تقف العلاقة بين العراق والكويت كجرح عميق، ينبض بألم التضحيات المنسية، ومرارة التطاول المستمر … هذه العلاقة، المحفوفة بالتعقيدات التاريخية والسياسية، ليست مجرد نزاع بين دولتين جارتين إنما هي قصة شعب يصارع من أجل استعادة كرامته التي ثلمها المحتل الأمريكي والصهيوني والإيراني، وحقوقه في مواجهة تآمر الذين يفترض أنهم أشقاء واستقواءهم عليه بالأجنبي، لإضعافه وخنقه .
اليوم، وبينما تتجدد الإساءات الكويتية عبر مواقف رسمية وأبواق إعلامية تتجاوز حدود الأخلاق، يُجبر العراقيون على استحضار التاريخ، ليس لنكء الجروح انما لاستعادة الحقيقة ومواجهة الظلم.
في هذه الوقفة نرى من المفيد تذكير حكام الكويت ببعض حقائق التاريخ، لنستعرض معهم جذور الخلاف لعل فيه ما يمكن ان يعيدهم إلى رشدهم الذي فقدوه للأسف الشديد، فالحاضر يكشف عن محاولات النيل من العراق والإساءة له، والمستقبل قد يحمل حساباً عادلاً في ظرفه وزمانه .
عندما أعلن العراق استقلاله عام 1932، أثار حاكم الكويت، مسألة الحدود، مطالباً بمناطق إضافية مثل جزيرتي وربة وبوبيان، مستغلاً دعم بريطانيا التي رسمت هذه الحدود بخبث واقتطعت الكويت من البصرة، هذا الدعم قد استمر في تعزيز انفصال الكويت من العراق، رغم الروابط التاريخية والعائلية والجغرافية.. وفي عام 1961، عندما أعلنت الكويت استقلالها عن بريطانيا، رفض العراق الاعتراف بها كدولة منفصلة، معتبراً إياها جزءاً من أراضيه، الأمر الذي أدى إلى أزمة كادت ان تحسم الخلاف لصالح العراق لولا تدخل القوات البريطانية والجامعة العربية… في الثمانينيات، وخلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، قد تصاعدت التوترات حيث قدم العراق تضحيات هائلة، مادياً وبشرياً، لحماية دول الخليج من الخطر الإيراني، ومنها الكويت، التي قدّمت الدعم المالي للعراق اعترافاً منها بهذه الحماية، لكن هذا الدعم قد تحوّل لاحقاً إلى عبء كبير بعد انتهاء الحرب، حينما واجه العراق أزمة اقتصادية خانقة، بسبب ديون تجاوزت اكثر من 80 مليار دولار، جزء كبير منها مستحق للكويت والسعودية التي تنازلت عن مستحقاتها، على عكس الكويت التي أصرّت على استرداد هذه المستحقات!!!
في الوقت ذاته، اقدمت على زيادة إنتاجها من النفط فوق الحصة المقررة لها في اوبك، مما أدى إلى انخفاض أسعار النفط وخنق الاقتصاد العراقي، كجزء من مخطط أمريكي تكشفت تفاصيله لاحقاً. اضافة إلى سرقة النفط عبر الحفر المائل، وهو ما يُعد حرباً اقتصادية صريحة !! من تداعياتها ونتيجة الشعور بالخذلان والتآمر الصريح .. قام العراق بإحتلال الكويت في 2 آب /أغسطس 1990، في خطوة غير محسوبة تُعد خطأً مبدئياً وإستراتيجياً قاتلاً، قد دفع العراق بسببه ثمناً غالياً بعد العدوان عليه وتدميره وحصاره واحتلاله ونهب ثرواته، وتعرضت دول عربية شقيقة إلى انتكاسات خطيرة بعد إسقاط الدولة الوطنية العراقية ..
هذا القرار أدى إلى حرب الخليج الثانية (1991)، حين قادت الولايات المتحدة الأميركية تحالفاً دولياً كبيراً لتحرير الكويت، دفع العراق كما ذكرنا ثمناً باهظاً: دمار بنيته التحتية، حصار اقتصادي استمر لثلاثة عشر عاماً، وخسائر بشرية ومادية هائلة. لكن الجرح الأعمق كان في شعور العراقيين بالخيانة، إذ تحالفت دول الجوار، التي دافع عنها العراق سابقاً، مع القوى الغربية ضده.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، تتجدد الإساءات الكويتية. تصريحات مُستَفزة من مسؤولين كويتيين، ومقالات غير مسؤولة في صحف مهمة تجاوزت حدود اللياقة والأخلاق، تنال من شرف العراقيين، رجالاً ونساء، متجاهلة الحالة الحرجة والخطيرة التي تمر بها المنطقة العربية من ناحية، والعلاقات العراقية الكويتية من ناحية ثانية، أعادت إنتاج خطاب الكراهية الذي يستفز مشاعر شعب عانى ولا زال يعاني من آثار الحروب والحصار والإرهاب والطائفية والفساد في ظل حكومات عميلة وخائنة.
