1 طلاسم دول الجماعات الإرهابية في المنطقة
فاروق يوسف العرب بريطانيا
ما يجري في أجزاء من العالم العربي يمكن تلخيصه في الواقع بأن جماعات الإسلام السياسي صارت تتحدث باسم الشعوب، بعد أن خطفتها وأخرستها وهيمنت على مصائرها وفرضت عليها وجودها الشاذ وسلاحها غير القانوني في ظل صمت دولي مريب.
لا يزال جرحا سوريا والعراق مفتوحين على الكثير من الألغاز.
ففي العراق استلم الحشد الشعبي الراية من تنظيم داعش الذي هُزم في ظل مشاركة جوية أميركية كان لها الدور الأكبر في حسم المعارك التي ربحها الحشد الشعبي. وفي سوريا اتخذت جبهة النصرة اسم هيئة تحرير الشام بعد أن تعرضت لهزائم ساحقة فلاذت بـ”إدلب” ملجأ أخيرا آمنا، مع ضمان استمرار التمويل الخارجي الذي جرى الاعتراف به علنا.
لا حكومة بغداد ولا حكومة دمشق في إمكانهما أن تستأنفا حياة السكان المدنيين من لحظة الصفر التي تغيب فيها الجماعات الظلامية التي لا يصدق أحد أن زمن غيابهما سيطول.
لقد انزلقت الحياة إلى موقع، صار أمرا طبيعيا فيه أن لا تكون الدولة موجودة وليس لقوانينها من تأثير على سبل العيش. لذلك استعادت أنظمة ما قبل الدولة، وفي مقدمتها العشائرية، نفوذها القوي.
ذلك يعني أن الخروج من زمن الجماعات الإرهابية المسلحة لا يعني بالضرورة العودة إلى زمن الدولة الحديثة.
العودة الميسرة إنما تجري إلى زمن ما قبل الدولة الحديثة. وهو زمن يفقد فيه المواطنون مقومات وعناصر مواطنتهم ليتحولوا إلى أفراد في تجمعات قطيعية يقودها، في الغالب، فرد أو مجموعة قليلة من الأفراد الذين يمسكون بأيديهم خيوط المصائر التي صارت معلقة في الهواء.
في ذلك السياق يمكن النظر إلى ظواهر من نوع حركة حماس في غزة، أو حزب الله في لبنان، أو جماعة الحوثي في اليمن، كونها تنظيمات فئوية ضربت عرض الحائط بمفهوم الدولة الشرعية، لتحل محلها رافعة شعارات دينية هي في حقيقتها مجموعة منتقاة من تراخيص العمل الشعبوي التي تجيز لها الاستيلاء باسم شرعية ملفقة على كل ما كانت الدولة تعنيه من صفات.
اليوم لدينا دولة حماس التي لا تمتّ بصلة إلى المشروع الفلسطيني، بالرغم من أنها تتاجر بأكثر من مليون نسمة من الفلسطينيين تبتز بهم العالم حين تشعر بالحاجة إلى ذلك.
هناك أيضا دولة حزب الله التي هي في طريقها إلى الاستيلاء على لبنان كاملا، حالمة بأن ترفع عَلَمها على الموانئ والمطارات والمباني الرسمية، في انتظار رفعه في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهناك دولة الحوثيين التي صارت بمثابة اليمن الأخرى التي تُستدْعَى إلى السويد للتفاوض مع حكومة اليمن التي تمثل الدولة الشرعية ليتم التوصل وبرعاية دولية إلى صيغة الدولة في إطارها الجديد.
تلك الظواهر التي باتت كما لو أنها نجحت في تكريس واقعها، إنما يهدد التعامل معها انطلاقا من ذلك الواقع مفهوم الدولة الحديثة، وهو ما يضع الشعوب في مواجهة مصير أقل ما يُقال في وصفه أنه محكوم بالفشل.
وهو ما ترغب في حدوثه تلك التنظيمات الإرهابية التي تقوم علاقتها بالشعب على أساس القمع الذي تمارسه، إما بشكل مباشر أو عن طريق غسل العقول، حين تستسلم الشعوب لقَدَرها.
ومن المؤسف أن النظام السياسي العربي تأخر كثيرا في معالجة تلك الظواهر التي تمت رعايتها من قبل نظام الملالي في إيران.
غير أن ما حدث خطأً لا يعطي مسوّغا للمجتمع الدولي للتعامل مع تلك التنظيمات على أساس كونها تمثل شعبا ما. فهي أولا جماعات عقائدية تابعة للنظام الإيراني، ممولها الرئيس وصانع عقيدتها، وهي ثانيا ليست جزءا من التركيبة السياسية الطبيعية للبلد التي تتحكم بشعبه، وثالثا فإن تلك التنظيمات استغلت ضعف الدولة وهشاشتها لتقيم دولتها التي هي دولة عقائدية لا تمت بصلة إلى مفهوم الدولة الحديثة.
