلام عن نبش قبره والمكان الذي نقل إليه رفاته، وسط تضارب في الأقوال وصل إلى حد إيراد أحاديث أقرب إلى الخيال السينمائي منها إلى الواقع والمنطق.
قد لا يكون غريباً أن يستعيد الناس ذكرى صدام خصوصاً في هذا الشهر الذي يتوافق مع ذكرى سقوط نظامه ودخول القوات الأميركية بغداد 9 أبريل (نيسان) 2003، وكذلك مع تاريخ ميلاده 28 أبريل 1937. وقد لا يكون غريباً أن نسمع بعض الناس يسجلون حنيناً إلى عهده، فللرجل أنصاره على الرغم مما اقترن بحكمه من أحداث ومآسٍ جرت على العراق والمنطقة ويلات كثيرة. لكن الغريب هو أن يدخل بعض الناس في متاهات الحديث عن «كرامات»، وعن «جثة لم تتحلل»، ويعطون الأمر صبغة تبتعد عن الواقع، ليتحدثوا عن تلك الفترة وأحداثها لا بلغة العقل وتحليل الأحداث، وقراءة التاريخ كما حدث لا كما نريده أن يحدث، بل يصورونها بطريقة حالمة.
ليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها الحديث حول رفات صدام وما حدث لمقبرته التي دفن فيها بعد تسليم جثمانه إلى ممثلين عن عشيرته إثر إعدامه في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2006.
فقد جرى تداول الحديث عن الأمر عدة مرات خلال الأعوام الماضية، خصوصاً بعد عام 2014 وتمدد تنظيم داعش ودولته الإسلامية المزعومة في العراق. قبل ذلك التاريخ كان هناك جدل بعدما تحول المكان الذي دفن فيه الرئيس العراقي السابق إلى مزار يأتيه المعجبون والفضوليون الذين عرفوا به على الرغم من أن الحكومة العراقية آنذاك كانت قد اشترطت عدم إعلان موقع القبر. ففي الفترة ما بين يوليو (تموز) وأغسطس (آب) 2014 نشرت وسائل الإعلام تصريحات لزعيم من عشيرة البوناصر التي ينتمي إليها صدام عن أن ميليشيات شيعية اقتحمت المدفن ومزقت صور الرئيس السابق قبل أن تشعل النار في المكان. وكشف الزعيم العشائري عن أنهم كانوا قد نقلوا رفات صدام إلى مكان سري آمن تحسباً لمثل تلك الأحداث وخشية من أن يقدم أحد على نبش القبر والعبث به.
في مارس (آذار) 2015 بثت تقارير مصورة من مكان قبر صدام الذي بدا مدمراً تماماً، ونشرت تصريحات لأحد قادة مسلحي «الحشد الشعبي» قال فيها إن مسلحي «داعش» مسؤولون عن تدمير المبنى الذي ضم القبر لأنهم فخخوه قبل انسحابهم، بهدف إيقاع خسائر في صفوف القوات الحكومية والميليشيات الداعمة لها التي كانت على وشك دخول المنطقة. من تلك الروايات لا يعرف بالتحديد من المسؤول عن تدمير المبنى الذي ضم مقبرة صدام، هل هي «داعش» أم الميليشيات الشيعية التي ظهر مقاتلوها يقفون فوق ركام المبنى يطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجا، ويرددون بعض الشعارات التي سمعت أيضاً خلال إعدام صدام.
في الوقت ذاته لم يعرف ما حل برفات صدام أو إلى أين نقل، مما أجج الروايات والحكايات المتضاربة ومنها ما يشبه روايات الأفلام مثل تلك التي تقول إن ابنته حلا جاءت بطائرة خاصة هبطت سراً في الموقع الذي دفن فيه والدها ونقلت الرفات إلى الأردن. فإذا سلمنا بأن العراق يعيش فوضى عارمة تسمح بهبوط طائرة خاصة سراً، فإن الأمر لا يمكن أن يقال عن الأردن.
الروايات حول رفات صدام تتزامن هذه المرة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العراقية، ومع مشاعر الحنين التي يبديها البعض لعهده بسبب ما آلت إليه الأوضاع في العراق الذي غرق في وحل الفساد والطائفية ومعارك الساسة والانقسامات الداخلية، وأصبح عرضة للتجاذبات والإملاءات الخارجية، وتأثير الوجود الإيراني المكشوف على أرضه. فهذه الأوضاع هي التي تجعل الناس يحنون إلى الماضي ويتذكرون لصدام إنجازاته من دون أن يتوقفوا أمام الإخفاقات، وجردة حساب لثلاث حروب مدمرة ومكلفة، بما في ذلك قتلى وجرحى بالملايين، إضافة إلى سجل من القمع الدموي في الداخل.
هذا الأمر ليس حكراً على العراق وحده بل نراه في دول أخرى تخوض سباقاً نحو القاع، وتشهد تردياً مريعاً في أوضاعها وأحوال شعوبها.
ففي ليبيا تسمع أصواتاً تتحسر على عهد العقيد معمر القذافي بعدما سقط البلد في دوامة الفوضى والاحتراب، وفي اليمن انضم بعض منتقدي الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى أنصاره في رثائه عندما قتل على أيدي حلفائه الألداء من الحوثيين، متمنين لو أنه كان قد تعامل مع الأوضاع بشكل مختلف ولم يسقط في لعبة «الرقص على رؤوس الثعابين».
