1 قرار الانسحاب الأميركي من سوريا يخلط الأوراق
رانيا مصطفى العرب بريطانيا
نسفَ ترامب استراتيجية البقاء في سوريا بقرار الانسحاب المفاجئ. لا جديد دفعه إلى ذلك سوى نية تركيا شنّ هجوم عسكري على وحدات الحماية الكردية، وإجبارها على الخروج من منبج ومن الشريط الحدودي شرقي نهر الفرات. لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق تقدم كبير في استراتيجيتها ثلاثية الأهداف في سوريا. فحسب تقرير للبنتاغون يوجد ما لا يقل عن 14500 عنصر من تنظيم داعش، رغم انحسار سيطرته في جيوب صغيرة. كما أن واشنطن عجزت عن فرض شروطها على موسكو في ما يتعلق بالتواجد الإيراني والحل السياسي، خاصة مع تجدّد الخلاف مع روسيا حول الأزمة الأوكرانية، ومع كشف تحقيقات المحقق روبرت مولر عن تورّط روسيا في التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
بعد فشل جورج بوش الابن في تحقيق استقرار في العراق، يخدم الولايات المتحدة، بعد احتلالها، مقابل الكلفة الاقتصادية والبشرية لهذا التدخل، اعتمدت الإدارة الأميركية، خلال عهد باراك أوباما، استراتيجية قائمة على خفض اهتمام الدولة العميقة بالشرق الأوسط، والتركيز على تواجد عسكري أكبر في شرق آسيا، وإعطاء أولوية للحرب التجارية التي تخوضها مع الصين، استباقا لصعود سياستها خارجيا.
تراجع الدور الأميركي في الشرق الأوسط سمح للكثير من القوى الإقليمية بملء الفراغ الذي ستتركه أميركا، كإيران وتركيا وروسيا.
اتفاق جنيف1 بين موسكو وواشنطن بخصوص سوريا في 2012، أعطى موافقة أميركية لروسيا بالنفوذ في سوريا. تدخلت روسيا عسكريا في سوريا في خريف العام 2015، وانحرفت سياستها للحل عن مسار جنيف إلى مسار سوتشي، ولجنة دستورية تبقي على النظام، واستعادت السيطرة على مساحات واسعة عبر اتفاقات خفض التصعيد للدول الضامنة في أستانة، بالتبادل مع الحليف التركي، وبالتشارك مع الحليف الإيراني.
هذه السياسات الروسية تمّت بموافقة واشنطن، التي تخلّت عن فصائل الجنوب التي كانت تدعمها. هذا يعني استمرار الولايات المتحدة بالاعتراف بأحقية النفوذ الروسي والتركي في سوريا، ولا خطوات جدية للحد من النفوذ الإيراني؛ وذلك بالرغم من أنّها تملك أوراقا لفرض دور كبير لها في سوريا، تتعلق بتواجدها العسكري على الثلث الأغنى اقتصاديا، والذي يضم 90 بالمئة من النفط ونصف الغاز السوري، وأنها تملك ملفات تدين رئيس النظام السوري، بجرائم حرب.
البقاء طويلا في سوريا ليس ضمن الاستراتيجية الأميركية، ولكنه حاصل؛ روسيا تريد السيطرة على كامل الأراضي السورية، وتتطلع إلى شرقي الفرات، وتركيا متضايقة من الخطر الكردي بسبب الدعم الأميركي للوحدات الكردية، وهي بصدد تنفيذ عملية عسكرية ضدها في منبج وتل أبيض ورأس العين.
التدخل العسكري الأميركي في سوريا لا يكلّف الولايات المتحدة كثيرا، لأنه جاء ضمن تحالف ضمّ 79 دولة لمحاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق، ولا يكلفها بشريا، إذ اعتمدت على قوات محلية مضمونة الولاء من الوحدات الكردية وما يساندها ضمن قوات سوريا الديمقراطية.
واشنطن غير مهتمّة بالثروات السورية؛ وبالتالي التواجد العسكري الأميركي شرق سوريا يشكل ورقة مساومة مع كل من تركيا وروسيا، وورقة ضغط على إيران. في حين أن قرار الانسحاب بدوره يشكل ورقة ضغط على دول عربية متضايقة من التمدد الإيراني في سوريا ولبنان واليمن، لحثها على دفع تكاليف هذا التواجد، وضغطا على إسرائيل أيضا.
حمل ترامب ضمن حملته الرئاسية وعودا بتقليص حجم التواجد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط. أعلن في مارس الماضي نيته الانسحاب من سوريا، لكن إدارته أقنَعتْه بالتأجيل، في حين أن جيمس جيفري المبعوث الأميركي الجديد إلى سوريا كان يعمل، بعكس ترامب، على عودة للدور الأميركي في الشرق الأوسط؛ إذ تبلورت مؤخرا في الولايات المتحدة استراتيجية جديدة في سوريا، قائمة على البقاء حتى تحقيق ثلاثة أهداف هي هزيمة داعش وضمان عدم عودته، واحتواء إيران، وتحقيق حل سياسي بموجب القرار 2254.
قامت الولايات المتحدة مؤخرا بإجراءات تدل على تعزيز التواجد العسكري في سوريا، بتدعيم قواعدها العسكرية بالمعدات، وتقديم السلاح الثقيل لحلفائها في قوات سوريا الديمقراطية، وبناء نقاط مراقبة لفصل الوحدات الكردية عن الحدود التركية، والإعلان عن نيّتها تدريب 40 ألف مقاتل محلي، وإقامة منطقة حظر طيران في الشمال السوري.
قرار ترمب لا يخلو من المزاجية ومن عقلية المضاربة وعقد الصفقات؛ فقد أراد تحريك الوضع “الستاتيكي” في سوريا، في خطوة تبدو أشبه بخلط لكلّ أوراق اللعبة السورية، تفتح أمام ترامب بازارات سياسية مع كل من روسيا وتركيا، في ملفات داخل سوريا وخارجها، في سباقٍ لملء الفراغ الذي ستتركه أميركا في شرق سوريا.
يبدو أنّ تركيا على وشك السيطرة على منبج وتل أبيض ورأس العين، مع أنباء عن انسحاب القوّات الأميركية والفرنسية، وكذلك الوحدات الكردية منها. كما أن تركيا تلقّت شحنة بطاريات الباتريوت وصواريخ أف 35 من أميركا، وتعمل الأخيرة على تسليم المعارض التركي عبدالله غولن، وإلغاء العقوبات.
