في الرابع من شهر فبراير الجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن قطاع غزة أصبح منطقة غير صالحة للسكن بسبب الحرب، ومن ثَم يجب إجلاء السكان الفلسطينيين منه، والبالغ عددهم نحو مليوني نسمة، إلى كل من الأردن . كما اقترح أن تتولى الولايات المتحدة السيطرةَ على القطاع والإشرافَ على إعادة إعماره على غرار منتجعات «ريفييرا» الفرنسية على ساحل البحر الأبيض المتوسط. لكنه كان غامضاً بشأن ما إذا كان سيُسمح للفلسطينيين بالعودة أم لا. وفي الأيام التالية، كانت تداعيات هذا الاقتراح الاستثنائي، والذي جاء بمثابة مفاجأة لفريق السياسة الخارجية الخاص بترامب نفسه، حاسمة في رفضه بشكل شبه عالمي. لكنها لم تردع ترامب عن فكرته التي لا تزال على أجندته.
هل سيستفز أسلوب «الصدمة والرعب» في خطته بشأن غزة الدولَ العربية الرئيسية والفلسطينيين للتوصل إلى مقترحاتهم الخاصة؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون التعليق السلبي واسع النطاق قد خدم غرضه. لكن في الواقع، كانت الخطة متطرفة لدرجة أن مؤيديها المتحمسين الوحيدين هم ساسة اليمين المتشدد في إسرائيل. لقد أرادوا دائماً إعادة بناء المستوطنات في غزة، والتي هدمتها إسرائيل في عام 2005 كجزء من اتفاقية فك الارتباط أحادي الجانب المصممة لعزل غزة ولتجنب المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
إذا تم تنفيذ خطة ترامب لغزة، فإنها ستشكل تهديداً وجودياً لكل من الأردن ، فإضافة المزيد من اللاجئين من غزة سيؤدي إلى الإخلال بالتوازن السكاني في الأردن، وهو ما سيكون كارثياً على المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.
أما الاردن ، فقد اضطرت مؤخراً إلى استيعاب أكثر من مليون لاجئ سوداني، مع استمرار تدفق المزيد كل يوم. وإذا أضيف إلى ذلك ما يقرب من مليون فلسطيني من غزة، فمن المفهوم تماماً سبب معارضة القاهرة لمثل هذا الإجراء، بل وتصريحها بأن ذلك قد يعرّض السلام مع إسرائيل –الذي استمر منذ عام 1979– للخطر، وهو ما يعتبر عنصراً أساسياً في أمن كلا البلدين. وبالنسبة للاردن ، فإن التوصل إلى تسوية واقعية لأزمة غزة أمر ضروري، حيث من المرجح أن يؤدي ذلك إلى استعادة قناة السويس نشاطها الاعتيادي كممر دولي للملاحة التجارية، إذ كان للحرب في غزة تأثير كبير على الإيرادات التي تعتمد عليها الاردن من رسوم العبور في القناة.
ومن بين العناصر غير الواقعية الأخرى في اقتراح ترامب بشأن قطاع غزة، ذلك الذي مفاده أن القوات الأميركية، قد تشارك في إخلاء واحتلال القطاع أثناء إعادة بنائه، وأن الدول العربية ستكون المصدر الرئيسي للمبالغ المالية الضخمة اللازمة لتنفيذ هذا المشروع. وقد نفى ترامب في تصريحات لاحقة أن القوات الأميركية ستشارك، لكن بما أن خططه غامضة ومتغيرة باستمرار، فلا أحد يستطيع أن يتأكد مما يدور في ذهنه. والأمر المؤكد هو أن الفلسطينيين في غزة يعارضون أي اقتراح بنقلهم، بغض النظر عن مدى سوء الظروف، وأي مفهوم للإخلاء القسري سيكون بمثابة تطهير عرقي، وهو الحدث الذي جرّ الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى الحروب التي دارت حول تفكك يوغوسلافيا في تسعينيات القرن العشرين من أجل المهمة الأساسية المتمثلة في وقف التطهير العرقي!
إن استعداد ترامب لاقتراح أفكار جيوسياسية غير واقعية ليس بالأمر الجديد. في إدارته الأولى، كان يأمل في حل الصراع الكوري من خلال تبادل الرسائل والاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي المتقلب كيم جونج أون. لن تتحقق خطة غزة، لكنها قد تعطي زخماً للتقدم إذا صمد وقف إطلاق النار الحالي. وعلى صعيد آخر، سيضطر ترامب الآن إلى مواجهة أصعب تحد دبلوماسي يواجهه، وهو الحرب في أوكرانيا التي وعد بإنهائها في يوم واحد. وسيكون هذا موضوع مقالي القادم.