1 العراق.. جدل حول مزدوجي الجنسية
د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا
الخطوة التي اتخذها رئيس جمهورية العراق برهم صالح بالتخلي عن الجنسية البريطانية، التي كان يحملها وخروجه من نادي المسؤولين مزدوجي الجنسية، أثارت ردود أفعال متناقضة وآراء مؤيدة وأخرى مشككة على الصعيدين العراقي والعربي.
ففي حين أشاد نشطاء بتنازل صالح عن جنسيته البريطانية وعدّوا ذلك خطوة “جيدة واستثنائية في بلد يحمل معظم قادته جنسية ثانية”، شكك آخرون بما يطرحه واقع مزدوجي الجنسية بالنسبة للولاء وصحة شغل الوظيفة أو الموقع وشرعيته، خصوصا وأن مسؤولين عراقيين من مزدوجي الجنسية هربوا من العراق بعد استيلائهم على مليارات من ثرواته وأفلتوا من الحساب لتحصنهم بالجنسية الثانية، فضلا عما تثيره ظاهرة ازدواج الجنسية لدى المسؤولين من عديد الشكوك بشأن إخلاصهم لبلدهم ومدى ثقتهم في الحكومة التي يشاركون في تسييرها.
ولكي نكون منصفين فإن مزدوجي الجنسية العراقيين اضطروا إلى ذلك بسبب مطاردتهم من السلطات الحكومية العراقية قبل عام 2003، ولكن مضت أكثر من 15 سنة إلى الآن من دون أن يتخلوا عن جنسياتهم التي اكتسبوها، مع أن الدستور نص في الفقرة الرابعة من المادة 18، على أنه “يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبا سياديا أو أمنيا رفيعا التخلي عن أي جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون”، لكن البرلمان العراقي لم يشرّع أي قانون يلزم المسؤولين باحترام ما جاء في الدستور والتخلي عن الجنسية الثانية، بل إن بعض السياسيين الذين لم يتسن لهم الحصول على الجنسية الأجنبية تسابقوا، بعد عام 2003، لشراء جنسية أجنبية، ولا تزيد قيمة الجنسية الثانية على مئة ألف دولار، ونوري المالكي مثالا. أما لماذا لم يشرع البرلمان قانوناً بهذا الخصوص، فالجواب واضح لأن لا أحد من هؤلاء يرغب بالعيش في العراق، فهو قد جاء ليؤمن يومه وغده من الرواتب المليونية ومن الرشاوى الخرافية، وتاليا فهو ليس مستعدا للتخلي، لا هو ولا أسرته، عن امتيازات التمتع بالجنسيتين.
إذا صح أن برهم صالح أو غيره قد تنازل عن جنسيته الأجنبية، بعد مرور 15 عاما على عودته إلى البلاد، فلا يجد بعض الناس في موقفه هذا مأثرة، لأن بوسعه أن يحوز على غيرها عن طريق الشراء، فتتاح له حرية السفر إلى 125 دولة من دون تأشيرة.
وحسب المعلومات المتداولة فإن قيادات كثيرة في أحزاب العملية السياسية والسلطات الثلاث منذ 2003 تتمتع بجنسية ثانية، ولو أجرينا جردا إحصائيا سنكتشف أن ما من أحد من هؤلاء إلا ولديه ضمانا خارجيا. ثم ما قيمة أن يتنازل اليوم عن جنسية ويبتاع غيرها في اليوم التالي؟ علما أن هناك مسؤولين يحملون أكثر من جنسية.
ومع ذلك فقد طرح تخلي برهم صالح عن جنسيته البريطانية إعمالا للدستور، إشكالية بالنسبة للعديد من المسؤولين العراقيين الكبار، الذين يحملون جنسيات بلدان أخرى، إذ يحمل رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي الجنسية الفرنسية، كما يحمل العشرات من المسؤولين والوزراء العراقيين، جنسيات إيرانية وبريطانية وأميركية وكندية وأسترالية وغيرها، وقد تغاضى معظم هؤلاء عن تطبيق الدستور على أنفسهم، ولم يُقْدموا على التخلي عن جنسياتهم الأجنبية ليكون الرئيس هو أول من يفعل ذلك.
