1 ماذا وراء تغيير الكنيسة الأنغليكانية خطابها حول «المصالحة» في السياسة الخارجية؟
هيفاء زنكنة
القدس العربي
حين ناقش مجلس اللوردات البريطاني يوم 14 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، موضوع «المصالحة: دور السياسة الخارجية والدفاع البريطانية والتنمية الدولية»، أعطيت المنصة أولا لرجل دين يحتل المركز الأعلى في هرم الكنيسة الأنغليكانية وهو رئيس أساقفة كانتربري. كان هدفه، طرح فكرة مشاركة الكنيسة في مشروع الحكومة الهادف الى تضمين « المصالحة» بين الجهات المتنازعة في سياستها الخارجية.
ركز الأسقف، بعد تعريفه مفهوم المصالحة مستخدما مفردات «التسامح» و«المغفرة»، على أهمية الدور الذي تلعبه الكنيسة في عديد دول العالم، للمساهمة في مساعدة المجتمعات المتناحرة على المصالحة، مشددا على ضرورة التعاون الحكومي البريطاني مع الكنيسة ومنظماتها، في سيرورة تحقيق المصالحة، أذا ما تم تبني سياسة تجمع ما بين وزارتي الخارجية والدفاع وهيئة التنمية الدولية، بديلا للسياسة الحالية المستندة على تحقيق «الاستقرار، الأمان، والأمن».
في محاججته لإعطاء الكنيسة دورا رسميا في الهيئة المستحدثة، حول السياسة الخارجية والدفاع والتنمية، نوه رئيس الأساقفة أن 85 بالمئة من سكان العالم ينتمون الى أحد الأديان او يؤمنون بمعتقد ديني. وفي نقلة من الديني الى التجاري، أكد الأسقف على إن إحلال السلام، في العالم، هو « في مصلحة بريطانيا. فهو يوفر الفرص التجارية، ويُسهل التنمية، ويقلل من الهجرة وأعداد اللاجئين». وهي وجهة نظر أيدها بقية اللوردات الذين شاركوا في الجلسة، مؤكدين أهمية دور بريطانيا في تحقيق «المصالحة» بين أفراد المجتمعات المتنازعة، لما تجلبه المصالحة من استقرار يصب بالنهاية في مصلحة بريطانيا. وأن فشل المحاولات السابقة التي قادتها بريطانيا، وكلفتها ميزانية كبيرة، سببها حدة نزاعات واقتتال اهل البلدان أنفسهم، مما يستدعى، حاليا، تدخل بريطانيا لتحقيق المصالحة بينهم أولا. وهو ذات المنطق الاستعماري الاستعلائي القديم، الذي طالما استخدمته الامبراطورية لتبرير غزو البلدان والاستيلاء على ثرواتها، ولكن بلغة جديدة، تضم مفردات المصالحة والعدالة الانتقالية ومنظمات المجتمع المدني، لتمكنها من تشويه الحقيقة.
لم يشر رئيس الأساقفة وبقية اللوردات، الى ان استثمار بريطانيا في النزاعات والحروب، كما يدل الوضع الحالي، في الشرق الأوسط وأفريقيا، هو الأكثر ربحا لبريطانيا، خاصة، في مجالي تجارة السلاح وعقود النفط. وغالبا ما تلجأ الحكومة الى تغطية دورها في النزاعات والحروب، كما حدث بالعراق، مثلا، عن طريق ابراز « المساعدات الخارجية الإنسانية» إعلاميا. ولا تختلف بريطانيا كثيرا عن الولايات المتحدة في هذا المجال، حيث يذكر الموقع الإلكتروني للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بصراحة: «كان المستفيد الرئيسي من برامج المساعدات الخارجية الأمريكية دائمًا هو الولايات المتحدة. ساعدت برامج المساعدات الخارجية في إنشاء أسواق رئيسية للسلع الزراعية، وخلقت أسواقًا جديدة للصادرات الصناعية الأمريكية، ووفرت مئات الآلاف من فرص العمل للأمريكيين» ولم تذكر التغطية على مبيعات السلاح المتعاظمة دوما.
وهو ذات الدور الاستعماري التاريخي الذي اشتهرت به بريطانيا والغرب، عموما، بمساعدة الكنيسة، ولا يزال مستمرا مع بعض التغيير الطفيف، وهو ما يُذكرنا به رجل الدين الجنوب أفريقي المطران دزموند توتو بقوله»: «عندما جاء المبشرون إلى أرضنا بالكتاب المقدس، أغمضنا عيوننا وصلّينا. عندما فتحنا عيوننا، كان لدينا الكتاب المقدس ولديهم أرضنا».
فهل تقترح الكنيسة، هنا، القيام، حقا بدور في اجراء مصالحة حقيقية بين أبناء الشعب الواحد المتنازع فيما بينه، أم انها تحاول استعادة دورها التقليدي والحصول على حصة من «الاستثمار»، بالشراكة مع الدولة، باعتبار منظماتها جزءا من القوة الناعمة، وهو المصطلح الذي أشار اليه عدد من اللوردات في سياق اعتبروه ايجابيا؟
اقترح رئيس الأساقفة في كلمته إقامة «وحدة مصالحة مشتركة تضم مجموعات عامة وخاصة ومنظمات دينية بشكل شراكة». مذكرا بنجاح الكنيسة في تحقيق المصالحة، خلال أيام، في مناطق نزاع مستمر بينما فشلت محاولات السياسيين على مدى أربع سنوات، مستشهدا بدور رؤساء الأساقفة في جنوب السودان، وان لم يذكر السياسة التي اتبعتها الكنيسة وبعثاتها التبشيرية ومنظماتها في تشجيع الانقسام الديني وحتى الطائفي، أحيانا، بين أبناء الدين المسيحي الواحد، ناهيك عن المساهمة بشكل أو آخر في تقسيم البلدان.
كما ذَكر مجلس اللوردات، بأهمية المنظمات المسيحية الأنغليكانية الفاعلة في 165 دولة بالشراكة مع 85 مليون شخص. منبها الى ضرورة دعمها ماديا فمعدل ما تحصل عليه «الأنغليكانية»، الثلاثينية «المتطوعة»، للعمل «الإنساني» في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أقل من 4 دولارات في اليوم. مؤكدا بما لا يقبل الشك « ان المنظمات الدينية المسيحية موجودة قبل النزاع وأثناءه وبعده».
نوقشت كلمة رئيس الأساقفة بالتفصيل. حيث أتفق اللوردات، جميعا، على أهمية اضافة «المصالحة» الى السياسة الخارجية البريطانية وتحديد ميزانية لها، بالإضافة الى ميزانية «صندوق الصراع والاستقرار والأمن»، المعمول به، حاليا، والذي طالب المتحدث باسم حزب العمال تحويله الى «صندوق سلام»، والكشف عن تفاصيل الجهات التي تتلقاه وعلاقتها بحقوق الإنسان. وهي نقطة تستحق التوقف عندها لمراجعة سياسة بريطانيا الخارجية، المتميزة بازدواجية المعايير، تجاه بلداننا، بشكل خاص، تحت برقع «الديمقراطية»، ومساندة الأنظمة الاستبدادية في آن واحد.
وبلغت المناقشة قمة المفارقة حين تحدث إيرل هاو، وزير الدولة، وزارة الدفاع، ونائب رئيس مجلس اللوردات، مؤكدا أهمية تعزيز آليات العدالة الانتقالية، التي يمكن أن تشمل لجان الحقيقة، والعمليات القضائية، وآليات التعويض للضحايا، واعتبارها أمر أساسيا في عمل الحكومة البريطانية. واستطرد متحدثا عن تقديم «الدعم المباشر لمشاريع المصالحة المحلية على الأرض». مثالها: تمويل عملية مصالحة، في سهول نينوى وكركوك في العراق، والتي تشمل أحداث المجتمع المدني! ولم يغفل مسؤول الحكومة البريطانية عن ذكر صعوبات عملهم، لأن « الصراعات تصبح أكثر تعقيدًا يومًا بعد يوم: تصبح أكثر تدويلًا، وتصبح مجموعاتها المسلحة غير الحكومية أكثر تجزؤًا، وتصبح اقتصادات الحرب التي تنشئها أكثر قوة. « وهو، باختصار شديد، شكل آخر من أشكال التدخل الخارجي المهدد للسيادة الوطنية.
ما الذي يعنيه نقاش إضافة «المصالحة « الى السياسة الخارجية البريطانية بالنسبة الينا؟ انه يعني شيئا واحدا: قناع جديد لوجه قديم. استخدام مفاهيم نبيلة كالمصالحة والعدالة الانتقالية وتعويض الضحايا كأذرع للتدخل والاستغلال والقاء اللوم على اهل البلدان الأصليين لتغطية جرائم الغزو والاحتلال والتدخل في الشؤون الداخلية. ولمن يعاني من ضعف الذاكرة نذكر ان تأسيس الكيان الاستيطاني الصهيوني تم بوعد بلفور البريطاني، وان بريطانيا كانت شريكة أمريكا في غزو وتخريب العراق. واذا ما كانت جادة في تضمين المصالحة في سياستها الخارجية وبروح التسامح المسيحي الذي يدعو اليه رئيس الأساقفة،، مع الإقرار بحسن نية عديد القساوسة في الغرب، فالأجدر بها ان تبدأ بالاعتراف بجرائمها وتعويض ضحاياها.
2 إلغاء الهيئات الحكومية المرتبطة بالغزو العراقي! وليد عبدالله الغانم الجزيرة الكويتية
نتفهم أن تصحح الحكومة الموقرة قراراتها بانشاء بعض الهيئات المحلية وتعود لإلغائها بعد ارتباك عملها وعدم نجاح تجربتها لأسباب مختلفة، لكن ما هي الأسباب التي تدعو الحكومة إلى إلغاء هيئات ومؤسسات ذات نشاط محلي واضح ومكانة إقليمية بارزة وكيان قانوني دولي مثل الهيئة العامة للتعويضات، ولجنة شؤون الأسرى، ومركز البحوث والدراسات الكويتية؟بهدوء لافت، وبلا ضجيج قررت الحكومة الموقرة إلغاء بعض هيئاتها العاملة في البلاد، ويبدو أن السبب المعلن هو تخفيض المصروفات كما جاء قبل فترة في توصيات لديوان المحاسبة بإلغاء هيئة الشباب والرياضة وإلغاء هيئة علوم القرآن وتوزيع اختصاصاتهما على الجهات المقاربة لنشاطهما، كما تسعى الحكومة أيضاً إلى إلغاء هيئة الطرق لنفس الأسباب.
نتفهم أن تصحح الحكومة الموقرة قراراتها السابقة في إنشاء تلك الهيئات وتعود لإلغائها بعد ارتباك عملها وعدم نجاح تجربتها لأسباب مختلفة، لكن ما هي الأسباب التي تدعو الحكومة إلى إلغاء هيئات ومؤسسات ذات نشاط محلي واضح ومكانة إقليمية بارزة وكيان قانوني دولي مثل الهيئة العامة للتعويضات، ولجنة شؤون الأسرى، ومركز البحوث والدراسات الكويتية، وهي ثلاث جهات تم إنشاؤها بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي لتقود كل منها ملفاً كويتياً عظيماً تدافع عنه بكل ضراوة في المحافل والمنتديات العالمية والأممية؟
أما التعويضات للكويت من جراء الغزو العراقي فما زالت الكويت تتسلم ما تبقى منها ولم يغلق هذا الملف بشكل نهائي بعدُ وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، فهناك دفعات أخيرة لم يسددها العراق إلى يومنا هذا، وكان من الحصافة الانتظار حتى تتم تسوية هذا الملف بشكل خالص تماماً، وتستوفي الكويت حقوقها كاملة ثم ينظر في الحاجة إلى بقاء الهيئة من عدمه، خصوصاً مع التناقضات الواضحة في الأنظمة العراقية الحاكمة المتتالية.
أما لجنة شؤون الأسرى فأمامها ملف مفتوح على مصراعيه وهو البحث عن رفات مئات الأسرى والمفقودين الكويتيين في العراق والكشف عن مصيرهم وهو عمل واجب على الدولة إكماله إلى النهاية تكريماً للأسرى ووفاء لذويهم واعتزازاً بما قدموه من تضحيات للوطن.
وأما مركز البحوث والدراسات، الذي يرأسه الدكتور الفاضل يعقوب الغنيم، فهو أشهر من نار على علم، وأصبح بحق أيقونة علمية كويتية نفتخر بها، بما قدمه من بحوث ودراسات عن الغزو العراقي خاصة، وعن تاريخ الكويت عامة، وقد أخبرت أنه تم التراجع عن إلغاء هذا الصرح العلمي والحمد لله.
بإمكان الحكومة الموقرة أن تعيد حساباتها وتقلص من الجهاز الإداري لهيئة التعويضات ولجنة الأسرى وتخفض مصروفاتها وتحسن من نوعية أعمالها ومع ذلك تبقيها قائمة فهي كانت وما زالت مرتبطة باسم الكويت وتخدم القضايا الكويتية ولديها أرشيف ضخم من الملفات والسجلات والأعمال التي توثق أصعب مرحلة مرت بها الكويت من بعد الاستقلال وهي الغزو العراقي وما بعده، وإن الحفاظ على هذه الهيئات واستثمار الخبرات الوطنية بها وإبراز أنشطتها لأمر مستحق بدلاً من تهميشها وإفقاد الدولة أحد مراكزها القوية في مواجهة تبعات الغزو العراقي وأخشى أن ضم هذه الهيئات إلى جهات حكومية أخرى سيحول تاريخ الوطن إلى مجرد أوراق مبعثرة في مخازنها تباع قريباً في بسطات سوق الجمعة.. والله الموفق.
3 العراق: عجيب أمور غريب قضية
جورج منصور الحياة السعودية
في الخامس والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) 2018، أدى رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي اليمين الدستورية، بعد مضي أكثر من خمسة أشهرعلى انتخابات برلمانية متشظية 12 آيار (مايو) ، أثارت حولها موجة من الشكوك وقدمت طعونا في نزاهتها وعاصفة من الاتهامات لم تنته حتى بعد إعادة فرز الأصوات في بعض المراكز الانتخابية.
جاءت تأدية عبدالمهدي اليمين الدستورية، بعدما اتفق القطبان الشيعيان الرئيسيان، «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، و«الفتح» بقيادة هادي العامري، على اختيار رئيس وزراء تسوية سياسية، بعد أن خفض الطرفان المتحاوران من سقوف مطاليبهما، وفق مبدأ «ليس كل ما يتمنى المرء يدركه» وقدما تنازلات مشتركة لجهة التوصل الى تكليف شخصية مستقلة لتشكيل الحكومة. بيد ان الكتلتين عادتا إلى التنافس والصراع على النفوذ والمناصب، ما أدى إلى حال من الجمود والاحتقان في العملية السياسية لا يستبعد ان تقود البلد إلى طريق مسدود.
وبعد ترقب وانتظار طويلين ووسط تفاؤل شعبي حذر، بقدرة رئيس الوزراء الجديد على تشكيل حكومة قوية قوامها من المستقلين الكفوئين والنزيهين والتكنوقراط، قدم عبدالمهدي، يوم 24 كانون الأول (نوفمبر) الماضي، أسماء كابينة غير مكتملة (14 وزيراً من مجموع 22) في مسعى لتمريرها في البرلمان، وفيها بعض من المتهمين في قضايا فساد وإرهاب.
ولم يتوفق لحد اليوم في تقديم ما يعزز فيه ثقة الشارع العراقي، أو أن يقدم بدائل أفضل مما خلفه أسلافه من حكومات فاشلة تشكلت على أسس المحاصصات الطائفية والتوافق والارضاء. حكومات ظلت بعيدة عن نبض الشارع وهموم الشعب ومطالبه المشروعة في حياة آمنة وكريمة.
ويظل رئيس الوزراء اليوم في مأزق حقيقي، عالقا بين مطرقة الكتل والأحزاب السياسية المتنفذة التي تدعي منحه الحرية في اختيار مرشحيه، وسندان مطالبة قوى شيعية بان يتخذ مواقف شجاعة وينهي عملية استكمال الكابينة الجديدة، إضافة إلى تحديات لا يستهان بها وضغط شعبي وتهديدات بإدامة تظاهرات البصرة وبغداد.
وبين هذا وذاك، بدا ضعف عبدالمهدي واضحاً من خلال تردده في اتخاذ قرارات حاسمة مخافة من ان تكبر قائمة المعترضين عليه في البرلمان، خصوصاً وهو يفتقد الدعم اللازم لتمرير قراراته، ولن تقف معه أي جهة إذا لم تكن حصلت على لقمة دسمة من تقاسم الكعكة.
وما تزال خطوات تشكيل الحكومة تراوح مكانها، ويبدو أن ولادتها ستكون قيصرية، خاصة أن الاجواء المحيطة مشحونة بتهديدات إلى عبدالمهدي تصل أحياناً إلى سحب الثقة، ما قد يؤدي إلى نشر حال من الفوضى تعم الشارع العراقي وتوجس من صراعات قادمة وتخوف من ان تنسف العملية السياسية برمتها.
وبغض النظر عما ستفرزه الأيام المقبلة من تفاهمات وسيناريوهات جديدة لتجاوز الخلافات بين الكتلتين الشيعيتين بالدرجة الأساس والتوافق على تمرير الحزمة الأخيرة من الوزارات السيادية والخدمية الشاغرة، وعددها 8 بعد فشل محاولات سابقة، لا يمكن إخفاء الطابع الطائفي – التوافقي الذي يطغى على تشكيلتها، بعد أن نال تحالف الاصلاح 9 وزارات، وتحالف البناء 9 وزارات، و3 وزارات للتحالف الكردستاني، ووزارة يتيمة باسم المكونات الصغيرة. إضافة إلى التقسيم المفروض على الدولة العراقية منذ الانتخابات الأولى في 30 كانون الثاني (يناير) 2005، والذي بموجبه يتولى التحالف الكردستاني رئاسة الجمهورية، والمكون السني رئاسة مجلس النواب، والمكون الشيعي رئاسة الحكومة.
وفي الوقت الذي أكد فيه المرجع الديني علي السيستاني، في لقائه مع ممثل الأمين العام للامم المتحدة يان كوبيش يوم 29 نوفمبر الماضي، أن خمسة ملفات يتوجب على حكومة عبدالمهدي العمل على إنجازها: محاربة الفساد، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، وإعمار المناطق المتضررة من الحرب، وإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم، اتهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في لقاء تلفزيوني بث مساء 30 نوفمبر الماضي، تحالفي «سائرون» و«الفتح» كونهما حصلا على نصيب الأسد في حكومة عادل عبدالمهدي، مضيفاً «أن هذين التحالفين يدعيان التنازل عن حصتهما، لكن الحقيقة والأمر الواقع مفروض في الاتفاق، إذ انهما أخذا نصيب الأسد بالحقائب السيادية وغير السيادية».
ان البداية المتعثرة لرئيس الوزراء والضغوط الكبيرة التي يتعرض لها وسط اجندات سياسية مختلفة وتسويف متعمد في تشكيل الحكومة، لا يبشران بالخير وسط توقعات بان تكون حكومته أضعف من سابقاتها، وأنها لن تقوى على النهوض بتحقيق متطلبات الجماهير في حياة آمنة ومستقرة، وحل ملفات الاصلاحات الساخنة التي تنتظرها، وفي مقدمتها مكافحة الفساد المالي والإداري وتحقيق مطاليب الشعب في تحسين الخدمات ومعالجة البطالة والقضاء على بؤر الارهاب وخلايا «داعش» النائمة وتعزيز العلاقة بين بغداد واربيل على مبدأ الشراكة والعيش المشترك.
فهل سيتوفق عادل عبدالمهدي في أداء مهامه الكبيرة في ظل مشهد سياسي معقد ومتشابك؟ وهل سينهض العراق من كبوته برئيس وزراء تسوية؟ أم سيقدم عبدالمهدي استقالته، التي عودنا عليها في أكثر من مرة، ويعود الشعب العراقي يتذكر ما كان يردده الفنان العراقي الراحل جعفر السعدي في مسلسل «النسر والمدينة»: عجيب أمور غريب قضية؟
4 شهرزاد العراق
عبدالله الجعيثن
الرياض السعودية
أول من لفت انتباهنا للأدب العراقي أستاذنا في كلية اللغة العربية الدكتور بدوي طبانة -رحمه الله- وكان قبل أن يقدم إلى الرياض أستاذاً للأدب العربي في جامعة بغداد.. لفت انتباهي – أنا وزملائي الكرام طلبة الكلية تلك الأيام، سقياً لها من أيام -إلى الشعر العراقي الجميل وخصوصاً (السياب وعاتكة الخزرجي ولميعة عباس) فعشقنا هذا الشعر وتسابقنا للبحث عن مصادره.. مع العلم أنه لم يكن مُقرّراً علينا ولكن الأستاذ الناجح يَفْتَح عيون طلابه على حدائق الجمال في كل مكان..
وقد دُهشنا من جُرأة شاعرات العراق على التغزل بالرجل، وخصوصاً عاتكة الخزرجي ولميعة عباس..
يقول الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد: (لميعة هي الابنة الكبرى لخالي وكان من أمهر الصاغة في العراق بل لقد بلغت نقوشه على الذهب حد الإعجاز، وكان من أمهر الخطاطين ويُتقن أربع لغات.. ولأن لميعة كانت مدللته فقد احتلت موضع الصدارة.. أما زوجة خالي أم لميعة فكانت من أجمل من تقع عليهم العين من النساء وأهيبهن طلّةً وحديثا.. وهكذا جمعت لميعة الكثير من جمال أمها وهيبتها ومن موهبة أبيها ولباقته، معجونةً كلها في مزاجية حادة.. إضافة إلى شخصيتها النافذة استطاعت لميعة أن تُسيطر على البيت كله، وأن تحظى بإعجاب وتلفت إليها الأنظار في سن مبكرة جداً، الكل كان يتطلع بانذهال مُفْعَم بالمحبة لفم لميعة وهي تتحدث، وكانت أمي وخالاتي يحفظن الكثير مما تقول وخصوصا شعرها المرتجل الذي أبدعته صغيرة..) انتهى.
وللميعة عباس عمارة، رباعية مشهورة عنوانها (شهرزاد) تسيل بالحب كما تسيل دجلة بالخصب.. فيها سهولة التعبير وتدفق العاطفة وبساطة المعاني والغضب من التقاليد القديمة التي كانت – ولا تزال في كثير من أقطارنا العربية – لا تجمع بين الحبيب والحبيبة برباط الزواج لاختلاف الأنساب أو لأسباب أخرى واهية..
ستبقـى، ستبقـى شفاهـي ظِمـاءْ
ويبقـى بعينـيَّ هــذا النــداءْ
ولـن يبـرح الصدرَ هـذا الحنيـن
ولـن يُخرسَ اليـأسُ كـل الرجـاء
سيبقـى لكفِّـيَ هـذا البـــرودْ
ولـن تعـرف الـدفء حتى تعـود
عنــاق الأكف أثــار الدمــاء
وعلمنـي كيف يُنْسـى الوجــود
ستبقـى دمائـي لظـىً واحتـراقْ
وتبقـى ضلوعـي منـىً واشتيـاق
فكـل حياتـي هـوىً يـائــسٌ
لقـاءٌ قصيـر المـدى، فافتــراق
لعينيـكَ أنـتَ يلـذّ العـــذابْ
ويستعـذب القلـب مـُرَّ الشـراب
ففيـك عرفـت الحبيـب الوديــع
ومـا كنـت أعـرف إلا ذئــاب
سأغمـر بـالذكريـات البِعـــادْ
مُنـىً في النهـار، رؤىً في الرقـادْ
ويبقـى حديـث الهـوى قصــةً
أَبَـتْ أن تُتَمّمَهـــا شهـــرزادْ
5 ما بعد انتصار العراق على “داعش”!
كاظم الموسوي
الوطن العمانية
لعل من أبرز الدروس الأخرى ما بعد الانتصار العسكري يكون في العمل المتفاني في الحفاظ على النصر، ولا يكون ذلك إلا بخطط استراتيجية تشمل كل الصعد والمجالات، تبدأ بالجوانب الفكرية والثقافية المستندة إلى الوحدة الوطنية التي عززت الانتصار وكرست دروبه عمليا، مستفيدة من تجربة قاسية وصعبة وآلام حادة تقتضي الرد عليها بالإخلاص في العمل..
مرت الذكرى الأولى لإعلان العراق الانتصار العسكري على ما سمي واختصر باسم “داعش” وجرت احتفالات رسمية بهذه الذكرى، يوم العاشر من كانون الأول/ ديسمبر، بما فيها الوقوف دقيقة صمت في كل أنحاء العراق. في هذا اليوم تقف استعادة الأيام التي تمكن بها تنظيم “داعش” من احتلال والسيطرة على مدن كبرى ومساحة واسعة من شمال وغرب العراق أمام الجميع، بشكل لا بد من دراسته والخروج منه بما يحمي الانتصار ويحقق الأهداف، ويمنع أية إمكانية أخرى للعودة أو الإعادة أو تجديد ثيابه، تحت أية واجهة أو عنوان، ومن أية جهة أو مظلة أو محاولة ما، كما يشاع أو تشي به مصادر عسكرية أو إعلامية أجنبية أو من مصادر التأسيس والدعم للتنظيم الإرهابي والأهداف منه.
أول الدروس من تلك الأيام استذكار دماء الشهداء وتكريمهم والاحتفال بهم وتحية دورهم وتمجيد ذكرهم على طريق النصر. وهو ما لا يمكن الصمت عليه. فبدون هذه التضحيات الجسام، هذه الدماء الزكية لما أنجز الانتصار، ولما هزم التنظيم الإرهابي، ولما استعيدت الأرض ولظلت رايات التنظيم والكراهية باقية دون معرفة بالنتائج والأخطار والأضرار. فالدماء سجلت موعد النصر وأرخت له. وفي أية حسابات لا بد من الإشادة بها والإشارة لها.
هذه التضحيات ما كانت لولا مشقة ما حصل وما جرى، وهي إذ تسجل عنوانها تكشف ما قبل وما بعد أو ما سيأتي. ولهذا كانت الفتوى الرشيدة وإصرار القوات الأمنية بكل صنوفها وتشكيلاتها وقياداتها على التضحية والانتصار حاسمة الموقف العسكري وراسمة خطوات النصر، ومعلنة معنى الثمن الذي دفع، معنويا وماديا. إذ تجمعت حينها عوامل النصر أو أصبح العمل له ضرورة وواجبا، بعد أن تمكنت أسباب الغزو والعنف والكراهية والغلو والاستعمار والمصالح الإمبريالية من كسب جولتها واحتلال الأرض والسكان، وصناعة فتنة ونزوح وهجرة وتشرد واضطهاد. ما جرى ليس غزوا عسكريا وحسب، وليس احتلالا فقط. لقد جمع الغزاة بالغلاة بالمصالح وبالتخادم والارتهان والاستهانة بالأرض والشعب، واستطاع الأعداء من تنفيذ مخططات مرسومة ومدعومة عسكريا وسياسيا وإعلاميا.
أجل.. تمكن الأعداء، الغزاة والبغاة، ومن تخادم معهم ومن كل الاتجاهات من التغلغل داخل المدن والتعشعش في الأحياء، ونجحوا في التفتيت والتفرقة والتهميش. واستطاع الأعداء من تمرير مخططاتهم وعدوانهم على هذا الشعب وهذا الوطن.. وهذا لم يحدث دون توفر ظروف وحواضن وتسهيلات وخدمات. إلا أن قوى الشعب الخيرة لن تهدأ ولن تستكين.. فتكاتفت وسعت إلى إسقاط الأوهام والخرافات وانتصرت الإرادة الشعبية والدعوة للإصلاح والتغيير. وكانت تلك السنوات من أكبر الدروس والعبر للجميع، الذين خضعوا أو تشردوا أو واجهوا وصمدوا وقرروا النصر.
ولعل من أبرز الدروس الأخرى ما بعد الانتصار العسكري يكون في العمل المتفاني في الحفاظ على النصر، ولا يكون ذلك إلا بخطط استراتيجية تشمل كل الصعد والمجالات، تبدأ بالجوانب الفكرية والثقافية المستندة إلى الوحدة الوطنية التي عززت الانتصار وكرست دروبه عمليا، مستفيدة من تجربة قاسية وصعبة وآلام حادة تقتضي الرد عليها بالإخلاص في العمل والوفاء للضحايا، ومحاربة الأعداء بكل السبل والوسائل دون هوادة أو استرخاء، والتصدي لكل عوامل التخريب من الفساد والهوان والارتهان. ولعل التهاون في أية مسألة منها بفتح ثغرة لا يسهل التخلص منها وإعادة الأمور إلى وضع أفضل مما كانت عليه. كما أن بوس اللحى وسياسة عفا الله عما سلف والتزلف والنفاق لا تعطي غير صورة مشوهة وسلبية. كما أن إضعاف القانون والتغاضي عن ارتكاب أو التساهل مع المجرمين والإرهابيين ومن ساعدهم أو وفر أو هيأ لهم فرصا أو مساحات انتشار، والسماح لهم في الإفلات من العقاب، اشتراك في الجريمة أو ارتكاب لها معهم سوية.
وتطرح قضية الفساد السياسي والإداري والمالي أهمية كبيرة في المعالجة الضرورية لها بقوة وحسم وإدارة مركزية لا تتوانى ولا تجامل، ولا تقول عكس ما تفعل أو تتغافل عما حصل ويحصل. كما أن اللجان التي شكلت والتقارير التي رفعت لم تكن بمستوى المسؤولية ولا تعبر عن حرص وطني ومثال يشهد له أو نموذج يدرس ويعمم محليا ودوليا. وما عليه الوضع في هذه القضية يفضح السياسة المتبعة والشعارات المرفوعة بشأنها. ومعروف أن تصريحات كثيرة صدرت في محاسبة الفاسدين ومحاكمتهم وظلت كلاما في شبك، انتهى مع غياب صاحبها أو تغير موقعه. وقضية الفساد لا تختلف بل ترادف الإرهاب بمعناه العام وأخطاره المتعددة. وواقع الحال يشي بما هو أكثر إضرارا ودمارا من خلال انعكاساته على الأصعدة الأخرى، لا سيما في قضايا الخدمات الأساسية والمصالح العامة. ومن يشاهد ويسمع فيديوهات اليوتيوب. لنواب أو وزراء سابقين يقشعر بدنه من الطروحات والإهمال وحتى التواطؤ والمشاركة في الجرائم القانونية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية وبالتالي الإنسانية والثقافية.
ما تعرضت له المدن وما أصاب السكان خلال احتلال تنظيم” داعش” من خراب كبير، وبنسب مرتفعة في البناء والعمران والنزوح والتقصير الصارخ في الخدمات والتسهيلات، والتباطؤ البيروقراطي في إعادة الإعمار والتنمية والإسكان، يبين وقائع مؤلمة في سوء إدارة والتخطيط وإهمال حقيقي يضعف بناء الأمل وروح المواطنة الحقة.
العراق غني بثرواته، المادية والبشرية، وجدير بمكانته الاستراتيجية في المنطقة والعالم، ويمكن أن يكون قويا ومؤثرا بوحدته الوطنية ورجال دولة مخلصين وعاملين بإيمان صادق لبناء وطن حر وشعب سعيد حقا. ولا تبنى دولة برجال لا يشعرون فعلا بها وبدورها ولا يقدرون أسسها وعملها ووظيفتها، بل ويمارسون أفظع الممارسات الفاضحة لوعيهم وجديتهم ومصداقيتهم وأخلاقهم وقناعاتهم. فما حدث لم يكن ولم يحصل لولا فشل الإدارات وعطب السياسات وغياب أو ضعف القيم والمبادئ، والارتهان دون بصر أو بصيرة. ومهما نتج وجرى فإن عجلة التاريخ لن تتوقف.. ولعل تجارب قريبة مثل التطورات التي حصلت في بعض البلدان كماليزيا أو جنوب إفريقيا أو رواندا فيها الكثير .. الكثير من الاعتبار والدرس، فهل من يعتبر؟!