أهلنا السوريون : لا تصدقوا غير هذه الرواية مقالا للكاتب فيصل القاسم !

مقالات

أهلنا في سوريا ستسمعون من الآن فصاعداً روايات عديدة حول سقوط النظام. هل سقط فعلاً بعملية عسكرية شنتها قوى المعارضة السورية؟ هل استسلم بموجب اتفاق؟ هل كان وراء العملية قوى إقليمية ودولية ساعدت قوى المعارضة على إنجاز هذا النصر العظيم؟

 

هل ساهمت إسرائيل وأمريكا بسقوط النظام؟ هل اتفقت روسيا وأمريكا وتركيا وإسرائيل على إسقاط النظام، فنفذت الفصائل السورية المهمة؟ هذه بعض نظريات المؤامرة التي ستسمعونها من جهات عدة، و

 

معظمها طبعاً عبارة عن تلفيقات وأكاذيب لا تمت للحقيقة بصلة مطلقاً، وكل من يروج لمثل هذه النظرية التافهة يحاول بطريقة أو بأخرى أن يقلل من قيمة النصر السوري على أعتى نظام إرهابي عرفه التاريخ الحديث في العالم أجمع. لا تصدقوا كل هذه الترهات الممجوجة، بل اضحكوا عليها ولا تعيروها أي اهتمام، خاصة وأن هناك أطرافاً عدة لها مصلحة في ترويج مثل هذه الفبركات لغاية في نفس يعقوب.

لقد قضيت أياماً وأنا أدقق وأبحث في العامل الخارجي. هل فعلاً كان الثوار السوريون مجرد منفذين لعملية دبرت في الخارج؟ والجواب بعد التدقيق والتمحيص لا أبداً، فالنصر صناعة سورية بحتة، ربما بدعم ثانوي من بعض الجيران، لكن التخطيط والتنفيذ كان سورياً بامتياز، فالجنود والقادة الذين فتحوا دمشق سوريون أقحاح، والأسلحة صناعة محلية بحتة، والطائرات المسيرة التي دكت معاقل الجيش الأسدي المهزوم كانت سورية، والعقول التي أدارت العملية عقول سورية، والأهداف التي تكمن وراء العملية التاريخية أهداف وطنية سورية بالدرجة الأولى.

لا تصدقوا أن قوى إقليمية ودولية كبرى كروسيا وأمريكا وإسرائيل وتركيا قد اتفقت على تنفيذ العملية، فهذا كذب بواح هدفه حرف الأنظار عن الجهد السوري العملاق. لا أحد يستطيع أن ينكر الدعم التركي ودعم بعض العرب الخيريين، لكن العملية ليست خارجية قطعاً. هل تعلمون أن روسيا أكبر وأقوى داعم للنظام الساقط فوجئت بالعملية ولم تستطع إيقافها بشهادة وزير الخارجية الروسي لافروف في تصريح خاص، فقد اعترف الروس بأن جيش النظام في حلب

كان جيشاً منهاراً أصلاً ولا يستطيع ولا يريد أن يواجه الثوار، أولاً لأنه عاجز تماماً، وثانياً لأنه كان يفتقر إلى الروح القتالية، فلم يكن يمتلك أي حماس لمواجهة قوى المعارضة، فهو جيش جائع مسحوق كان يعيش على حبة بطاطا طوال اليوم أحياناً لأن ثروات سوريا كانت في حسابات عائلة الأسد وشركائها في الخارج، بينما كان السوريون شعباً وجيشاً يموتون من الجوع والبرد وانعدام معظم أساسيات الحياة، لا بل إن بشار وزوجته كانا يبيعان الكهرباء لدول مجاورة بالدولار، بينما كانت الكهرباء مقطوعة عن سوريا بأكملها معظم الوقت. باختصار، لقد فقد النظام حاضنته العسكرية منذ سنوات بعد انتهاء المعارك في سوريا عام ألفين وخمسة عشر،

ومنذ ذلك الحين بدأ الانهيار الرهيب على كل الأصعدة، وخاصة على الصعيد العسكري. وقد اعترف لي كثيرون في الجيش لاحقاً بأنهم كانوا جوعى، واستشهد أحدهم بمقولة نابليون الشهيرة إن الجيوش تزحف على بطونها، أي أن الجيوش لا تستطيع القتال على معدة فارغة. لا شك أن الروس فكروا بمواجهة قوى المعارضة في بداية الزحف على حلب، لكنهم فوجئوا بأن الجيش السوري منهار وراح عشرات الألوف من الجنود والضباط يهربون كالفئران فقررت روسيا فوراً وقف عملياتها الجوية ضد قوى المعارضة، بعد أن أدركت أن جيش النظام منته.