لكن منع مزدوجي الجنسية من الحصول على بعض المناصب لن يكون أمرا سهلا في ظل وجود قيادات حزبية كبيرة تحمل جنسيات دول أخرى، فمعظم قيادات حزب الدعوة وأحزاب العملية السياسية تحمل الجنسية الثانية ويمكن أن يثير هذا الموضوع جدلا داخل البرلمان.
إن من يريد الإصلاح وإيصاد أبواب الفساد عليه أن يعمل على تشريع يمنع مزدوجي الجنسية من تولي المناصب الحكومية العليا، فقد شهد العراقيون هروب محافظ البصرة ماجد النصراوي، إثر استدعائه للتحقيق في ظل شبهات وتُهم فساد طالته، مستفيدا من جواز سفره الأسترالي، وهروب وزير التجارة الأسبق، بريطاني الجنسية، فلاح السوداني، بعد أن حكمت عليه محاكم عراقية بتهم فساد في عقود وزارة التجارة وقبض عمولات ورشاوى بملايين الدولارات، وكذلك “تحرير وتهريب” وزير الكهرباء الأسبق، أيهم السامرائي، من سجنه، على يد قوّة عسكرية أميركية، بذريعة كونه مواطنا أميركيا، بسبب تهمة فساد كبرى قيل إن مبالغ الفساد فيها وصلت إلى سبعة مليار دولار في حينه،.
ولكن قبل الجنسية وقبل أي شيء آخر، هل برهن هؤلاء على ولائهم للعراق خلال الـ15 عاما الماضية بما يعنيه الولاء من التفاني في العمل والأمانة في حماية المال العام والتضحية بالمصلحة الشخصية مقابل الحفاظ على مصلحة الوطن؟
2 العراق بعد الانسحاب الأميركي من سوريا
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا
في بداية شهر نوفمبر الماضي شنّ تنظيم داعش هجوما عنيفا ومباغتا، على غير العادة، على قوات سوريا الديمقراطية المتواجدة بالقرب من مدينة هجين ضمن محيط محافظة دير الزور. الغريب في الهجوم هو انعدام الدعم الجوي الأميركي للقطعات الأرضية وغياب الرصد والمعلومات المسبقة، وكانت المبررات حينها صعوبة الأحوال الجوية وتشكل الضباب وغزارة الأمطار، رغم أن هذه الأعذار ليست وجيهة في ظل منظومة متقدمة ومتطوّرة يمتلكها سلاح الجو الأميركي.
هناك أكثر من علامة فارقة في العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والولايات المتحدة تدعم الإعلان الرسمي للرئيس دونالد ترامب عن بدء انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وكما يبدو من مضامينه فإن الإعلان استجاب، أولا، لرغبة الرئيس ترامب في تنفيذ وعوده الانتخابية بإعادة المقاتلين وإيقاف نزيف الأموال بما يتفق مع طموحاته الداخلية في ولاية ثانية.
ثانيا، الإعلان عن بدء انسحاب القوات الأميركية من سوريا يفتح المجال لتركيا بالتمدّد لملء الفراغ، مقابل التمدّد الإيراني بعد صمت أميركي على الضربات الجوية التركية لمنطقة سنجار، وما تسبب به ذلك الصمت من قلق في الأوساط السياسية للنظام في العراق، وبما يعنيه الانسحاب من تعجيل للتصريحات التركية بالتصعيد للمواجهة العسكرية مع قوات قسد، وأعنفها ما قاله وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، عن هدم الخنادق ودفن من يتموضع فيها، ولعل صفقة صواريخ “الباتريوت” الأميركية لتركيا كانت المفتاح البديل لفتح مرحلة جديدة من العلاقات، وتدشين مرحلة جديدة أيضا في الحرب على الإرهاب كما يراها ترامب.
