تطوير القوة العسكرية باستخدام الذكاء الاصطناعي : دراسة إستراتيجية للعميد الركن الدكتور أعياد الطوفان

أعياد الطوفان

يترك تطوير الذكاء الاصطناعي وتكامله واستخدامه للأغراض العسكرية آثاراً عميقة على مستقبل الحرب وأيضاً على السلام والأمن الدوليين بشكلٍ عام، فذلك التطوير قد يمثل فرصاً ومخاطر سواء على المستويات التكتيكية أو العملياتية أو الاستراتيجية؛ وهو ما دفع إلى دمج الذكاء الاصطناعي في تحليل الاستخبارات والقيادة والتحكم والاستهداف والنيران والتدريب، والمحاكاة، ومراقبة المعدات، واللوجستيات.

ونتجت عن ذلك مناقشات واسعة حول تأثيرات الحروب الخوارزمية، المعروفة باسم “الحروب المستقلة” والمسارات المحتملة لها، فضلاً عن آثارها العسكرية والأخلاقية والقانونية الفورية. وفي الوقت نفسه، هناك اعتراف متزايد بالآثار الاستراتيجية الأوسع نطاقاً للذكاء الاصطناعي على المنافسة بين الدول أو تصعيد الصراع، وصولاً إلى خطر الحرب النووية.

يقول العميد الركن الدكتور إعياد الطوفان إنه و في ظل التطورات العسكرية والتقنية التي يشهدها العالم، أصبح الذكاء الاصطناعي أحد الركائز الأساسية لتطوير الجيوش الحديثة، والجيش العراقي ليس استثناءً من هذه الحقيقة. فاستثمار هذه التكنولوجيا لم يعد رفاهية، بل ضرورة لتعزيز الأمن الوطني ورفع الكفاءة العملياتية للجيش.
يُعد الذكاء الاصطناعي أداة قوية لمعالجة كميات هائلة من المعلومات الاستخباراتية بسرعة ودقة تفوق القدرات البشرية التقليدية. فمن خلال تحليل تقارير المخابرات والصور الفضائية ومراقبة الحدود، يمكن للجيش اتخاذ قرارات سريعة مبنية على بيانات دقيقة، مما يعزز القدرة على مواجهة التهديدات الإرهابية وحماية المدن والمناطق الحيوية. كما أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الأسلحة والأنظمة الذكية، مثل الطائرات بدون طيار والروبوتات القتالية، تمنح الجيش القدرة على تنفيذ مهام دقيقة وتقليل المخاطر على العناصر البشرية. إلى جانب ذلك، يساهم الذكاء الاصطناعي في تطوير برامج التدريب والمحاكاة العسكرية، حيث توفر بيئات افتراضية للجنود لتجربة سيناريوهات معقدة دون تعريض حياتهم للخطر، سواء في مواجهة التنظيمات المسلحة أو التصدي للهجمات السيبرانية.
علاوة على ذلك، يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين التخطيط الاستراتيجي وإدارة الموارد العسكرية، بما في ذلك توزيع الذخائر والمعدات والوقود، بشكل يقلل الهدر ويزيد الكفاءة العامة للجيش. هذه التقنيات تتيح للقيادة العسكرية القدرة على التنبؤ بتحركات العدو ووضع خطط دفاعية وهجومية محسوبة بدقة، مما يعزز القدرة على حماية الوطن بكفاءة أعلى.
مع ذلك، تواجه هذه المسيرة تحديات كبيرة، أبرزها الاعتماد المفرط على التكنولوجيا الذي قد يقلل من مهارات التفكير البشري لدى الضباط والجنود، بالإضافة إلى الحاجة إلى وضع إطار قانوني واضح لاستخدام الأسلحة الذكية والروبوتات القتالية، لضمان المسؤولية الأخلاقية في القرارات العسكرية. كما أن تطوير الجيش العراقي باستخدام الذكاء الاصطناعي يتطلب بنية تحتية متقدمة واستثمارات كبيرة في المعدات والتدريب المتخصص، وهو ما يمثل تحديًا عمليًا يحتاج إلى تخطيط دقيق.
على الرغم من هذه التحديات، يظل المستقبل واعدًا للجيش العراقي الذي يسعى إلى دمج الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب عمله، من شبكات الاتصال الذكية التي تربط الوحدات المختلفة في الوقت الحقيقي، إلى تحليل سلوك التنظيمات المسلحة للتنبؤ بالتهديدات ومنعها قبل وقوعها. هذا الدمج بين الخبرة البشرية والتكنولوجيا الحديثة يشكل مسارًا حيويًا لتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية للجيش، وضمان حماية الوطن بكفاءة أعلى، وتحقيق الأمن الوطني بشكل مستدام.
في النهاية، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة حقيقية للجيش العراقي ليس فقط لتعزيز قوته وكفاءته، بل أيضًا لتقديم نموذج متقدم للجيوش الإقليمية في استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل مسؤول وفعّال، مع الحفاظ على المبادئ الأخلاقية والقانونية التي تضمن سلامة القوات والمواطنين على حد سواء.

ختاماَ فقد يمكن للحكومات الاستفادة من التجارب السابقة في إدارة التقنيات المزعزعة للاستقرار، مثل الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل النجاحات والفشل في مجالات أخرى، وذلك تمهيداً لتحديد آليات وأدوات تضمن الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي مع مجهولية استخدامه المستقبلي في المجال العسكري؛ لذلك استعرضت الدراسة هذه التجارب وتحديد الدروس المستفادة منها، حيث تم استخلاص مجموعة من الأدوات والآليات التي يمكن للمؤسسات الدفاعية والحكومات الاستعانة بها للتصدي للمخاطر الناشئة عن الذكاء الاصطناعي العسكري، وتحقيق الاستفادة القصوى من فرصه.