1 هل بإمكان العراق أن يكون وسيطاً في صراعات الإقليم؟ د. وفيق إبراهيم البناء اللبنانية

حركة زيارات ولقاءات ومستويات رئاسية.. دبلوماسية رفيعة تجتاح العراق استقبالاً وذهاباً.. فلا يكاد رئيس عراقي يغادر بلاده حتى تفتح بغداد العاصمة ذراعيها لوفود من بلاد الجوار تبدو وكأنها تتنافس على عقد أكبر كمية ممكنة من الاتفاقيات من أنواع مختلفة.

لماذا هذا التقاطر الإقليمي والدولي نحو بلاد الرافدين.. وفي هذا الوقت بالذات؟

وأين الدور الأميركي الذي يمتلك عشر قواعد عسكرية شديدة التطوّر ومئات المستشارين يسيطر بواسطتها على الدور السياسي العراقي، أو له المقدرة على أحداث شلل في أي قرار داخلي لا يريده.

الإمارات والأردن أرسلا منذ مدة وفوداً هامة إلى الأردن بعنوان نسج علاقات واتفاقات لقد ذهب الأردنيون في بغداد مباشرة إلى ما ينقصهم وهو سد عجزهم الاقتصادي.. هذا إلى جانب اهتمامهم بكسب تأييد العراق الذي يتجه إلى الاستقرار. وهو مجاور لهم وأكبر بلد في الشام وجزيرة العرب ويمتلك ثروات هائلة من النفط والمياه والغاز. أما أهداف الإمارات فركزت على العلاقات الجيو- السياسية التي تريد جذب بغداد إلى محور أميركي واسع معادٍ بشكل كامل لإيران.. وإذا كانت هذه الوضعية مستحيلة لأسباب عراقية داخلية، فلا بأس بتحييده كخطوة أولى. ما يزيد من الصعوبات الداخلية في إيران بسبب الحصار الأميركي عليها، المتفلت نسبياً من جهة الحدود العراقية، هذه الضغوط تبدو مقبولة نسبياً، لكن ما جرى بعدها يوحي بتحوّل بغداد إلى بازار كبير للعرض والطلب الإقليمي والدولي.. فتلاحقت الوفود الإيرانية والتركية والسعودية إلى بغداد وسط مراقبة من محتل أميركي يرصد «إنتاج الزائرين» بدقة، دافعاً للتعاون مع السعودية فقط لأنه يطبق الأهداف الأميركية بدقة ورشاقة.

فماذا يريد الإيرانيون؟ ظهرت زيارة وزير خارجيتهم ظريف على شكل تحدٍ للاحتلال الأميركي للعراق الذي بدأ منذ 2003.

لكن وصول رئيس الجمهورية الإيرانية روحاني إلى بغداد متنقلاً بين رئاستها الثلاث ومتجولاً في جنوب البلاد وشمالها وكأنه في بيته، كانت رسالة حادة للأميركيين الذين يحاصرون العراق مع إفهامهم بأن الحدود الإيرانية العراقية مرتبطة بتقارب سياسي استراتيجي يرتكز على أبعاد اجتماعية واقتصادية وتاريخية، وغير قابلة للإقفال.

لقد أقلقت هذه الزيارة الأميركيين لكنها أصابت أيضاً الأتراك في طموحاتهم الإقليمية.

فلم يتمكن رئيسهم اردوغان من الانتظار طويلاً. لكنه وكعادته البرجماتية، جعل وسائل الإعلام التركية تزعم أنه لن يكون بإمكان تركيا السماح بملء السدود المائية العراقية من نهري دجلة والفرات لحاجة المزارعين الأتراك إلى مياههما.

وهي دعوة إلى التساهل السياسي مع انقرة بالضغط المائي.. لكن الأمطار الغزيرة التي هطلت لشهر متواصل، وحتى الآن نسفت الابتزاز التركي.. لهذا العام بامتلاء السدود المائية العراقية إلى درجة الفيضان، وسمحت للعراق بمطالبة اردوغان بالانسحاب من الأراضي التي يحتلها شمال العراق بذريعة الخطر الكردي، والدليل أن رئيس وزراء العراق سأل أردوغان كيف يقلق الأتراك من الأكراد ويسمحون لأنبوب يجرُّ نفط كردستان العراقية إلى مرفأ جيهان التركي من دون حراسة أو قلق من مشروع انفصالي كردي مزعوم؟

حتى الآن بدأ التحالف الإيراني العراقي راسخاً لم تنل منه محاولات الإمارات وتركيا أو لطافة الأردنيين.