روسيا رغم إصرارها المتكرر على عدم شرعية الوجود الأميركي في سوريا إلا إنها لا تثق بجدوى الانسحاب رغم تأييد الرئيس فلاديمير بوتين، لإدراكها أن السياسة تتقدم في مهامها على التواجد في قواعد عسكرية، فالبدائل حاضرة في القواعد الثابتة خارج سوريا أو القواعد المتحركة ونعني بها حاملات الطائرات الجاهزة للتعامل مع متطلبات الصراع على الأرض. لكن مع ذلك فإن روسيا متفهمة ومنسجمة مع الفكرة الأميركية بإعطاء الفرصة للحل في سوريا رغم مفارقة المصالح للثلاثي الروسي – الإيراني – التركي الراعي لمباحثات ومخرجات أستانة وسوتشي.
الولايات المتحدة أقلقت النظام الإيراني بتخلّيها عن حماية قوات سوريا الديمقراطية ما دفع بالرئيس الإيراني حسن روحاني للقيام بزيارة عاجلة لأنقرة انتهت بمؤتمر صحافي وبكلام عام عن الاتفاق على وحدة الأراضي السورية، وهي عبارة لم تكن تستدعي الحضور والتباحث لأنها عبارة مستهلكة في الاجتماعات والمباحثات المتعلقة بسوريا، ما يوحي بعواقب أكثر عمقاً من مجرد الارتياح والخلاص من التواجد الأميركي في قواعده الـ13 المنتشرة في شمال شرق سوريا لغاية قاعدة التنف.
في حالة اشتباك القوات التركية مع قوات قسد بما تمثّله في واجباتها العسكرية كخط صد لمنع قوات تنظيم الدولة، أو على الأقلّ للحدّ من تنقلها من وإلى داخل الحدود العراقية، فالبديل هو التواجد التركي بالتفاهم مع روسيا وإيران، إضافة إلى ما يتبلور من تهديدات قوات سوريا الديمقراطية بإطلاق سراح عناصر داعش المحتجزة لديهم والمقدّرة أعدادهم بـ7 آلاف مقاتل، بينهم ما يقترب من 1300 من غير السوريين مع بعض عوائلهم.
القوات الأميركية بدأت بالانسحاب إلى داخل الحدود العراقية في قاعدتي الأسد والحبانية على أمل الانتشار كذلك في أربيل بالقرب من القوات الخاصة الأميركية المجوقلة. ورغم مدة المئة يوم لإكمال الانسحاب، إلا إنها مدة طويلة قياسا إلى أعداد القوات الأميركية القليلة والتي لا تتجاوز 2000 مقاتل معظمهم بمهام تدريبية ولوجستية وكوادر هندسية لبناء القواعد الإستراتيجية ضمن ظروف حرب العصابات. طول مدة الانسحاب يمكن تفهمها ضمن سياقات تأمين انسحاب منظم للمعدّات والتجهيزات والأفراد ولترك مساحة للمتغيّرات السياسية ومراقبة تطوّرات الوضع في سوريا، وذلك هو مبعث القلق عند إيران أو اهتزاز الثقة عند روسيا.
الانسحاب الأميركي من سوريا ينظر له من جهة أخرى كزيادة عددية للقوّات الأميركية في العراق، عن اكتمال الانسحاب دون إعادة المقاتلين إلى الولايات المتحدة كما جاء في خطاب الرئيس دونالد ترامب، وذلك يمثّل بالنسبة إلى بعض الأحزاب أو الكتل البرلمانية الخاضعة تماما للمشروع الإيراني في العراق بمثابة مأزق لا يمكن تجاهله في ظل العقوبات وتجديدها على نظام الملالي، بل إن هؤلاء يطالبون بتشريع قانون في البرلمان لإخراج القوات الأميركية من العراق، بالتزامن مع خروجها من سوريا.
وهو ما يتصل بما حدث في العراق من تهليل واحتفالات بالذكرى الأولى لدحر تنظيم داعش في الموصل، وقبلها من تكريس للمعارك لأغراض سياسية محلية وإقليمية ودولية تزاحمت فيها الميليشيات المدعومة بفتوى المرجعية، وقانون برلماني لتحقيق تواجد شرعي حالها حال القوات النظامية وتزيد عليها في الصلاحيات، وبما يخصّص لها من أموال ورواتب عدا عن واجهاتها السياسية التي تتحكّم بالعملية السياسية.
