شهد العراق في السنوات الأخيرة ظاهرة لافتة تتمثل في انتشار النراجيل والسجائر الإلكترونية (الفيب)، وذلك بين مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك النساء والشباب، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول دوافع هذه الظاهرة وتأثيراتها الصحية والاجتماعية.
هذا وعلى الرغم من أن النرجيلة كانت جزءًا من التقاليد الشعبية في العراق لعقود، حيث تُستعمل في المقاهي والتجمعات العائلية، إلا أن استخدامها شهد زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة، خصوصًا بين الشباب والمراهقين. أما السجائر الإلكترونية، فقد دخلت السوق العراقية في العقد الأخير، وبرزت كموضة بين الشباب، حيث يتم الترويج لها كبديل “أقل ضررًا” للسجائر التقليدية، وهو ما ساعد في تسريع انتشارها.
تشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن الفئة الأكثر استهلاكًا للنراجيل والفيب هي الشباب والمراهقون الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عامًا، وفيما كان التدخين سابقًا يقتصر غالبًا على الرجال، أصبح الآن يشمل النساء بشكل كبير. أصبحت المقاهي والمطاعم مراكز رئيسية لتدخين النرجيلة، بينما يُستخدم الفيب في المدارس، الجامعات، والمنازل.
هذا وتتزامن هذه الظاهرة مع الانفتاح الثقافي الذي شهدته البلاد بعد عام 2003، حيث بدأت بعض العادات الاجتماعية تتغير، بما في ذلك تبني نمط حياة عصري يشمل التدخين بشكل أوسع. كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك وإنستغرام، دورًا كبيرًا في الترويج لاستخدام النرجيلة والفيب كرمز للأناقة والتميز، مما جعل العديد من الشباب ينساقون وراء هذه الموضة.
ورغم ترويج البعض للنرجيلة والفيب كخيارات “أقل ضررًا”، تشير الدراسات الطبية إلى أن تدخين النرجيلة يعادل استنشاق دخان 100 سيجارة تقريبًا، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والرئة والسرطان. أما السجائر الإلكترونية، رغم كونها أقل ضررًا مقارنة بالسجائر التقليدية من الناحية المباشرة، فإنها تحتوي على مواد كيميائية قد تؤدي إلى التهابات في الجهاز التنفسي وأمراض مزمنة.
يرى علماء النفس أن استخدام النرجيلة والفيب يبدأ غالبًا كموضة أو وسيلة للتسلية، إلا أنه سرعان ما يتحول إلى إدمان بسبب احتوائهما على النيكوتين والمواد الكيميائية الأخرى. هذا التحول إلى الإدمان قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، فضلاً عن الأعباء الاقتصادية التي تترتب على استهلاك هذه المنتجات.
في إطار سعي الحكومة لمكافحة ظاهرة التدخين، تم طرح قانون مكافحة التبغ والتدخين الذي يشمل جميع أنواع التبغ والفيب والنرجيلة. يتضمن القانون تعزيز التوعية بمخاطر هذه المواد، وزيادة الضرائب على المنتجات المستوردة، إضافة إلى تنظيم أماكن التدخين وفقًا لمواصفات منظمة الصحة العالمية.
خاتمة
إن انتشار النراجيل والفيب في العراق يمثل ظاهرة اجتماعية معقدة، تجمع بين التأثيرات الثقافية، الاقتصادية، والصحية. وبينما يعتبر البعض هذه الظاهرة مجرد موضة أو انفتاح ثقافي، فإن آثارها السلبية تتطلب إجراءات توعية وتشريعات مناسبة للتقليل من تأثيراتها السلبية على المجتمع.
وتقول مواطن عراقية وهي ، موظفة في إحدى الدوائر الحكومية بكركوك، إن تدخينها بدأ “تجربة فضولية” خلال جلسة نسائية في أحد المقاهي، قبل أن يتحول إلى عادة يومية.
وتضيف: “كنا نخفي التدخين سابقاً خوفاً من كلام الناس، أما الآن فالأمر طبيعي، أغلب زميلاتي في العمل أو في المقاهي يجربن الأركيلة بعد الدوام، لا أحد يستغرب”.
وفي جولة ميدانية اجراها مراسل صحيفة العراق من داخل عدد من المقاهي في كركوك، بدت الطاولات النسائية مشغولة بأركيلات ملونة، وروائح النكهات تملأ الأجواء.
بعض الفتيات يلتقطن صوراً وينشرنَها عبر تطبيقات التواصل، فيما أخريات يتعاملن مع التدخين كجزء من “الروتين العصري” للحياة اليومية.
وتقول هدى خالد، وهي موظفة حكومية إن “التدخين صار وسيلة ترفيه، وهي طريقة لكسر الروتين وتفريغ الضغوط”.
وبحسب “أطلس التبغ” الصادر في العام 2024، فإن نسبة المدخنين البالغين في العراق بلغت نحو 19%، من بينهم ما يقارب 2% من النساء، أي ما يعادل أكثر من 200 ألف مدخنة في عموم البلاد.
ويشير تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية إلى أن استهلاك منتجات التبغ في العراق يكلّف الاقتصاد أكثر من 2 تريليون دينار سنوياً تشمل العلاج والخسائر الناتجة عن الأمراض المرتبطة بالتدخين.
وتُظهر بيانات استيراد السجائر والأرجيلة، أن العراق استورد خلال العام 2024 ما يزيد على 700 شحنة من منتجات التبغ من نحو 28 دولة، ما يعكس تنامي السوق المحلي واتساع قاعدة المستهلكين.