مع تصاعد الخلافات الأميركية – الروسية، والتي وصلت إلى حد إلغاء القمة الثنائية بين بوتين وترامب، على هامش قمة الأرجنتين الاقتصادية مطلع الشهر الجاري، لا يبدو أن التنسيق مع الوحدات الكردية سيفيد موسكو كثيرا، مع وجود فصائل عربية محلية تدعمها أنقرة. أمام روسيا أن تقدّم التنازلات في ملفات خارج سوريا، وأن تعيد قنوات التواصل مع واشنطن للتنسيق حول عبورها الفرات، قبل أن تسبقها إليه أنقرة.
قرار ترامب المفاجئ بالانسحاب خلق توتّرا بين البيت الأبيض وبقية أركان الإدارة الأميركية، تمثّل في استقالة جيمس ماتيس، وزير الدفاع، احتجاجا على آلية اتخاذ القرار، ما ينبئ بتخبّط كبير داخل الإدارة الأميركية، مع تزايد الاستقالات، ومواصلة البورصة هبوطها، وتوقعات بدخول الاقتصاد دورة الركود، واقتراب نتائج التحقيقات الروسية، وتفاقم الخلافات حول السياسات الخارجية، وعزم الرئيس سحب نصف قواته من أفغانستان.
ليس أمام البنتاغون ومؤسسة الاستخبارات سوى إنقاذ الموقف، والقبول المبدئي بقرار ترامب، أي انتظار ما سينتج عنه من صفقات قد تخدم مصالح أميركا، دون السماح له بانسحاب مفاجئ يخلي المكان لعودة تنظيم داعش وتقوية النفوذين الإيراني والروسي؛ وإلا عليهما عرقلة القرار ثانية، وإرجائه إلى أجل غير معلوم.
2 ما مفاجأة ترامب المقبلة…
خيرالله خيرالله
العرب بريطانيا
بعد القرار المفاجئ، وغير المفاجئ في الوقت ذاته، للرئيس دونالد ترامب بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في سوريا، كان يمكن الاعتقاد أنّ وراء الأكمّة ما وراءها وأن الإدارة الأميركية في صدد وضع إستراتيجية سورية واضحة كلّ الوضوح. إستراتيجية تندرج في سياق ما أعلنه ترامب عن مواجهة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة بما يتجاوز مسألة الملف النووي.
لكنّ استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس جاءت لنسف هذا الاحتمال. أكدت هذه الاستقالة أن إدارة ترامب في حال ضياع يشبه إلى حدّ كبير الضياع الفرنسي والبريطاني.
في فرنسا، لم يعد الرئيس إيمانويل ماكرون يعرف كيف التعاطي مع الأزمة التي خلقها نزول ذوي “السترات الصفر” إلى الشارع، فيما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في حال تخبط في كلّ الاتجاهات بعدما أوقعت بريطانيا نفسها في فخّ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
لماذا كان قرار الانسحاب الأميركي العسكري من سوريا مفاجئا وغير مفاجئ في الوقت ذاته؟ يعود ذلك إلى أن الرئيس الأميركي ومسؤولين آخرين لمحوا إلى مثل هذا الانسحاب قبل أشهر عدّة. لكن العسكريين، على رأسهم الجنرال ماتيس وزير الدفاع أصرّوا على الوجود العسكري الأميركي في سوريا لسببين على الأقلّ.
الأوّل أن هذا الوجود قائم في منطقة حساسة هي شرق الفرات حيث الثروات السورية الحقيقية من مياه وأراض زراعية ونفط وغاز.
أمّا السبب الآخر، فهو مرتبط بالقدرة الأميركية، انطلاقا من القواعد المنتشرة شرق الفرات، على مراقبة الخط الذي يستخدمه الإيرانيون والذي يربط بين الأراضي العراقية والأراضي السورية.
فوق ذلك كلّه، هناك ارتباط بين الجيش الأميركي الموجود في سوريا وأكراد المنطقة الذين لعبوا دورا في مواجهة “داعش” وقدّموا تضحيات كثيرة. وهذا ما دفع “القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إلى التحذير من خطورة النتائج التي ستترتب على الانسحاب الأميركي وإلى تأكيد أنّ “المعركة مع الإرهاب لم تنته بعد”. صدر بيان عن “قسد” يشدّد على أن “داعش” ما زال يشكل خطرا. أراد الأكراد السوريون الردّ بذلك على ادعاء ترامب بأن لا حاجة بعد الآن إلى وجود عسكري في سوريا بعد القضاء نهائيا على “داعش”.
هناك عالم جديد يريد ترامب خلقه. إنّه عالم لا علاقة له بأميركا ما بعد الحرب العالمية الثانية، عالم جديد تبلورت ملامحه مع وجود رؤساء يعانون من ضعف في البيت الأبيض
السؤال الآن من سيملأ الفراغ الذي سيخلّفه الانسحاب العسكري الأميركي. الثابت أن هناك نوعا من التفاهم التركي – الأميركي سبق تغريدة ترامب في شأن الانسحاب. على الرغم من ذلك، جاء قرار الرئيس الأميركي مفاجئا وعكس خلافات داخل الإدارة أدت إلى استقالة الجنرال ماتيس الذي يعرف سوريا والعراق جيّدا ويعرف ما الذي يعنيه انسحاب عسكري أميركي من شرق الفرات والنتائج التي ستلي ذلك.
مرّة أخرى يدفع الأكراد ثمن تحالفاتهم. مرّة أخرى تثبت الإدارة الأميركية أنّها مستعدة للتخلي عن الأكراد، أينما وجدوا، لأسباب مرتبطة بمصالح معيّنة مع هذه القوّة الإقليمية أو تلك. هذا ما حصل في أيلول – سبتمبر 2017 بعد الاستفتاء الذي أجري في كردستان العراق.
هل تملأ تركيا الفراغ العسكري الأميركي في سوريا؟ من الملفت أنّ القرار الذي اتخذه ترامب ترافق مع كلام تركي عن عملية عسكرية في الداخل السوري تستهدف المنطقة الكردية التي تحت سيطرة “قسد” والأميركيين.
