ما هو حجم الجهد والجهود المبذولة من قِبل الدوَل والمؤسَّسات المعنيَّة بالتَّصدي للأخبار والمنشورات الزَّائفة بمختلف محتوياتها، مقارنةً بحجم التَّطوُّر الهائل الَّذي يحدُث يوميًّا في مجال الذَّكاء الاصطناعي، وتحديدًا في «التَّزييف العميق» وحتَّى التَّزييف التَّقليدي؟
وكيف يُمكِن إيجاد الحلول المطلوبة لـ»ازدواجيَّة استخدام الزَّائف» من قِبل الأفراد والمؤسَّسات والدوَل، وفي الوقت نَفْسه «محاربة الزَّائف» لِمَا يتسبَّب به من أخطار جمَّة؟
هل يُمكِن دراسة أسباب تقدُّم الزَّائف في المنشورات بمختلف فئاتها على الجهود الَّتي تحاول التَّصدِّي لهذه الموجات المتصاعدة في العالَم؟
وهل نستطيع تفسير الازدواجيَّة المؤسَّساتيَّة في التَّعاطي مع موجات الزَّائف من الأخبار والمعلومات الَّتي تخرج من أماكن وجهات كثيرة؟
بِدُونِ شَكٍّ، أنَّ المعضلة الرَّئيسة في قضيَّة التَّصدِّي لكُلِّ ذلك تنبع من شعور الكثير من المؤسَّسات المُتضرِّرة بصورة أو بأخرى من الزَّائف في الأخبار وغيرها، بشعورها بالحاجة في بعض الأحيان أو في الكثير من الأوقات إلى استخدام الزَّائف لمصلحة أو لأهداف مباشرة وغير مباشرة. فمن يستخدم المنتجات الرَّقميَّة الزَّائفة في حربه أو تصدِّيه لجهةٍ ما، سرعان ما يجد أنَّ الطَّرف الآخر يستخدم ذات الأدوات، وإن كان بطُرقٍ مختلفة، لتوجيه هجمات شديدة ضدَّه. وبهذا يشترك الكثيرون في الحملات الَّتي تعتمد في حروبها ضدَّ الآخرين على «الزَّائف» من المعلومات. ويؤدي البحث عن تزييف الأخبار وخطورتها على المُجتمعات إلى إظهار الكثير من الدَّعوات والدِّراسات الَّتي تصبُّ في اتِّجاه التَّصدِّي للأخبار الزَّائفة. بالمقابل، لن تجدَ إلَّا جهودًا ضئيلة جدًّا في التَّطبيقات العمليَّة في سبيل تلك الجهود الَّتي يفترض أن تؤديَ إلى التَّصدِّي الحقيقي على أرض الواقع. نجد برامج قليلة متناثرة هنا وهناك في أعماق الشَّبكة العنكبوتيَّة، يُمكِن من خلالها اكتشاف مصدر الصوَر والفيديو وتاريخ البثِّ والنَّشر. لكن مقابل ذلك، تجد عشرات الآلاف من الحسابات والبرامج الَّتي تبثُّ يوميًّا مئات الآلاف من الأخبار والمنشورات والفيديوهات والصوَر وحتَّى الأصوات المزيَّفة. وفي مواجهة هذا الكمِّ الهائل من الزَّائف الَّذي أصبح يحمل الكثير من عوامل الإقناع في ما يقدِّمه من محتوى، فإنَّ جهود التَّصدِّي لتلك الهجمات لا تتناسب وحجم الأخطار النَّاجمة عن ذلك، والَّتي تُهدِّد في مُجملها حياة النَّاس وتعمل على تشويه الرُّؤية لدَى قِطاعات واسعة في كُلِّ مكان في العالَم.
لم تتوقفِ الحملات التَّحذيريَّة الَّتي تُطْلقها المؤسَّسات والحكومات منذُ أكثر من عَقْد، حيثُ ازداد نشاط «الزَّائف» قَبل أن يصلَ إلى التَّزييف العميق. بالمقابل، بقِيَتْ غالبيَّة الجهود محصورةً في خانة «التَّحذير» مع جهود لا يُمكِن وصفها إلَّا بالمحدودة، في حين يزداد نشاط الأفراد والمؤسَّسات النَّاشطة في ميدان صناعة الزَّائف الَّذي يتقدَّم بخطوات مذهلة. كُلَّما اشتعلتِ الحروب والصِّدامات، ظهرتْ حملات شرسة من المنشورات والأخبار الزَّائفة. ويتلقى هذا الطَّرف أو ذاك صفعات قويَّة قَبل أن يبدأَ حملة التَّكذيب والتَّصحيح، لكن غالبًا ما يحصل ذلك بعد فوات الأوان.
تسونامي الزَّائف لا حدود له، والجهود المقابلة ليس لها التَّأثير الملموس وسط هذا التسونامي الكوني.
