لا يُمكن تنفيذ مشروع التهجير لهذه الأسباب

لا يُمكن تنفيذ مشروع التهجير لهذه الأسباب

اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد أيام من زيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن بأنَّ الأردن ، رفضت بشكل قاطع مشروع التهجير المقترح، كما ألمح ضمناً إلى أنه ليس بمقدوره إجبار أي من البلدين على القبول به، وبذلك انحسم الجدل الذي اشتعل في الأردن حول ترجمة خطاب الملك، عندما كان في البيت الأبيض بواشنطن.

من يظن أن الأردن تحديداً يُمكن أن يوافق على هذا المشروع فهو واهم، ولا يعرف شيئاً عن هذه المملكة، حيث إن الموافقة على هذا المشروع سوف يعني بالضرورة الانتحار، وفي حال حصل التهجير فعلاً -لا قدر الله- سواء من الضفة أو من غزة، فان هذا سيعني نهاية الدولة الأردنية، ولذلك فمن المستحيل أن يكون في هذه الدولة أي عاقل يوافق على هذا الانتحار، وعلى مسح نفسه من الوجود.

مشروع التهجير الذي طرحه ترامب لا يُمكن أن يوافق عليه أي طرف داخل الأردن أو داخل فلسطين، على حدٍ سواء، لأنه يعني في نهاية المطاف تسليم الأرض الأردنية والفلسطينية إلى إسرائيل، وهذا لا يُمكن أن يقبل به أحد، ولذلك صرح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن هذا المشروع هو إعلان حرب على الأردن، وهذا هو أول تهديد أردني من نوعه منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث لم يسبق أن هدد، لا تصريحاً ولا تلميحاً بالحرب أو باستخدام القوة العسكرية. أغلب الظن أن الإسرائيليين والأمريكيين أدركوا أن تمرير هذا المشروع على حساب الأردن ومصر أمر غير ممكن، لعدة عوامل، أولها رفض الأردن ومصر لهذا المشروع وهو رفض حقيقي غير قابل للمساومة، بسبب أن هذا المشروع يشكل تهديداً وجودياً للأردن، كما إنه يشكل تهديداً للأمن القومي العربي عموماً، والأمن الوطني في مصر على وجه الخصوص.

أما العامل الثاني المهم في إفشال هذا المشروع فهو الإجماع الفلسطيني على رفضه، حيث لا يوجد أي طرف فلسطيني يُمكن أن يقبل بهذا المشروع، أو يتعاطى معه، بما في ذلك السلطة الفلسطينية المحاصرة في رام الله، والتي تخضع لضغوط وابتزاز جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يجتاح المدن والقرى يومياً، وهذا معناه أن هذا المشروع لا يوجد في الداخل الفلسطيني من يُمكن أن يُشرف على تنفيذه.

العامل الثالث الذي يُعطل ويعرقل تنفيذ مشروع ترامب هو، أنه وصفة لنشر العنف والفوضى في المنطقة برمتها، وتوسيع رقعة الحرب مع إسرائيل؛ ففي أعقاب عملية التهجير الجماعي، التي تعرض لها الفلسطينيون بعد نكسة عام 1967 تحول الأردن ومصر وسوريا ولبنان، إلى مراكز لانطلاق العمليات الفدائية التي تستهدف إسرائيل، وظل ذلك الوضع على حاله حتى التوصل إلى الهدنة التي تلت حرب أكتوبر 1973، ولاحقاً لذلك استمرت المقاومة في لبنان وتواصلت حتى طرد القوات الإسرائيلية من الجنوب في عام 2000. هذا المشهد ربما يتكرر في حال تم تنفيذ مشروع التهجير، وهو مشهد لا يُمكن أن يصبَّ في مصلحة الإسرائيليين والأمريكيين، ولذلك فإنهم على الأغلب يتريثون فيه.

والخلاصة هي أن فكرة التهجير ليست جديدة، بل نفذها الإسرائيليون سابقاً، وجربها الفلسطينيون أيضاً، وها هي مخيمات اللجوء في دول الطوق ما زالت تشهد على التهجير الذي حدث، ولذلك فان من رأى وسمع عن هذه التجربة لا يُمكن أن يقبل بتكرارها، إذ إن الفلسطينيين أنفسهم في غزة أو الضفة الغربية، يُفضلون الموت داخل منازلهم وأراضيهم على أن يهاجروا للعيش عقوداً مقبلة في مخيمات للجوء لم يروا فيها من قبل سوى الذل والفقر والحرمان.