ما الذي تغيّر فجأة وجعل الأكراد يتحوّلون مرّة أخرى ضحية لمصالح قوى أكبر منهم؟ هل كان كافيا التوصل إلى صفقة صواريخ “باتريوت” بين تركيا والولايات المتحدة كي يصبح دونالد ترامب شخصا آخر؟
كان وزير الدفاع الأميركي في غاية الصراحة عندما قال في بيان استقالته الموجه إلى الرئيس الأميركي إنّه لم يعد يستطيع التفاهم معه في شأن السياسات الواجب اتباعها. لذلك، طلب من ترامب البحث عن وزير آخر للدفاع.
كانت الشكوى الأساسية التي وردت في استقالة ماتيس من أنّه لم يعد في استطاعة حلفاء الولايات المتحدة الاتكال عليها. قال ماتيس عن هذا الموضوع “كان لدي في كلّ وقت إيمان بأن قوتنا كأمّة مرتبطة بشكل غير قابل للفصل بقوة تحالفاتنا وشراكاتنا ذات الطابع الشامل” مع قوى أخرى. هذه القوى هي الحلفاء العرب في المنطقة وحلف الأطلسي والغرب عموما. لم ينس وزير الدفاع المستقيل التركيز على الصين وروسيا ومحاولتهما فرض نظام عالمي يتفق مع طموحات هاتين القوتين.
هناك عالم جديد يريد ترامب خلقه. إنّه عالم لا علاقة له بأميركا ما بعد الحرب العالمية الثانية، عالم جديد تبلورت ملامحه مع وجود رؤساء يعانون من ضعف في البيت الأبيض. رؤساء من نوع جيمي كارتر أو باراك أوباما.
المفارقة أن ترامب لم يتوقف يوما عن مهاجمة سلفه وسياساته مع تركيز خاص على سوريا حيث ضحّى أوباما بالشعب السوري وثورته الحقيقية على العبودية والظلم كي لا يغضب إيران. فعل ذلك متجاهلا في الوقت ذاته كلّ الخطوط الحمر التي رسمها لبشّار الأسد، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي في حربه على الشعب السوري صيف العام 2013. كان كلّ ما أراده أوباما وقتذاك يتمثل في بقاء إيران في المفاوضات الدائرة مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا في شأن ملفّها النووي. كان هذا الملفّ يختزل، بالنسبة إلى الرئيس الأميركي السابق، كل أزمات الشرق الأوسط دفعة واحدة.
تبقى نقطتان مهمتان. الأولى، من إلى جانب تركيا سيملأ الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي من سوريا؟ ماذا ستفعل إيران، ماذا ستفعل روسيا، ماذا ستفعل إسرائيل؟ الأهم من ذلك كلّه، هل يعود “داعش” إلى الواجهة، خصوصا أن هناك مؤشرات إلى أن القضاء على هذا التنظيم الإرهابي لم يحصل بشكل نهائي وأنّه ما زال حيّا يرزق في غير منطقة في سوريا والعراق. ليس بعيدا اليوم الذي سيطل “داعش” برأسه مجددا.
أمّا النقطة الثانية المهمّة، فهي مرتبطة بمصير سياسة إدارة ترامب الهادفة إلى محاصرة إيران. إذا كان من إنجاز حققته هذه الإدارة فهو وصفها للنظام الإيراني وتصرّفاته بطريقة دقيقة وذلك منذ قيام “الجمهورية الإسلامية” التي أسسها آية الله الخميني في العام 1979.
الأكيد أن ليس بالانسحاب من سوريا، يمكن مواجهة إيران وعزلها. هذا ليس ممكنا من دون مقاربة شاملة تشمل كل البلدان والمناطق التي تتدخل فيها إيران مباشرة أو عبر أدواتها من ميليشيات مذهبية وضعت نفسها في خدمة مشروع توسّعي في أساسه إثارة الغرائز المذهبية.
أكثر ما فاجأ في قرار ترامب الانسحاب من سوريا هو توقيته. يبدو الرئيس الأميركي مصرّا على نهج يقوم على فكرة أميركا أوّلا والتخلي عن الحلفاء بما في ذلك أعضاء حلف شمال الأطلسي.
لم يتوقف الرئيس الأميركي عن مفاجأة الأميركيين والعالم. ما الذي ستكون عليه مفاجأته المقبلة بعدما تجاهل نصيحة العسكريين المحترفين وقرّر الانسحاب من سوريا ومن شرق الفرات تحديدا بكل ما يمثّله، خصوصا على الصعيد الإستراتيجي.
3 الأكراد وقود الانسحاب الأمريكي عبدالله الأيوبي اخبار الخليج البحرينية
جاء قرار الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من شمال شرق سوريا، التي أرسلتها واشنطن بحجة «دعم» الحرب ضد تنظيم ما يعرف بــ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، ليلقي المزيد من التساؤلات حول المصير الذي تنتظره الفصائل الكردية التي حظيت بدعم أمريكي سخي خلال السنوات الماضية في مقابل امتعاض تركي شديد وتهديدات متواصلة باجتياح المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا حيث تعتبر تركيا الفصائل الكردية امتدادا طبيعيا لحزب العمال الكردستاني، إضافة إلى ذلك يقفز تساؤل آخر حول توقيت هذا القرار الأمريكي حيث إنه جاء بعد التهديدات التركية الموجهة ضد الأكراد، «حلفاء» أمريكا في سوريا، وبعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن هناك ردا «إيجابيا» من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن العملية العسكرية التركية المرتقبة في شمال شرق سوريا، أي ضد الفصال الكردية.
أيا تكن ردود الأفعال التي صدرت من أطراف عدة بعد القرار الأمريكي، سواء تلك التي اعتبرت القرار «خيانة» للحلفاء، أو تلك التي رأت فيه تقوية لنفوذ الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه، وحتى التعليل الأمريكي لهذا الانسحاب «المفاجئ» لم يكن مقنعا، فالرئيس الأمريكي يقول بانتفاء أسباب وجود هذه القوات بعد «هزيمة» تنظيم «داعش» في سوريا، والحقيقة أن ترامب قال ذلك من قبل، لكن العديد من المراقبين يؤكدون أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها لم يكونوا أصلا جادين في محاربة هذا التنظيم إلا بعد ان نقل جرائمه وحربه الإرهابية إلى بلدانهم وارتكب العديد من الجرائم البشعة في مختلف المدن الأوروبية بل هدد الأمن الأمريكي تهديدا جادا.
