سافايا يبدأ رسمياً مهمّة نزع سلاح الفصائل وإنهاء التدخل الإيراني .. مقالا لصحيفة العراق

تطور في العلاقات العراقية – الأميركية؟

كشف مصدر سياسي رفيع عن قيام مارك سافايا مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العراق ، بزيارة غير معلنة إلى العاصمة الاتحادية بغداد، الأسبوع الماضي، التقى خلالها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ليبدأ رسمياً مهامه التي تركّز على نزع سلاح الفصائل، وإنهاء النفوذ الإيراني وتدخلاته في البلاد، وإعادة العراق «عظيماً من جديد» حسبما يرى رجل ترامب الجديد.
وفي تصريحات أدلى بها بهاء الأعرجي، مستشار رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أكد أن «مبعوث ترامب الخاص جاء للعراق الأسبوع الماضي»، وإنه التقى «السوداني وشخصيات مهمة في العراق».
ووفق المستشار العراقي فإن «واشنطن لا تتدخل بوضع اسم معين كرئيس للوزراء لكنها قد تعترض على أسماء معينة»، معتبراً أن «واشنطن تعتبر السوداني رجل دولة»، وفق تعبيره.
وزعم الأعرجي أن «العراق هو من أعاد علاقة الرياض وطهران وأوقف القصف الأمريكي على إيران»، موضحاً أن «العراق أصبح مؤثراً بعد أن كان متأثراً».
وجاءت تصريحات المسؤول العراقي، تزامنا مع كشف مبعوث ترامب الجديد عن أولويات مهامه في العراق، مبيناً في «تدوينة» له، إنه «على مدى الثلاث سنوات الماضية، قيادة العراق أخذت خطوات مهمة حتى توجّه البلد بالطريق الصحيح سياسيًا واقتصاديًا»، لافتاً إلى أن «العراق باشر يعود كدولة ذات سيادة، ويعمل على تقليل التأثيرات الخارجية، ولمّ السلاح بيد الحكومة الشرعية، وفتح أسواقه للشركات العالمية حتى تساعد بإعمار البلد وتطوير بناه التحتية الهشّة».
وحسب مبعوث ترامب فإن «حكومة الولايات المتحدة وضّحت بصراحة. لا يوجد مكان لجماعات مسلّحة تشتغل خارج سلطة الدولة»، معتبراً أن «استقرار العراق وازدهاره يعتمد على توحيد القوات الأمنية تحت قيادة حكومة وحدة واحدة والقائد العام للقوات المسلحة، وبعلم واحد يمثّل كل العراقيين، وبدون هذه الوحدة، سيادة العراق وتقدّمه تبقى بخطر».
وشدد المبعوث الأمريكي على أن «مصالح الشعب العراقي والمنطقة الأوسع تعتمد على عراق كامل السيادة، خالٍ من التدخّل الخارجي الخبيث، بما فيه من إيران ووكلائها، ومكرّس لخدمة مواطنيه والعيش بسلام مع جيرانه»، مضيفا: «بهذا الإطار، الوحدة والتعاون بين السلطات الاتحادية والإقليمية ضرورية حتى نضمن أمنا دائما، ونموا اقتصاديا، وتماسكا وطنيا».
وأكد سافايا أن «العراق بلد محوري بالمنطقة، ويجب أن يأخذ دوره الطبيعي بدعم السلام والأمن والاستقرار الإقليمي»، كاشفا في الوقت عينه بالقول: «مهمّتي، نيابةً عن الرئيس ترامب، أتواصل مع العراق وأدعم سعيه المستمر نحو الاستقرار والسيادة والازدهار».
وأشار إلى أن «العراق يبقى ذو أهمية كبيرة للمنطقة وللولايات المتحدة، وسيبقى واحدا من أقوى وأعزّ شركاء أمريكا، وأنا ملتزم أعزّز هذه العلاقة أكثر وأنا أتسلّم هذا الدور المشرّف كمبعوث»، مختتماً: «لنجعل العراق عظيماً من جديد».
وتعليقاً على ذلك، يرى السياسي العراقي، الدكتور ليث شبّر، إن العبارة الأخيرة في «تدوينة» سافايا والتي تحاكي شعار ترامب في حملته الانتخابية، لا يمكن تطبيقها بالاعتماد على الخارج، بل بالاعتماد على الداخل العراقي.
وأفاد شبّر في رسالة وجهها إلى المبعوث الخاص لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق، قائلاً: «قرأتُ البيان الرسمي الذي أصدرتموه مؤخرًا، وقد ختمتموه بالعبارة التي أطلقناها قبل أكثر من سنتين، محاكاةً لشعار الرئيس ترامب في حملته الانتخابية: (لنجعل العراق عظيماً من جديد). ولأننا أول من استخدم هذه العبارة في سياقٍ وطنيٍّ عراقيٍّ صِرف، فإننا نجد من الواجب أن نوضح ما نقصده حين نتحدث عن عظمة العراق، وما نعنيه حين نقول إنه يجب أن يعود كما كان».
