مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 لماذا لا تصدر المرجعية الشيعية فتوى لتحريم الفساد؟ هيفاء زنكنة
القدس العربي

شعار واحد يجمع كل المرشحين للانتخابات العراقية المقبلة، في 12 أيار/مايو، وهو « القضاء على الفساد». وهو شعار اكتشف المرشحون، من الساسة المخضرمين، صلاحيته وشعبويته، في هذه المرحلة، فتخلوا عن الشعار الأمريكي «القضاء على الإرهاب». أقول المخضرمين لأن معظم المرشحين هم ذاتهم المنخرطون بالعملية السياسية ـ الطائفية، الفاسدة حتى النخاع، التي أسسها المحتل. وكلنا يعلم كم هي صعبة عمليات زرع نخاع بديل. اما بقية المرشحين فهم ممن تم استنساخهم، بقدرة الفساد المالي، ومناورات التكتلات الحرباوية، لخداع الشعب باسم الشعب، وتقديمهم في واجهات الاحزاب كما البضائع المعروضة للبيع او الاستئجار. لهذه الاسباب، انطلقت اصوات داعية إلى مقاطعة الانتخابات لعل ابرزها هو الشيخ جواد الخالصي، من المدرسة الخالصية بالكاظمية، الذي وصف «من يذهب إلى الانتخابات يؤكد أنه أحمق وجاهل، ويخون البلد خيانةً عملية… الآن لم يعد هناك مجال إلا لخداع الحمقى». مبينا ان الحل الوحيد، حالياً، هو «فضح هذه الانتخابات، وعدم خروج الناس من منازلهم خلال الانتخابات».
وبما ان للمرجعية الشيعية متمثلة بالمرجع الأعظم علي السيستاني، دورها الاستفتائي وابداء الرأي البارز في كل جوانب الحياة اليومية، بالعراق، من حكم أكل الجبن المصنوع في استراليا إلى مراجعة كتاب حاكم الاحتلال السابق بول بريمر، فإن عدم صدور فتوى صريحة لادانة الساسة الفاسدين وحظر التعامل معهم او انتخابهم، يثير التساؤل، خاصة وان المرجعية ناطقة عبر مكتبها وممثليها في كربلاء. ومن يطلع على موقع السيد السيستاني او كتاب «النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية» لوجد ان له رأيا في كل ما يجري. ومن المفهوم الا يتفق معه الجميع الا ان السيد أحمد القبانجي، وهو بحكم لقبه من سلالة آل البيت وقد تتلمذ في الحوزة الدينية ودرس الفقه والأصول بالنجف، بات صوتا لتساؤلات آخرين، حول كيفية انفاق المرجعية «الخمس» وحصولها عليه، مما يجعلها تتغاضى عن اتخاذ موقف حاسم يضع حدا للفساد، كما فعلت، مثلا، عند اصدار فتوى الجهاد الكفائي لمحاربة تنظيم «الدولة الاسلامية»، فسارع مئات الآلاف من الشباب، غير المدربين، إلى التطوع للقتال.
تتردد هذه التساؤلات، الآن، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بعد ان كان من المستحيل مس المرجعية، لأنها وريثة الامام في عصر الغيبة وتتسم بقدسيته. الا ان وصول حال العراقيين، خاصة الفقراء والمهمشين، حتى في كربلاء والنجف، إلى حضيض الحياة، شجع على كسر حاجز الصمت حول استخلاص «الخمس» وأوجه صرفه، والاكثر اهمية من ذلك، عما اذا كان السكوت على الساسة الفاسدين سببه منحهم خمس ما ينهبونه من المال الحرام (نقدا وعقودا وسمسرة تصل الملايين) إلى المرجعية، بناء على الحكم الذي يتبعه ابناء الطائفة الامامية في ان «الخمس حق» و«لا يجوز التأخير في إخراج الخمس فإنه غصب حرام» حسب موقع السيد السيستاني.
