1 المنطقة بعد الغزو الأميركي للعراق
د.البدر الشاطري
البيان الاماراتية
خمس عشرة سنة مضت على الغزو الأميركي للعراق. ففي 20 من مارس 2003، بدأت القوات الأميركية حربها، ومعها القوات البريطانية ولفيف من الدول المتحالفة بلغ عددها الست والثلاثين. وقد برر هذا الغزو، والذي كان جزءاً من الحرب التي أعلنها جورج بوش الابن ضد الإرهاب، لنزع سلاح الدمار الشامل الذي يمتلكه العراق، ووقف دعم الرئيس صدام حسين للإرهاب، وتحرير الشعب العراقي من قبضة النظام المستبد.
ويبدو أن الأجندة السياسية لغزو العراق تفوق كافة الأسباب التي ذكرت لتبرير الغزو. فقد تكشف بعد الغزو أن العراق لم يملك أسلحة دمار شامل وأن لجان التفتيش والتي فرضت على العراق بعد حرب الكويت تخلصت من كافة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وأي برنامج نووي يذكر.
وكانت فكرة إزاحة النظام العراقي أقدم من أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، حيث شرع مجموعة من الأشخاص، والذين شغلوا مناصب عديدة في إدارات سابقة، وبعض الأكاديميين المتعاطفين معهم، بإرسال عريضة إلى الرئيس بيل كلينتون في 1998 يطالبون بإسقاط نظام صدام في العراق لتهديده الأمن القومي الأميركي وحلفاء واشنطن في المنطقة. وفعلاً مرر الكونغرس الأميركي قانون تحرير العراق، والذي وقعه الرئيس كلينتون كقانون للإطاحة بصدام.
وعند انتخاب بوش الابن رئيساً للبلاد في 2000، أصبح كثير من موقعي العريضة أعضاء في الإدارة الجديدة في 2001. وتشير المصادر إلى أن إطاحة النظام العراقي كان في أول أجندة للنقاش في مجلس الأمن القومي. ولكن أحداث 11 سبتمبر أعطت الإدارة والمتحمسين من المحافظين الجدد الذريعة لدفع واشنطن نحو غزو العراق.
وكان المحافظون الجدد يرون أن تغيير النظام السياسي في العراق سيغير المشهد الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط. ويتبنى المحافظون الجدد رؤية في العلاقات الدولية تقول إن على الولايات المتحدة أن توظف قوتها الخارقة لتحويل العالم إلى عالم مماثل للولايات المتحدة من جهة النظام السياسي أو القيم الأميركية. وعالم مثل الولايات المتحدة من وجهة هذه النظر سيكون عالماً آمناً للولايات المتحدة والدول جميعا. وقد عزز هذا التوجه العمل الإرهابي الكبير في 11 سبتمبر والذي أدى إلى قتل ما يزيد على ثلاثة آلاف شخص كانوا في برجي التجارة العالمي.
ووجد المحافظون الجدد ضالتهم في العراق والمنطقة العربية، والتي يرون أن جزءاً كبيراً منها معادياً للولايات المتحدة وعصياً على الديمقراطية ويضمر الشر لإسرائيل أهم حليف لأميركا في المنطقة، لاسيما أن المحافظين الجدد كلهم من عتاة أنصار إسرائيل الليكوديين. وقد روج المحافظون الجدد هذه الأفكار في وثيقة قدمت لنتانياهو عند وصوله إلى الحكم 1996. وتقول الوثيقة إن على إسرائيل أن تقطع صلتها بالماضي المتعلق بالمسيرة السلمية واتفاقات أوسلو إلى استراتيجية تعتمد على تغيير ميزان القوى لصالحها والدخول في عملية سلمية من خلال القوة. ولتحقيق ذلك يتطلب الأمر قلب نظام الحكم في العراق.
وقد أتت الفرصة مواتية بعد الحرب على الإرهاب، والذي تضمن العزم على تغيير المنطقة بما يتلاءم مع المصالح الاستراتيجية الأميركية. وكان يأمل المحافظون الجدد في أن تحوّل العراق إلى دولة ديمقراطية بعد الإطاحة بنظام صدام سيدشن عهداً تسود فيه الديمقراطيات في المنطقة. وإذا ما تحقق ذلك، فإن مستوى الكراهية لأميركا سينخفض ومعه الإرهاب الذي يستهدف الولايات المتحدة. فلا يمكن معالجة الإرهاب إلا من خلال نشر قيم الحرية في الشرق الأوسط.