فاندفع الأميركيون إلى استخدام آخر ورقتين بحوزتهم: الإمكانات السعودية الهائلة وحاجة نظامها السعودي إلى استيعاب غضب العراق من دورها السابق الذي كان يؤجج نيران الفتنة المذهبية بين السّنة والشيعة، محرضاً الأكراد أيضاً على السلطة المركزية في بغداد.. من دون نسيان دعم كل أنواع الإرهاب بتمويل سعودي خليجي إلى جانب الدعم التركي.. لذلك تحرك آل سعود نحو بغداد بعد تراجع الإرهاب في بلاد الرافدين مستغلين حصار إيران، وحاجة الأميركيين إلى خدماتهم الاقتصادية للإقناع على قاعدة أن الفساد فرض تراجعاً كبيراً على الإمكانات العراقية. لذلك فبغداد بحاجة إلى إسناد مالي سريع للتوازن. فأرسلت الرياض وفوداً ضخمة ضمَّ الأخير منها مئة مندوب بينهم تسعة وزراء يحملون مشاريع اتفاقات تسيطر على القرار العراقي في الاقتصاد والتعليم والتجارة والرياضة والشؤون الاجتماعية والتنسيق على أي مستوى. بما يكشف عن نيات سعودية بضبط التفاعلات العراقية الداخلية كوسيلة للإمساك بسياساته الخارجية.. وللوصول إلى هذا الأمر، قذف العاهل السعودي بمكرمتين: مساعدة بمليار دولار وبناء مدينة رياضية في العراق باسم الواهب أي الملك سلمان، أليست هذه طريقة رياضية للوصول إلى قلوب العراقيين؟

الأميركيون بالمقابل قاموا بحركتين سريعتين لمساعدة الدور السعودي: الأولى شجعوا فيها الصراع الخفيّ بين مكونات الفتح على تعبئة المواقع الأساسية في البلاد محرّكين النزعات الاستقلالية عند أكراد تركمانستان ومحرّضين «تيارات سنية في الوسط على رفض أسموه هيمنة شيعية جنوبية. فتبدى بسرعة الانقسام بين مكوّنات العراق على شكل تصريح لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي طالب فيه ببقاء القوات الأميركية في العراق لمجابهة الإرهاب، وبدوره دعا رئيس الجمهورية برهم صالح إلى ضرورة الإبقاء على القوات الأجنبية في العراق وهي الأميركيون والأتراك فقط باعتبار أن لا وجود لقوات إيرانية في أرض السواد.

لذلك أدّت العروض السعودية من جهة وخلخلة التضامن الداخلي من جهة ثانية إلى مراوغة السياسيين العراقيين ومن كل الاتجاهات في مناقشة مشروع قانون لسحب القوات الأميركية من العراق… هذه القوات التي احتلت العراق منذ 16 عاماً وفرضت على حكومات بغداد الضعيفة في 2008 قانوناً يشرّع الوجود الأميركي في العراق لهدفين، محاربة الإرهاب وتدريب الجيش العراقي. فإذا كان الإرهاب اندحر بشكل كامل ولم تبق منه إلا بؤر صغيرة كامنة، يوجد مثيل لها في كل الدول، وكما أن الجيش العراقي تدرّب على يد الأميركيين لمدة 11 عاماً. فلماذا بقاء احتلال أميركي لديه عشرة آلاف جندي ينتشرون في عشر قواعد بالغة التطور؟

فهل يستطيع العراق استيعاب الصراع الإقليمي الدولي، عليه، معاوداً إنتاجه على شكل بلدٍ قوي وقادر يستطيع أداء دور الوسيط في التنافس الأميركي – السعودي التركي الإيراني؟