في السودان يتداول الناس قصصاً وموضوعات ومقاطع أشرطة فيديو تستعيد مآثر الرئيس السابق جعفر نميري، أو مواقف بعض أسلافه مثل الرئيس إبراهيم عبود أو الرئيس إسماعيل الأزهري متحسرين على ماضيهم بسبب ما آلت إليه الأحوال اليوم.
إنها ظاهرة تعكس واقع الفشل الذريع للنخب والطبقات السياسية في دول سقطت في مستنقع الفوضى والحروب والفساد، مما جعل كثيرا من الناس فيها يتحسرون على الماضي… ولو كان استبداديا.
3 هل يفاجئ العراقيون العالم للمرة الثالثة؟
صلاح حسن الحياة السعودية
للمرة العاشرة على التوالي تختار اليونسكو عاصمة الرشيد، مدينة بغداد، كأسوأ مدينة للعيش في العالم كله، وإن أفصح هذا الاختيار عن شيء فإنه ببساطة شديدة فشل الطبقة الحاكمة التي جاء بها الاحتلال الأميركي للعراق منذ 2003 والتي تتألف غالبيتها من الإسلام السياسي المدعوم من إيران ودول الجوار.
عشر سنوات تتضمن الولاية الثانية لنوري المالكي التي حدث فيها احتلال داعش ثلث مساحة العراق وانهيار الجيش العراقي والكثير من الجرائم الخطيرة مثل جريمة سبايكر التي راح ضحيتها أكثر من ألفي جندي عراقي غدراً. في النصف الثاني من هذه السنوات العشر جاء حيدر العبادي بديلاً للمالكي وانشغل بمحاربة داعش ووعد بمحاربة الفساد، لكن الغريب في الأمر أن قائمته التي قدمها للانتخابات تتضمن بعض أكثر المسؤولين فساداً، وهذه أولى المفاجآت، لكنها لا تمثل مفاجأة للشعب العراقي.
المفاجأة الثانية هي تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع السيد مقتدى الصدر، وهذه أيضاً لم تكن مفاجأة للشعب العراقي، باستثناء عدد من المثقفين اليساريين الذين وجدوا في هذا التحالف انحرافاً عن مبادئ الحزب الشيوعي وشككوا في قدرة هذا التحالف على النجاح بسبب الاختلاف العقائدي والاجتماعي والسياسي بين المتحالفين.
أما المفاجأة الثالثة والتي لا يمكن السكوت عنها، فهي ترشح الكثير من قادة الدواعش إلى الانتخابات بعد صدور قرار العفو العام والمصالحة الوطنية، وأغلب هؤلاء ساهموا في إعدام الكثيرين من الجنود العراقيين الذين وقعوا في الأسر أثناء محاربة الدواعش، ولديهم صور وفيديوات كثيرة منشورة في أماكن مختلفة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. قسم من هؤلاء كانوا محتجزين في السجون العراقية، ولكن قانون العفو العام سمح بإطلاق سراحهم، وصورهم الآن تملأ الشوارع والساحات العامة.
ولكي تكتمل الصورة السوريالية لهذه الانتخابات، صوّت مجلس النواب على قانون العشائر الذي سيكون بديلاً عن القانون المدني الجنائي إلى درجة أن العشيرة فيه ستكون دولة ظل لها قانونها وقضاتها وشرطتها الخاصة. الاستخفاف بالعقل العراقي وصل إلى مديات غير منظورة بعد أن قامت فئات غير مرغوب فيها اجتماعياً بالترشح للانتخابات تحت غطاء المدنية والتغيير.
من المناسب أن يتعرف الشعب العراقي على قادته بعد مضي خمسة عشر عاماً من الخراب وانتهاك السيادة وغياب الروح الوطنية وتمزق الهوية وفقدان الأمن وتفشي الجريمة وغرق المدن بالقذارة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا يختار هذا الشعب هؤلاء القادة وهو يعرف أنهم فاسدون ولصوص وقتلة؟ انه الخوف، نعم الخوف من الحرب الأهلية وعودة السيارات المفخخة التي تمتلك كل الأحزاب المهيمنة على السلطة معامل لتفخيخها في كل مدن العراق.
ومع اقتراب الانتخابات يستخدم العراقيون الكثير من الأمثال الشعبية التي تعبر عن روح المرحلة، فيها المنتقد وفيها المبرر، وفق طبيعة الشخص وميوله. المنتقد يستخدم المثل الذي يقول: «الناس على دين ملوكهم»، في اشارة الى فساد المجتمع الذي يختار القادة الفاسدين مثله لأجل حفنة من الدولارات التي سيدفع ثمنها مضاعفاً في المستقبل بعد ان يبقى كل شيء على حاله. اما الشخص الذي يبرر سلوكه الفاسد فيستخدم المثل الذي يقول: «شعرة من جلد خنزير»، كي يوحي للآخرين انه لم يحصل سوى على ملاليم او على الفتات فحسب.
لا يعرف الناخب العراقي الخائف من كل شيء انه سيوافق على الحصول على خمسة وعشرين الف دينار (عشرين دولاراً اميركيا) مقابل صوته، لا يعرف انه سيدفع ثلاثة أضعاف هذا المبلغ لأصحاب المولدات كل شهر من اجل الحصول على الكهرباء التي لن تتحسن ابداً مع بقاء هؤلاء في السلطة، ولكنه يوافق على كل شيء لأن الأجيال الجديدة تربت على الجوع والخنوع والتصفيق لكل من هب ودب.3