وتحتفظ كركوك بتاريخ محافظٍ في عاداتها الاجتماعية، إلا أن مشهد النساء المدخنات بات يبرز في المقاهي والمطاعم العائلية وحتى في بعض الدوائر.
وفي هذا الصدد، يقول صاحب أحد المقاهي في حي طريق بغداد رفض ذكر اسمه: “قبل 5 سنوات لم تكن هناك إمرأة تطلب أركيلة، واليوم أكثر من ثلث الزبائن من النساء، غالبيتهن موظفات وطالبات”.
ويرى أن أغلب النساء يفضّلن نكهات الفواكه أو النعناع، وأن جلسة الاركيلة أصبحت امتداداً للقاء الصديقات، لا تُعدّ عيباً كما في السابق.
من جانبه، يشير الباحث الاجتماعي فارس البياتي، إلى أن الظاهرة تعود إلى “تحولات نفسية وثقافية” شهدها المجتمع العراقي بعد سنوات من الأزمات.
ويقول البياتي، لموقع صحيفة العراق إن “المرأة وجدت مساحة جديدة من الحرية بعد 2003، ومع انفتاح المقاهي ووسائل التواصل، صار التدخين وسيلة تعبير عن الذات أو التقليد لما تراه في الإعلام”.
في كركوك، تتوزع عشرات المقاهي العائلية التي تقدم الشيشة، كثير منها يخصص أقساماً مغلقة للنساء.
وتقول مها عبد الكريم (موظفة حكومية 45 عاما)، لموقع صحيفة العراق : “نلتقي بعد الدوام في مقهى نسائي، وندخن الاركيلة بطعم الفواكه، ونحن لا نراها عادة سيئة، هي مجرد تسلية بعد ضغط العمل”.
لكن الطبيب سعدون العزاوي، اختصاصي الأمراض الصدرية في مستشفى كركوك العام، يحذر من أن “الاركيلة أخطر من السيجارة بخمس إلى عشر مرات من حيث كمية الدخان المستنشق”.
ويوضح أن “جلسة واحدة من الاركيلة تعادل تدخين مائة سيجارة تقريباً، والخطورة تزداد مع تكرارها في الأماكن المغلقة”، مبيناً أن عيادته تشهد “زيادة ملحوظة في مراجعات النساء المدخنات اللواتي يعانين من أمراض تنفسية أو حساسية مزمنة”.
ورغم صدور قانون مكافحة التبغ رقم 19 لسنة 2012، الذي يمنع التدخين في الأماكن العامة، إلا أن تطبيقه شبه غائب.
ويقول مصدر في دائرة صحة كركوك، لموقع صحيفة العراق ، إن “الرقابة على المقاهي محدودة جداً”، موضحاً أن “العديد من أصحاب المقاهي يملكون تراخيص بلدية لا تتضمن منع الشيشة أو التدخين، ما يجعل تنفيذ القانون ضعيفاً”.
ويشير المصدر، إلى أن “المقاهي أصبحت بيئة خصبة لترويج منتجات التبغ، وغالباً ما تُباع الاركيلة بنكهة (خفيفة) لتشجيع النساء على التجربة الأولى”.
بينما تفسّر الباحثة النفسية وسن العزاوي، خلال حديث لموقع صحيفة العراق ، تفشي التدخين بين النساء بأنه رد فعل على الضغوط المتراكمة.
وترى أن “المرأة العراقية تعيش تحديات اقتصادية واجتماعية ونفسية كبيرة، فتلجأ للتدخين كوسيلة تفريغ، أحياناً تبدأ من باب التقليد، ثم تتحول إلى عادة إدمانية يصعب التخلص منها”.
وتضيف أن “وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تطبيع الصورة، حيث تُعرض جلسات التدخين النسائية على أنها موضة أو حرية شخصية، ما يؤثر في وعي الفتيات الصغيرات”.
وتظهر بعض المقابلات أن التدخين لدى نساء كركوك يحمل أيضاً بُعداً “هوياتياً”، إذ تعتبره بعض المدخنات تعبيراً عن الاستقلال أو كسر القيود الاجتماعية.
وتقول رغد حسن (33 عاماً)، لموقع صحيفة العراق ، “أدخن منذ ثلاث سنوات، ليس لأنني مدمنة، لكني ارى نفسي حرة، ولا يحق لأحد أن يحاسبني على تصرف شخصي”.
ويرى الباحثون أن مثل هذا التبرير يعكس تحولات في نظرة المرأة العراقية إلى ذاتها، لكنه لا يُقلل من مخاطر الظاهرة على الصحة العامة.
منظمة الصحة العالمية تؤكد أن التدخين يقتل نحو 8 ملايين شخص سنوياً حول العالم، بينهم أكثر من مليون من غير المدخنين الذين يتعرضون لدخان الآخرين.
وفي العراق، تشير التقديرات إلى أن أمراض الرئة والقلب المرتبطة بالتدخين تتسبب بآلاف الوفيات سنوياً، فيما لا تزال برامج الإقلاع عن التدخين محدودة وضعيفة التمويل.
كما تم العثور على نطاق مماثل في المعدل (2.4-52.3٪) للمملكة العربية السعودية 32. وبالمقارنة، فإن استخدام السجائر بين البالغين في الولايات المتحدة يتراوح بين 7-24٪ 33. ويتراوح معدل انتشار التدخين بين الذكور العراقيين من 18.1 إلى 40.2٪، بينما يتراوح بين الإناث من 5.23 إلى 14.3٪.