الغريب فعلا أن المجتمع الدولي الذي غضب يوم أقام الدواعش دولتهم وسارع إلى محوها يظهر رضاه عن دولة الحوثيين ويغض النظر عن دولتي حزب الله وحماس. وهو لغز صار على الشعوب المبتلاة بشرور التنظيمات الإرهابية أن تفك طلاسمه لتكون على بينة من أمرها.
2 قنابل شيعية تنفجر في وجه إيران
د. باهرة الشيخلي
العرب بريطانيا
رغم أن النفوذ الإيراني تراجع داخل الوسط الشيعي العراقي، في تغير جذري لاتجاهات الشارع العراقي، الذي تحول إلى رفع شعارات احتجاجية ضد هيمنة نظام الولي الفقيه على العراق، كما أظهرت ذلك نتائج استطلاعات رأي حديثة نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية، إلا أن ثوابت ذلك النفوذ مازالت قائمة طبقا للواقع.
النفوذ المادي الذي تمثله اختراقات الحدود اليومية مستمر، ومظلة حماية الأحزاب الدينية لم ترفع، كما يمكن تلمس أن العملية السياسية مرتهنة للقرار الإيراني، ولم يتسنَّ ترشيح الرئاسات الثلاث إلا بعد موافقة طهران عبر سفيرها في بغداد، والميليشيات مازالت تصول وتجول مدعومة من طهران ومنفذة لأجندتها، فضلا عن أنه يمكن ملاحظة اتساع رقعة النفوذ الإيراني من خلال الأعداد الهائلة من المؤسسات والشركات وأغطيتها ومراكز الاستخبارات، واستخبارات الحشد الشعبي بقيادة “اطلاعات الإيرانية” وسيطرتها المعلوماتية على العراق بالتمام.
من ذلك يتبين أن لا مؤشر واحدا على تقلص النفوذ الإيراني في العراق، لكن صوت الرأي العام هو الذي أصبح مسموعا في رفض الهيمنة الإيرانية، ولا سيما في مناطق البصرة والجنوب، وهو رفض شديد وصريح بعد أن كان معتما عليه بشدة، وهذا الرفض الشعبي يتصاعد مقابل التوسع الحكومي.
وحسب الرئيس التنفيذي لمركز المستقلة للأبحاث في بغداد منقذ داغر، فإنه “في حين يتعامل العديد من المحللين مع النفوذ الإيراني على أنه إحدى الحقائق الطبيعية، فإن أدلة مستقاة من استطلاع جديد للرأي العام تظهر أن شهر العسل الإيراني مع الشيعة العراقيين يتلاشى بسرعة”.
ويمكن تلمس تغييرات جذرية حقيقية في موقف الشيعة العراقيين، من خلال نتائج الدراسات الاستقصائية الأخيرة للصحيفة الأميركية نفسها كشفت عن انخفاض نسبة الشيعة العراقيين الذين لديهم مواقف موالية لإيران من 88 في المئة سنة 2015 إلى 47 في المئة في خريف عام 2018، وخلال المدة نفسها ارتفعت نسبة من لديهم مواقف مناهضة تجاه إيران من 6 في المئة إلى 51 في المئة مما يعني أن غالبية الشيعة العراقيين لديهم الآن مواقف سلبية تجاه إيران.
يحمّل الشيعة العراقيون بعد احتلال بلدهم، إيران مسؤولية بؤسهم على المستوى السياسي، فقد كانت إيران الداعم الرئيسي لجميع الحكومات التي تشكلت منذ 2006، والتي تسيطر عليها الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران بصفة كاملة، وقد فشلت تلك الحكومات في توفير مستوى معيشة لائق بهم، بنحو عام، وبالمناطق الشيعية على وجه الخصوص، وقد بدأ تذمر شيعة العراق من النفوذ الإيراني مبكرا لكن الحكومات المدعومة من إيران وميليشياتها المسلحة ورجال الدين المرتبطين بإيران نجحوا في التعتيم على هذا التذمر، حتى تفجرت احتجاجات جنوب العراق ذي الغالبية الشيعية، وبلغت حد إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة ومهاجمة مظاهر هذا النفوذ في كربلاء والنجف وبقية المدن، وقد شاهد العالم كيف مزق الشيعة صور الخميني وخامنئي والرموز الإيرانية، واستهدفوا مقرات الأحزاب والميليشيات المرتبطة بإيران في تلك المدن، وكانت احتجاجات الشيعة من القوة بحيث فشلت كل محاولات التعتيم عليها.
