إن كنت خائفا فلا تغامر ، وإن غامرت فلا تخف..والمغامرة هنا هي البحث عن فرصة للحياة في مكان للعيش مابين الحياة والموت ،بأنتظار المضي قدما الى امام ، ولكن نرى في النهاية من يصافح الشياطين ويسير أبعد منهم في الطريق الى الهاوية المخزية .فتكون أمام مواجهة خيارا بين الحق والباطل ،بين الحب والكراهية ،وأحيانا بين الحياة والموت ، وتصبح مجموع هذه الخيارات هي حياتك.
ترى هل كانت هذه هي حالة ا’دم الفراتي ،الصحفي والكاتب في الخامسة والثلاثين من عمره ،ويتمتع بحضور واسع قوامه جدية مايكتب ،وهو يواجه السياسي مسعود الأرجوان ، الرجل ذو الحياة الملتبسة والمليئة بمواقف وافعال ليس لأحد الفخر بها ، وهو متهم بعمليات فساد لاحصر لها .
بالتأكيد المواجهة ليست سهلة :
صحفي ليس لديه سوى حرصه على الالتزام بمهنية عمله في أجواء سلبية لطبيعة اداء الاعلام الذي لايفرق بين وظيفة الاعلام ووظيفة الدعاية.
وسياسي يريده وسيلة للدعاية لكي يغطي على افعاله وفساده المشين وتاريخه المزيف.
تلك هي المواجهة الصعبة التي يضعها امامنا السارد أمجد توفيق في روايته ” زمن الأرجوان ” ، من منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق / الطبعة الاولى 2024 .والتي تزينت بلوحة الغلاف للفنان خالد جلل ، وتصميم الفنان نصير لازم ،وهي تأتي بعد 24 كتابا في القصة والرواية والنقد بدءا من عام 1974،ومازال ابداعه متوهجا بأنتظار اصدار مجموعة قصصية جديدة له قيد الطبع.
في بداية الرواية يضعنا امجد توفيق أمام مدخل مهم ليكون مفتاحا للدخول الى الرواية عندما يكشف ان الكلمة لاتفعل فعلها الا عندما تسمع او تقرأ ..هي ليست زهرة لتشمها أو تتأمل جمالها ..وليست نهرا لتبحث عن أعمق نقطة فيه..ولا قشرة جوز قاسية لتكسرها ..ولا فاكهة طرية لتقشرها أو تعصرها .. وليست سما لتجرب تأثيره ..انها كل ذلك وهذا هو سرها وسحرها..ليوصلنا الى خلاصة : الكلمة الصادقة في حلف وثيق مع الجمال والحب.
الحب الذي تجسد في الرواية بعلاقة الصحفي ادم الفراتي مع مقدمة البرامج التلفزيونية ميادة ،والتي ستكون شريكته في الحب وفي مواجهة كل اساليب الخبث والعدوانية للسياسي الأرجوان.
لقاء ادم وميادة كان في بدايته بطلب من الارجوان الذي كانت من ضمن املاكه قناة تلفزيونية تعمل بها ميادة ،وتكلف باجراء مقابلة تلفزيونية مع الصحفي ادم ،في محاولة من الارجوان ان يمد العلاقة مع الصحفي لتغيير مسار توجهاته واغرائه للعمل لصالح اصدار كتاب مذكرات للارجوان يلمع به صورته البشعة.لكن رفض الصحفي للقاء التلفزيوني ، اتاح للصحفي وميادة ان يشكلا ثنائيا ناجحا في مواجهة هذا الأخطبوط الفاسد الذي لايتردد في خطف وقتل من يكشف جرائمه وزيف مواقفهوالمقصود هنا الأرجوان.
لقاء ادم وميادة تم صدفة ،ومن مجريات الرواية ندرك اإن بعض الناس نلتقيهم صدفة أو بمناسبة معينة لكنهم يتركون في روحنا وهجا من الحب والجمال، لذلك نرى تطورا في العلاقة بين الاثنين لتنتهي بالزواج في نهاية الرواية ، بعد سلسلة من المواقف والمواجهات الصعبة مع الأرجوان ،تبدأ بانهاء عمل ميادة في قناته التلفزيونية وصولا الى كشف دور الارجوان في اختطاف وقتل احد شباب تشرين في ساحة التحرير ،ومحاولة اغتيال الصحفي ادم بعد اختطافه والدور الشجاع لميادة في نجاته.
السارد أمجد توفيق ، يأخذنا برحلة شيقةوجميلة لعلاقةالحب بين الصحفي ادم وميادة. وفي الرواية العديد من المواقف التي تعبر عن احقية وشجاعة موقف الصحفي في مواجهة الأرجوان ، لكنه لم يكن شجاعا بلا خوف فهو يدرك انه بلا خوف لاتكتمل الشجاعة .كما انه يرفض ان يستخدم أدوات الشيطان للقيام بأعمال الرب.
لذلك نرى انه يكتب على حاسبته:
في مسلسل الرذيلة العالمي لا الأديان كانت كافية للجم شهية القتلة ولا القوانين صانت حرية البشر … ولماذا تكون الجهود البريئة محكومة بعنصري السلطة والمال؟.
الرواية تهدف فيما تهدف اليه لكشف اسرار هذا التساؤل الاخير وهي تقدم صورة لما تعرضت له انتفاضة تشرين من قتل وحالات اختطاف واختفاء قسري.وتقدم نموذجا لذلك اختطاف سيف وهو احد الناشطين في انتفاضة تشرين والذي عثر على جثته بعد اسبوع من اختطافه وكان وراء ذلك الاختطاف والقتل الأرجوان الذي كشف سيف زيف مواقفه وفساده.
في رواية “زمن الأرجوان” هل أراد السارد امجد توفيق ان يعزز في عقولنا إن الريح لايمكن ان تقهر الاشجار ذات الجذور القوية،وإن الكلمة أسيرة الرجل اذا تكلم بها صار في وثاقها،وبأننايجب أن لانلوم الأفعى لان لها انياب ،وإنن الحياة العادية طريق سهل،ولكن لاتنبت فيه الزهور ابدا.
زمن الارجوان رواية مهمة تستحق القراءة وكشف لكل ماهو قبيح وسيء وعدوانية اصابت ايامنا، وانارة لطريق الحب والجمال ، وهي اضافة للسفر الابداعي الكبير للسارد والصديق أمجد توفيق .
صحيفة عراقية مستقلة صدرت عام 2006 - مملوكة بالكامل للصحفي العراقي علاء الساعدي
