مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، تثار تساؤلات مهمة عن مدى إمكانية إجرائها في ظل غياب المحكمة الاتحادية عن أداء دورها الدستوري، خاصة وأن المحكمة هي الجهة الوحيدة المخوّلة بالمصادقة على نتائج الانتخابات، والنظر في الطعون والاعتراضات.
عضو في اللجنة القانونية النيابية، أكد، اليوم السبت، أن استقالة قضاة المحكمة الاتحادية العليا، لن يؤثر على توقيت إجراء الانتخابات المقبلة.
وقال النائب رائد المالكي، في حديث تابعته “العالم الجديد”، إن “قضاة المحكمة الاتحادية طلبوا إحالتهم إلى التقاعد بأنفسهم، ولم يُفرض عليهم ذلك”، لافتا إلى أن “المحكمة الاتحادية واجهت عزلة واضحة من قبل سلطات الدولة، باستثناء قلة من النواب الذين وقفوا معها ودافعوا عن توجهاتها”.
وأضاف، أن “مشكلة المحكمة الاتحادية لا تنحصر فقط ضمن المنظومة القضائية، بل تتعدى ذلك إلى السلطات الأخرى التي لم تتقبل مواقفها وتوجهاتها الدستورية الجريئة”، لافتا إلى أن “هناك من كان يطالب المحكمة بانتهاج أسلوب توافقي، بغض النظر عن أخطاء العملية السياسية، وهو ما لم تقبله المحكمة”.
وبشأن المخاوف من تأثير إحالة القضاة إلى التقاعد على موعد الانتخابات، أكد المالكي أن “اختيار بدلاء القضاة يتم وفق آلية دستورية واضحة، من خلال ترشيح مجلس القضاء الأعلى، ومصادقة رئيس الجمهورية”، معتقدا أن “هذا الإجراء لا يستغرق وقتا طويلا، ولن يؤدي إلى تأجيل الانتخابات”.
وكانت النائبة عن ائتلاف الإعمار والتنمية، عالية نصيف، كشفت في 24 حزيران يونيو، عن انفراجة في أزمة الاستقالات الجماعية داخل المحكمة الاتحادية، مؤكدة أن القضاة التسعة سوف يعدلون عن استقالاتهم بعد استقالة رئيس المحكمة الاتحادية العليا، القاضي جاسم العميري، لانتفاء الأسباب، إلا أنه لم يتم شيء يذكر حتى الآن (وقت كتابة الخبر).
وشهدت البلاد، خلال الأسبوعين الماضيين، استقالة ستة من أعضاء في المحكمة مع ثلاثة قضاة احتياط، وجاءت الاستقالات من المحكمة الاتحادية العراقية بسبب توجيه الاتهامات لرئيسها جاسم العميري ، بالتفرد في القرارات وتخطي صلاحيات المحكمة الدستورية والقانونية، ومحاباة قوى سياسية وحزبية مختلفة، بحسب مصادر مطلعة.
وسبق الاستقالة الجماعية، الكشف عن وثيقة للعميري، يطالب فيها رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، بعقد اجتماع للتدخل بالأزمة بين المحكمة الاتحادية العراقية، ومحكمة التمييز العليا، التي رفضت عدة قرارات للأولى، واعتبرتها ليست ذات اختصاص للبت بها، هذا الطلب رفضه المشهداني، وأعلن ذلك في بيان رسمي، أن الطلب يتيح التدخل السياسي بعمل القضاء “وهو ما لا ينبغي أن يكون”.
كما قالت رئاسة الجمهورية العراقية، في وثيقة رسمية، إنها ترفض مقترحا مماثلا للعميري بشأن عقد اجتماع للقوى السياسية، معتبرة أن خطوته تمثل خرقا صريحا للدستور العراقي، ولا مجال لفتح باب تدخل السياسة في القضاء. واختتمت الوثيقة بالقول: “مقترحكم مرفوض”.