وهناك مسألة مهمة مرتبطة بإسقاط النظام العراقي، وهي أن العراق سيكون نموذجا لبقية الدول العربية. فعراق ما بعد صدام سيكون واحة ديمقراطية تشع على المنطقة. والعراق المتحالف مع أميركا والغني بالنفط سيتحول إلى مركز ثقل اقتصادي ونفطي تستغني في الولايات المتحدة عن حلفائها التقليديين وإمكانية فرض إصلاحات سياسية عليهم دون أن تخسر الولايات المتحدة اعتمادها عليهم.
والاعتقاد الآخر المتصل بغزو العراق والإرهاب، هو أن العراق إحدى الدول الداعمة للإرهاب، وأن سبب تفشي ظاهرة الإرهاب في المنطقة مرده إلى عجز في الديمقراطية في المنطقة، فمحاربة الإرهاب لا تتم عبر عمليات عسكرية فحسب، ولكن عبر نشر القيم الديمقراطية والحرية في المنطقة.
وبعد مرور خمسة عشر عاماً بالتمام والكمال، غدت المنطقة منطقة اضطراب باطراد. وقد ازدادت وتيرة التمزق والتشرذم وتعاظمت المنظمات الإرهابية، كما استشرى العنف والاستقطاب الطائفي في المنطقة، فلا ديمقراطية انتشرت ولا دول استقرت ولا حقوق إنسان حفظت ولا ثروات استبقت.
وبعد كل التنظير والتجارب لآراء المحافظين الجدد، وبعكس ما وعدوا به فإن المنطقة تئن من ذلك الغزو، وأصبح زوال صدام يتمثل ببيت الشعر:
دعوت على عمرو فمات فسرّني فعاشرت أقوامًا بكيت على عمرو.
2 سرّ الضغط لسحب قوات التحالف من العراق
عدنان حسين
الشرق الاوسط السعودية
التحالف الدولي الذي لم يزل يُقدّم العون الحاسم للعراق في حربه غير المنتهية ضد تنظيم داعش الإرهابي، يُعلن في أحد بياناته الدورية أنه نفّذ «23 غارة ضمن 35 اشتباكاً ضد التنظيم في بلدة الحويجة جنوب كركوك، وفي الموصل والأنبار»، في الأسبوع الأخير من فبراير (شباط) الماضي.
الحكومة العراقية، من جهتها، تُعلن بعد ذلك بأيام أنها اضطرت لإعادة نشر قواتها في مناطق كانت حرّرتها من سيطرة «داعش» في محافظات ديالى وكركوك والأنبار، بعد استئناف التنظيم نشاطاته المسلحة، إمّا بقطع الطرق وخطف مسافرين مدنيين، أو بمهاجمة مواقع عسكرية وأمنية وقتل عناصرها، وبثّ مقاطع فيديو لعملية القتل عبر الإنترنت بالأسلوب الترويعي المألوف للتنظيم الإرهابي.
رئيس الحكومة حيدر العبادي ينبّه بعد ذلك بأيام قلائل إلى استمرار الخطر الذي يمثّله «داعش»، بل يحضّ على «تكاتف جميع العراقيين من أجل منع كارثة الانهيار العسكري والأمني وسقوط المحافظات»، في إشارة إلى ما حدث في عهد سلفه نوري المالكي عندما اجتاح «داعش» مناطق تعادل ثلث مساحة البلاد في يونيو (حزيران) 2014، فبسط سيطرته عليها، وأقام فيها «دولة الخلافة» المزعومة التي احتاج القضاء عليها إلى حرب مُكلفة للغاية، بشرياً ومادياً، دامت ثلاث سنوات.
في الأثناء كانت تتزايد وتتصاعد دعوات من قيادات لفصائل عراقية لإنهاء وجود القوات الأجنبية (التحالف الدولي) في العراق، بل التهديد بشنّ هجمات مسلحة عليها في حال عدم الانسحاب.
هل في الأمر مفارقة؟
في الظاهر تبدو المفارقة كبيرة، لكنّ المفارقة تتلاشى إذ نعرف أن هذه الدعوات إنّما كانت تصدر دائماً من قيادات لجماعات حليفة لإيران، بل بعضها يُعلن صراحة أنه مِنْ مقلّدي ولاية الفقيه (الإيرانية)، بمعنى أن دعوات الانسحاب، جملةً وتفصيلاً، مجيَّرة لصالح إيران التي رفعت من ضغوطها للمطالبة بانسحاب قوات التحالف، ومعظمها أميركي، مع تولّي إدارة الرئيس دونالد ترمب السلطة في العام الماضي، وبالذات مُذ أظهر ترمب العزم على إعادة النظر في الاتفاق النووي الذي وقّعته إدارة الرئيس السابق أوباما مع طهران، ويهدّد بفرض عقوبات جديدة على إيران في حال رفضها مطالب واشنطن التي تتّهم طهران أيضاً بالوقوف وراء الإرهاب الدولي.
