من عاصمة شمال لبنان : طرابلس الشام ٠٠ سيدة وعروس البحر المتوسط “رعد أبو كلل الطائي”

طرابلس الشام لبنان ٠٠ سيدة وعروس البحر المتوسط

عودٌ على بدء ٠٠ عُدنا إلى لبنان ثانيةً إلى عروس الشرق الأوسط إلى بيروت باريس الشرق وسيدة الساحل، وأطلق عليها باريس الشرق، بسبب عطورها وأزياؤها ومبانيها الجميلة المتناسقة وجبالُها السامقة وطبيعتُها الخلابة ٠

وبعد استقرار الأوضاع الأمنية وعودة الحياة إلى معظم الشارع اللبناني والحمد لله، بدأ القطر الشقيق يستعيدُ عافيتهُ ويجتاز الصعاب بإذن الله تعالى، بعد العنف وإراقة الدماء التي ضربت البلاد في الأونة الأخيرة، وإن شاء الله سوف يتخطى كل التحديات والفرقة والاختلاف بين طوائف الوطن والشعب الواحد، ووجدتُ أبناء الشعب اللبناني بكل طوائفه مصممون على احتضانهم بعضُهُمُ البعض عند الشدة، والتفافُهم في حل مشاكلهم المتراكمة، حتى يعود لبنان إلى ما كان عليه سابقاً ٠

عاصمة شمال لبنان

وكانت وجهة رحلتنا الجديدة في لبنان هذه المرة، هي محافظة طرابلس (طرابلس الشام)، وهي مدينة لبنانية، وعاصمة محافظة شمال لبنان، وتكُنى بالفيحاء وتعتبر ثاني أكبر مدن لبنان بعد العاصمة بيروت، ونُسبَ إليها أسم طرابلس الشام تأريخياً لتمييزها عن طرابلس الغرب عاصمة ليبيا ٠
ومدينة طرابلس الشام كانت تابعة لما يسمى سابقاً بسورية الكبرى ما قبل ١٩٤٨م، وكانت ولاية الشام، ولايةٌ تابعة للخلافة الرَّاشدة ثم الأموية ثم العباسية وهذه الولاية الإسلامية كانت تضم كامل أقليم بلاد الشام على إنها ولاية واحدة، وتشمل معظم سوريا والأردن وكامل فلسطين التأريخية ولبنان، وخلال الأنتداب الفرنسي في عام ١٩٢٠م
على سوريا ولبنان ضمت المدن الساحلية ومناطق الشمال ووادي البقاع وسفوح جبال سلسلة جبال لبنان الشرقية إلى مناطق متصرفية جبل لبنان وسُميت بدولة لبنان الكبير فأصبحت هذه المناطق كلُها لبنان، وعندما حصل الاستقلال في لبنان في ٢٢ نوفمبر من عام ١٩٤٣م أعتٌمدَ أسم الجمهورية اللبنانية ٠

ويبلغ عدد سكان محافظة طرابلس مليوناً و٣٠٠ ألف نسمة وتضم طوائف عديدة من المسلمين الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان في حين يشكل المسيحييون ١٠ بالمائة من سكان المدينة، وتضم المحافظة التي تبلغ مساحتها ٢٠٠كم مربع و٤٠٠ ألف متر سبعة أقضية هي البترون والكورة وبشري والزاوية والضنية والمنية وعكَّار، وتتوسط الساحل الشرقي للبحر المتوسط ويتوسط مركز مدينة طرابلس ميدان الشهداء، والسراي الحمراء وتوصف المدينة بعروس البحر المتوسط لجمال بساتينها ومبانيها البيضاء، وتكثرُ الينابيع المائية في قلب طبيعتها الخضراء الزاهية الألوان، وحين تجلسُ فيها تشعر بجمال سحر طبيعتها، كما وتحصلُ فيها على قسطٍ من الراحة والأسترخاء وتمتاز المدينة بكثرة شلالاتِها المائية وهي الأخرى، تعطيك شعوراً كأن ماءُ شلالاتها تتساقط من السماء بكميات متفاوتة وسط اجوائِها الآسرى ٠