نقرأ في الموقع نفسه تحت (مستحقّ الخمس ): «يقسم الخمس نصفين نصف للإمام (عليه السلام) خاصة، ويسمّى (سهم الإمام) ونصف للأيتام الفقراء من الهاشميين والمساكين، وأبناء السبيل منهم ويسمّى (سهم السادة) ونعني بالهاشمي من ينتسب إلى هاشم جدّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من جهة الأب، وينبغي تقديم الفاطميين على غيرهم. وردا على كيفية التحقق من انتساب الشخص إلى هاشم، يقول السيستاني في (مسألة 619 ): يثبت الانتساب إلى هاشم بالعلم، والاطمئنان الشخصي، وبالبينة العادلة، وباشتهار المدعي له بذلك في بلده الأصلي، أو ما بحكمه».
قد يوضح منح « سهم السادة» كثرة انتشار لقب «السيد» بعد الغزو وانفتاح المرجعية على لعب دور سياسي، حيث أصبح بالامكان نيل لقب «السيد» بحضور شاهدين، ليكون اللقب مفتاحا لنيل الدعم وتمشية الامور. مما يقود إلى اسهام المرجعية، اقتصاديا، في إدامة أجيال من شريحة «مختارة» تتمتع بتمييزها، عن بقية العراقيين، على أسس لا علاقة لها بالكفاءة أو حقوق المواطنة. يبين موقع آية الله السيستاني ان نصف الخمس، أي سهم الامام، يصرف على تأسيس مدارس دينية ومجمعات سكنية للطلاب، حيث أولت مرجعية السيستاني «جل اهتمامها بالحوزات العلمية والمدارس الدينية، لما تضطلع به من دور كبير ومسؤولية خطيرة في حفظ ونشر مفاهيم وقيم مدرسة آل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)».
عدد من هذه المدارس والمجمعات موجود في النجف، الا ان المرجعية، كما يبدو «تنفق سنوياً على رواتب الحوزات العلمية مبالغ كثيرة في داخل ايران وخارجها. فيجري تأمين الرواتب الشهرية لأكثر من 300 حوزة علمية كبيرة وصغيرة في شتى أنحاء ايران، لاسيما في مدينة قم المقدسة التي يقطنها أكثر من 35000 طالب علوم دينية، ومشهد التي يسكنها أكثر من 10000 طالب واصفهان التي تضم أكثر من 4000 طالب بالاضافة إلى سائر الحوزات العلمية والمدارس والمراكز الدينية المنتشرة في شتى مناطق ايران». كما انشأت المرجعية مستشفى للعيون ومركزا للمعوقين، ليس بالعراق، بل في ايران. واضح هنا أن صراعات المرجعيات العراقية والايرانية يعتمد ضمان أو ترسيخ قواعد اجتماعية سياسية ـ دينية لهما في العالم، كما تفعل الدول دعما لسياستها الخارجية، بالاضافة إلى ان الارتقاء إلى مرتبة «المرجع» يتطلب ازدياد عدد الاتباع، فضلا عن درجة العلم.
واذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ان اتباع المرجعية منتشرون في جميع انحاء العالم، وان دفع الخمس واحد من اركان الاسلام لديهم، وان الشخص الذي لا يخمس حتى لو «اعطى الفقراء سنويا من امواله بشكل عشوائي وحجته ان الاموال التي تدفع في الخمس لا توزع على المحتاجين في بلاده»، لا تبرأ ذمته بذلك، وعليه محاسبة ما في امواله من الخمس، ثم الرجوع إلى المرجع او وكيله، لاستئذانه في الصرف، حسب جواب السيد السيستاني، لتبين ان كل الساسة الفاسدين، سراق ثروة البلد، يدفعون الخمس إلى المرجع.
وبما ان حجم السرقات، بالعراق، وصل مليارات الدولارات، لابد وأن يصبح مردود الخمس ثروة لا يستهان بها، ولا يمكن الاستغناء عنها، مما يوفر الارضية الخصبة للتساؤلات المختلطة، احيانا، بالشكوك.
