صحف عربية : مشاركة قوية في انتخابات العراق رغم مقاطعة التيار الصدري

العراق ينتخب

أعلنت المفوضية المستقلة للانتخابات في العراق ارتفاع نسبة المشاركة في التصويت بعكس التوقعات لتبلغ رقما قياسيا، في ظل تنافس سياسي محتدم وتحديات جيوسياسية تواجه الحكومة المقبلة.

تم إغلاق المراكز الانتخابية في العراق أبوابها مساء اليوم الثلاثاء (11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، بعد انتهاء عملية الاقتراع الإلكتروني في الانتخابات التشريعية.

وكانت المراكز قد استقبلت الناخبين على مدار 12 ساعة في مختلف أنحاء البلاد، حيث سجلت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، في تقرير منتصف النهار، نسبة مشاركة تجاوزت 23 بالمئة. لكنها عادت بعد إغلاق صناديق الاقتراع وعدلت نسبة المشاركة.

إذ تجاوزت نسبة المشاركة 55%، حسبما أعلنت مساء الثلاثاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وذلك في زيادة ملحوظة عن النسبة المتدنيّة المسجّلة في الاقتراع الأخير في العام 2021. وأوردت المفوضية في بيان “إن عدد المصوتين الكلّي ليومَي الاقتراع العام والخاص قد بلغ تقريبا 12,003,143 من أصل 21,404,291 ناخبا، وعليه فإن نسبة التصويت تتجاوز 55%”.

وبهذا تزيد نسبة المشاركة كثيرا عن نسبة 41 % المسجّلة في الانتخابات الأخيرة عام 2021، رغم مقاطعة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للانتخابات هذه السنة.

يُذكر أن إجمالي عدد الناخبين في التصويت العام بلغ 20 مليونا و63 ألفا و773 ناخبا موزعين على 18 محافظة عراقية.

وجرت الانتخابات التشريعية السادسة منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وسط استقرار نسبي يشهده العراق الغني بالموارد النفطية، بعد عقود من نزاعات قضت على بنيته التحتية وتركت فسادا مستشريا.

وبهذا تزيد نسبة المشاركة كثيرا عن نسبة 41% المسجّلة في الانتخابات الأخيرة عام 2021، رغم مقاطعة مقتدى الصدر للانتخابات هذه السنة وتعبير الكثير من العراقيين عن إحباطهم من إمكانية أن تُحدث الانتخابات تغييرا حقيقيا في حياتهم في ظلّ عدم بروز أسماء جديدة متنافسة.

ويرى المحلل السياسي حمزة حداد أن نسبة المشاركة هذا العام “خطوة إيجابية بالنسبة للعراق”، معتبرا أنها تُظهر أن “تأثير الصدر يقتصر فعليا على أنصاره”. ويضيف: “هذا يعني أنه لا يمكن لأي زعيم سياسي أن يوقف الانتخابات الديموقراطية في العراق”.

ومن المتوقع أن تبدأ فرق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عملية العد والفرز الأولية لصناديق الاقتراع، للتحقق من نسب المشاركة ومطابقتها مع الأوراق الانتخابية، وتسليم ممثلي ووكلاء الكيانات والأحزاب تقارير مفصلة عن معدلات التصويت. وقد سارت عملية الاقتراع دون تسجيل أي حوادث تُذكر في المراكز الانتخابية.

تداعيات جيوسياسية

ويتوقع أن تُعلن النتائج الأولية خلال 24 ساعة من إغلاق المراكز. وتنافس أكثر من 7740 مرشحا، نحو ثلثهم من النساء، معظمهم ضمن تحالفات وأحزاب سياسية كبيرة، بينما شارك 75 مستقلًا فقط هذا العام، على 329 مقعدًا لتمثيل أكثر من 46 مليون نسمة.

وتبقى الانتخابات بوابة لاختيار رئيس جديد للجمهورية، وهو منصب رمزي إلى حد كبير مخصص للأكراد، وكذلك لتسمية رئيس جديد للوزراء، وهما عمليتان تتمان عادة عبر التوافق السياسي وقد تستغرقان شهورا.

ويتوقع محللون أن يحقق ائتلاف الإعمار والتنمية، الذي يقوده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، نتائج جيدة، دون أن يعني ذلك بالضرورة عودته إلى منصبه.

وفي تعليقها، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الانتخابات الحالية تحمل تداعيات جيوسياسية خطيرة. وأضافت أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “تُصر على أن تتولى الحكومة المقبلة المهمة الصعبة المتمثلة في نزع سلاح الميليشيات القوية المدعومة من إيران”.

وأشارت الصحيفةإلى أن كلا من واشنطن و طهران “تسعيان إلى ضمان نفوذهما على الحكومة المقبلة” في العراق.

انتهت الانتخابات السابقة، التي شهدت أدنى نسبة مشاركة (41%) في عام 2021، بفوز كتلة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد (73 مقعدا)، لكنه انسحب لاحقا بسبب خلافات مع “الإطار التنسيقي” حول تشكيل الحكومة.

ويرى عراقيون كثر أن لا أمل في أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير حقيقي، ويعتبرون أن الاقتراع يشكّل مساحة للتصارع السياسي الذي سيصبّ أخيرا في صالح كبار السياسيين والأطراف الإقليميين. وشهدت الانتخابات مقاطعة واسعة من أنصار الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي اعتبر أن الانتخابات يشوبها “الفساد”، ودعاهم الى مقاطعة التصويت والترشح.

