كوميديا مبكية يعيشها العراقيون بانتظار الأصعب الذي بانت ملامحه من خلال تصريحات نواب في البرلمان العراقي أن الخزينة خاوية من السيولة وتنبؤات بتأخر الرواتب لموظفي القطاع العام والمتقاعدين.
بين تأكيد البنك المركزي بأن رواتبهم مؤمنة وتصريحات نيابية بأن القادم يُنبئ بوضع اقتصادي صعب، يعيش المواطنون العراقيون أيامًا صعبة وقلقًا مزمنًا يعيد إلى ذاكرتهم سنوات الحصار الاقتصادي الذي غادرته الذاكرة ليُعاد إنتاج نفس المسلسل من الجوع والفقر والعوز، خصوصًا بعد توقعات اقتصادية بانخفاض أسعار النفط إلى ما دون الأربعين دولار أو أقل بفعل استمرار سياسة منظمة أوبك في الإبقاء على مستويات الإنتاج الحالية للنفط دون أيّ تخفيض، والأهم جلوس دونالد ترامب في البيت الأبيض الذي قد يزيد من تخفيض الأسعار بقرارات مصيرية كإيقاف الحروب في المنطقة.
مشكلة أخرى تُضاف إلى قضية تصدير النفط العراقي
وهي تغاضي الحكومة المركزية عن مسألة تهريب كميات النفط المهرّب من حقول كردستان، والذي يعتبر ضمن حصتها التصديرية المقررة في السوق العالمية، تقدر بحوالي 220 ألف برميل يوميًا. وتعلل الحكومة المركزية بأن ذلك التهريب يتم بمناطق لا تخضع لسيطرتها.
في موازناته للسنوات 2023 – 2024 – 2025، تم احتساب سعر برميل النفط بـ70 دولارًا، وهو أقل ممّا يباع حاليًا في الأسواق العالمية، حيث يتم تصدير 3.5 مليون برميل نفط يوميًا، وهي حصة العراق في منظمة أوبك يتم على أساسها احتساب واردات العراق النفطية التي من خلالها تُدفع رواتب القطاع الحكومي ورواتب الرعاية الاجتماعية، ومحاولات بعض الكتل السياسية فرض أبواب صرف معينة على الحكومة، ما يعني أن المتبقي لا يكفي لمشاريع الاستثمار.
المصيبة أن نوابًا في البرلمان العراقي عززوا فرضية الانهيار الاقتصادي وقلق العراقيين من المستقبل المجهول بتأكيد لجنتهم المالية أن تغطية رواتب الموظفين مؤمنة لمدة ستة أشهر مقبلة بغض النظر عن أسعار النفط، مؤكدين الاستعداد للسيناريو الصعب والأقسى القادم جراء تراجع أسعار النفط. لكن ذلك القلق والإرباك جاء سريعًا وقبل نهاية عام 2024، حيث بدأت الحكومة العراقية بالتأخر عن سداد رواتب موظفيها لأيام قد تتحول إلى أسابيع في الأشهر القادمة.
في موقف لافت أكد التخوف والقلق الشعبي ما أشار إليه عمار الحكيم، أحد قيادات الإطار التنسيقي، بأن يأتي اليوم الذي يحمل فيه العراقيون أموالهم “بالگواني” تمامًا كأيام الحصار عندما كانت النقود توضع على الميزان لمعرفة أعدادها بعد أن يعجز المواطن عن احتسابها.
كل المؤشرات تشير إلى وجود عقوبات اقتصادية قد يفرضها الرئيس الجديد للبيت الأبيض على الاقتصاد العراقي من خلال عقوبات على مؤسساته النفطية، التي كشفت معلومات غربية وأميركية عن وجود مخطط كان يُعمل به وهو بيع النفط الإيراني على
أنه عراقي للأسواق العالمية، وعقوبات على البنك المركزي العراقي الذي يتغاضى عن تهريب الدولار إلى إيران، تلك العقوبات التي قد تزيد من قسوة الوضع الاقتصادي للعراقيين.
المحصلة أن القادم من الأيام يحمل الكثير من العجاف للعراقيين في أرزاقهم وحياتهم المعيشية، ولا يُستبعد أن تكون تلك العقوبات الاقتصادية ضمن أساسيات انهيار المنظومة السياسية في العراق بسبب تصاعد الرفض الشعبي للوضع المعيشي الصعب وإمكانية انطلاق تظاهرات شبيهة لما حدث في أحداث تشرين 2019، التي كانت في بداياتها تطالب بفرص العمل والخدمات، وتحوّلت بعد ذلك بوصلتها إلى تغيير المنظومة السياسية، وكانت من نتائجها استقالة حكومة عادل عبدالمهدي.
كوميديا مبكية يعيشها العراقيون بانتظار الأصعب الذي بانت ملامحه من خلال تصريحات بعض النواب في البرلمان العراقي أن الخزينة خاوية من السيولة المالية وتنبؤات بتأخر الرواتب لموظفي القطاع العام والمتقاعدين وشرائح أخرى من المجتمع، وهي من علامات التدحرج السريع نحو الهاوية.
تتذرع الولايات المتحدة بانتقامها القادم للحفاظ على ثروة العراقيين المنهوبة التي تتم سرقتها في وضح النهار منذ سنين عبر تهريب العملة الصعبة إلى خارج الحدود إلى بلدان مجاورة وغير مجاورة، وحروب إقليمية اشتعلت بأموال العراقيين، مع أن واشنطن كانت تعلم بهذا النهب المبرمج منذ سنين لكنها لم تحرك ساكنًا كون المواعيد الأميركية لم تكن متزامنة مع قرار دولي أصبح يفرض نفسه لإنهاء دور كل الميليشيات والفصائل المرتبطة بإيران ومصادر تمويلها وهيئاتها الاقتصادية
التي استغلت الوضع السياسي الهش للبلد من أجل استنزافه، بحيث أصبحوا الدولة العميقة داخل الدولة العراقية، وباتت كل مقدرات العراق وخيراته مثل مغارة علي بابا التي يسرقها الآلاف من اللصوص والسُراق وليس أربعين حراميا، وتعيش على خيراتهم دول حطمتها شعارات المقاومة الفارغة وإيران التي تبني مفاعلها النووي واقتصادها المنهار من أموال اليتامى والفقراء العراقيين غير عابئة بجوعهم.
على أي حال، فإن العراقيين وضعوا أنفسهم برغبتهم بين المطرقة والسندان، أي بين السكوت على الفساد والرضا بالفاسدين وبين الضغوط الأميركية التي بدأت تزداد قسوة وتضيق بالواقع المعيشي للعائلة العراقية، ولتبدأ حروب جديدة يدفع ثمنها شعب يجب عليه أن يختار بين الحياة والموت.