ويبقى السؤال الذي يطرحه فقراء واحد من دول المنطقة الغنية بحاجة إلى جواب، وهو: لماذا لا تصدر المرجعية فتوى لتحريم الفساد والتعامل مع الفاسدين، خاصة، بعد ان جرب الشعب حكم الفاسدين على مدى 15 عاما، وأيقن الجميع ان الفساد هو اساس الإرهاب، وان ما يعمل على تفتيت العراق مجتمعا وكيانا هو فساد ساسته؟
2 بعد تحالف “الشيوعي” مع “الصدري”: يا عمال العالم.. صلوا على محمد!
محمد حميد الصواف

العرب بريطانيا

لا تقف كثير امام هذه العبارة.. فما قد يرد تاليا قد يكون أكثر غرابة وحيرة، فإنك تقرأ مشاهد مكتوبة عن العراق، هذا البلد الجامع لكل التناقضات.
فقد استبدل الحزب الشيوعي العراقي شعاره العريق المنصوص عليه بــ (يا عمال العالم اتحدوا) بشعار الجديد اقتبسه كعنوان لهذا المقال، يا عمال العالم صلوا على محمد.
هذا ما يتندر به العراقيون في منتدياتهم الاجتماعية، وليس حقيقة الامر، الا ان مضمونه قد يطبق فعليا من قبل الحزب الذي يضرب بأطنابه جذور العملية السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية مطلع العقد الثالث من القرن المنصرم.
فقد قرر الحزب اليساري العتيد التحالف مع اقصى اليمين في تجمع انتخابي يهيمن عليه التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي المتشدد السيد مقتدى الصدر، تحالف قد يمكن شيوعيو العراق من الارتقاء الى عضوية مجلس النواب العراقي، بعد سلسلة من الاخفاقات السابقة في الوصول اليه، خلال الانتخابات البرلمانية السابقة.
فالحزب الذي يؤمن بشكل مطلق بالفكر المادي البعيد عن جميع الاعراف والديانات السماوية، ويؤمن اشد الايمان بمقوله المفكر الالماني كارل ماركس ان الدين افيون الشعوب (religion is the opium of the people)، بات على قناعة ان حظوظه بنيل مرتبة البرلمان لن تمر دون امتطاء صهوة الدين.
فتحت لواء (سائرون) تعاضد الشيوعيون الجدد والتيار الصدري وثلة من الاحزاب العلمانية الاخرى، في خرق غير مسبوق على الاطلاق لمشهد التحالفات السياسية في العراق، فعلى مدى الصراع السياسي والاجتماعي في البلاد كان الاسلاميون ينفرون من الحزب الشيوعي جملة وتفصيلا، ولا يحبذون ان يشتركوا في محافلهم او منتدياتهم او حتى مناقشة الافكار والرؤى التي قد تجمع الطرفين.
ويزخر التاريخ الحديث في العراق بالكثير من المدلولات التي تؤكد العداء السابق بين الاسلاميين والشيوعيين، خصوصا في حقبة ستينات القرن الماضي، حيث افتى في حينها زعيم الحوزة الدينية في النجف الاشرف السيد محسن الحكيم (عام 1960) بتكفير الحزب واخراج اعضائه من الملة الاسلامية، وعليه يلقي الكثير من الشيوعيين باللائمة، سيما ان النظام البعثي بطش برفاقهم قتلا وتنكيلا ابان تلك الفترة.
وعلى الرغم مما تقدم يعود الشيوعيون الى ذات المدينة التي انطلقت منها فتوى التكفير ليمهدوا لأنفسهم استعادة زمام المبادرة منها، يحدوهم الامل بعودة قوية قد تغير الموازين في العراق، فالعداء التاريخي تمخض في الوقت الحالي عن تحالف متماسك يطير بجناحين (صدري وشيوعي) للوصول الى هرم السلطة.
