بقيت الخلافات بين ميليشيا “حزب الله” العراقي، وميليشيا “عصائب أهل الحق” التي يتزعمها المنشق عن التيار الصدري قيس الخزعلي تَدور في الخفاء، إلى أن بدأت تخرج الى العلن أخيراً بطريقة غير مباشرة، في ضوء محاولة كل منهما فرض نفوذها وهيمنتها على الأخرى، داخل العراق.
لدى ميليشيا “عصائب أهل الحق” تمثيل نيابي يضم 14 مقعداً، يدافع عنها في الوسط السياسي، بالإضافة الى محطات فضائية ومواقع إخبارية وجيوش إلكترونية، مكلفة بتجميل تحركات الميليشيا العسكرية ونقل نشاطات النواب التابعين لها. ولديها أيضاً مشاريع اقتصادية خاصة بها، وحتى مطاعم وفنادق فاخرة.
وفي المقابل، تُعرف ميلشيا “كتائب حزب الله” العراقي بأنها الأقوى والأشد خطراً في البلاد، لما تملكه من منظومات تجسّس على المسؤولين العراقيين والناشطين والإعلاميين، فضلاً عن فِرق اغتيالات كبيرة، ناهيك عن الهيمنة الاقتصادية على هيئة “الحشد الشعبي” والمشاريع الاستثمارية الكبرى. كما تملك قنوات إعلامية وجيوشاً إلكترونية.
وقد بدأت أولى خطوات الخلاف، بعد تعيين القيادي البارز في “حزب الله” عبد العزيز المحمداوي المعروف أيضا بلقب “أبو فدك” أو “الخال”، خلفاً لنائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس.
وكان الجيش الأميركي قد نفّذ عملية اغتيال، بضربة صاروخية قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من كانون الثاني (يناير) عام 2020، أسفرت عن مقتل أبو مهدي المهندس، وقائد “فيلق القدس” الإيراني السابق قاسم سليماني.
وكان سليماني يعتبر بحسب مصادر سياسية عراقية، ضابط الإيقاع لدى الميلشيات العراقية، واغتياله تسبب بانقسامات وخلافات وسَط الجماعات المسلحة المقرّبة من إيران.
وتضيف المصادر لـ “النهار العربي” أنه “عندما تَسلّم عبد العزيز المحمداوي منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، قام بتقليص المساحة المالية للعصائب داخل الهيئة”، موضحة أنه “لدى العصائب أسماء فضائية تأخذ من خلالها رواتب مالية كبيرة، من أجل تمويل قطاعاتها الإعلامية الخاصة”.
ويشير إلى أن “زعيم العصائب قيس الخزعلي، الذي يحاول أن يُسوّق نفسه كزعيم للمقاومة العراقية أبلغ أبو فدك عبر وسطاء من هيئة الحشد الشعبي بعدم المساس بحصة الحركة المالية داخل الهيئة، إلا أن ذلك لم ينفع معه”.
وخَصصت موازنة العراق لعام 2021، أكثر من (2.4 ترليون دينار) لنفقات هيئة “الحشد الشعبي” العراقية، التي تضم ميليشيات مدعومة من إيران، مثل: “ميليشيات بدر”، و”عصائب أهل الحق”، و”حزب الله”، و”النجباء”، و”كتائب سيد الشهداء”، وجماعات أخرى.
وقد سرّبت مواقع إخبارية تابعة للعصائب، وثيقةً تُفيد عن تكليف أبو فدك نجل وزير الدفاع بمهام آمر فوجٍ في “الحشد الشعبي”، مما أثار غضب قيادات في “العصائب”، حيث قال القيادي في الحركة جواد الطليباوي في تدوينة له إن “قرارك بتعيين إبن مَن اتهم “الحشد” بأن دوره كان ثانوياً في تحرير العراق من “داعش”، وبأن قوته لا تمثل شيئاً وليست أكثر من أربعين سيارة تحمل أحادية، هو قرار يُمكن أن يَصدر عن سياسي يُجامل الفاسدين على حساب مصالح الشعب، وليس من مجاهد له تاريخ مثل تاريخك، ويتحمّل مسؤولية مثل مسؤوليتك”.
وأكدت المصادر المطلعة في حديثها عن تفاصيل الخلاف أن “الحرس الثوري” الإيراني بات لا يثق كثيراً بميلشيا “عصائب أهل الحق”، وخاصة بزعيمها الخزعلي، “لذلك، فإن إيران بدأت تجرُّ بساط الدعم عن تلك الحركة، والاعتماد على حزب الله العراقي وميلشيات أخرى صغيرة فقط”.
وأشارت المصادر العليمة الى عملية “اعتقال” حامد الجزائري، الذي يتزعم ميليشيا “سرايا الخرساني” الموالية لإيران في بغداد مع 15 من أتباعه، من “قِبل قوة خاصة تابعة لأمن “الحشد الشعبي” التي يسيطر عليها عناصر من “حزب الله” العراقي، مبينةً أن ” القوة الأمنية في “الحشد” كشفت قبل اعتقال الجزائري، عن إجراء اتصالات سرّية مع الجانب الأميركي بهدف رفع العقوبات الاقتصادية عن أمواله المجمّدة في المصارف، الأمر الذي أقلق طهران والجَماعات المقرّبة منها.