يحتاج العراق أولاً إلى مشروع سياسي وطني يعمّقُ الاندماج بين مناطقه الثلاث في الوسط والشمال والجنوب على قاعدة المساواة الكاملة بين المواطنين، والمحافظة على علاقات بإيران التي لم تتخلّ عنه لحظة في مرحلة التآمر السعودي الأميركي التركي،.. كما يستطيع أداء دور الوسيط لإزالة التوتر السعودي الإيراني، على أساس تخلّي الرياض عن تجسيدها الكامل للطموح الأميركي.. أن عراقاً متحرراً وناجحاً يدمج مكوناته العرقية والطائفية، لا شك في أن له القدرة على قيادة منطقة تمرُ بجزيرة العرب إلى أعالي اليمن، بتنسيق مع سورية الأمر الذي يشكل نظاماً عربياً قوياً يوقف الاجتياح الإسرائيلي والانحطاط العربي متحالفاً مع إيران لمصلحة كامل الشرق الأوسط، الجانح إلى التحرّر من هيمنة العم سام.
2 حول دور العراق
حميدي العبدالله البناء اللبنانية

أعلن الرئيس العراقي في القمة العربية التي عُقدت في نهاية شهر آذار الماضي أنّ العراق لا ينتمي إلى أيّ محور من المحاور المتصارعة في المنطقة، ويقصد أنّ العراق ليس جزءاً من محور الممانعة الذي يضمّ إيران وروسيا وسورية، وكذلك ليس عضواً في المحور الذي يضمّ الولايات المتحدة والحكومات الغربية ودول في المنطقة في مقدّمتها المملكة العربية السعودية.

لا شك أنّ واقع العراق السياسي الحالي وتوزع القوى فيه يفرض إطلاق مثل هذه المواقف، وما يسري على العراق يسري على لبنان، ولذلك تماثل التوصيف لوضعيتهما إزاء المحاور والمعسكرات، إذ أنّ لبنان يعتمد شعارات وسياسات تشبه الشعارات والسياسات التي ينادي بها المسؤولون الرسميون في العراق، ولكن عبر تسمية أخرى، هي النأي بالنفس عن المحاور. لكن ذلك فقط عبر الشعارات وليس على الأرض ومن خلال الواقع والديناميات الحتمية التي تحكم هذا الواقع على الأرض والواقع يشير إلى أنّ هناك صراعاً بين المحورين أو المعسكرين، الصراع يشمل قضايا داخلية، تخصّ العراق ولبنان، وقضايا أخرى إقليمية ودولية، وهذا الصراع لا يمكن تسويته إطلاقاً وتحت أيّ ظرف كان داخل البلدين، ولا بدّ أن يحسم هذا الصراع عاجلاً أو آجلاً لأنّ التعايش بين المعسكرين ومصالحهما ورؤيتهما المتعارضة أمر مستحيل.

الولايات المتحدة تعلن ليلاً نهاراً أنها تريد محاصرة النفوذ الإيراني في العراق، كما أنها تعلن أنّ تقدّم الحضور الروسي في الإقليم وعلى مستوى العالم يكون على حساب الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، وهي لن تقبل بذلك وتسعى جاهدة لمحاربة الحضور الإيراني والروسي في العراق وفي سورية وتبذل كلّ ما بوسعها لتحقيق هذا الهدف. وبديهي جهود الولايات المتحدة على هذا الصعيد، حتى لو قبلت موسكو وطهران التعايش مع الحضور والنفوذ الأميركي في العراق، يقود إلى تصعيد التوترات، وتحوّلها آجلاً أو عاجلاً إلى مواجهات متقطعة أو مفتوحة من أجل حسم هذا الصراع، وبالتالي تثبيت سيطرة المحور والمعسكر الذي سوف يفوز في نهاية المطاف في هذه المواجهة.

في لبنان لا يختلف الأمر كثيراً عن الوضع في العراق. تضع الولايات المتحدة من بين أولوياتها محاصرة حزب الله وحلفائه وتسعى للانفراد بالسلطة، ولكن حجم المصالح الأميركية في لبنان، وهي مصالح محدودة بالمقارنة مع مصالحها في العراق، وحساسية وضع لبنان الذي يقع على الحدود مع فلسطين، والخوف من أن يقود التصعيد والحسم في مواجهة حزب الله إلى ما من شأنه أن يقود إلى سيطرة حزب الله وحلفائه بالكامل على السلطة، وبالتالي تشكيل تهديد كبير للكيان الصهيوني في ضوء ما يملكه حزب الله من قدرات، يدفع الولايات المتحدة إلى قبول التعايش وعدم اللجوء إلى التصعيد وتفجير الأوضاع والوصول إلى مرحلة المواجهة والاكتفاء باستخدام الضغوط الاقتصادية والسياسية، ولكن الوضع في العراق الذي بات مرتبطاً ارتباطاً شديداً بالأوضاع في سورية وإيران هو أبعد ما يكون من قبول الولايات المتحدة لمبدأ وفكرة التعايش طويل الأمد مع الواقع المزدوج القائم الآن، لأنّ هذا الواقع لا يعمل في مصلحة الطموحات الأميركية ويلبي الأهداف التي وضعتها إدارة ترامب لسياساتها إزاء سورية والعراق وإيران وروسيا.