ليس هناك أدنى شك في أن الانسحاب الأمريكي «المفاجئ» من سوريا يعد بمثابة إعطاء الضوء الأخضر للقوات التركية لضرب الفصائل الكردية المدعومة من واشنطن، هذا من الناحية العسكرية، أما من الناحية السياسية فإنه يتيح لتركيا توسيع مناطق تواجدها فوق الأراضي السورية مما يعزز من أوراق تركيا التفاوضية في مساعي حل الأزمة السورية، وهذا يعد مكافأة أمريكية تقدم لأنقرة التي اقتربت في الفترة الأخيرة كثيرا نحو روسيا ودخلت في تنسيق وتعاون ثنائي وثيق مع موسكو خاصة بالنسبة لحل الأزمة السورية، الأمر الذي اعتبرته واشنطن تهديدا لمصالحها في المنطقة ومن حليفها التركي مباشرة.
في جميع الأحوال فإن الانسحاب العسكري الأمريكي من الأراضي السورية يصب أيضا في مصلحة الشعب السوري، وخاصة أن هذا التواجد لم يكن شرعيا ولم يتم التنسيق بشأنه مع الحكومة السورية المعترف بها دوليا، وبالتالي فإن هذا التواجد إنما يعد احتلالا وفقا للقانون الدولي، كذلك فإن هذا الانسحاب قد يساهم في التسريع من دوران عجلة الحل السياسي في سوريا ومن شأنه بكل تأكيد أن يضعف نزعة الانفصال التي ظهرت لدى بعض الأطراف السورية خلال اشتداد الحرب الأهلية واتساع رقعة سيطرة الجماعات المسلحة على الكثير من المدن والمساحات الجغرافية فوق الأراضي السورية.
الخاسر الأكبر من الانسحاب الأمريكي هو بكل تأكيد الفصائل الكردية المسلحة التي وضع قادتها جميع بيضهم في السلة الأمريكية وراهنوا على الدرع الأمريكية لحمايتهم من عدوهم اللدود المتربص بهم عبر الحدود التركية السورية، وتحت هذه الثقة المفرطة في الدعم الأمريكي، لم يحاولوا الحفاظ على «شعرة معاوية» مع الحكومة المركزية في دمشق، التي ترفض، كما هو حال تركيا، إقامة أي كيان انفصالي فوق الأراضي السورية، في نفس الوقت فإن الموقف التركي كان واضحا من هذه الفصائل، فقد صنفتهم أنقرة على أنهم فصائل «إرهابية» تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا عدوها الأول.
فتركيا أوضحت لواشنطن أكثر من مرة أنها لا يمكن أن تقبل تحت أي ظرف من الظروف بوجود كيان كردي منفصل على حدودها مع سوريا وأنها مستعدة لاتخاذ كافة الإجراءات للحيلولة دون ذلك باعتبار مثل هذا الكيان يمثل تهديدا للأمن الوطني التركي كما تقول أنقرة، والولايات المتحدة الأمريكية تدرك جدية الموقف التركي، ولأن واشنطن تضع القلم والمسطرة عند حسابها للأرباح والخسائر السياسية الناجمة عن علاقاتها مع هذا الطرف أو ذاك، فكان من الطبيعي جدا أن تفضل تركيا على الفصائل الكردية الذين سيكونون مجبرين خلال الفترة القصيرة القادمة على حرق أوراق أحلامهم وأمنياتهم.
من المؤكد أن تركيا سوف تستخدم الفراغ العسكري الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من شمال سوريا لتعزيز مواقعها في هذا البلد ولدعم حلفاء أنقرة في الحرب السورية، وفي نفس الوقت إضعاف نفوذ الفصائل الكردية المسلحة في تلك المناطق، لكنه، أي الانسحاب الأمريكي، سيعطي الحكومة السورية مساحة أوسع للتحرك وبسط سيطرتها على المزيد من المساحات الجغرافية فوق الأرض السورية، وخاصة المناطق المحاذية للحدود مع كل من العراق والأردن حيث المثلث الحدودي هو أحد مواقع تمركز القوات الأمريكية في قاعدة التنف.
التدخلات الخارجية في الأزمة السورية هي السبب الرئيسي في إطالة أمد الأزمة وتأجيج الحرب، وخاصة مع دخول العناصر الإرهابية من مختلف الدول، في مقابل ذلك فإن أي انسحاب للقوات الأجنبية الموجودة فوق الأراضي السورية سوف يسهم في حل هذه الأزمة ويدفع فرقاء الصراع إلى البحث الجدي عن مخرج يقي السوريين المزيد من الخسائر والدمار ويحافظ على كيان الدولة السورية المتماسكة سياسيا واجتماعيا بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي، فهدف إشعال الأزمة السورية هو تدمير الدولة كما حدث مع العراق وليبيا، لكن هذا الهدف يبدو أنه قد فشل، لكنه لم يشطب من الأجندات.
4 سوريا وتداعيات الانسحاب الأميركي فيكتوريا نولاند واشنطن بوست
بقراره سحب جميع القوات الأميركية من سوريا، يقدم الرئيس دونالد ترامب هدية كبيرة بمناسبة رأس السنة الميلادية للرئيس بشار الأسد وتنظيم «داعش» والكرملين وطهران. وهو أيضاً يضمن عكس المكاسب العسكرية الأميركية هناك، ويقضي على أي نفوذ لوزير الخارجية «مايك بومبيو» ومبعوثه الخاص للشؤون السورية «جيمس جيفري» لقيادة تسوية دبلوماسية تلبي أهداف الإدارة فيما يتعلق بإبقاء «داعش» وإيران خارجاً.
والأهم من ذلك، أن ترامب يقع في نفس الفخ الذي سقط فيه الرئيس باراك أوباما عندما سحب جميع القوات الأميركية من العراق في عام 2011. ويضمن قرار ترامب فعلياً أن يبدد الأمن بشكل أكبر، وأن يبرز تنظيم «داعش» وإيران مرة أخرى، وأن تضطر الولايات المتحدة للعودة إلى سوريا بتكلفة عسكرية أكبر وفي ظروف أكثر سوءاً مما سيكون عليه الحال إذا بقينا.