واستشعر شيعة العراق أن إيران تؤذي اقتصاد بلدهم وأن هذا الأذى بات يؤثر على حياتهم اليومية، فقد استخدمت العراق سبيلا لتجاوز العقوبات الاقتصادية، التي أعادت واشنطن فرضها على طهران، وأغرقت الأسواق العراقية ببضائعها، خاصة في المناطق الشيعية القريبة من الحدود بين البلدين، وهي منتجات رخيصة ورديئة، حتى بات العراقيون يصفون بلدهم بأنه أصبح مكب نفايات لإيران، ما أثر سلبا على الاقتصاد المحلي، وتسبب في تدمير المشروعات الإنتاجية العراقية الصغيرة والمتوسطة في مجالي الزراعة والصناعة، وتوقف أكبر مجمع للبتروكيماويات في البصرة، وامتناع أصحاب الآلاف من مزارع الطماطم في البصرة والنجف، عن الإنتاج بسبب هذه المنافسة غير المشروعة.
وكان الضرر الذي لحق بالعراق جراء قطع إيران تدفق الأنهار التي توفر المياه النظيفة للعراق، قد أدى إلى نقص كبير في المياه الصالحة للشرب في جنوب البلاد الذي يغلب عليه الشيعة، وفجر احتجاجات شيعية وعراقية واسعة ضد إيران والحكومات المرتبطة بها.
إيران فشلت في ترسيخ نفوذها الذي يتآكل الآن في العراق بفعل وعي العراقيين، وسياستها وممارساتها في العراق التي أنتجت قنابل شيعية عراقية انفجرت في وجهها، وهناك أخرى ستنفجر نتيجة تردي حياة العراقيين وسوء معيشتهم بعد تدمير الصناعة والزراعة العراقيتين لصالح ضخ المنتجات الزراعية والصناعية الإيرانية الرديئة، ونتيجة سرقات السياسيين التي أفرغت خزينة العراق، والأهم من ذلك شعور العراقيين أن كرامة بلدهم وسيادته وقراره قد صادرتها إيران.
3 من الذي يحكم العراق الآن ؟
صباح علي الشاهر
رأي اليوم بريطانيا
ليست مجرد أكاذيب ومغالطات إنها سياسة مُخطط لها، رسم تفاصيلها المُحتل، ونفذها الأذناب الذين جاء بهم، والذين إلتحقوا بركبهم، ونسج على منوالها المغفلون، القول بأن : الشيعة يحكمون العراق !
لم يسأل مرددوا هذه الفرية عن حقيقة من يحكم العراق، وهل يحكمه الشيعة فعلاً ؟
إلى من ينتمي رئيس الجمهورية، ورئيس البرلمان، ووزير التربية، ووزير التخطيط، ووزير الدفاع، ووزير الثقافة، ووزير الكهرباء، وغيرهم من الوزراء، وكيف يتشكل البرلمان وأجهزة الأمن والشرطة، والتشكيلات غير المرتبطة بالسلطة التنفيذية قولاً، لا فعلاً ؟
ومن هم على رأس السلطة في المحافظات ذات الأغلبية السنية، ومم تتشكل حكومة كردستان، ومن يقود محافظاتها الثلاث، ومن على رأس بيشمركتها الكرد، والكرد فقط؟
سيقول قائل : كل هذه المناصب شكلية، المنصب الحقيقي الفعلي هو منصب رئيس الوزراء، الذي هو بنفس الوقت القائد العام للقوات المسلحة ؟
هذا كلام صحيح، إلى حد ما، ولكن طالما ظل البعض ينظر للأمور بمنظار طائفي أو عنصري، وطالما إعتمدتم صناديق الإنتخاب، فأن هذا المنصب سيظل من حصة العنصر والطائفة الأكثر عدداً، إلا إذا إرتأيتم طريقاً آخر، ألا وهو الإنقلاب، الذي أصبح متعذراً في الوقت الحالي، أو الإنفصال، الذي سيتبعه إنفصالات بلا حصر ولا عد .
وزعموا أن حكم الشيعة حكم فساد وإفساد، والحال أن الحكم الذي جاء به المحتل، كان ومازال وسيبقى حكم فساد وإفساد، ويتساوى في الفساد والإفساد الشيعة والسنة والكرد، وبقية الأقليات المشتركة فيما يسمى بالعملية السياسية، وهي عملية نهب بلا حدود، رسمت بذكاء سيجعلنا نلف وندور كثور الناعور .
