في تطور خطير يضرب عمق الأمن الوطني، في العراق إذ و تفجّرت فضيحة من العيار الثقيل تتعلق بمنح بطاقات وطنية عراقية لعدد من السوريين خلال فترة سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق واسعة من محافظة الأنبار. القضية التي هزّت الرأي العام، أعادت إلى الواجهة أسئلة حساسة عن سلامة ملف الجنسية والهوية الوطنية في العراق، وما يثار من شائعات عن عمليات مشابهة في مناطق أخرى، لاسيما في إقليم كوردستان حيث يُتداول حديث عن منح أوراق ثبوتية لأكراد من سوريا وإيران.
*مخالفات خطيرة في قلب الأنبار
الناطق باسم وزارة الداخلية، اللواء عباس البهادلي، اكد في تصريح خاص لموقع صحيفة العراق الثلاثاء ، أن الوزارة ضبطت مخالفات جسيمة في تسجيل بعض الحالات جرى استغلالها لإصدار بطاقات وطنية خلال فترة سيطرة “داعش” على المحاكم والدوائر الصحية في الأنبار.
وأوضح البهادلي، أن “الداخلية اتخذت إجراءات قانونية عاجلة، إذ شُكلت مجالس تحقيقية وأُحيل 11 ضابطاً ومفوضاً وموظفاً إلى محاكم قوى الأمن الداخلي، مع التشديد على طرد كل من تثبت إدانته من الخدمة نهائياً”.
وأضاف أن “الوزارة أوقفت جميع القيود غير الصحيحة وأبطلت البطاقات الوطنية الممنوحة بطرق غير قانونية، مؤكداً أن عمليات التدقيق والمتابعة مستمرة بالتنسيق مع مديرية الجوازات والجنسية والإقامة”.
وشدد على أن هذه الخروقات “جرى اكتشافها مؤخراً”، مبيناً أن “الوزارة ماضية في محاسبة المتورطين وحماية السجلات الرسمية من أي تلاعب أو استغلال”.
*البرلمان يتحرك.. لجنة تحقيقية لكشف الحقائق
من جانبه، أعلن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب حسين العامري، أن البرلمان سيتحرك بشكل عاجل للتحقيق في هذه القضية.
وقال العامري في تصريح خاص لـ”عراق أوبزيرفر”: “اللجنة ستباشر يوم غد بتشكيل لجنة تحقيقية حول ما جرى الكشف عنه بشأن منح بطاقات وطنية لأشخاص من الجنسية السورية في الأنبار”.
وأوضح العامري أن “هذه الخطوة ستتم بعد استحصال موافقة رئاسة مجلس النواب”، مؤكداً أن “اللجنة ستتابع الملف بدقة للوصول إلى عمق الحقيقة وكشف جميع ملابساته”.
وأضاف أن لجنة الأمن والدفاع سيكون لها “موقف واضح وصارم” إزاء ما ستتوصل إليه التحقيقات، لافتاً إلى أن البرلمان لن يتهاون مع أي خرق يتعلق بهوية المواطن العراقي وأمنه.
*الخطر يتجاوز حدود الأنبار
الخبير الأمني والعسكري صفاء الأعسم، حذّر بدوره من خطورة ما جرى، مشدداً على أن القضية لا تقف عند حدود الأنبار بل تتعداها لتشكل تهديداً مباشراً للأمن الوطني.
وقال الأعسم في تصريح خاص لـ”عراق أوبزيرفر”: “هذا الموضوع خطر جداً، خاصة أن بعض السوريين المرتبطين بداعش يخططون لتنفيذ هجمات ضد العراق”، مؤكداً أن ما جرى كشفه يعكس وجود تغلغل داخل أجهزة الدولة.
*هل يقتدي العراق بتجربة الكويت؟
الفضيحة الأخيرة فتحت باب التساؤلات على مصراعيه: لماذا لا تعلن وزارة الداخلية العراقية خطة شاملة لإعادة تدقيق كل من مُنح البطاقة الوطنية الموحدة منذ 2018 وحتى اليوم، على غرار ما فعلته دولة الكويت التي شرعت في مراجعة ملف الجنسية وأسقطت جنسيتها عن آلاف الأشخاص؟
في العراق، ورغم خطورة ما جرى في الأنبار، ما يزال الحديث مقتصراً على محاسبة المتورطين المباشرين وإبطال القيود المزورة. لكن مراقبين يرون أن معالجة القضية تتطلب مقاربة أوسع تشمل إعادة تدقيق جميع السجلات، خصوصاً مع انتشار شائعات عن منح هويات أو حتى جنسيات في إقليم كردستان لعوائل كردية قادمة من سوريا وإيران.
هذا الوضع يثير مخاوف من أن تكون قضية الأنبار مجرد رأس جبل الجليد، وأن هناك حالات أخرى لم يُكشف عنها بعد، ما يستدعي خطوات حكومية أكثر جرأة وشفافية لطمأنة الرأي العام.
وفي هذا الصدد، أكد الاعسم أن “ما كشف في الانبار يعد مؤشراً بالغ الخطورة مع وجود جهات تسعى لزعزعة استقرار العراق وإرباك أمنه”، لافتاً إلى أن “المفروض إعادة النظر في جميع البطاقات الوطنية التي تم منحها بعد عام 2018 وحتى الآن، للتأكد من سلامة إجراءاتها وخلوها من أي خروقات”.
المخاوف التي عبّر عنها الأعسم لا تبدو بعيدة عن الواقع، إذ إن أي خرق في نظام الهوية الوطنية يفتح الباب أمام تنظيمات إرهابية وشبكات إجرامية للتغلغل داخل المجتمع ومؤسسات الدولة.