كل ما يتعلق بهذا القرار الزئبقي يهدد المصالح القومية الأميركية كما عرّفها ترامب نفسه. أولاً، إن تنظيم «داعش» بعيداً عن خروجه من سوريا. وقبل ستة أشهر فقط، ذكر «البنتاجون» أن ما يقرب من 20 -30 ألف مقاتل ما زالوا نشيطين في سوريا والعراق. ربما لم يعد تنظيم «داعش» يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية، لكن مقاتليه يختبئون في جيوب لا تخضع للسيطرة في الشرق وفي الأزقة الخلفية لإدلب.
وبمجرد أن تنسحب الولايات المتحدة، سيقوم تنظيم «داعش» بثلاث خطوات. فهو سيدّعي تحقيق النصر على ما يسميهم «الكفار» الأميركيين، ما يقوي نشاط التجنيد بشكل مفرط في جميع أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا. كما سيصب مقاتلين جدداً في شرق سوريا. وسيخرج من الظلال لاستعادة الأراضي في شرق سوريا من «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة، والتي لا يمكنها الاحتفاظ بـ«الرقة»، أو أي منطقة أخرى تم تطهيرها دون مساعدة الولايات المتحدة المستمرة.
كما ستغرق إيران المنطقة التي ستتخلى عنها الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تكون طهران قد أصدرت بالفعل أوامر لبضع عشرات الآلاف من ميليشيات «حزب الله» التي تسيطر عليها في غرب وجنوب سوريا لكي تتحول إلى الشرق. وكان مستشار الأمن القومي «جون بولتون» قد تعهد قبل ثلاثة أشهر فقط بأن تظل الولايات المتحدة في سوريا حتى يتم طرد آخر مقاتل إيراني منها. وبتغريدة واحدة يوم الأربعاء، دعا الرئيس بدلاً من ذلك طهران لتعميق قبضتها العسكرية والسياسية والاقتصادية على هذه المنطقة الحيوية من الشرق الأوسط. وفي هذه العملية، ستحصل إيران أيضاً على السيطرة على حقول النفط الرئيسية في دير الزور، والتي تحميها القوات الأميركية وقوات الدفاع الذاتي، ما يسمح لها بتمويل استيلائها على الأراضي ذاتياً.
ومن ناحية أخرى، فإن موسكو تحتفل أيضاً. بعد سنوات من التظاهر بالتفاوض مع واشنطن من أجل التوصل لحل دبلوماسي للأزمة السورية، من الممكن أن يتجاهل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توسلات مبعوثي ترامب، لأن الولايات المتحدة لن تستطيع المخاطرة عسكرياً لدعم دبلوماسيتها. وسيستمر الكرملين كما خطط منذ فترة طويلة، ويعزز السيطرة على بقية سوريا من أجل الأسد حتى عام 2021 وبعد ذلك يقوم بتزوير الانتخابات من أجل رئيس صوري جديد. وبدلاً من توسيع وجودها البري في سوريا، ستقوم موسكو بتوسيع دعمها الضمني للميليشيات المدعومة من إيران والتي تخدم بالفعل كقوات شرطة محلية فعلية في غرب سوريا. وربما تسمح لطهران بتقسيم الغنائم من حقول النفط في دير الزور، وربما تعود كل هذه الأموال إلى موسكو.
وبطبيعة الحال، سيقاتل كل من تنظيم «داعش» وقوات الدفاع الذاتي من أجل تلك المنطقة، أيضاً، مما سيطلق دورة أخرى من سفك الدماء ودخول شحنات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا. وهذا، بدوره، سيثير قلق إسرائيل واستجابتها الحركية. وبعد ذلك، ستصور موسكو نفسها باعتبارها صانع السلام والقوة الوحيدة القادرة على إبرام اتفاقيات استراتيجية مع إسرائيل والأردن وتركيا وغيرها. وبذلك، يحقق بوتين حلمه منذ فترة طويلة باستعادة الهيمنة ما بعد الاتحاد السوفييتي في قلب الشرق الأوسط –على الأقل حتى يعود تنظيم «داعش» مرة أخرى.
كما ماتت الدبلوماسية الأميركية بشكل حزين مع تغريدة ترامب. فقد أحرز المبعوث الخاص لشؤون سوريا «جيمس جيفري» بعض النجاحات في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك المساعدة على تخفيف حدة التوتر بين تركيا وروسيا بشأن إدلب في شهر سبتمبر الماضي. وكان «جيفري» مستعداً للقيام بمهمة إعداد مسار سياسي جديد لسوريا، متوقعاً الفشل المحتمل للجهود الروسية للتفاوض بشأن دستور جديد بحلول الحادي والثلاثين من ديسمبر. وإذا انسحبت الولايات المتحدة، فلن يشارك حتى الأصدقاء السوريون لواشنطن في المسار الدبلوماسي الذي تقوده الولايات المتحدة. وسيكونون مشغولين بالدفاع عن أنفسهم من «داعش» وإيران.
قبل بضعة آلاف من التغريدات، كان ترامب ينتقد سلفه لأنه ترك العراق لتنظيم «داعش» في 2011، ثم كان يتعين عليه العودة في 2014. يذكر أن الولايات المتحدة لديها حالياً 5200 جندي منتشرين في العراق وتنفق 13.6 مليون دولار يومياً على العمليات العسكرية هناك. وبذلك المقياس، يجب على الرئيس أن ينظر إلى قواتنا البالغ عددها 2000 جندي في سوريا على أنها صفقة، وسياسة تأمين ونفوذ حيوي ضد نتائج أكثر سوءاً بالنسبة لنا ولسوريا ولتوازن القوى العالمي.
5 قوة الكويت الناعمة وليد الرجيب الراي الكويتية
أثناء الغزو والاحتلال في العام 1990، وبعد أن أصبحت الصدمة أكثر حياداً، وبدأ ينقشع ضباب الغموض عن الواقع المؤلم، برزت على سطح اذهاننا أسئلة وتساؤلات ، بعضها عبثي وبعضها يشحذ المنطق في العقول.