هذا الواقع يؤكد أنّ التوترات الراهنة إنْ داخل العراق، أو بين الولايات المتحدة وإيران، أو داخل سورية ستقود إلى مواجهة قد تحدث في وقت غير بعيد، لأنه من الصعب، بل المستحيل أن يستمرّ العراق في وضعية التأرجح بين المحاور والمعسكرات المتصارعة.
3 العلاقات العراقية – الإيرانية: بين حشد شعبي وممر للمتوسط
نجاح عبدالله سليمان
الحياة السعودية

كانت البدايات مع وصول قوات الحشد الشعبي إلى الحدود السورية مع العراق، عندها تصاعدت حدة التصريحات المعلنة لإقامة ممر عبر الأراضي العراقية – السورية المعروف إعلامياً بـ «الكوريدور»، ما يعني أن الفرصة باتت سانحة أمام الجميع للسير قدماً في إنشاء ممر بري يصلهم بالبحر المتوسط، سيمكنهم مستقبلاً من التعاون مع الحكومة السورية أو اللبنانية وسيسهل عمليات الانتقال والتنقل.

إنه «الكوريدور»، تستطيع أن تمد طهران كما غيرها عبره لاحقاً خطوط أنابيب النفط والغاز وطرقاً برية آمنة لنقل البضائع الإيرانية إلى سورية، وأيضاً ربط إيران بالبحر المتوسط. وعملياً، يعني التعاون التجاري الفعلي مع بغداد ودمشق وبيروت، فالواقع أن الساحتين السورية والعراقية متداخلتان، فسبق وأعلن القيادي في قوات «الحشد الشعبي» في العراق أبو مهدي المهندس في 29 أيار (مايو) 2017 عن وصول هذه القوات إلى الحدود السورية مع العراق بعد استعادة عدد من القرى الإيزيدية من قبضة «داعش»، وأكد المهندس أن «الحشد» مستمر في القتال حتى تطهير كل الحدود العراقية – السورية وإنهاء وجود «داعش» في البلاد، وإن كان بعض الساسة الإيرانيين يرون أن وصول «الحشد» إلى الحدود السورية يمثل خطوة كبيرة على طريق إقامة ممر بري يصل إيران بالبحر المتوسط مروراً بالعراق وسورية.

عندما أصبح «الحشد» تحت إشراف وزارة الدفاع العراقية، كان من أبرز فصائله قوات «بدر» بقيادة هادي العامري المقرب من فيلق القدس، وهي قوات منظمة جيداً وتمتلك مدافع ودبابات ومدرعات، ما مكّن هذه القوات من التوجه بسرعة إلى الحدود العراقية – السورية وقطع طرق الإمداد عن مقاتلي «داعش» في عدد من القرى والسيطرة عليها بسهولة، كذلك تسيطر وحدات من المقاتلين الإيزيديين (وحدات حماية سنجار) ومقاتلون من حزب العمال الكردستاني على المنطقة الواقعة غربي جبل سنجار حتى الحدود السورية، بينما تسيطر البيشمركة الكردية على الحدود السورية العراقية الممتدة من سنوني إلى الشمال مروراً بمعبر ربيعة مع سورية حتى مثلث الحدود العراقية السورية التركية، وعلى الطرف الآخر من الحدود التي سيطر عليها «الحشد» تنتشر «وحدات حماية الشعب» التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، وهي تسيطر على أغلب مساحات محافظة الحسكة السورية باستثناء بعض النقاط التي توجد فيها مراكز حكومية في مدينة الحسكة، مركز المحافظة، ومدينة القامشلي التي يوجد فيها مطار القامشلي المدني الداخلي الذي تديره الحكومة حالياً.

