في الصميم : مئوية الاشياء بين العالم والعراق مقالا للكاتب علي الزبيدي

د علي الزبيدي

العالم المتحضر نراه يحتفي ويقيم المهرجانات في مئوية الاشياء مثلا مائة عام على ولادة شاعر أو مفكر أو فيلسوف أو مائة عام على انجاز علمي او اكتشاف طبي أو تدشين جسر او بناية لأنها أصبحت من تراث ذلك الشعب والبلد وهكذا كان العالم ولا يزال وحتى نحن في العراق كنا نحتفي بمئوية الشعراء والمبدعين كونها تنمي الانتماء الوطني والشعور الحضاري والانساني لأي شعب، لكنها بعد الاحتلال غابت عنا كل تلك المفاهيم وأصبحنا نفكر في الماديات وضربنا تراثنا عرض الحائط وما عادت مفردة التراث الفكري أو الحضاري تشكل لدى الكثير من محدثي النعمة أي شيء وجاءت موجة الاستثمار والتي أستغلت في غير أوجهها الصحيحة فكانت نقمة على إقتصاد البلد وتراثه الحضاري والإنساني والشواهد كثيرة في بغداد والمحافظات. واليوم وبدلا من أن تحتفي وزارة الصناعة والمعادن بالذكرى المائة لإنشاء واحد من صروح الصناعة الوطنية في العراق وأعني به معمل فتاح باشا والذي انشأ في سنة ١٩٢٥ وكان نواة الشركة العامة للصناعات الصوفية والذي أنتج أجود أنواع البطانيات التي كانتتمفي الحاجة المحلية وتصدر للدول العربية والصديقة لجودتها وكذلك الاقمشة الرجالية والتي كان يتبارى الشباب لخياطة بدلاتهم من الاقمشة التي ينتجها معمل فتاح باشا وكذلك معامل السجاد اليدوي والميكانيكي الذي كان يضاهي إنتاجه أفخر المنتوجات العالمية المماثلة إضافة الى إنتاج الغزول الصوفية المستخدمة في معامل الحياكة بكافة انواعها هذا المعمل الذي كان الى يوم إحتلال بغداد يضم الاف العمال المهرة والفنين ولأنه معمل قطاع عام فقد ترك مغلقا كحال غيره من ألاف المعامل والمصانع العراقية حيث تم بيع معدات هذا المعمل وخاصة مكائن النسيج الجاكار الروسية والتي كانت بحالة جيدة على أنها خردة وهكذا تم تسريح العمال وبيع معداته واليوم وزارة الصناعة في الذكرى المئوية لإنشائه وبدلا من وضع خطة لتأهيله وإعادة تشغيله تعرضه للاستثمار وأي استثمار لبناء وحدات سكنية وياليت هذه الوحدات تفيد فقراء البلد او ذوي الدخل المحدود إنه استثمار لايخدم مصلحة الوطن والاقتصاد الوطني ويخرب الارث الصناعي للبلد وان معمل فتاح باشا ليس الاول والاخير فهناك في خطط المستثمرين قوائم تطال أي شاخص تراثي او رياضي في مدينة الكاظمية فنادي الكاظمية الرياضي الذي مضى على تأسيسه اكثر من سبعين عاما معروض ايضا للاستثمار بل حتى سوق الاستربادي الذي يمتد عمره لاكثر من ١٥٠ سنة ويتعبر معلما تراثيا واقتصاديا معرض للغلق ومن ثم للاستثمار.!! إن من لا يرتبط بمدينته بجدور راسخة لا يهمه أن يبيع كل شيء فيها ما دام يدر عليه المليارات فلا والف لا لتخريب تراث الكاظمية الصناعي والرياضي والاقتصادي بحجة الاستثمار فللاستثمار شروطه التي تقوي الاقتصاد وتجعل عجلة الصناعة تدور لزيادة الانتاج وتطويره لا بتدميره. ارأيتم كيف يحتفى بمئوية الاشياء في عراق المحاصصة؟!!