المعالم الآثارية

وتضم مدينة طرابلس عدداً كبيراً من البنى التراثية والآثارية والمعالم السياحية، وهي مدينة متكاملةٌ بأحيائِها وأسواقِها ودورِها وأزقتِها المتعرجة والملتوية والمسقوفة، وتضم المدينة ١٦٠ معلماً بين قلعة وجامع ومدرسة وخان وحمام وسوق وسبيل مياهٍ وكتابات ونقوش وغيرها من المعالم التأريخية والفنية ٠
وتربضُ المدينة العاصمة الثانية للبنان فوق سهلِ تغسلُ أطرافهُ الغربية مياه البحر المتوسط وتتفيأ بظِلال سفوح جبل الأرز من جهة الشرق، ويشرفُ عليها من الشمال الشرقي جبل الفهود ويخترقُها شرقاً نهر أبي علي المتدفقُ من الوادي المقدس (قاديشا) ٠

رحلتنا الى عروس البحر

كانت رحلتنا إلى محافظة طرابلس الشام عروس البحر المتوسط من خلال المجاميع السياحية، وأستقليتُ مع مجموعة سياحية في باصٍ يضمُ عدداُ من العوائل والشباب القادمين من العراق إلى لبنان لغرض السياحة، وتقود (الكروب) المرشدة السياحية اللبنانية الست فاطمة زغيب، وهذه الست بدون مجاملة، كانت في غاية اللطف والأخلاق الراقية، والمعشر الطيب والأبتسامة الحلوة والمتفاعلة مع المجموعة كافة، وتؤدي دورها الأرشادي السياحي، بكل دقة وتفانٍ، وتتحدث وبالتفصيل خلال الرحلة عن المناطق والمعالم السياحية التي نُشاهدُها بالطريق وتقدم الخدمات والأرشادات السياحية بدون كللٍ أو مللٍ، ويبدو لي إنها تمتلك ثقافةً سياحيةً واسعةً، انطلقنا من قلب الروشة في بيروت نحو طرابلس سالكين الطريق السريع الشمالي، وعرجنا إلى ساحل بيروت فالروشة ثم المنارة وعين مريسة، فمرفأ بيروت الذي حدث فيه الأنفجار الكبير والهائل في ٤ أغسطس عام ٢٠٢٠م والذي وراح ضحيتهُ أكثر من ٢٠٠ شخصٍ وأُصيبَ أكثر من سبعة آلاف بجروح، بعدها مررنا بنفق وادي الكلب ٠

مدينتا جونيه وجبيل

وبعد مسيرة حوالي ١٦كم عن شمال بيروت وبزمن عشرين دقيقة، وصلنا مدينة جونيه أو (جونية) والتي أصبحت عاصمة قضاء كسروان التابعة لمحافظة جبل لبنان منذ عام٢٠١٧م، وهذه المدينة الرائعة الجمال، تشتهر بمخيماتها الساحلية وحياتها الليلية الصاخبة فضلاً على سوقها الحجري القديم وميناء العبارات علاوةً على أمتلاكها لموقعٍ متميز للطيران الشراعي، ومصعدٍ يسمى الجندول (التلفريك) الذي ينقل الركاب والزائرين والسياح إلى ضريح سيدة لبنان مريم العذراء في حريصا، ونعاود المضي والسير حتى نصل إلى أقدم المدن المسكونة في العالم والتي تقع على ساحل البحر المتوسط هي مدينة (قضاء جبيل)، وهو كذلك أحد أقضية جبال لبنان والذي يبعد عن بيروت بواقع ٣٧كم وتحتوي المدينة على أشهر المواقع الآثارية في المنطقة والتي أستمر عمرُها منذ انشائها وحتى اليوم، وقلعتُها التي بناها الصليبيون في القرن الثاني عشر الميلادي، وهذه المدينة تأسست كقرية لصيادي السمك على التل المشرف على جنوب غرب ساحل البحر المتوسط خلال الألف السادس قبل الميلاد، ثم أرتقت إلى مصافي المدن في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد، فأصبح لها شوارع وساحات ومبانٍ وأسوارٍ ٠