الواقع أن هذه المنطقة تعيش في ظل حصار اقتصادي فعلي، ما يترك الباب مفتوحاً للمساومات بين طهران ودمشق من جهة والإدارة الكردية في سورية من جهة أخرى والتوصل إلى تفاهم ما يخدم مصالح الطرفين، وفي حال لم تتوصل طهران ودمشق والإدارة الكردية في سورية إلى اتفاق أو تفاهم في هذا المجال، فلن يبقى أمام طهران سوى التوجه جنوباً نحو منطقة القائم. وأقرب مواقع القوات الحكومية السورية إلى الحدود مع العراق تقع في مدينة دير الزور، وهذه القوات كان يحاصرها «داعش» منذ فترة بعيدة، وكانت القوات الأميركية قد قصفت رتلاً كان متجهاً من دمشق إلى المعبر الحدودي مع العراق في منطقة التنف في المثلث الحدودي الصحراوي بين سورية والأردن والعراق، وتسيطر على هذه المنطقة قوات معارضة سورية تدعمها واشنطن، وأقامت الأخيرة فيها معسكراً لقوات خاصة (أميركية وبريطانية).

سبق وقالت صحيفة «الغارديان» البريطانية في عددها الصادر في 16 أيار (مايو) 2017، أن الحشد يمتلك أسلحة ثقيلة مثل الجيوش النظامية، بل يمكنها تعديل المسار، وأن قاسم سليماني وهادي العامري أمرا بتعديل مسار الممر أخيراً، بسبب عدم ارتياح طهران من الوجود المتزايد للقوات الأميركية في شمالي سورية، وقالت الصحيفة إن نقطة دخول الممر إلى الأراضي السورية يقع على بعد 140 ميلاً جنوب المسار السابق، مع الحفاظ على المسار الأصلي الذي يصل الحدود العراقية الإيرانية مروراً ببلدة جلولاء في محافظ ديالي متجهاً نحو الشمال الغربي إلى بلدة الشرقاط في محافظة صلاح الدين حتى الوصول إلى جنوب بلدة تلعفر غربي الموصل.

بعد ذلك ينحرف إلى الجنوب الغربي بموازاة الحدود مع سورية ودخول الأراضي السورية عبر المنطقة الحدودية الواقعة شمال شرق بلدة «الميادين» السورية، والتوجه منها إلى مدينة دير الزور وصولاً إلى مدينة تدمر الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية وسط سورية، والانطلاق منها إلى العاصمة دمشق وبعدها إلى مدينة حمص وصولاً إلى الساحل السوري على البحر المتوسط.

أما المسار السابق فقد كان من المقرر أن يمتد من تلعفر إلى معبر «ربيعة» الحدودي بين سورية والعراق والذي تسيطر عليه قوات البيشمركة، ومنه إلى مدينة القامشلي والاتجاه بموازاة الحدود مع تركيا مروراً بمدينة كوباني (عين العرب) وصولاً إلى مدينة عفرين الكردية، ومن ثم الاتجاه جنوباً نحو مدينة إدلب ومنها إلى حمص وسط سورية، وسبق وأعلنت مصادر في «الحشد» عن البدء بحفر خندق وبناء سواتر على الحدود بين العراق وسورية لمنع تنقل الأفراد والعتاد بين طرفي الحدود.

الحقيقة، إن تنفيذ هذا المخطط ووضعه موضوع التنفيذ مباشرة الآن يتوقف إلى حد بعيد على موقف أكراد سورية الذين تدعمهم الولايات المتحدة في حربها ضد «داعش» في سورية، وموقف واشنطن التي أعربت في أكثر من مناسبة عن قلقها من أي دور إيراني في المنطقة، خاصة المنطقة الكردية في سورية والتي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديموقراطي، وتمتد من حدود إقليم كردستان العراق وصولاً إلى الغرب من مدينة منبج في محافظة حلب، وهي متصلة جغرافياً بمناطق سيطرة الحكومة في ريف حلب.