هي تســــــاؤلات لا بد وأن تراود الشعوب التي تمر بأزمات مصيرية، وتختلف هذه التساؤلات من بلد إلى بلد، ومن زمن إلى آخر، لكن الظروف المتشابهة تفرض تساؤلات متشابهة، فقـــــد كانت تساؤلاتنــــا تحت نير الاحتلال، تخـــرج مــــن يقيــــن أن الكــــويت لا بـــــد وأن تتحرر، هكذا أفادنا التاريخ، لكن السؤال ليس متى تتحرر بلادنا، بل مــــاذا نفعــــل كـــي لا يتكرر مثل هذا الغزو الذي هدف لمحو هويتنـــا؟ فرقعة البلاد صغيرة، وعــــدد السكان قليل، والجيوش مهما بلغت من بأس وشجاعة، ستظل أضعف من الجيوش التي ظلت تستهدف الكويت بتحضرها وكيانها المتميز اجتماعـــياً في محيطها.
ماذا ميز الكويت عبر العصور، وأين تكمن قوتها؟ فالنحيل قد يعوض قوته الجسدية بقـــوة عقله وذكائه، والصراعات ليست جميعها صدامية بالأسلحة والنيران، بل لابد أن لكل مجتمع قوته الكامنة أو الناعمة، فماذا يميــــز الكــــويت عن محيطهـــا؟
في إحدى ليالي الاحتلال، كنت استمع للإذاعة التي لم نكن نملك وسيلة غيرها لمعرفة ما يدور في العالم، كان لقاء مع أحد مواطني دول أميركا اللاتينية، ويبدو أن أصوله عربية، كان يقول: لا أعرف ما المشكلة بين الكويت والعراق، ولا أعرف من المخطئ أو المعتدي فيهما، لكن بلداً يصدر مثل هذه الإصدارات الثقافية والمتميزة كماً و نوعاً، لا يمكن أن يكون بلداً معتدياً.
هكذا إذا، فالرجل ميز الكويت وموقفها من إصداراتها الثقافية، وهذا شكل لها قوة ناعمة يعرفها العالم، وبمراجعة القرن الماضي، أنارت شاشة العقــــل حقيقــــة غابت خلف دخان المدافع، وهي أن الكويت ارتفعـــت أسهم احترامهــا، بسبب اشعاعها الثقـــــافي والتنــــويري، وأن الثقـــافة والتنوير هما سلاحها الذي قاومـــت به، كل محاولات تغييرها وطمس هويتها ومشروعها الحضاري.
لكن أين قوة الكويت الناعمة الآن، بعدما استطاع التخلف الاجتماعي والثقافي والظلامي، اضعاف هذه القوة الناعمة، والمحاولات مستمرة حتى يتم القضاء عليها واستبدالها بهوية مسخ، لا تمت إلى تاريخ الشعب الكويتي.
فمن ينتبه إلى هذه الحقيقة المصيرية، ويفزع من أجل إعادة الاعتبار للثقافة، قوة الكويت الناعمة، التي حافظت عبر أكثر من قرن، على كياننا الذي ولدنا وعشنا به، واستعادة هويتنا التي احترمنا العالم بسببها؟
6 انسحاب القوات الأميركية… قراءة أولية
إميل أمين
الشرق الاوسط السعودية
مرة واحدة وعلى خلاف تصريحات مستشاره للأمن القومي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سحب القوات الأميركية من سوريا، وحجته في هذا القرار المفاجئ أن المهمة اكتملت بالقضاء على «داعش» في سوريا والعراق وتطهير الأراضي التي تم احتلالها من قبله الأعوام الماضية.
المعلومات المتاحة حول مشهد الانسحاب قليلة في واقع الأمر، سيما أن المتحدثة باسم البنتاغون دانا وايت قد أشارت إلى أنه لأسباب تتعلق بحماية القوات الأميركية على الأرض وبالعمليات هناك لن تقدم مزيداً من البيانات الأمر الذي لا يتيح للمحللين المهتمين بالشأن الأميركي إلا محاولة قراءة ما بين السطور وربط الأحداث والأزمنة بالأهداف والاستراتيجيات الأميركية الأبعد والأعمق، وما يليق بدولة إمبراطورية وقوة عظمى لها حساباتها الاستشرافية في عالم تتحرك فيها الخطوط الجيوبوليتكية، وتتقاطع فيه الخيوط الجيواستراتيجية، بشكل وسرعة تتعب معهما الأجسام والعقول.
بداية ينبغي الإشارة إلى أن الرئيس الأميركي دستورياً له الحق في إصدار توجيه رئاسي يتيح له سحب قوات بلاده في الخارج، ولهذا فإن القرار من الناحية التشريعية لا تشوبه شائبة، لكن السؤال الذي طرحه الأميركيون من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء… هل هذا التوقيت ملائم لاتخاذ مثل هكذا قرار حيوي ومصيري، وما هي حسابات الأرباح وأكلاف الخسائر من ورائه؟
قبل ثلاثة أشهر على وجه الدقة تحدث جون بولتون مستشار الرئيس ترمب للأمن القومي عن بقاء الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى في سوريا، وذلك إلى أن تخرج القوات الإيرانية من هناك، الأمر الذي يعني بقاء عدد القوات الأميركية ومعداتها عبر ثلاث عشرة قاعدة عسكرية في شمال شرقي سوريا تحديداً.
كان من الطبيعي أن يذهب الديمقراطيون إلى انتقاد القرار، إذ اعتبرته نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب سابقاً لأوانه، ووصفته بأنه مشبوه، سيما أنه جاء بعد يوم واحد من تأجيل الحكم على الجنرال مايكل فلين الذي ارتبط اسمه بقصية «روسيا – غيت»، ما يطرح تساؤلاً بعينه هل للقرار انعكاسات تخدم موقف الرئيس ترمب في القضية؟
على أن غير الطبيعي أن ينتقد مشرعون في الكونغرس من الحزب الجمهوري، ومن الأوزان الثقيلة مثل السيناتور ليندسي غراهام ونظيره ماركو روبيو القرار ويعتبروه فرصة لعودة الدواعش من الشباك بعد أن تم دحرهم عبر الأبواب.
السؤال المطروح الساعة من الحلفاء المقربين لواشنطن سواء في لندن أو باريس… هل تم القضاء المبرم بالفعل على تنظيم «داعش» وعليه يمكن للرئيس ترمب أن يغادر بعيداً بقواته؟
يحاجج وزير الدفاع البريطاني بأن هزيمة «داعش» لم تكتمل، وأن هناك فرصة كبيرة بالفعل لأن تعود الخلايا النائمة للظهور من جديد، والأمر نفسه تراه دوائر الإليزيه في فرنسا. أما الحلفاء لا سيما من قوات سوريا الديمقراطية، فيرون الأمر بوصفه خيانة وطعنة في الظهر من قبل القوات الأميركية، والتي تجعل ظهرهم مكشوفاً لقوات الأسد من جهة، ولتحركات الرئيس التركي إردوغان من جهة ثانية.