الطائفيون المكشوفون، والمستترون تحت غطاء اليسارية أو القومية أو الوطنية، يزعمون أن الشيعة غير مؤهلين للحكم، وأن تجربة السنوات ما بعد الاحتلال تؤكد هذا !
ترى ماذ عن فساد الساسة السنة، الذين يبيعون ويشترون علناً المناصب الوزارية، وحتى عضوية البرلمان، وماذا عن فساد وزراء التربية، والكهرباء، وبقية الوزارات، وهو فساد لا يقل عن فساد بقية الوزارات التي يحتلها الشيعة إن لم يزيد ؟ وماذا عن فساد حكومة إقليم كردستان، وإحتكار الهيمنة والنهب من قبل الحزبيين الكرديين؟
ثم كيف يكون وطنياً أو قوميا، أو تقدميا، من يزعم أن أغلبية الشعب العراقي المتمثلين بالشيعة غير مؤهلين للحكم لأنهم جهلة وفاسدين، والحال أن “زبالة” الشيعة مثلما “زبالة” السنة والكرد هم من يحكمون، وليس ثمة من “زبالة” أوسخ من “زبالة” من يتعاون مع المحتل على إحتلال بلاده، ويساهم في هذا الإحتلال .
ويقولون لك لا نأمنن على الديمقراطية في ظل المليشيات الشيعية، وهذا كلام حق يراد به باطل، فمن جهة لا ديمقراطية في ظل السلاح المنفلت والعصابات المنظمة، ليس هذا فقط، بل لا ديمقراطية في ظل عدم المساواة بين إبن الفلاح وإبن المرجعية، بين إبن العامل وإبن السيد، أو الشيخ، أو الملّه، ليس المساواة على الورق، بل المساواة الفعلية، فليس من المعقول أنك تُقبّل يد صبي، ثم لا تنتخبه أو تنتخب من يمثله عندما تتوجه لصندوق الإقتراع، وتقبل عجلات سيارة السيد، ولا تنتخب من يطالبك بإنتخابه. المساواة تستلزم إبطال سطوة المال السياسي، ونفوذ العوائل، والعشائر، والقوى المتغولة، والعمل على جعل المواطن حراً عندما يدلو بصوته .
الغريب أن هؤلاء الذين يسمون الحشد الذي هزم أكثر التنظيمات إرهاباً بالمليشيات، سموا الزرقاوي والقاعدة وداعش ثواراً، ينتصرون لمظلومية الطائفة المهمشة، وطالما أنت غير منصف أخي السني فإن أخوك الشيعي سيظل يتحذر منك، وسيدافع عن ميليشياته التي تحمية، وقد حمته فعلاً، وطالما أنت أخي الشيعي غير منصف، وغير عادل، ومحتكر لقرار البلد الذي يشاركك فيه الآخر من أبناء الوطن، فأن أخوك السني سيلوذ ويحتمي بأي مصيبة يضعوها أمامه حتى لو أدت هذه المصيبة إلى إحراق بيته بمن فيه .
لقد وضعوا قطارنا على السكة الخطأ، ولا خيار لنا إلا بتغيير هذه السكة وإتجاهها، وليس بتغيير القطار، فالقار قطارنا، وهو الذي يظلنا جميعاً ويأخذنا إلى ضفاف المستقبل الذي نريده سعيداً ومشرقاً لنا جميعاً كعراقيين، عراقيين لا سنة ولا وشيعة ولا كرد ولا مسيحين، عراقيين وعراقيين وحسب .
إذا لم نحدد بشكل واضح، وصارم، من يحكم العراق الآن فعلاً، فإننا نكون كمن يسير على عماه، بلا هداية، ولا دراية، تماماً مثل ذاك الذي يحارب طواحين الهواء، أو ذاك الذي يحسب السراب ماءا وسط ظمأ الصحراء .
4 رسالة برهم صالح عريب الرنتاوي الدستور الاردنية
من طهران، أطلق الرئيس العراقي المنتخب حديثاً، دعوة لجعل العراق ساحة تلاقٍ وليس منصة للصراع بين إيران والولايات المتحدة … هو إذن، يسعى في تبني وتطوير نظرية «النأي بالنفس» التي أطلقها اللبنانيون مع اندلاع الأزمة السورية … الرسالة مهمة لسببين اثنين: الأول؛ ويتعلق بمكان إطلاقها إلى جانب الرئيس روحاني في المؤتمر الصحفي المشترك … والثاني؛ الزمان، مع بدء تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على طهران، ودخول الصراع الإيراني – الأمريكي مرحلة جديدة من الاحتدام والتوتر.
