صمت في حضرة الكوت !! مقالا للكاتب علي محمد ابراهيم

مقالات

مرت ايام قليلة على فاجعة الكوت التي راح ضحيتها عشرات المدنيين الأبرياء بعد احتراق مبنى يطلق عليه اسم (هايبر ماركت الكوت) حيث اغتيلت الإنسانية والمدنية والبراءة بغدر الفوضى والعبثية والفساد واللامبالاة كما ذبح الأمن والسلام كالاضاحي في العيد وسالت الدماء ، أنه يوم (الشيطان) ذلك الذي يعجز فيه التضرع إلى الله أن يحقق غايته ولا يستجاب فيه الدعاء وتأبى النار فيه أن تكون برداً وسلاماً على الأبرياء

بعد سنين ستتحدث الناس عن الحادثة شأنها شأن (سبايكر) أو عبارة الموصل أو الحمدانية ولابد من توثيق الحقيقة بعدسة الصدق وعين الواقع ، فما الذي حدث في الكوت ؟ وكيف لنا أن نصف بصدق ماجرى وبأي العبارات وماذا نقول للعالم والتاريخ ، الطفولة ، البراءة الأمومة ، المطعم ، الصراخ ، الفراق ، أن يتحول الناس إلى رماد ، أن تحضن النار الأمهات والابناء والشيوخ فتصرهم إليها حتى يذوبون كالزيت فيها ، ماذا وماذا أليست هذه ادوات مسرح فاجعة الكوت ، فاي عشاء هذا الذي مقبلاته أدخنة وطعامه نار ، واي ضيافة تلك التي يتنزل فيها الموت من كل جانب وتهرول فيها الأرواح إلى السماء محروقة !!

فمن هو الجاني ، من القاتل ، من المجرم الذي فعل كل ذلك بالكوت وأهله؟ والجواب على ذلك يدركه الجميع ومنذ زمن طويل ، فالقانل بيننا يسرح ويمرح ، يدخل في كل الأماكن والأزقة ، محاط بالحاشية ، شقي ، ثري ، غني ، يجالس الكبار ويسكن القصور ولا يخشى أحد لأن لديه حصانات ، القاتل في كل مكان في العراق ، أنه (الفساد) الأخلاقي والأيماني والمالي والإداري الذي اجتاح العراق كله وأخذ يقتل الناس بادواته القذرة ، الفساد لم يفرض على صاحب هذا المبنى تحقيق قواعد السلامة المدنية ولم يوفر سيارات الإطفاء أو عمليات الطوارئ ولم يوفر حتى جرس الانذار المبكر ، نعم هو الفساد الذي وضع الناس في هذا الصندوق ليحرقهم جميعاً بهذه الوحشية ، واليوم كيف يمكن أن نواسي الكوت ؟ بالشعارات ام بالنظريات والخطب والتصريحات ، كيف نواسي الكوت وبأي طريقة ؟ يصر أهل الفاجعة أن لا يستقبلوا غير المدنيين والعشائر من المحافظات كافة وهذا حق طبيعي لان نيران قلوبهم مازالت مستعرة وان الحديث في غير الترحم على امواتهم قد يفجر الغضب ويثير الشجون وهذا مالا يتمناه أحد ، لذلك فأن مواساة أهل الكوت اليوم تستبعد السياسة والمسؤولين عنها وتلك رغبتهم ولابد من احترامها كما أن الصمت في حضرة الميت فضيلة .