يبقى في النهاية أن زيارة روحاني الأولى للعراق منذ تسلمه الرئاسة عام 2013 بدأت بمهاجمته أميركا، واصفاً إياها بـ «الدول الغازية للعراق». مع السعي لتعزيز التواصل الإيراني خلال زيارته بغداد، بتشديده على أن زيارته مهمة وأن إيران تستطيع توفير الكثير من احتياجاتها عن طريق العراق، وأن لديهم خططاً مهمة لهذه الرحلة، وبالنسبة لهم، فإن مسألة العبور مهمة للغاية وهم مهتمون بتطوير طرق للتواصل بين البلدين، هكذا جاءت الخطوط العريضة للزيارة، لتبقى العلاقات العراقية – الإيرانية بين حشد شعبي وخطط نحو ممر لإيران نحو المتوسط.
4 هل تنجح السعودية في ابعاد العراق عن ايران؟
صالح القزويني

راي اليوم بريطانيا

مع زيارة الوفد السعودي ( المؤلف من ستة وزراء واكثر من عشرين ممثلا عن الوزارات والمؤسسات السعودية بالاضافة الى اكثر من 115 شخصية سعودية متوزعة على مختلف الانشطة الاقتصادية والسياسية والثقافية) الى العراق ستمر العلاقات السعودية العراقية بمنعطف كبير وستواجهها تحديات كبيرة.
وبغض النظر عن دوافع هذه السياسة الجديدة التي تنتهجها السعودية ازاء العراق فهي خطوة الى الامام وتلامس الى حد ما طموح العراقيين، خاصة وان المشاريع المقترحة هي:
1- بناء مدينة سلمان الرياضية.
2- مزاولة منفذ جديدة عرعر العمل بعد ستة اشهر وهو المنفذ البري الوحيد الذي يربط السعودية بالعراق و منه الى قارة آسيا.
3- سيناقش الوفد مشكلة الكهرباء في العراق.
4- سيناقش الوفد رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين من نصف مليار الى اربعة مليارات سنويا وصولا الى عشرة مليارات في الاعوام القادمة.
5- ستفتح الجامعات السعودية ابوابها لاكثر من الفي زمالة دراسية سنويا.
6- افساح المجال للعراقيين لزيارة السعودية بتنشيط الحركة السياحية والثقافية بين البلدين.
7- انشاء مزارع نموذجية في الصحراء الغربية و تشغيل 50 الف من الايدي العراقية في هذا المجال.
8- اقامة مشاريع استثمارية بايدي عراقية واموال سعودية يتم فيها تشغيل 210 الف من الايدي العراقية.
9- انشاء اربع قنصليات سعودية في بغداد والنحف والبصرة والناصرية.
10- زيادة حصة العراق من الحج والعمرة.
وقد تلقت الاوساط السياسية والكتل البرلمانية في العراق هذه الطفرة في العلاقات بين مرحب و شاجب ولهم حججهم ومبرراتهم.
لكن وللحق نقول بان اي توسع في العلاقات الاقليمية هو لصالح العراق الذي يئن من مشاكل كثيرة لا حصر لها ولا قدرة له على حلها لوحده بدون وقفة الاشقاء و الاصدقاء ، منها مشكلة الكهرباء التي لازالت تراوح في مكانها على رغم المليارات التي صرفت من اجل حلها. وايضا مشكلة الارهاب التي لازالت بقاياه مختبئة في جحور مكحول و حمرين والبادية .وايضا مشكلة اعمار المدن المدمرة وهي بحاجة ايضا الى من يصطف الى جانب العراق لبنائها. وايضا مشكلة الاختلافات والنزاعات بين الكتل السياسية والتي احد اسبابها تجاذبات الدول الاقليمية.
استقرار العراق يتوقف على استقرار حدوده واعتدال سياسته الاقليمية ضمن معادلة توافقية توفيقية، وهي ليست بالامر الهين على صاحب القرار العراقي الذي يتعرض باستمرار الى تجاذبات اقليمية ودولية تحاول ان تزيحه من مكان وتنقله الى اخر.
لكن حتمية السلام والاستقرار تحتم على العراقيين ان يخلقوا حالة توازن في سياستهم الاقليمية اتجاه جميع دول الجوار وان تكون نظرتهم نظرة متكاملة في علاقاتهم مع دول الجوار.لكن هذا لا ينسيهم المطالبة بحقوقهم.
فمن حق الشعب العراقي على السعودية مطالبتها بالتعويض عما ارتكبه بعض السعوديبن من جرائم ارهابية على مدى السنوات الماضية .
كذلك مطالبتها باطلاق سراح عدد من الحجاج العراقيين المحتجزين في السجون السعودية دون محاكمة.
ويتعين على الحكومة السعودية كسب ود الشعب العراقي بعد تاريخ مرير مارسته منابر الجمعة وخطباء المساجد الذين لازالوا حتى الان ينعتون غالبية الشعب العراقي بالكفر و الهرطقة. وهي بالقطع واليقين ممارسات فردية لكن بمقدور الحكومة السعودية لجمها بنشر ثقافة الاخوة والتضامن بين ابناء الاسلام كافة ومعاقبة مرتكبيها مهمات كانت سمته وعنوانه.
5 العراق في القلب
خالد بن حمد المالك
الجزيرة السعودية