أكثر من 20 مليون ناخب

وأدلى الناخبون العراقيون، الثلاثاء، الماضي بأصواتهم في الاقتراع العام لاختيار ممثليهم في مجلس النواب. ويأتي هذا الاستحقاق في ظل تأكيدات من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على إتمام كافة الاستعدادات الفنية واللوجستية لضمان سير العملية الانتخابية بنجاح وشفافية.

وبحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، يجري التصويت في 8703 مراكز اقتراع في عموم البلاد، تضم في مجملها 39 ألفا و285 محطة اقتراع.

وأشارت عضو الفريق الإعلامي للمفوضية نبراس المعموري، إلى أن العدد الإجمالي للناخبين المسموح لهم بالتصويت في هذه الانتخابات يبلغ نحو 20 مليونا و64 ألف ناخب، بينهم 9 ملايين و700 ألف امرأة يحق لهن التصويت في الاقتراع العام.

ويتسابق في هذه الانتخابات 7743 مرشحا، منهم 5496 رجلا و2247 امرأة، يتنافسون على 329 مقعدا في مجلس النواب، الذي يُناط به بعد انتخابه مهام رئيسية تشمل انتخاب رئيس الجمهورية ومنح الثقة للحكومة القادمة.

“فاصلة مهمة”

في سياق متصل، قال زعيم جماعة “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، إن هذه الانتخابات “فاصلة مهمة وتحتاج إلى موقف”، وذلك في حديث له لعدد من وسائل الإعلام أثناء مشاركته في التصويت بفندق الرشيد.

وأشار الخزعلي إلى أن مشاركة أبناء القوات المسلحة بشكل واسع في الاقتراع الخاص -قبل يومين- “تبعث على الأمل”، داعيا أبناء الشعب العراقي إلى التوكل على الله وعدم التردد في المشاركة، وذكّر بأنهم شاركوا في انتخابات جرت في ظروف أصعب من ذلك عام 2014.

وقال الخزعلي إن هذا اليوم يحمل دلالات كثيرة ويسهم في ترسيخ الديمقراطية، مؤكدا أن “ديمقراطيتنا لم تعد ناشئة”.

إجراءات التفتيش

من ناحية أخرى، تباينت آراء الناخبين العراقيين حول الإجراءات الأمنية واللوجستية المتبعة لتأمين مراكز الاقتراع، حيث أشاد البعض بالاحتياطات الأمنية لضمان سلامة العملية الانتخابية، بينما انتقد آخرون “المبالغة فيها”.

وقال المواطن العراقي أبو علي، وهو رجل متقاعد، للجزيرة نت إن “الأمن أولا وقبل كل شيء.. هذا التنظيم الأمني، هو الضمان الحقيقي لعدم تكرار التزوير أو حدوث أي خرق يمس إرادة الناخب. الحمد لله، الشعور بالطمأنينة أثناء الإدلاء بصوتي لا يُقدر بثمن، وأنا مستعد لتحمل مشقة الطريق مقابل سلامة العملية الانتخابية”.

أما السيدة فاطمة ، إن “النقاط الأمنية المتعددة وإجراءات التفتيش الدقيقة جعلتني أطمئن على وصولي وعودتي. قد يكون الدخول إلى المركز بطيئا بعض الشيء، لكن هذه الإجراءات ضرورية لضمان نزاهة الصندوق”. وأضافت “هذه الإجراءات ترفع ثقتي بالنتيجة النهائية لأنها تحمي صوتي من العابثين”.

من جانبه، أشاد محمد فريد، وهو طالب جامعي، بـ”انسيابية الحركة داخل المركز”، وقال للجزيرة نت “أرى أن انسيابية حركة الناخبين داخل المركز كانت ممتازة بفضل تنظيم القوات الأمنية والموظفين”.

ونوّه إلى أن التأمين المُحكَم للمراكز يبعث رسالة قوية بأن الدولة جادة في حماية الديمقراطية، “وهذا يشجعنا كشباب على المشاركة”.

في المقابل، رأى آخرون أن الإجراءات الأمنية واللوجستية المتبعة كانت بطيئة ومستهلِكة للوقت.

وقال أحمد الشريفي، وهو موظف حكومي، للجزيرة نت إن “الهدف هو تأمين الانتخابات، لكن بطء إجراءات التفتيش والتحقق حول المراكز كان مبالغا فيه. كان يمكن تجنب هذا التعقيد بتنظيم أذكى. أشعر أن الوقت المستغرق للإدلاء بالصوت كان أطول مما يجب”.

وكذلك قالت سارة (أم فهد) للجزيرة نت إن “عملية التحقق الأمني والإداري كانت طويلة نسبيا”. وذكرت أن التركيز على تأمين العملية الانتخابية لم يواكبه خطة لوجستية كافية لتسهيل انسياب الناخبين، وكان يمكن تبسيط بعض القيود لتشجيع الإقبال دون المساس بالأمن.

وفي السياق ذاته، قال علي كريم للجزيرة نت “أقدّر دور القوات الأمنية، ولكن الإجراءات المبالغ فيها جعلت عملية الدخول بطيئة، وهذا أحدث بعض الازدحام وأن لم يكن شديدا جدا في ساعات الصباح الأولى. لكن هذا يُشعر المواطن بأن التصويت مرهق”.