رواية «موسيقى سوداء» للصَّديق الكاتب والرِّوائي والأستاذ الجامعي في جامعة الموصل في العراق، الدكتور نجمان ياسين، توثِّق للأفعال البشعة الَّتي ارتكبتها قوَّات الاحتلال الأميركي بحقِّ العراقيِّين.

يكشف المؤلِّف في روايته العديد من الحقائق السوداء، ويبعث برسائل عديدة لجهات كثيرة في مقدِّمتها ضمير الإنسانيَّة الَّذي لا يتحرك لمحاسبة هؤلاء المًجرِمِين.

من بَيْنِ أهمِّ المعلومات الَّتي يكشفها ويوثِّقها في روايته وجود مُحقِّقين ومُعذِّبين ومُجرِمِين» إسرائيليِّين» مع القوَّات الأميركيَّة في العراق، فقد كانوا مِثل الكلاب المسعورة في تعذيبهم للأسرى العراقيِّين، ويرددون في التَّحقيق والتَّعذيب أنَّ العراقيِّين قتلوا سبعة وعشرين «إسرائيليًّا» وأنَّهم أسقطوا مروحيَّتيْنِ، هذه المعلومات سمعتُها من الكثير من الرِّجال الَّذين اعتقلتهم قوَّات الاحتلال الأميركي، لكن ـ وحسب اطِّلاعي ومتابعتي ـ أوَّل مَنْ يوثِّقها في عمل أدب هو الدكتور نجمان ياسين.
عِندَما دهمَتْ بيته في مدينة الموصل يوم الخامس عشر من تشرين الثَّاني في العام 2003، بعد نصف ساعة من الإفطار كانوا يعرفون أنَّه استاذ جامعي ومؤلِّف وشخصيَّة مرموقة، لكن كُلّ ذلك لم يشفعْ له أمام الوحوش، واعتقلوه أمام أفراد عائلته ليسلِّموه للوحدة «الإسرائيليَّة».
هذا العمل الرِّوائي ليس من أدب الخيال أو تصويرًا لوقائع سمع بها المؤلِّف من الآخرين، إنَّما يروي ما حصل له شخصيًّا في سجون «الإسرائيليِّين» والأميركيِّين في العراق، يقول: خرجتُ من السّجن لأجريَ عمليَّتيْنِ جراحيَّتيْنِ، وخرجتُ لأكتبَ هذا العمل الأدبي الَّذي يؤرِّخ لصبوات وتجلِّيات وتقلُّبات روح تمسك بجذور مياه العراق، هو إذا عمل ينطلق من الظَّلام ضدَّ الظَّلام ليدقَّ عنقَه الغليظ ويحتفي بكبرياء القلب البَشَري.

بعمله المؤلم والرَّصين لا يتحدث دكتور نجمان ياسين عن نَفْسِه وآلام التَّعذيب فقط، يرسم دقائق اللَّحظات الجحيميَّة الَّتي عاشها مئات الآلاف من العراقيِّين والعراقيَّات وحتَّى الأطفال، على أيدي دعاة «الحضارة والديمقراطيَّة» وحوش الجيش الأميركي و»الإسرائيلي».

رحلة بل رحلات متداخلة ومتشعِّبة يجمع فيها المؤلِّف اللُّغة وما تكتنزه ويغوص عميقًا في مشاعر النَّفْس البَشَريَّة، الدِّماء تغطِّي وجْهَه وبقيَّة أجزاء جسده، الوقوف معصوب العينَيْنِ ومكبَّل اليدَيْنِ في العراء تحت المطر، طيلة اللَّيل والبرد يسجنه بكُلِّ ما أُوتي من غضب وتعَبٍ وألَمٍ.

ماذا يقول هؤلاء المُجرمون لأنْفَسِهم ولعوائلهم وبعد ذلك لأحفادهم، ابتداء من الزَّعيم الأكبر في البيت الأبيض وصولًا إلى المجنَّدات والمجنَّدين الأوباش الَّذين مارسوا كُلَّ هذا الإجرام بحقِّ العراقيِّين، في كُلِّ بيت، تركوا الجروح والمشاهد البشعة، وألصقوا حقدًا عميقًا في قلوب الأطفال، الَّذين كبروا وما زالوا يتحدثون عن ذلك الإجرام اليومي.

في كُلِّ مقبرة آلاف الضَّحايا الَّذين قتلهم الأميركان بأسلحتهم أو الَّذين ماتوا تحت التَّعذيب البشع، وعشرات الآلاف من الَّذين تتنقل عاهاتهم معهم نتيجة التَّعذيب في كُلِّ مكان.

يرسم الرِّوائي الكثير من لوحات الرَّفض ومقاوَمة الأطفال العراقيِّين إلى جانب المقاوِمين الأفذاذ، (الجنود الأميركان يلوِّحون للنَّاس بأيديهم، يرمي بعضهم الحلوى على صبية المحلَّة، يتقدم أحَد صبية المحلَّة، يلتقط كيس الحلوى ويرفعه عاليًا ليبصرَه الأميركان، ويرميه في برميل القاذورات) رواية موسيقى سوداء ـ الصَّفحة (78).

رواية عراقيَّة لمقاوِم عراقي بدرجة أستاذ جامعي الدكتور نجمان ياسين.

رحيل علاء حسن مقالا للكاتب وليد الزبيدي