العراق هو البوابة الشرقية للعرب، وهو التاريخ المجيد، والعروبة المتأصلة، وأي أحلاف له خارج المنظومة العربية هي حالات طارئة ونادرة ومآلها إلى زوال متى كانت وتبين أنها على حساب مصالح العرب، إِذ إن الشعب العراقي الشقيق على امتداد التاريخ، ومع كل المتغيرات ظل متمسكًا بانتمائه العربي، واعتزازه بقوميته، وعدم تسامحه مع من يسيء إلى قضايا ومصالح أمته.

* *

في عاصمة الرشيد، وعلى أنغام هدير نهري دجلة والفرات، ووشوشات النخيل هناك، كان العناق بين الرياض وبغداد، وكأن الحب يتجدد، ويعود بأكثر مما كان عليه، وقد عبر الشعب عن فرحته، وأظهر عن وده للمملكة، قيادة وحكومة وشعبًا، وهو يزف هذا التعاطف السعودي وقد بدأ ينساب على شكل هدايا يقدمها الملك سلمان إلى أهله وبلده الثاني، دون أن يمن بذلك.

* *

أعادنا هذا الموقف السعودي الجديد من العراق إلى حرب ثماني سنوات للعراق مع إيران، وإلى الدماء العراقية الزكية، والتضحيات الكبيرة التي قدمها العراقيون للدفاع عن بلادهم ضد أطماع إيران، والموقف السعودي الداعم والمساند للعراق في حربه مع الفرس، مما ساعد على هزيمة ملالي إيران، واضطرار المقبور (الخميني) ليعلن عن هزيمته، وتوقف إيران عن مواصلة القتال، واصفًا هذه الهزيمة بالمُذّلة وكأنه يتجرع السم.

* *

وامتدادًا لحميمية العلاقات السعودية – العراقية المتأصلة والمتجذرة، ها هي المملكة تجدد دعمها ومساندتها ووقوفها إلى جانب العراق، في يوم تاريخي من انعقاد مجلس التنسيق السعودي – العراقي في بغداد، إِذ تم انعقاده بالتزامن مع الإعلان عن هدية الملك سلمان لشعب العراق ببناء مدينة رياضية، ودعم العراق بمليار دولار، وإنشاء أربع قنصليات في ثلاث مدن عراقية، والتوقيع على ثلاث عشرة اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الجانبين، وإتاحة الفرصة للسعوديين للاستثمار في العراق بما يبلغ عدده (189) فرصة استثمارية.

* *

نتذكر ما تم في الكويت، خلال المؤتمر الذي عقد هناك في العام الماضي لدعم العراق، وقد قدمت المملكة دعمًا سخيًا بمليارات الدولارات، وقدمت دول خليجية دعمًا هي الأخرى، أما إيران فكان حضورها شكليًا ومتفرجًا، إِذ لم تقدم أي دعم كي يتجاوز أزمته كما فعلت الدول الأخرى، مكتفية بمتابعة ما يتم الإعلان من دعم متفاوت للعراق، وهو مؤشر على أن إيران لا تبطن للعراق ولا لأي من دولنا العربية في المنطقة أي خير أو محبة.

* *

وأذكر وتذكرون أن أحرار العراق حين كانت الدولة العراقية تحت قبضة الاستعمار الإنجليزي، واحتلاله البغيض، كانت المملكة إبان حكم الملك عبدالعزيز المأوى والملجأ للفارين من نيران الاستعمار، وتنكيله لكل معارض حر للاستعمار الإنجليزي، وبين هؤلاء رشيد عالي الكيلاني، وغيره منن لا تسعفنا الذاكرة للإشارة إليهم.

