بهذه العبارة (يا سيِّدي إنَّنا فقراء) يختتم الشَّاعر حميد سعيد نصًّا قصيرًا، عميقًا ومؤثِّرًا، أسْماه (تحوُّلات). في كلمات مقتضبة يقول الشَّاعر العراقي الكبير، الَّذي اضطرَّ العيش مغتربًا بعيدًا عن بلاده، قريبًا مِنْها، منذُ العام 2003 بعد تعرُّض العراق للاحتلال الأميركي، يوضِّح: (هذه تجربة حقيقيَّة، عشتُها في المقهى الَّذي أتردَّد عَلَيْه كُلَّ يوم، مذ أقمتُ في عمَّان. واختفتْ بطلة القصيدة، الطِّفلة ثمَّ الصبيَّة ثمُّ الأُم، منذُ وباء الكورونا). تختصر القصيدة حقبةً طويلة تمتدُّ لأكثر من عَقدَيْنِ عاشها شاعر عراقي، يجلس في المقهى متأملًا كُلَّ شيء، ولا أريدُ أن أفسدَ العالَم الصَّادق والنَّقي الَّذي جاء به شاعر صادق ونقيّ لم تتمكنْ مِنْه الدَّقائق والسَّاعات والسَّنوات العجاف، رغم أنَّ القصيدة قصيرة لكنَّها تحفل بالكثير.
القصيدة بعنوان (تحوُّل):
حيثُ يجلسُ كلَّ صباحٍ..
تَمُرُّ به طفلةٌ
لتبيعَ له أيَّ شيءٍ
سيتركهُ حين يغدو إلى البيتِ
يمنحها.. كلَّ ما كان في الجيبْ
وهو قليلُ قليلٌ
ويعرِفُ .. أنْ ليسَ شيئًا من المال..
يأتي به الغيبْ
يومَ يقولُ لها بالإشارة.. لا مالَ عِندَي
تخاصمهُ وتغادرُ
تخرجُ من دون أنْ تترضّاهُ
لكنها.. ستعود
لقد كبرتْ
حيثُ يجلسُ كلَّ صباحٍ..
تمرُّ الصبيَّة.. يسألها أو يكادُ..
عن طفلة الأمسِ
تشغله ببضائع.. لا نفعَ فيها
تبيعُ لهُ ما تشاءُ.. لا ما يَشاءْ
يقول لمن معهُ..
وهي تخفي مفاتنها..
هذه طفلةُ الأمسِ
تزهو بما اكتنزتْ من عجائب أمر النِّساء
وتَغيبُ طويلًا..
ويبقى كما كان.. يجلسُ كلَّ صباحٍ
وتأتي.. لقدْ ثقُلَتْ
وهي تحمِلُ طفلًا.. تُشيرُ إِلَيْهْ
تقولُ له ولدي..
وتبيع له ما تشاءُ.. لا ما يشاءْ
كُنْتَ أبًا طيِّبًا..
وكلُّ الَّذي كان بَيْنِي وبَيْنَكَ..
يا سيِّدي.. إنَّنا فقراء
22- 9- 2017
في ركنٍ من المقهى يجلس الشَّاعر والمعارف والأصدقاء، في ركن المقهى يلتقط الشَّاعر الصورة ويوثِّق الحالات ويرصد التَّحوُّلات.
عشرون عامًا ونيّف والشَّاعر المُبدع الكبير يعيش هواجس الشِّعر رغم قسوة الغربة والفراق.
للطِّفلة أصبح جيل وللشَّاعر أجيال من القصائد.