برهم صالح، سليل مدرستين في السياسة العراقية … فهو من جهة تلميذ نجيب في مدرسة «مام جلال» التي عرفت باعتدالها وانفتاح على العرب وعلاقاتها الطبيعية أو حتى الجيدة مع الإيرانيين … لكنه من جهة ثانية، معروف بعلاقاتها الوثيقة مع واشنطن، شأنه في ذلك شأن سياسيين عراقيين كثر … وهو وإن كان اختلف وتمايز عن الاتحاد الوطني بعد رحيل مؤسسه جلال الطالباني، إلا أن ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية وفوزه الواضح فيه، يعكس لحظة التقاء التوازناتوانعقادها، حول شخصية عراقية، من المتوقع أن تعطي المنصب البروتوكولي زخماً إضافياً.
لكن دعوة صالح تثير الكثير من الأسئلة والتساؤلات والشكوك، حول جديتها وقدرة صاحبها ومن يؤيدونه في مسعاه، على ترجمتها ونقلها إلى حيز التنفيذ: هل ترغب واشنطن للعراق أن يقوم بهذا الدور، أم أنها ستجعل منه ساحة لتصفية الصراع مع عدوتها الأولى في المنطقة: إيران؟ … والثاني: هل ترغب إيران، للعراق أن يلعب هذا الدور، وهي التي تعتقد أنها تلعب فوق أرضية صلبة في بلاد الرافدين، ولديها من أوراق القوة فيها، ما يفوق – ربما – ما لدى واشنطن؟ … وهل ترغب عواصم الإقليم، خصوصاً العربية المشتبكة مع إيران، أن ينهض العراق بهذا الدور، وهي التي لا تنفك مؤخراً عن التعبير عن «حنينها» للعراق – القديم، الذي لعب دور «السدّ» في مواجهة التمدد الإيراني، مع إنها أسهمت مباشرة في تهديم هذا السدّ، ويسرت للولايات المتحدة فرصة تفكيك الدولة والجيش والمؤسسات العراقية؟
في العراق، ثمة من يجادل بسقوط «نظرية السدّ»، وعدم واقعية رهانات بعض العرب على دور عراقي فاعل في مواجهة إيران … إيران بنت لنفسها منازل كثيرة في العراق، ونفوذها الظاهر والمخفي فيه، أكبر من أن يجري اختزاله أو احتواؤه … وفي العراق، حيث تختلف الطبقة السياسية حول كل شيء تقريباً، بيد أنها تتفق على الحاجة لتحييد إيران والإبقاء على علاقات معها، أقله في المستوى الطبيعي… وفي ظني أن مثل هذه الخلاصة صحيحة تماماً.
وفي العراق، ثمة من يجادل بأن واشنطن ليست بوارد تحويل العراق إلى منصة لـ»تسوية الحساب» مع إيران، ويستدلون على ذلك بإحجام واشنطن عن طرح فكرة «حل الحشد الشعبي»، برغم مرور ما يقرب من عام على هزيمة داعش في العراق … ويعلل أصحاب هذه المدرسة موقفهم بالقول: إن واشنطن ما زالت تخشى خطر عودة «داعش» من جهة، وتريد أن تحتفظ بوجود عسكري مستدام، أو طويل الأمد في العراق من جهة ثانية.
لكن في المقابل، ثمة شواهد على أن واشنطن لا تكف عن ممارسة الضغوط على العراق لدفعه للتخندق وراءها في مواجهة إيران… منها إعطاء العراق مهلاً قصيرة زمنياً للالتزام بنظام العقوبات الصارم الذي فرضته على طهران، بما لا ينسجم مع رسالة برهم صالح حول «ساحة التلاقي»، ومنها الاحتكاك الذي يزداد خطورة بين الحشد الشعبي والقوات الأمريكية، ومؤخراً حول قادة «G 3»، ومنها تعميم البنك المركزي على البنوك العراقي لتحذيرها من مغبة التعامل بالدولار مع البنوك الأمريكية، وثمة شواهد أخرى، وأحياناً متناقضة، تجعل الجزم بالوجهة التي تريد واشنطن للعراق أن يسلكها أمراً صعباً.
في ظني، وبصرف عن مآلات رسالة صالح التصالحية، إلا أنها رسالة تستحق الاهتمام والتقدير، وتستحق أن يُنظر إليها جدياً من قبل مختلف أولوان الطيف السياسي والاجتماعي العراقي، فالمنطقة بحاجة للعراق كجسر للحوار والتواصل والالتقاء، بعد أن سقطت نظرية «السدّ» و»الحاجز».