* *

قصدت من كل هذا أن أقول: إن العراق مكانه في القلب، في العمق من محبتنا، فهو القريب الحبيب منا، وهو من لا نحمل له إلا الشعور بالحرص على مصلحته، مهما مرّ به من محن وويلات، وإننا سنده وعونه وداعموه، مهما مر به من أطوار، فما يجمعنا به أكثر بكثير مما يفرقنا عنه، فالجوار، والانتماء العربي، والدين، والمصالح المشتركة، والعدو الواحد، وغيرها كثير مما ليس في علاقاتنا غير ما هو محبب للنفس، وجدير بالتمسك به، فأهلاً بالعراق الحبيب إلى قلوبنا في هذا اليوم التاريخي المشهود.
6 مرحبًا «يا العراق»!!..
د. خيرية السقاف
الجزيرة السعودية

العراق..

لفظٌ كلما نُطِق، أو قُرئ، أو نزل بسمع حرك الشجن، أثار الشجو، بعث اخضرار الذاكرة، وخفق الأفئدة..

ربما لأنه ارتبط بزاخر الإرث منذ اللدانة، وفاتحة التكوين..

ربما لأنه الأنصع، والأكثر، والأبعد صدى..

العراق بغداد، الكوفة، البصرة، سر من رأى،

العراق الشعراء، القضاة، النحاة، النقاد، المغنون، الرواة، الأدباء، البلغاء، المؤدبون..

العراق الخلفاء، العلماء، الأئمة، المحدثون، المدونون، المؤرخون..

العراق الإرث، والامتداد، الجواهري، الملائكة، السياب، الطاهر، عمارة، و.. و..

العراق الحكمة، الدواوين، السلم، البناء، الحرب، والفناء..

العراق شهقة الحضارة الإسلامية، ما قبلها وما بعدها..

كم، كيف أنين العراق من الصراعات، والأطماع، ولصوصية المنتهزين، وأحلام المستعمرين..

كم شهد نهراها، ونخيلها، عمارها، ودمارها، نسيجها في قِوامه، وفي تمزقه..

يدوِّنان في كل ذرة ماء بقيَـت، أو تبخرت ما تحتفظ به المزون البعيدة بحبر الحقائق، وأصوات الفاعلين، من بتول مائهما العذب، فاسودادهما المر، فاحمرارهما النتن، لاستلابهما المُضمَر، وهما يمضيان في عين الشمس بأمل، وفي جوف الليل بدعاء نحوا عميقا لا يجفان، ولا يخذلان العراق..

هذا العراق يفترش اليوم السمع، والنظر، بعد أن خرج من عنق التهلكة، يقاوم مطامع الحقدة، العارفين قدره، الطامعين في موقعه، المستهدفين مكانته في لحمة الأمة العربية المسلمة، وأثره في تاريخها الشامل الثري..

هذا العراق يعود لموئله اليوم، للحمته وسنده، لأعضاده وخيمته..

اليوم، وفد سعودي عالي الهمة والأمل، رسول القمة للعمل يفتتح قنصلية «السعودية العظمى» في بغداد، ليعود رنين المدينة في آذاننا شجيًّا، جميلاً، محرضًا لشغف الذكريات في قصيدة نابغة، ومحاضرة قيمة، وبلاغة مثرية، وسيرة إرث فكري، وتأريخي لا تغفله ذاكرة، ولا تجهله خفقة خاطر..

خفقت راية «لا إله إلا الله» بظل نخلتها، وعضد سيفها في بغداد، إيذانًا لافتتاح قنصليات ثلاث أخر في مدن عراقية أخرى، وبدء دقِّ أول وتدٍ لأبنية العمار فيه..

من جديد سيعود العراق لسيرة أيامه التي مضت عزيزًا بأهله، قويًّا بعضده، يتعافى من تمزقه، ومرضه..

ليعود النهران يغنيان، والموال يصدح، والناي يشجو، والكتاب يثمر، والنخيل يظلل، والطرق تعتمر، والمحطات تؤوب إليها القطارات، وتنطلق منها المخيلات، والناس تطلق آهة طويلة بعد عناء طويل..

مرحبًا «يا العراق»، حياك الله..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد