التعليم بالذكاء الاصطناعي مقالا للكاتب ياس خضير البياتي

الذكاء الاصطناعي

أصبح الذكاء الاصطناعي مصدرًا للأمل والقلق في هذا القطاع؛ فنحن اليوم عند مفترق طرق. فبعض الناس يُحيطه التفاؤل من كل جانب؛ بينما يشعر آخرون بالخوف من أن يتجاوزهم الزمن. لكن ينبغي علينا أن نفهم أن التغيير ضروري -وربما حتمي-لمستقبلنا.

قبل ظهور الذكاء الاصطناعي، كان العالم مختلفًا تمامًا عمَّا هو عليه الآن. إنه عالمٌ مُرعبٌ يُذكرنا باكتشاف السلاح النووي؛ حيث تسبَّب ذلك في تغيُّرِ المزاج البشري وإثارة الرعب من المستقبل في النفوس؛ خوفًا من المجهول.
عندما يظهر مخترَع جديد في العالم، يبدأ الناس بنشر الهواجس والتكهُّنات حوله، فتتغير الأمزجة، ويصيب الاكتئاب الملايين، وتُمرَّر الإشاعات السلبية حوله، حتى لو اكتشف لهم هذا المختَرع جيناتهم المرضية ورسم لهم خرائطَ النجاة.
هذا ما حدث بالضبط للذكاء الاصطناعي؛ حيث واجه هجومًا شديدًا بالانتقاد والرفض، وتحوَّل إلى بُعبع يُثير الرعبَ في العقول، وأداةٍ للتحريض ضده. للأسف، لم يُعطَ الذكاء الاصطناعي حقَّه من الإنصاف، رغم الازدواجية الغريبة؛ إذ يتم استخدامه في الطب والتعليم والصناعة والبحوث، ورغم ذلك لا يُقال عنه ما يبعث على الأمل.
يُنظر إليه بعيون سلبية عندما يشعر البشر أنه يتفوَّق عليهم أو يستولي على بعضِ وظائفهم أو مصالحهم أو أحلامهم!
يقول العلم: إن الخلايا العصبية البيولوجية تعمل بتردُّدٍ أقصى يبلغ نحو 200 هرتز؛ مما يمنحها قدرةً تفوق الدماغَ البشري؛ من حيث سرعة الحساب ودقَّة النتائج.

إضافةً إلى ذلك، تتمتع الخلايا العصبية بقدرة على التوسُّع، من خلال إضافة المزيد من الأجهزة؛ بينما يقتصر ذكاء الإنسان على حجم الدماغ وهيكلِه، وكفاءة التواصل الاجتماعي.

كما يُمكن تكرار برامج ونماذج الذكاء الاصطناعي بسهولة. ورغم ذلك، هناك مخاوف من أن يتحوَّل الذكاء الاصطناعي إلى اختراع “مارق”؛ مما يجعله يخرج عن السيطرة البشرية، ويُشكِّل تهديدًا لمستقبل الإنسانية.

مع ذلك، يقول بعض العلماء: إن الذكاء الاصطناعي يُساعدنا في تحقيق ما نُريده بطريقة أسهل؛ لكنه يبعدنا عن عملية التفكير الإبداعي. يرفع هذا الأمر شعارًا، مفادُه: “لا تُفكّر، فنحن نُفكّر بدلاً منك، ولا تكتب، فنحن سنكتب عنك”.

وعلى الرغم من أنها من صنع الإنسان؛ فهي تفتقر إلى الإنسانية، ويشعر مبتكروها بالقلق من احتمال تحوُّلِها إلى وحشٍ كاسرٍ يلتهم كلَّ مَن حوله.
ما يُثير الانتباهَ، هو دخول الذكاء الصناعي في التعليم بقوة، بطرق متعددة؛ بدءاً من روبوتات الدردشة لدعم الطلاب -على مدار الساعة-، وصولاً إلى خوارزميات التعلُّم الشخصي التي تتكيَّف مع احتياجات كل طالب؛ وذلك لتحسين وتطوير التعليم كقوة وكأسلوب وكأدوات.
تتمثل إحدى الميزات الرئيسة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، في قدرته على تخصيص تجربة التعلُّم، إذ بفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي، يُمكِن تحليلُ بيانات الطلاب؛ لتحديد نقاط القوة والضعف الخاصة بكل فرد؛ مما يُتيح تطويرَ خطط تعلُّمٍ مُصمَّمة خصيصًا لتلبية احتياجات كل طالب.
و يمكن للذكاء الاصطناعي ايضا أن يُساعد في أتمتة المهام الإدارية؛