خلال ذلك، ترد أنباء من قوى سياسية وأطراف قضائية عن استقالة العميري، وأخرى تتحدث عن طلبه الإحالة على التقاعد، رغم عدم وجود حديث رسمي بشأن هذا الأمر.
وتتكون المحكمة الاتحادية من 9 قضاة رئيسيين، من ضمنهم رئيس المحكمة الاتحادية، إلى جانب 4 قضاة احتياط، ولا يمكن للمحكمة البت في القرارات، إلا بمشاركة 9 من القضاة، وهو ما يجعل الاستقالة الأخيرة لـ 9 من قضاة الاتحادية معطلة للمحكمة وعملها.
وبسبب القوانين الخاصة بتنظيم عمل المحكمة الاتحادية، فإن استقالة القضاة ستقدم إلى رئيسها، والذي بدوره يقدمها لرئيس مجلس القضاء الأعلى، ومن حق الأخير الموافقة عليها أو التريث بالموافقة، لحين معرفة الأسباب والدوافع أو إحالتها لهيئة الإشراف القضائي للبت في الطلب.
وفي حال نفذت الاستقالة، وتم الموافقة عليها، فتعرض على رئيس الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بذلك، ثم يصار إلى تقديم مرشحين جدد لسد الشواغر في مقاعد قضاة المحكمة، والذين يتم تقديمهم واختيارهم من قبل رؤساء مجلس القضاء، والمحكمة الاتحادية، والإشراف القضائي، والإدعاء العام، وبعد ذلك يتم عرض المرشحين الذين يتم اختيارهم إلى رئيس الجمهورية، لإصدار مرسوم جمهوري بهم تمهيدا لمزوالة أعمالهم.
لكن القوانين المنظمة لعمل المحكمة الاتحادية، لا تتضمن تفاصيل خاصة باستقالة قضاتها واختيارهم ضمن مدة زمنية محددة، إذ أن المحكمة تعمل وفقا قوانين سُنّت قبل كتابة الدستور العراقي عام 2005، ومن ثم عدلت بطريقة مؤقتة، الأمر الذي يدفع الأمور الحالية نحو فراغ دستوري، ومشكلة قانونية، خاصة مع توقف سير العديد من الملفات بمصادقة المحكمة الاتحادية، وأبرزها نتائج الانتخابات، بحسب بعض القانونيين.
وكانت الباحثة في الشأن القانوني والدستوري، زينب الساعدي، أكدت في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005، لم ينظم طريقة استقالة القضاة أو رئيسهم، واكتفى بتحديد تشكيلة المحكمة، وآلية الإحالة إلى التقاعد عند بلوغ السن القانونية البالغة 72 سنة”.
وأضافت، أن “عدد الأعضاء الاحتياط في المحكمة، وفق المادة الثالثة من قانونها، لا يتجاوز أربعة قضاة، وهو عدد أقل من القضاة الذين قدموا استقالاتهم، الأمر الذي يصعب إحلال بدلاء عنهم بشكل فوري”، مضيفة أن “غياب المحكمة الاتحادية عن أداء دورها سيخلف آثارا كبيرة، تتعلق بعدم المصادقة على نتائج الانتخابات، وعدم النظر في الطعون أو التشريعات التي قد تصدر مخالفة للدستور، مما يضع البلاد أمام فراغ دستوري معقد”.
يذكر أن دور المحكمة الاتحادية، ظهر جليا في الانتخابات المبكرة التي جرت في عام 2021، حيث باتت الفيصل الأول، بعد اتهامات بعض القوى السياسية بتزوير نتائج الانتخابات والتلاعب بها، إذ ردت المحكمة أولى الطعون في حينها، بعد أن تقدمت بها قوى من الإطار التنسيقي، وبعدها صادقت على نتائج الانتخابات، ليستمر دورها بالتصاعد في ظل الانسداد السياسي الذي خيم على البلاد آنذاك، وحسمت الكثير من الدعاوى، بخصوص انتخاب رئيس الجمهورية، خاصة وأن جلسة الانتخابات جرت أكثر من مرة وبقرار من المحكمة.