وأوضح أن «هذه العبارة، وإن بدت مألوفة في سياقاتها الإعلامية، إلا أنها حين تُقال عن العراق تكتسب معنى أعمق، لأن عمقه الحضاري لا يضاهيه مكان في العالم، فقد احتضن بين أرضه سبع حضاراتٍ عظيمة، وأسّس لمفاهيم العمران والكتابة والقانون والمعرفة»، مبيناً أن «العراق لم يفقد عظمته ليبحث عنها، بل تعطّلت فيه شروطها بفعل الحروب، والفساد، والتجاذبات الإقليمية، والضياع الإداري الذي جعل من الدولة جسداً بلا روح».
وطبقاً للسياسي العراقي فإنه «منذ تأسيسه الحديث، كان العراق ملفًا دوليًا بامتياز؛ لا يُفهم بمعزل عن توازنات القوى ولا يُدار إلا بتقاطعات المصالح. لكن الفارق بين الأمس واليوم أن العراق كان يومًا لاعبًا في رسم المعادلات، ثم أصبح ميدانًا لتجريبها. لذا، فإن أي دعوةٍ لإعادته عظيماً من جديد يجب أن تُفهم ضمن مشروعٍ وطنيٍّ متكاملٍ لإعادة دوره ومكانته وسيادته، لا ضمن بيانات النوايا الحسنة».
وأضاف: «نحن إذ نثمّن كل جهدٍ دولي أو أمريكي أو إقليمي يريد دعم استقرار العراق ونهوضه، فإننا نؤكد أن العظمة لا تُمنح من الخارج، بل تُستعاد من الداخل، وأنها مشروطةٌ بجملةٍ من الأسس التي لا يمكن أن تقوم دولةٌ عظيمة من دونها»، معتبراً أن من بين تلك الأسس «استعادة الهوية العراقية الجامعة المستمدة من عمق حضاراته، لتكون منطلقًا لوحدة القرار الوطني؛ إذ لا يمكن للعراق أن ينهض إذا بقيت قراراته موزعةً بين مراكز نفوذٍ متعددة. يجب أن يكون القرار سياديًا خالصًا، يصدر من مؤسسات الدولة لا من خارجها».
وأشار إلى «إصلاح النظام الإداري، فالدولة العظيمة لا تُدار بالمجاملات، بل بالكفاءة، ولا بالمحاصصة، بل بالمعايير المهنية والرقابة الذكية، وتحويل الاقتصاد من ريعي إلى منتج. النفط موردٌ لا قدر، والعراق قادرٌ على أن يكون مركزًا صناعيًا وزراعيًا وتكنولوجيًا متى ما امتلك رؤية إنتاجية واضحة»، بالإضافة إلى «عدالة مستقلة وفاعلة. لا بناء بلا ثقة، ولا ثقة بلا قضاءٍ عادل يطبّق القانون على الجميع دون استثناء».
وتتضمن أسس بناء «العراق العظيم» حسب شبّر، «جيشاً وطنياً موحّداً يحتكر السلاح، ويمثل الدولة لا الجماعة، ويحمي الوطن لا السلطة، وتعليم حديث وعقل علمي، فالعظمة تبدأ من المدرسة والجامعة ومراكز البحث، لا من الخطابات والمنابر، وسيادة ذكية في العلاقات الخارجية، تتعامل بندّيةٍ واحترامٍ للمصالح المشتركة، دون ارتهانٍ أو انعزال، وحكومة رشيقة وشفافة تعمل بمنظومةٍ رقميةٍ تتيح للمواطن أن يرى المال العام كيف يُنفق، وأن يشارك في تقييم الأداء، والاستثمار في الإنسان، فالعراق لا يفتقر إلى الثروات، بل إلى إدارة الطاقات، وتحرير الشباب من الإحباط إلى المبادرة»، فضلاً عن «مشروع وطني جامع يربط الجميع بفكرة الدولة، لا بالعشيرة أو الطائفة أو الحزب، ويجعل من المواطنة هويةً عليا لا شعارًا انتخابيًا».
ورأى السياسي العراقي أن «هذه هي الشروط التي تجعل من شعار (لنجعل العراق عظيماً من جديد) برنامجَ عملٍ مشتركًا لا عبارةً دبلوماسية. وعندما تتحول هذه المبادئ إلى سياساتٍ واقعية، سيتحوّل التعاون الدولي من دعمٍ شكلي إلى شراكةٍ حقيقية، وسيتوقف العالم عن مخاطبة العراق بوصفه (ملفًا)، ليتحدث عنه بوصفه (دولةً) عادت إلى موقعها الطبيعي بين الأمم».
وختم قائلاً: «إننا نرحب بالحوار الصادق والتعاون المسؤول مع كل من يؤمن بأن العراق العظيم لا يُبنى إلا بعقول أبنائه، وبشراكةٍ تحترم سيادته وتدعم مشروعه الوطني للنهضة. فالعراق سيكون عظيماً من جديد، لا حين يُقال ذلك عنه، بل حين يرى العالم بأسره أنه قد أصبح كذلك بالفعل».