مثل: تسجيل الدرجات، والتقييمات؛ مما يُتيح للمُعلمين وقتًا أكبر للتركيز على التعليم، وتقديم التغذية الراجعة. كما يُمكنه إنشاءُ موادَّ تعليميةٍ مخصصة؛ مثل: الكتب، والفيديوهات، بناءً على تفضيلات الطلاب وطرق التعلُّم الملائمة لهم.

بشكلٍ عام، من المتوقَّع أن تنتقل الفصولُ الدراسية وقاعات المحاضرات في الجامعات قريبًا من الإطار التقليدي للتعلُّم، إلى استخدام مزيجٍ من الروبوتات والذكاء الاصطناعي المُصمم حسب الحاجة، وحسب الاحتياجات التعليمية المرتبطة بمهارات الإنسان.
مقابل الفوائد المتوقَّعة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، هناك بعض العيوب المحتمَلة أيضًا، والتي تتمثل في تفاقُم تحديات عدم المساواة الموجودة في نظام التعليم. على سبيل المثال، إذا تم تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على بيانات متحيزة؛ فقد تؤدي إلى نتائجَ متحيزةٍ أيضًا.
هناك قلقٌ أيضًا من أن يؤديَ استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تقليل التفاعل البشري والمهارات الاجتماعية بين الطلاب؛ مما قد يُساهم في غياب الشعور الجماعي والتضامن ضمن المجتمع -على المدى الطويل-، ويضعف تنميتهم الشخصية.
لذلك فالمعلم -سواء أكان في مدرسة أو جامعة أو مركز تدريب-ليس مجردَ وسيطٍ لنقل المعرفة فحسب؛ بل هو عنصرٌ أساسي في تطوير الشخصية ونقل القيم الاجتماعية.

ومع ذلك، أودُّ أن أقول: إن سمة العصر الحديث تتمثل في الاتجاه نحو تعلُّم كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، بدلاً من الاستماع إلى دروسٍ حول مخاطر استخدامه. فنحن اليوم في سباقٍ للحصول على هذا الذكاء الاصطناعي بأي وسيلة ممكنة؛ لأنه ابتكار عصري فاق كل التوقُّعات.
الخلاصةُ النهائية هي: أن كل مُخترَع جديد يُواجَه إما بالرفض والتشكيك أو بالقبول. والقبول يأتي من الذين يؤمنون بحتمية التطور العلمي المستمر؛ حيث تتجلَّى القدرة على الاستجابة والتعلُّم والتكيُّف مع كل اختراعٍ جديد.
في المقابل، هناك مَن يرفضون هذه الاختراعات لأسبابٍ متنوعة، سواء أكانت شخصية أو دينية أو قيمية. ورغم ذلك، فإن هذا الرفض -في المجمل-يُعد موقفًا غيرَ عقلانيٍّ ضد الابتكار والتقدُّم البشريّ.

الأغرب على مستوى أوطاننا هو: أن يأتي الرفض من رجال العلم -خاصة كبار السن-الذين يُصرون على عدمِ التكيُّف مع هذه الاختراعات، وعدم التفاعل معها في مسيرتهم العلمية؛ رغم أن هذه التكنولوجيا تُساعدهم في إنجاز واجباتهم، وتختصر الوقت، وتقدم لهم خدماتٍ رائعة تقيهم من روتين العملية التعليمية التقليدية. بل علينا ان نودع الورق في معاملاتنا الادارية ،وتبني الادارة الرقمية .
وقد قيل: إن التعلُّم في الكِبَرِ نَقْشٌ يتحدَّى العمر، والتعلُّم في الكِبَرِ … مُتعةٌ ونَظَر. وقل معي:” ربِّ زِدني علمًا”.

الذكاء الاصطناعي في عالم كرة القدم