في الواقع، ما مِن مصلحة للعراق في سحب قوات التحالف في الوقت الحاضر. مهمة القضاء على تنظيم «داعش» لم تكتمل بعد، والقوات العراقية لم تزل في موقف غير المؤهل تماماً لمجابهة إرهاب «داعش» وسواه. أحداث الأسابيع الأخيرة شاهد، وتصريحات العبادي شاهد إثبات آخر.
مع سحب قوات التحالف الآن يُمكن للتاريخ أن يُعيد نفسه، ففي 2011 ضغط رئيس الوزراء السابق المالكي لإنهاء وجود القوات الأميركية التي دخلت إلى العراق في 2003، مع أن البلاد كانت لما تزل تخوض حرباً يومية مع تنظيم القاعدة وفلول نظام صدام، لكنّ المزايدات السياسية بين المالكي وغرمائه ومنافسيه انتصرت، فانسحبت القوات قبل إكمال تأمين العراق من خطر الإرهاب، فكان أن تفاقمت الأعمال الإرهابية وتراجعت قدرة القوات العسكرية والأمنية العراقية على مواجهتها، وفي غضون ثلاثين شهراً بعد ذلك حلّت كارثة حقيقية كبرى مع اجتياح «داعش» وسيطرته على ثلث مساحة العراق.
الضغوط الإيرانية على الحلفاء في العراق لمواصلة وتصعيد المطالبة بسحب قوات التحالف محكومة بعنصرين:
الأول، القلق الإيراني الدائم من أن قوات التحالف، خصوصاً الأميركية، يُمكن توظيفها في هجوم أميركي محتمل على إيران. هذا القلق لم تخفّف منه التأكيدات العراقية المتكرّرة، لا سيما على لسان رئيس الوزراء العبادي، بأن الحكومة العراقية لن تسمح باستخدام الأراضي العراقية منطلقاً للعدوان على أي دولة أخرى. آخر مناسبة أعاد فيها العبادي هذا التأكيد كانت الأربعاء الماضي، عندما قال في كلمة أمام مؤتمر للطاقة في بغداد إن العراق «يريد أن ينأى بنفسه عن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران»، ويسعى لتحقيق «توازن» في علاقاته مع كلّ من واشنطن وطهران، مشدّداً على أنّ «هذه السياسة تصبّ في صالح بغداد».
أما العنصر الثاني فيتمثّل في الخوف الإيراني المتنامي من تراجع نفوذ طهران الطاغي في العراق. هذا الخوف يكمن وراءه واقع أن حلفاء إيران في العراق لم يعودوا في أحسن أحوالهم. هم الآن يواجهون مأزق تراجع نفوذهم الداخلي، فأحزاب الإسلام السياسي الشيعية ليست في حال الاسترخاء التي كانت عليها منذ 2003. فشلت الحكومات التي قادتها هذه الأحزاب وشركاؤها في تحقيق الإصلاح والتنمية وتقديم الحد الأدنى من الخدمات العامة، بسبب تفشّي الفساد الإداري والمالي في جهاز الدولة الذي تهيمن عليه هذه الأحزاب، يزيد من النقمة الشعبية عليها، وهو ما تعكسه الحركة الاحتجاجية المتواصلة منذ منتصف 2015، التي اتّسع نطاقها في الأشهر الأخيرة. والانتخابات البرلمانية الوشيكة تتّجه مؤشراتها الأولية إلى أن برلمان 2018 سينخفض فيه مستوى تمثيل حلفاء إيران على نحو لافت هذه المرة.
إيران تُدرك هذا جيداً، وفيما تجاوز عدد من مسؤوليها على اللياقات الدبلوماسية بالتدخّل في الشأن الانتخابي العراقي صراحةً بالتحذير من تنامي شعبية المدنيين واليساريين، فإنها تُقرِن ذلك الآن بالضغط لتصعيد المطالبة بانسحاب قوات التحالف الدولي. إيران تريد لهذا الانسحاب أن يحصل قبل أن تتشكّل الحكومة العراقية الجديدة التي ستنبثق عن انتخابات الشهر المقبل، وقبل أن يقرّر ترمب خطوته التالية حيال طهران.
الضغوط الإيرانية أسفرت فقط عن قرار من البرلمان العراقي الموشكة ولايته على الانتهاء، يدعو حكومة العبادي إلى وضع جدول زمني للانسحاب، فيما العبادي ومساعدون له كرّروا القول إن الحاجة إلى قوات التحالف لم تزل قائمة. أما خطوة ترمب فما مِن أحد يستطيع تقديرها الآن، لكنْ من الواضح أنها جارية في اتجاه آخر غير الذي تريده طهران.