مخاوف الأميركيين في الداخل والحلفاء في الخارج مردها أن يكون الجميع أمام رجع صدى لقرار الرئيس السابق باراك أوباما الخاص بسحب القوات الأميركية من العراق، وقد كان من تبعاته فتح الطريق واسعاً أمام الجماعات الإرهابية لتعيث فساداً في بلاد الرافدين، وليمتد شرها إلى دول الجوار ومن هنا كان نشوء وارتقاء دولة الخلافة المزعومة.
هل لدى الرئيس ترمب مخطط آخر مستقبلي لم يعلن عنه وقد يكون هو السبب المباشر في اتخاذ هذا القرار؟
الجواب أكثر إثارة سيما إذا نظرنا في التبعات التي ستلحق بالوجود والنفوذ الأميركي في المنطقة، والبداية من عند إطلاق يد «حلف الشرق» إن جازت التسمية في أرجاء العراق وسوريا تحديداً، وبناة الحلف هم تركيا وإيران وروسيا، وذلك بعد أن يبقى المشهد فضاء استراتيجياً جديداً للثعلب الروسي تحديداً، والمؤكد أنهم سيرسمون المنطقة بما يتساوق واستراتيجياتهم في غياب العم سام.
الجزئية الأخرى تتصل ومن جديد بقضية الموثوقية في التحالف مع واشنطن، الأمر الذي أشار إليه الأكراد مؤخراً وسيبلغ صوتهم ولا شك للقاصي والداني في منطقة مشتعلة على هذا النحو، وسيعيد التساؤل المطروح من فترة وبقوة: هل فقد الشرق الأوسط جاذبيته للولايات المتحدة وها هي تنسحب منه رويداً رويداً؟
في المشهد علاقة معقدة بتركيا وبقضية «روسيا – غيت» تحديداً، أما تركيا فعدة تحليلات تذهب إلى أن ترمب يعمل جاهداً على إعادة تركيا إلى حظيرة حلف الأطلسي، وفض الشراكة المتنامية بين أنقرة وموسكو، وقد تبدى ذلك في الموافقة على تزويد الأتراك بصفقة الصواريخ الأميركية الأخيرة، علها تثني إردوغان عن «إس 400» الروسية القاتلة لطائرات الأطلسي، وتالياً إفساد مخططات بوتين الشرق أوسطية، ما يخلق نظرة بعيدة في عيون الأميركيين قوامها أن ترمب لا صديق ولا حليف الرئيس الروسي، وعلى أمل تخفيف الضغوطات عليه في الداخل.
لكن التفكير على هذا النحو يهمل أمراً جللاً وهو أنه بانسحاب القوات الأميركية من سوريا يتيح المجال لإيران العدو الأكبر والداعم الأول للإرهاب في العالم بحسب مايك بومبيو وزير الخارجية لأن تخلق ممراً لوجيستياً عبر العراق وسوريا إلى لبنان، وتعزيز وكلائها الميليشياويين لا سيما «حزب الله» في جنوب لبنان، ومن ثم بسط نفوذها بصورة غير مسبوقة على المنطقة، فهل هذا ما تريده إدارة تسعى لمحاربة الإرهاب وتنظم الاستراتيجيات لمجابهته صباح مساء كل يوم؟
الانسحاب الأميركي في شقه السياسي يفيد بأن الأميركيين غير عابئين بالمستقبل السياسي للملف السوري، وهم غير مقدرين مخاوف العالم من عودة الإرهاب الداعشي، ويفتح الباب لسطوة الملالي، فيما الأسوأ احتمالاً تعريض المنطقة برمتها لحرب إقليمية كبرى بين الأطراف المتصارعة في ظل الغياب الأميركي المتعمد.
7 دور أنابيب النفط في حرب العراق عام 2003 وليد خدوري الحياة السعودية
يؤخذ بالاعتبار الاقتصاد والسياسة عند تشييد أنابيب النفط التصديرية والعابرة للدول، كما تلعب الخطوط دوراً خلال الحروب. ودوّن المستشار النفطي للإدارة والقوات الأميركية في العراق بين عامي 2003 و2011 دون غاري فوغلر الأبعاد الجيوسياسية للانابيب الإقليمية في حرب عام 2003. ونشر عام 2017 تجربته النفطية في العراق في كتابه «العراق وسياسة النفط»، كما نشر مقالاً في 3 الجاري في الدورية النفطية «اويل اند غاز جورنال»، شرح فيه بالتفصيل دور الأنابيب التصديرية في حرب 2003.
وجاء في المقال أن هناك 3 طرق لتصدير النفط الإيراني عبر شرق المتوسط الى أوروبا، الأولى عبر قناة السويس او خط أنبوب «سومد» في مصر أو خط ايلات – عسقلان الذي شيد عام 1970 بالشراكة بين ايران في عهد الشاه وإسرائيل. وأتاح خط ايلات نقل النفط الإيراني عبر اسرائيل إلى السوقين الأوروبية والإسرائيلية. وتولت مسؤولية الخط شركة إيرانية-إسرائيلية مشتركة، ولكن إسرائيل بادرت إلى وضع اليد على الخط بعيد الثورة الإيرانية عام 1979. ولعب الخط دوراً مهماً في تحقيق أمن الطاقة لاسرائيل، ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى فرض سرية تامة على المعلومات المتعلقة بالخط. وفي نهاية عام 1979، رفعت ايران دعوى قضائية ضد إسرائيل لوضعها اليد على الشركة، وربحت الدعوة في هيئة للتسويات القضائية في سويسرا التي حكمت عام 2016 بدفع إسرائيل تعويضاً قيمته 1.2 بليون لايران مقابل حصتها في الخط. وتوسعت شركة الانابيب وامتلكت مصافي اجنبية ، كما اصبحت الملاذ للنفوط الخام التي تهرب إلى إسرائيل من دول إقليمية لم تجد اسواقاً تقليدية لها. ونظرا للاهمية الأمنية للخط لإسرائيل، شرع الكنيست قانوناً نهاية عام 2017 باعتقال لمدة 15 عاماً من يفشي معلومات أو اسرار عن الشركة.