قضية خور عبد الله تُعد مثالاً صارخاً على التحديات الحالية. هذا الخور، الذي يُعد المنفذ البحري الوحيد للعراق، وهو شريان حياة اقتصادي واستراتيجي. أثارت توترات إذا ما استمرّت ستكون خطيرة على الكويت قبل غيره، انطلاقاً من مبدأ إن العراق ليس لديه ما يخسره بعد هذه المصائب التي ألمّت به. فالكويت التي تستقوى بالأجنبي وبقرارات مجحفة وظالمة صدرت من مجلس الأمن في ظروف قاهرة، تسعى لفرض سيطرتها على هذا الممر الحيوي، متجاهلة الحقوق التاريخية والجغرافية للعراق، وهي بذلك تعرّض نفسها والمنطقة لمخاطر كبيرة، ومستقبلها لمصير مبهم دون ان تدرك نتائج ما تقدم عليه!!!
فعلى الحكماء فيها ان يدركوا .. إن هذا الخلاف ليس مجرد نزاع قانوني، إنما هو محاولة لخنق العراق اقتصادياً وسياسياً وإستراتيجياً، عبر الحد من وصوله إلى البحر، الأمر الذي لايمكن ان يستمر او ان يقبله العراقيون اطلاقاً، مهما دفعت الكويت من رشاوى للخونة وعصابات المنطقة الخضراء .
هذا من جانب ومن الجانب الأشد إيلاماً هو التطاول على كرامة العراقيات والعراقيين. فوفق تقارير إعلامية كويتية، مثل تلك التي نشرت في (القبس) وصفت العراقيين بألفاظ مهينة، مستحضرة الأجواء التي سبقت أحداث 1990 وبطريقة تجرّد الشعب من إنسانيته !!!
هذه الإساءات التي تُعد محاولة (لتحقير) شعب قدّم تضحيات لا تُنسى من اجل الأمة وخاصة دول الخليج والكويت تحديداً، ودعم سخي لأشقائه في مشرق الوطن العربي ومشرقه. فالعراق، الذي دافع عن دول الخليج خلال الحرب الإيرانية-العراقية، يجد نفسه اليوم متهماً، محاصراً، ومُهاناً من قبل صغار النفوس، أولئك الذين يستهينون بدماء رجاله.
التاريخ والحاضر يحملان حكاياتهما مع الكويت، لكن المستقبل يُلوّح بحكاية أخرى. وان استمرار التآمر على العراق من قبل حكام الكويت، والسعي لسلب حقوقه في مياهه وثرواته ومنفذه البحري الوحيد، والتطاول والاستهتار على شعبه، لن يمر دون ردع، وان طال الزمن وكثرت الرشاوي، العراق لن يظل صامتاً.
شعب العراق، الذي قاوم الاحتلال والحصار والإرهاب ولازال يكافح من اجل الخلاص من زمر الخيانة والفساد والتجسس، يملك إرادة لا تُلين، وكرامة لا تُمس.
ولمن يفرحون بإذلال العراق، ويعتقدون بذلك، نقول، احذروا، انه العراق الذي تعرفون ماذا يفعل، عندما يُظلم!!
التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، وأي شعب هو الذي تعبثون بمقدراته وتهينون كرامته ؟ العراق، بتاريخه العظيم، من سومر الى بابل إلى اكد والحضر واشور إلى الدولة العباسية إلى القادسية الثانية إلى عصر المقاومة الباسلة التي أذاقت الأمريكان وحلفائهم وعملائهم طعم العذاب ….
إنه ليس مجرد دولة، هو فكرة، هو روح، هو كرامة أمة .. ومن يظن أن بإمكانه إذلال هذه الأمة، فهو واهم …
نداؤنا لحكام الكويت وأبواقهم:
كّفّوا عن استفزاز شعب عانى ما يكفي .. توقّفوا عن إعادة إنتاج أزمات الماضي بتصريحاتكم اللا اخلاقية، ومواقفكم اللامسؤولة … فالعراق ليس عدواً لكم ، هو أخٌ وجار وشقيق، شارككم في التاريخ والمصير .. دعونا نطوي صفحة الخلافات، ونبني جسراً من الاحترام والإنصاف والعدالة، ولعلكم تُنصفون انفسكم وتحمون بلدكم وتعيشون بسلام، بإعادة حقوق العراق واراضيه وثرواته ومنفذه البحري وحدوده التاريخية، طواعية وبمبادرة اخوة وسلام من حكمائكم ان بقي أحد منهم … وإذا ما استمريتم في التطاول على العراق وفي الاستقواء بالأجنبي، فاعلموا إن الحقوق ستنتزع بقوة الحق والكرامة إن عاجلاً أم آجلاً .. وإن كانت لكم حكاية مع المستقبل، فلتكن حكاية إنصاف لانفسكم أولاً، ولإشقائكم ثانياً، والعراق من شيمته الوفاء والتسامح،
واعلموا إن شعب العراق ، الذي قاوم الظلم والاحتلال، لن يُهان ..