دير ماريا ودير نوريه

وبعد سيرنا نصف مسافة الوصول إلى محافظة طرابلس الشام من بيروت مررنا بمدن، عمشيت والبربارة وكفر عبيدة وشكا القلمون، حتى وصلنا إلى تخوم طرابلس الشام، وعرجنا إلى طريقٍ جانبي جبلي يقع أيسر طريقنا الرئيسي والذي يؤدي إلى دير ماريا وسد تنورين، وتسلقنا المرتفع الجبلي، ووصلنا الدير خلال عشر دقائق، ويقع الدير على مرتفعٍ جبليٍ، ومطلٌ على وديانٍ عميقةٍ ومياهٍ زرقاء جميلة وعلى سدٍ يدعى (تنورين)، والتي غنت عنه وذكرته المطربة فيروز في سبعينيات القرن الماضي والديرُ محاطٌ من كل جانب بالمناظر الرائعة الجمال والجنان والمتنزهات والمشاتل الخضراء والغابات والأشجار الكثيفة المتنوعة الباسقة، وبعد التقاط أحلى الصور التذكارية في هذا المكان، رجعنا نحو كنيسة دير نوريه، وهو يبعد بمسافة ٣كم عن موقع دير ماريا، بأتجاه أسفل الطريق، ودخلت مجموعتنا إلى داخل كنيسة الدير، وأخذنا قسطاً من الراحة والأسترخاء، وواصلنا السير إلى طريقنا الرئيسي حتى وصلنا إلى ميناء أو مرفأ طرابلس
وأستقلينا مركباً من المرفأ في جولة بحرية في البحر المتوسط إلى جزيرتي الأرانب والرامكين وكان البحر هائجاً وأمواجهُ تتلاطمُ بقوةٍ، والرياحُ كانت هي الأخرى قويةً، ولم نستطع إكمال جولتنا إلى الجزيرتين لسوء الأحوال الجوية ٠
وبالقرب من المرفأ اتجهنا إلى أحد المطاعم المشهورة لتناول الأسماك، والمطلة على البحر (مطعم أسماك طلال) ومن خلال نوافذ المطعم ترى مشاهد البحر المتوسط الهائج وأمواجه المتلاطمة إلى عنان السماء، وبعدَ أكثر من ساعة نُقلنا إلى مركز محافظة طرابلس العريقة في جولة سريعة لمشاهدة مبانيها وشوارعها ومعالمها الآثارية والتأريخية ٠

مدينة البترون

وفي رحلة العودة من طرابلس إلى بيروت، كان برنامج رحلتنا يتضمن مشاهدة قضاء البترون وبالفعل توجهنا من طرابلس نحو البترون والذي يبعد حوالي ٣٠كم عن غرب طرابلس و٥٠كم عن بيروت، ووصلنا المدينة والتي تُعدُ هي الأخرى إحدى أقدم المدن اللبنانية، وتأسست على يد الفينيقيين، وأزدهرت هي وميناؤها في القرن التاسع عشر الميلادي، وأصبحت مركزاً إدارياً مستقلاً، وتشتهر ايضاً بأسواقها الآثارية وخانتِها الكثيرة، ثم تراجعت خلال الحرب العالمية الأولى، وبعد استقلال لبنان في عام ١٩٤٣م أصبحت المدينة جزءاً من دولة لبنان، ومن معالم مدينة البترون قلعتُها وسور حُصنها ومدرجُها الروماني الذي يقامُ فيه الفعاليات والأنشطة الرياضية والفنية كافة، وتجولنا في شوارع وحواري المدينة الجميلةوالراقية وتناولنا في أحد حواريِها وازقتِها وفي محلِ يسمى ( ليموناضا حلمي) المشهورة عصير الليمون وهو عبارة عن عصير ليمون طيب المذاق، كما تباعُ فيه ايسكريم الليمون الحامض، وبعد أن أكملنا جولتنا في البترون عُدنا إلى بيروت الحب والجمال ٠
بعد هذا السرد المتواضع أعودُ فأقول :
إن طرابلس المدينة هي سيدة ساحل البحر المتوسط العريقة والتي يرجعُ تأريخُها إلى عهد الفينيقيين قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وشوارعُها ومبانيُها ومعالمُها الآثارية هي التي تتحدث عن تأريخُها الذي يعود إلى العصور القديمة المتأخرة، والمدينة غنيةٌ بالمعالم السياحية والثقافية والآثارية والحضارية والحداثة، وهي في الوقت نفسه وجهةٌ سياحيةٌ مثاليةٌ، والمدينة تحرص على الحفاظ على طابِعها العلماني والأيماني الأسلامي والتألف والتكاتف مع أطياف المجتمع الطرابلسي كافة ٠
وعُرفت طرابلس الشام التي يمتزجُ فيها الحاضرُ بالتاريخ منذُ القدم بموقعها الجغرافي المتميز كونها صلةُ وصلٍ ما بين شاطئ شرق البحر المتوسط والداخل السوري العربي مما جعلها مركزاً تجارياً مهماً على مستوى المنطقة ومنطقة شمال بيروت، فمركز طرابلس يبعد عن الحدود السورية بمسافة ٤٠كم من جهة محافظة حمص السورية ٠