يذكر فوغلر أن هذا الخط هو المصدر الأهم لثروة التاجر النفطي مارك ريتش بين عامي 1970 حتى 1994. وأعفى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ريتش في كانون الأول 2001 لتهربه من دفع 100 مليون دولار من ضرائب الدخل. ولكن ريتش اسم شركته المسجلة في سويسرا بعد الاعفاء وأسس شركة «غلين غور» للتجارة النفطية عام 1995، وهي من أكبر شركات تجارة النفط في العالم. وذكر ريتش في كتابه حول سيرته الذاتية أنه «صديق حميم للموساد»، ومعظم ثروته مصدرها بيع النفط الإيراني عبر خط ايلات إلى مصافي أوروبية. واستطاع ريتش التجارة بالنفط الإيراني حتى بعد حصار عام 1979 وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي. وكان مدير إدارة مكتب نائب الرئيس ديك تشيني لويس ليبي، محامي ريتش طوال هذه الفترة.
وفقدت «غلين غور» عقد النفط الإيراني في منتصف التسعينيات بعد مغادرة ريتش الشركة، والذي أدت استقالته الى زيادة سعر النفط في اسرائيل نحو 25 في المئة مقارنة بالأسعار العالمية في حينه.
واقترح الدكتور احمد الجلبي وعوداً عدة لمتنفذين في اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. وبحسب فوغلر، «من ضمن وعود الجلبي إعادة فتح خط كركوك-حيفا مقابل مساعدتهم في استعمال القوات الأميركية لازاحة نظام صدام حسين». وعمل خط حيفا بين عامي 1934 و1948، حين قررت الحكومة العراقية تفكيكه، وامتد حتى محطة الضخ في حديثة (غرب العراق)، وتفرع من هناك الى حيفا، حيث الانتداب البريطاني على فلسطين وفرع آخر الى طرابلس، حيث استمر التصدير عبر لبنان.
يذكر المؤلف ثلاث وسائل ساعد البنتاغون بها أجندة الجلبي النفطية مقابل تعهده إعادة تشغيل خط حيفا، وهي «فتح خط سري ومباشر ما بين الجلبي في بغداد ومكتب نائب رئيس الجمهورية في واشنطن، ومساعدة وتدريب قوات عراقية من اللاجئين بقيادة الجلبي، وتدمير خط كركوك-بانياس عبر سورية». وتعهد الجلبي مقابل هذه المساعدات تزويد واشنطن بمعلومات قيّمة، بينها معلومات عن أسلحة بيولوجية خاطئة، استعرضها وزير الخارجية كولن بأول في كلمته أمام مجلس الأمن في شباط (فبراير) 2003.
يذكر فوغلر ان خطط الجلبي لخط حيفا شملت توسيع طاقة الخط الى اكثر من مليون برميل يوميا، ما كان سيكلف بلايين الدولارات. وكان بنيامين نتينياهو وزير المال عام 2003، حين زار لندن لمناشدة المؤسسات المالية توفير القروض.
ولعب خط كركوك – بانياس الذي تم تشييده في 1952 ويمر عبر سوريا دورا منافسا لخط حيفا. لحق خط بانياس بعض الاضرار في حرب الخليج الأولى في 1991 . واعيد التصدير من بانياس في 2000 بطاقة محدودة حوالي 300 ألف برميل يوميا . طالب ممثل اليمين الجديد في لجان التخطيط للحرب في البنتاغون، التي شارك فيها فوغلر، إيقاف الضخ من خط بانياس عقابا لسورية لمساعدتها العراق خلال حصار التسعينات. عارض فوغلر الاقتراح، وأشار إلى أنه لم يعرفوا في اللجان في حينه أن ممثل اليمين الجديد ماكوفسكي» لديه علاقات قوية مع إسرائيل والموساد». وعرفوا لاحقا انه كان قد التحق سابقا في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي. وكانت اللجنة الأميركية-الإسرائيلية للعلاقات العامة «ايباك» رشحته لمنصبه في البنتاغون في صيف 2002.
ووافقت لجنة التخطيط في البنتاغون على اقتراح فوغلر بعدم نسف خط بانياس، كما وافق الرئيس بوش على الاقتراح نهاية 2002، معتبراً أن الاستمرار بالضخ يسمح بمقايضة سورية للتعاون لاحقاً. ولكن هيمنة اليمين الجديد على إدارة بوش غير هذه السياسة، اذ كان هدفهم ضعضعة الاقتصاد السوري وتقوية إسرائيل، فاتصل وولفويتز بالقيادة العسكرية الأميركية في العراق وأمر بنسف خط بانياس على عكس أوامر بوش. ويضيف فوغلر: «مع تدمير خط بانياس في نيسان (أبريل) 2003، اعتقد الجلبي ان الباب أصبح مفتوحاً له لاعادة خط حيفا، وواجهت الحلبي عقبة أن خط حيفا تم تفكيكه في محافظة الانبار، وتم نقل معظم أجزائه او تصدأ ما تبقى منه».
وتابع فوغلر: «بادر موظفي وزارة النفط العراقية الذين قرأوا في وسائل الاعلام العربية عن نية الأمريكيين ضخ النفط الى حيفا، بادروا بالهجوم على ما تبقى من الخط وتدميره. أدى الهجوم الى اغلاق مصفاة الدورة، ما أدى بدوره الى شح المنتجات البترولية في بغداد». وأضاف: «لم نفهم في بادئ الأمر سبب نسف الانابيب، كنا نعرف ان المنفذين للعمليات من كادر الصناعة النفطية، فخرائط الانابيب محصورة التوزيع على الموظفين النفطيين فقط، ولكن مع اشتداد أزمة شح الوقود في بغداد، أصبح واضحاً للجلبي ولليمين الجديد في واشنطن سبب المشكلة المستعصية». ولم يكن من الممكن تأهيل خط حيفا، كما لم يكن بالإمكان تصدير النفط الى إسرائيل، فالعراقيين لن يقبلوا بهذا وبلادهم في حرب مع إسرائيل منذ العام 1948. ولذلك يتوجب التفكير بخطة بديلة لتصدير النفط العراقي إلى إسرائيل، فأمر الجلبي وزارة النفط في أيلول 2003 ببيع النفط لشركة «غلين غور»، التي صدرت النفط العراقي إلى اسرائيل.