وحتى الإيرانيون أنفسهم لمسوا الشيء نفسه، فقرروا الانسحاب من المعارك فوراً، لأنهم لا يستطيعون مواجهة الثوار لوحدهم دون الجيش السوري والطيران الروسي. يجب أن تصدقوا أن الإيرانيين وميليشياتهم انسحبوا بسرعة البرق أمام زحف الثوار لأنهم عرفوا أن المعركة خاسرة. لقد تفاجأ الإيرانيون بسرعة سقوط الجيش الأسدي مثل الروس. وقد قال لي مستشار وزارة الخارجية الروسية السيد رامي الشاعر شخصياً إن عملية تحرير حلب كانت بسرعة البرق لأن جيش النظام هرب بسرعة قياسية، ولأن سكان حلب أنفسهم كانوا ينتظرون المخلص ليخلصهم من واقعهم المرير، فرحبوا بالثوار ترحيباً حاراً، وقد كانت فصائل المعارضة عند حسن ظن الحلبيين،

 

فعاملتهم كأشقاء بطريقة شهد العالم كله على كياستها ودماثتها وطيبتها وحسن أخلاقها. وقد أضاف السيد الشاعر لي شخصياً بأن كل المدن السورية ستستقبل الثوار بنفس الطريقة التي استقبلهم بها أهل حلب. وهذا ما حصل فعلاً، فقد انطلقت جحافل قوى المعارضة إلى حماة، فقاوم الجيش السوري فيها لساعات قليلة فقط ثم انهار كأحجار الدومينو، وسرعان ما انطلق الثوار إلى ريف حمص الذي حرروه بلمح البصر، ولم يستمر حصار حمص سوى يوم أو أكثر قليلاً.

 

في هذه الأثناء تمكنت الفصائل الشعبية في السويداء بسلاحها البسيط من هزيمة كل فرق وألوية النظام في المحافظة وطردت كل الفروع الأمنية ورموز السلطة، ثم تبعتها درعا التي هزمت أيضاً كل فيالق النظام، وبدأت تزحف في اتجاه دمشق. في هذه الأثناء كان الثور قد حرروا حمص وخلال سويعات فتحوا العاصمة دمشق بعد أن هرب كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين، وقبلهم طبعاً ما يسمى برئيس الجمهورية الذي شحنه الروس على عجل إلى قاعدة حميميم ثم إلى موسكو. ولا ننسى أن آلاف الجنود كانوا قد هربوا إلى العراق أو تاهوا في العراء داخل سوريا، أو استبدلوا ملابسهم العسكرية بملابس مدنية.

وحتى الأمريكيون والإسرائيليون هرشوا رؤوسهم عندما شاهدوا الانهيار السريع لجيش النظام، وبدأت إسرائيل تأخذ احتياطاتها فوراً دون سابق تخطيط لأنها بدورها لم تتوقع هذا السقوط المدوي لجيش النظام. وقد وصلت أنباء هروب الجيش السوري إلى كل عواصم القرار في العالم، فبدأ الجميع يسلم بأن النظام قد انتهى ولا بد من التعامل مع الأمر الواقع الذي فرضته قوى المعارضة على الأرض، بدليل أن الغرب بات اليوم يدرس إزالة هيئة تحرير الشام عن لائحة الإرهاب. ولعل أكبر دليل على أن إسرائيل نفسها لم تتوقع هذا السقوط المريع للنظام وجيشه أنها بدأت بشن غارات جوية على كل القواعد العسكرية السورية الجوية والبرية والبحرية، لأنها باتت تعتبرها معادية بعد أن سقط بشار وجيشه. وهذا يؤكد على أن النظام كان على مدى نصف قرن يعمل بوظيفة كلب حراسة لإسرائيل، وكانت تل أبيب تعتبر كل أسلحته وقواعده في أيد أمينة. أما عندما سقط النظام فبدأت تخشى على نفسها، فراحت تحرق كل المواقع والترسانات السورية.

باختصار، من حق السوريين أن يفرحوا فرحاً عظيماً بهذا الانتصار الحقيقي والتاريخي على أبشع نظام فاشي في العالم، فلو كان جيش النظام قادراً على المواجهة لما تحقق النصر بهذه السرعة الرهيبة، ولكان كل حلفائه من روس وإيرانيين وعرب وأجانب قد ساندوه ودعموه لمواجهة الثوار. ألف مبروك لسوريا والسوريين هذا النصر المؤزر، وسيكون النصر أحلى وأجمل عندما ننجح في إعادة بناء سوريا إنسانياً وعمرانياً، ولا شك أن هذا الشعب العظيم قادر على ذلك إذا تمكن من التغلب على المؤامرات الداخلية والخارجية الكثيرة التي تواجهه وعلى لعبة الأمم القذرة التي بدأت تطل برأسها في سوريا، وهذا أكبر دليل على أن تحرير سوريا كان جهداً سورياً لم يعجب الكثير من الأقربين والأبعدين، لكن بإذن الله فإن السوريين لهم بالمرصاد.

 

مصادر تركية لصحيفة العراق : زيارة أردوغان “المحتملة” إلى سوريا