إيران بمرشدها وحرسها الثوري تبنّت الانتصار على تنظيم داعش بخدمات الجنرال قاسم سليماني ومن معه. والولايات المتحدة فعلت ذات الشيء في تبنّيها الإعلان عن نهاية داعش، رغم أن التنظيم ورقة تتقاذفها الأهواء من كل الأطراف حتى في الانسحاب الأميركي من سوريا.
الولايات المتحدة ينتابها الإحساس بتمادي عملائها من أحزاب وتحالفات سياسية في العراق على خيانتها لصالح ميول تقليدية وعقائدية لنظام ولاية الفقيه خاصة في تشكيل الرئاسات الثلاث، وذلك ما ستثبته الأيام المقبلة في واقع أي خرق محتمل للحدود السورية العراقية من أفراد تنظيم داعش ومع أي اشتباك تحديدا مع ألوية الحشد الشعبي المكوّنة أساساً من ميليشيات برايات طائفية، عندها يمكن قراءة الصراع بين قوى التطرف بوجهيْ عملة الإرهاب سواء من تنظيم داعش أو من تنظيم الدولة الإيرانية، وسنرى كيف ستجري حرب الوجود أو التخادمات التي قدّمت لنا نماذجها السابقة في الموصل والبصرة.
تبني مبدأ الأسوأ هو إعادة منطقية لتدوير بضاعة الإرهاب واحتلال النواحي والأقضية والمدن في العراق. الاحتمالات تخضع لتهويل بطولة الميليشيات والحديث عن حكمة المرشد خامنئي والشخصيات الموثوق بها إيرانياً في العراق لتسهيل تبذير ميزانية الدولة في خدمة تخفيف أثر العقوبات والتنصّل من تقديم الخدمات أو البدء بإعمار المدن المدمرة.
الميليشيات الإيرانية في العراق صارت دولة، والدولة صارت تقاتل من أجل الإبقاء على الحشد الشعبي، أي على فرع الحرس الثوري في العراق، وكمية الإشادة بالمرجعية المذهبية بتوقيتها الحالي توحي بما يصدر عن مقاعد الميليشيات في برلمان العراق باعتبارها، أي المرجعية، هي التي هزمت قوات الاحتلال الأميركي بدعمها أبطال المقاومة، والمقصود هنا الحشد الشعبي، رغم إن الفتوى صدرت في أعقاب احتلال داعش للموصل، أي في منتصف سنة 2014، بما يهيئ الأذهان إلى مستجدات غاية في الخطورة قد لا نتفاجأ معها بإعلان التعبئة العامة عند أي طارئ يتعلق بالعلاقات الدولية أو الأميركية مع إيران على أرض العراق، ولا يعني بالضرورة الاصطدام المسلّح لأن من ينوب من حرسها الثوري في العراق قابل للتشكيل أو التفكيك، وتلك بعض رهانات الأزمة والحل.
النظام في العراق أعلن قبل أيام عن هجمات وطلعات جوية داخل الأراضي السورية القريبة من الحدود العراقية ومنها منطقة سوسة التي يتواجد فيها مقاتلي تنظيم الدولة، والقصد أن داعش ومقاتليه بعد الآن وتحديداً بعد الانسحاب الأميركي من سوريا لم يعودوا بحاجة إلى طرق ملتوية وزعامات بحجم رئيس الوزراء في عراق 2014، أو قيادات من الصف الأول لتمرير نسخة ثانية من كارثة احتلال الموصل من جهة الغرب، أو كارثة احتلال البصرة من جهة الشرق.
3 الأكراد خاسرون دائمون في لعبة الأمم د. خطار أبودياب العرب بريطانيا
أتى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا متماشيا مع أسلوبه في العزف المنفرد عبر تغريدات تويتر واختزال إدارته بشخصه ما عجل برحيل وزير الدفاع جيمس ماتيس وأربك المستشارين والمؤسسات الأميركية قبل الحلفاء والأصدقاء. من الصعب أن تكون صديقا لواشنطن في زمن ترامب، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالأكراد وهم الذين كانوا ضحية لعنة الجغرافيا والأحلاف المقدسة ضدهم، وقبل كل ذلك ضحية خياراتهم غير المدروسة وانقساماتهم.
إزاء كل التحولات في المشرق والصراعات المحتدمة منذ 2011 في إطار “اللعبة الكبرى” انطلاقا من سوريا، تصور الأكراد أنه حان وقت تصحيح التاريخ وتقسيمات ما بعد الحرب العالمية الأولى من خلال ممارسة حق تقرير المصير وفرض أنفسهم كلاعبين في رسم خارطة سوريا المستقبلية. وظن الأكراد أنهم الرقم الصعب نظرا لدورهم في الحرب ضد تنظيم داعش، لكن رهاناتهم أو حساباتهم لم تصمد أمام “الفوضى التدميرية” على أرض الواقع وتلقوا الضربة الأولى في الاستفتاء في إقليم كردستان العراقي وخسارة كركوك في سبتمبر 2017، وبعد ذلك في خسارة عفرين، جوهرة الشمال السوري. واليوم بعد قرار الانسحاب الأميركي لا تخشى “وحدات الحماية الكردية” (النواة الأساسية لقوات سوريا الديمقراطية) من خسارة الكثير من جغرافيا وجودها وسقوط هدفها بتحقيق سوريا فيدرالية تعددية، لكن هذا التخلي الأميركي والإهمال الروسي يقودان حكما إلى ضرب الحلم الكردي، وعلى الأرجح سيحصل انكفاء عسكري نحو شمال العراق مع كل المخاطر المترتبة على ذلك.
بيد أن التراجع أو الهزيمة في سوريا، وخسارة معركة في العراق، واحتواء الاحتجاج الكردي في إيران وكذلك الضغط السياسي والأمني على المكون الكردي في تركيا، لن يقوض فكرة تقرير المصير لأكبر شعب في العالم من دون دولة.
بين مصالح دولية متناقضة أو متقاطعة، وبين أصوليات قومية تبرز صورة الكردي المطارد من حقبة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر. لكن ذلك لا ينحصر في الأكراد فقط، بل يطول شعوبا بعينها أو مكونات أخرى في المشرق موئل الحضارات والديانات التوحيدية، وإذ بصراع الآلهة وصراعات النفوذ على أنواعها تحول العالم العربي إلى الرجل المريض لهذا القرن كما كانت الإمبراطورية العثمانية قبل قرن.
تتردد مقولة أن لا أصدقاء للأكراد إلا جبالهم وفِي ذلك تبسيط وتهميش لمساراتهم، لأن هناك مسؤوليات ذاتية وقرارات خاطئة في التعويل على الآخرين والتحول إلى أدوات إذا لم يكن هناك من ضمانات أو من استيعاب لتعقيدات اللعبة الإقليمية ومتغيراتها. وربما ما حدا بالجانب الكردي إلى عدم التنبه لرقصة تحالفاته (قيادة جبل قنديل لها صلات مستمرة مع إيران والنظام السوري). يمكن بالطبع لوم الآخرين بدلا من التعلم من الأخطاء والاستمرار في معركة غير محسوبة ضد أنقرة وقدراتها. وتبرز في هذا الحصاد مسؤولية خاصة أخلاقية وسياسية على عاتق واشنطن وحلفائها.
خلال معركة عفرين هلل الغرب للبيشمركة الأكراد الذين لعبوا دور الحلفاء الرئيسيين في المعركة ضد إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية، وركزت وسائل الإعلام الأوروبية على المقاتلات الكرديات وعلى بطولات الأكراد وشجاعتهم وتضحياتهم في مواجهة الجهاديين من سنجار إلى كوباني (عين العرب) والرقة، ووصل الأمر بواشنطن والتحالف الدولي ضد الإرهاب إلى التعويل على وحدات الحماية الكردية لتكون نواة قوات سوريا الديمقراطية في السيطرة على المناطق الحساسة شمال وشرق الفرات في سوريا. لكن كما في منعطف عفرين وبعد حسم معركة “جيب هجين” ضد داعش، سرعان ما أتى قرار ترامب الذي قبل بتأجيله منذ ستة أشهر ومبررا إياه باكتمال الانتصار، وهذا ما لم يحصل بشكل كامل وحاسم، ويذكر ذلك تماما بإعلان سلفه جورج بوش الابن الانتصار في العراق في 10 مايو 2003 ولا يزال العراق حتى الآن في وضع غير مستقر. ويذكر هذا القرار بانسحابات لها تداعياتها وانعكاساتها مثل انسحاب آرييل شارون من غزة في 2005 وانسحاب إيهود باراك من لبنان في العام 2000.
يتساءل أكثر من مراقب عن النتيجة الفعلية للمعركة ضد تنظيم داعش منذ 2014، وهي تسليم العراق وسوريا بشكل أو بآخر للنفوذ الإيراني، مع جوائز ترضية للاعب التركي تحت إشراف القوة الدولية الجديدة في الشرق الأوسط أي روسيا فلاديمير بوتين.
من المبكر القيام بجرد حول الرابحين والخاسرين، ربما شاء ترامب رمي كرة النار ليتلقفها غيره، وما يُحكى عن صفقة مع تركيا غير دقيق لأن هناك ميزان قوى وتنافسا أميركيا – روسيا حول تركيا يستفيد منه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لفرض أجندته. ويتوجب عدم التقليل من أهمية العامل الداخلي الأميركي وشبح “روسيا غيت” المسلط على سيد البيت الأبيض، وربما يكون قراره حيال سوريا وسحب الكثير من القوات من أفغانستان، جزءا من مواجهته مع الكونغرس الذي يعانده من حرب اليمن إلى جدار المكسيك، وفِي خلفية القرارات تنفيذ الوعود الانتخابية قبل حملة جديدة تقترب وتطبيق لاستراتيجية بدأها الرئيس السابق باراك أوباما بالتخلي عن دور “شرطي الشرق الأوسط” والتركيز على آسيا والمحيط الهادئ إلى جانب تحريك خيوط اللعبة والتحكم بها في الشرق الأوسط الكبير عبر أسلحة العقوبات وحروب الوكالة وغيرها.
بالطبع تفقد الولايات المتحدة رافعة كبيرة لتقرير مصير التسوية في سوريا ويمكن لتركيا أن تكسب بعض المناطق في جوارها لأن تغلغلها في شرق الفرات وحتى شمال العراق سيرتبط بالسقفين الروسي والإيراني والمواقف الأوروبية والرقابة الأميركية.
في هذا الخضم المتماوج يخشى اللاعب الكردي الغرق بسبب إعصار ترامب شرق الفرات، ويطوي ذلك صفحة من التاريخ الكردي مع تراجع تياري مسعود البارزاني وعبدالله أوجلان، ويكون هناك رهان على جيل جديد يدير اللعبة بشكل أفضل من أمثال صلاح ديمرتاش القابع في السجن التركي وهو المعارض التركي الأول، وكذلك مع شباب كردي أخذ يفهم العالم بشكل أفضل.
4 يهود العراق يعيشون الحرب والحصار وليد الزبيدي الوطن العمانية
عاش أفراد الطائفة اليهودية في العراق أجواء الحرب، خلال الثمانينيات، وتعرضوا للحصار منذ عام 1990 شأنهم شأن الآخرين، وعمدت اللجنة الإدارية للطائفة إلى تقديم خدمات لليهود العراقيين، تتضمن تقديم المواد الغذائية، بما فيها اللحوم والدجاج بأسعار مدعومة، ومساعدة المرضى، ودفع مصاريف الأدوية والاحتياجات الأخرى، كما تقدم التكاليف الخاصة بالجنازة لمن يتوفاه الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى الدفن الذي يتم في مقبرة اليهود الواقعة في منطقة الحبيبية بجانب الرصافة في بغداد، وتم تخصيص هذه المقبرة منذ قيام جمهورية العراق عام 1958، ويذكر للكاتب رئيس اللجنة الإدارية للطائفة، أن هذه المقبرة تضم الكثير من اليهود العراقيين، وتم نقل رفات الكثيرين من المقبرة السابقة التي كانت في منطقة النهضة، إذ تم السماح بنقل الرفات إلى المقبرة الجديدة في الحبيبية، ومن الشخصيات المعروفة التي دفنت في مقبرة الحبيبية، ساسون خضوري والمهندس جميل دبي والحاخام اسحق، الذي يعد آخر حاخام ليهود العراق وقد توفى عام 1995.
يقول توفيق سوفير: بعد رحيل الحاخام اسحق عام 1995م لم يبقَ رجل دين يهودي في العراق، يمكن العودة إليه في المسائل الدينية التي تستدعي ذلك، وذكر أن الطائفة تضطر إلى الكتابة إلى المرجع الديني اليهودي في دمشق، عندما تكون هناك حاجة إلى ذلك، وخصوصا في مسائل الطلاق.
وهناك بعض المعلومات المهمة، لا بد من الإشارة إليها، في سياق الحديث عن حياة اليهود العراقيين خلال العقدين الماضيين، فيذكر صالح عزرا، أن آخر ولادة لطفل يهودي حصلت عام 1989م، ويشير رئيس اللجنة الإدارية للطائفة إلى أن هناك عدة أسباب تقف وراء تناقص أعداد أعضاء الطائفة، ومن أهمها، الوفيات الطبيعية التي تحصل، خصوصا أن الكثير من اليهود الموجودين من كبار السن، إضافة إلى سفر البعض، إذ إن السفر غير ممنوع، ولليهودي العراقي الحق بالسفر متى شاء، وهو حر بالعودة أو البقاء في الخارج.
ويتوزع المشهد اليومي لحياة أعضاء الطائفة على عدة مهن يمارسها بعض منهم، ومن أبرز الوجوه المعروفة، رئيس اللجنة الإدارية وأعضاء اللجنة والآنسة مارسيه داود التي تعمل محاسبة في مقر الطائفة، ومن الشخصيات الأخرى، المحامي المعروف نعيم شاؤول الشهرباني وهو كبير في السن، والطبيب ظافر فؤاد، وهو جراح كسور معروف، ويعمل في مستشفى حكومي، وشقيقته الطبيبة خالدة فؤاد وهي طبيبة أسنان، تعمل في مستشفى حكومي أيضا، ووالدتهما فيوليت شاؤول طبيبة متقاعدة ويعقوب نعيم شهرباني، وهو خريج جامعة بغداد ويعمل حاليا صائغا، وصبيحة خليل عطية، والمهندس شاؤول ساسون، حاصل على شهادة الماجستير يعمل خبيرا فنيا في الشركة العامة للإسمنت الحكومية.
وتُعد كنيس (ميئير طويق) التي بنيت سنة 1942 والواقعة في منطقة البتاوين بجانب الرصافة من بغداد المكان الذي يؤدي فيه أعضاء الطائفة صلاتهم كل يوم سبت، ويكون موعد الصلاة مع أذان صلاة المسلمين، فجرا وعصرا، ويتواجد في الكنيس توفيق سوفير (مواليد 1914 بغداد) وهو أكبر أفراد الجالية سنا، يقول: تتم صلاة أعضاء الطائفة اليهودية في الكنيس، بعد أن كان في بغداد 75 كنيسا تؤدى فيه الصلاة ويتألف مبنى الكنيس من طابقين، الأعلى مخصص لصلاة النساء، والأرضي لصلاة الرجال.
لكن الذي حصل بعد الغزو الأميركي والفوضى التي عمّت العراق غادر الغالبية العظمى من يهود العراق، وتقول المعلومات المتوفرة إنه في عام 2003 بقي سبعة منهم فقط في بغداد.