ويعد التيار الصدري من أبرز قوى الاسلام السياسي في العراق، ويتمتع بجمهور شاب واسع في صفوف المجتمع، وسبق ان أطلق عليه بيضة القبان او صناع الملوك، نظرا لمساهماته السابقة في دعم الشخصيات التي تولت رئاسة مجلس الوزراء، اذ يعزى للتيار الفضل في تولي ابراهيم الجعفري ونوري المالكي فضلا عن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي رئاسة المجلس.
في حين يمتلك التيار ذراعا مسلحا خارج نطاق الدولة يصل اعداد مقاتليه حسب بعض المراقبين الى أكثر من 150 ألف مسلح، وسبق ان حاز على نسبة يعتد بها ضمن مقاعد مجلس النواب العراقي وعلى مدى الدورات النيابية الثلاث.
ويسعى حسبما يعلن زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الى اصلاح العملية السياسية وفق رؤيته الخاصة، والتي تمثلت بانسلاخه من التحالفات السابقة مع الاحزاب الاسلامية الشيعية اولا، الى جانب طرح وجوه سياسية جديدة للمرحلة المقبلة، وأخيرا التحالف مع الاحزاب العلمانية التي يطلق عليها مجازا في العراق بالأحزاب الوطنية.
ويلقى التيار الصدري الى جانب ذلك مقبولية في الاوساط السنية، الى جانب نجاحه في كسر الجمود الذي كان سائدا بين المحيط العربي الاقليمي والاحزاب الشيعية طيلة الفترة الماضية، اذ نجح مقتدى الصدر في ايجاد تفاهمات متبادلة بينه وبين الرياض ودبي والقاهرة، الى جانب ما يتمتع به من حظوة لدى بعض دول الاقليم.
وعلى الرغم مما يبديه الصدر من انفتاح مؤخرا وما صاحب ذلك من إجراءات، لا يخفي الكثير من الشيوعيين قلقهم او تذمرهم مما أقدمت عليه قيادة الحزب العليا، فبحسب البعض ان هناك انقسام عامودي في صفوف الحزب، كون الكثير منهم يرون في مشروع الصدر لا يعدو كونه حصان طروادة، بعد تغير المزاج العام للناخبين العراقيين، وتنامي ظاهرة السخط والتذمر الشعبي إزاء الأحزاب الإسلامية وتياراتها، خصوصا بعد فشل الإسلام السياسي في بناء دولة او استعادة ما كان متحقق في حقبة النظام الديكتاتوري السابق صدام حسين.
حجم تلك المخاوف والاعتراضات لم يغادرها الإعلان التأسيسي في بيان الحزب الشيوعي مع التيار الصدري، اذ جاء فيه، “اننا نعي ان هناك بين أعضاء الحزب من كان له راي مغاير في شأن طريقة مشاركتنا في الانتخابات، فتحفظ على القرار او اعترض، وهذا حق مصان طالما مارسه وفقا للسياقات والتقاليد التنظيمية المعتمدة”.
وحقيقة الأمر ان الحزب الشيوعي وضع كل ما يملكه في سلة التيار الصدري، وكل ما يملكه الحزب هو لا شيء، فالحزب المتقادم اعدادا ونشاطا لا يمتلك سوى ارثا من النضال أكل عليه الدهر وشرب، وتحالفهم الجديد قد يبعث في كيانهم الروح مجددا، ومهما كانت النتائج فهم الفائز الأكبر، بعيدا عن التهكم والشعارات الفضفاضة.
أخيرا.. يروى ان هشام بن عبد الملك شاهد عاملا يعمل في تشييد الجامع الاموي ويبذل من الحماس والجهد ما يلفت، فقال له يا رجل من اين انت؟ فأجابه إني من العراق، فقال هشام، قاتلكم الله يا أهل العراق تغالون في الطاعة كما تغالون في المعصية.