3 هل واجهت أميركا صعوبات في الحرب؟
وليد الزبيدي
الوطن العمانية
قبل انتهاء الأسبوع الأول من الحرب، برزت مسألتان، ازدياد المعلومات والتحليلات والتكهنات، التي تتحدث عن مقاومة عراقية شرسة، ومن بين ذلك، ما نشرته وسائل الإعلام عن تغيير الخطة الأميركية – البريطانية بسبب حجم الخسائر الأميركية في جبهة الحرب، وذهبت وكالة شينخوا الصينية إلى أبعد من ذلك، عندما تحدثت عن صعوبات الحرب، وقالت إن حرب العراق الحالية أصعب على الولايات المتحدة من حرب 1991، وذكرت صحيفة (الواشنطن بوست) أن الوحدات العسكرية والمليشيات العراقية، استخدمت الخدع والكمائن وتكتيكات حرب العصابات الأخرى، لاختراق الثغرات في استراتيجية التقدم السريع التي ينتهجها البنتاغون. في حين أكدت افتتاحية (واشنطن تايمز) في اليوم الخامس للحرب، إن القوات الأميركية والبريطانية، لا تسيطر بشكل فعلي على أي من المواقع الرئيسية جنوب العراق.
إن الصورة، التي نراها، تشير إلى تعثر أو ارتباك في الخطة الأميركية، وعلى الطرف الآخر، تستعيد بغداد أنفاسها، بعد أيام صعبة من الحذر في التعامل مع تطورات الحرب، التي اعتقد الكثيرون، أنها قد تكون خاطفة وسريعة، استنادا إلى ما صدر عن الإدارة الأميركية، إضافة إلى التفحص الدقيق لميزان القوى بين طرفي الحرب، وجاء إسقاط طائرة الاباتشي في منطقة زراعية قرب مدينة كربلاء، بسلاح مزارع بسيط، استنادا إلى الصور التي بثها التلفزيون العراقي الرسمي، واعتراف البنتاجون بفقدان طائرة الاباتشي، وعلى متنها (رونالد يونج 26عاما، وهو ضابط صف أول) و(ديفيد وليامز 30 عاما، ضابط صف أول). وبينما اعتبر البنتاجون عناصره أسرى حرب، فقد شنت الطائرات الأميركية هجوما عنيفا، دمرت خلاله المروحية الأميركية، وقال المسؤولون العسكريون، إن هذا الإجراء، حصل لمنع استفادة العراقيين من هذه الطائرة.
إن ما يحصل في جبهة الحرب، سرعان ما انعكس على رأي الشارع الأميركي، فقد أجرى معهد جالوب استطلاعا أظهر ان نسبة الذين يرون أن الحرب تسير على ما يرام قد تراجع إلى 44% بعد أن كانت النسبة بعد ثلاثة أيام من بداية الحرب قد وصلت إلى 62%.
هذا الواقع، الذي برز قبل انقضاء الأسبوع الأول من الحرب يقودنا إلى المسالة الثانية، التي برزت في تلك الفترة.
هذه المسألة ترتبط بحجم المقاومة من قبل (فدائيو صدام) و(عناصر حزب البعث المسلحين) إضافة إلى القوات النظامية. ودورها في تنفيذ هجمات عنيفة ضد القوات الأميركية، التي تتقدم صوب بغداد، لخوض المعركة النهائية، وهجمات أخرى لقطع إمدادات القوات الأميركية، التي اضطرت للانفتاح الطولي، على مسافات تصل إلى ثلاثمائة كيلومتر أو أكثر، ابتداءً من الحدود العراقية-الكويتية وصولاً إلى مشارف مدينة النجف.
في ظل هذه الأجواء، التي انتشرت فيها القوات الأميركية، والاستعداد الكبير المعلن عند العراقيين لمقاومة الأميركيين، جاءت الفرصة السانحة لشن أوسع الهجمات ضد هذه القوات، وأخذت أترقب ما يحصل في ليل يوم الاثنين المصادف (24/3/2003)، بعد أن اجتاحت عاصفة ترابية قوية جداً أنحاء العراق، وتقلص مدى الرؤية إلى أقل من خمسة امتار، وتوقعت حينها، سيكون هذا الليل مجس الاختبار، فإذا لم يستثمر العراقيون هذا الظلام الحالك، في شن هجمات مدمرة على القوات الأميركية، فإن مقاومة شرسة، بمعنى المقاومة، التي تتمكن من تدمير هذه الارتال، لن تحصل بعد ذلك.
إن العاصفة، لم تكن بسيطة، بل في غاية القوة، حتى إن الجيش الأميركي أصدر بيانا، أعلن فيه إن الفرقة الأميركية المجوقلة 101قد توقفت جنوب العراق، بسبب هبوب عاصفة رملية قوية.