مصطلح “الترند”… خطاب “عابر” يتجاوز قواعد الاتصال والإعلام

تريند

الترند هو اتجاه معين لتحرك الأسعار، ويتم تقييم سلوك الترند أو الاتجاه عند إجراء التحليل الفني. الاتجاهات قد تكون هابط (وتعرف أيضا باتجاهات الدببة)،

وقد تكون صاعدة (وتعرف باسم اتجاهات الثيران) أو اتجاه أفقي (اتجاهات فارغة). وكقاعدة عامة، عندما يكون الاتجاه هابط، فمن المستحسن فتح مراكز البيع، وعندما يكون الاتجاه صاعد، فإنه من المستحسن فتح مراكز شراء، وعندما لا يكون هناك اتجاه محدد، فمن الأفضل عدم القيام بأي عمليات.

و إذ يجتاح “الترند” أو ما يعرف بالأحداث الأكثر تفاعلاً على منصات التواصل الاجتماعي مختلف وسائل الإعلام، وبات مادة حيوية وقودها التهافت على التقاط الحدث والتعليق عليه ومشاركته، حتى لا يفوتها الركب وتبقى وسائل الإعلام خارج السرب وتخسر رصيدها من الجماهيرية.

تسللت حمى “الترند” التي تصنعها وسائل التواصل الاجتماعي إلى الجمهور العريض، وأصبحت تتقاسم مع وسائل الإعلام اهتمام الناس، وتشدهم إليها في فترة محدودة في الزمن من دون أن تعلق في الأذهان لأنها سليلة لحظة عابرة.

فإلى أي مدى يؤثر “الترند” في الخطاب الإعلامي والثقافي؟ وهل هي حالة صحية أم عاهة تشوه المضامين الإعلامية والثقافية؟

هي جملة من الأسئلة التي تتشكل في رحم المهنة الصحافية، وتخامر كل من يمارسها، والإعلام العربي اليوم يواجه تحولات لا ينكرها إلا جاحد، منها ما هو هيكلي لأن هذا القطاع يتغير من الداخل، ويتخلص من ثقله الكلاسيكي لينساب في محيطه الجديد سلساً بلا صعوبات.

وهو أيضاً يتأقلم مع التحولات المحيطة التي ابتكرتها وسائل التواصل الاجتماعي التي أغرقت المشهد بعناصر جديدة هي في الواقع مزيج بين الخبر والتعليق والزيف، تنثر هذه الوصفة رذاذها على المشهد، فتحدث به جلبة تشرئب إليها الأعناق بحثاً عن الطرافة وإشباعاً لرغبة النفوس في التلصص حيناً وفي الاكتشاف أحياناً أخرى.

يتفاعل الخطاب الإعلامي العربي اليوم مع محيطه المشبع بـ”الترندات” التي تغزو المشهد، وما عليه إلا أن يتعاطى معها حيناً بالتمعن والتحري، وأحياناً كسند ينطلق منه نحو فكرة أرحب أو مضمون أعمق.

وتهدف شبكات التواصل الاجتماعي إلى تجميع كم هائل من بيانات المستخدمين من أجل توفير بيئة مكثفة ومعقدة من الإغراءات التي تدفعهم إلى المكوث مطولاً على مواقعها، بالمشاهدة والمشاركة من أجل تعزيز التصفح وجعله سلسلة حلزونية لا متناهية، ففي كل لمسة للشاشة هناك الجديد الذي ينتظرك من خلال صور وأخبار ومنشورات ومقاطع فيديو جديدة تجعل المتصفح يلهث بلا نفس وراء خيط سحري ناظم من فوق إلى تحت فوق سطح شاشة الهاتف.

يندفع المتصفح عند سماع خبر أو تلابيبه إلى مواقع التواصل الاجتماعي لاهثاً وراء الخبر وتفاعلاته، غير مبال بمصدر ذلك الخبر ومدى صدقيته ووثوقية من نشره، لا يهم، ما يهم الآن وهنا، هو حجم التعليقات التي يشبع بها نهمه إلى ما يحيط بالخبر وكيف تفاعل الجمهور معه.

في أحيان كثيرة الخبر في ذاته غير مهم، بقدر ما يهم تفاعل الناس معه، وخصوصاً كيفية مشاركته والصفحات التي تنبهت إليه وتبنته فنشرته، والتعليقات عليه ومدى تفاعل “فلان” (نجم رياضي أو فنان) فيديو معه، هكذا تتكثف التفاعلات وتكبر كرة الثلج، وتصبح المسألة حديث الناس، وما يهم الناس يهم الإعلام، فتنساب “الترندات” إلى غرف الأخبار والمضامين الإعلامية البرامجية لتصبح مادة وخبراً وتعليقاً وربما قضية رأي عام.

ويعتبر الإعلامي والكاتب خالد كرونة أن “عبارة “ترند” المتولدة عن انزياح لغوي وافد من عالم المال والأعمال، باعتباره كان دليلاً على اتجاهات السوق إلى عالم الميديا، جعله محملاً بدلالات يختلط فيها الظرفي بـ”الواسع الانتشار”، ذلك أن “الهاشتاغ” أو “الفيديو” أو غير ذلك من مادة “الترند” لا تعرف انتشاراً واسعاً فحسب، بل زوالاً سريعاً نسبياً، على رغم كثرة المشاركات والتعليقات ووفرة علامات الإعجاب.

ويشير كرونة إلى أن تحولاً خطراً طرأ على العلاقة بين الخطاب الإعلامي الذي تنتجه تقليدياً الصحف والإذاعات والتلفزيونات، وبين “الترند” باعتباره موجة تعلو ضمن الفضاء الافتراضي على المنصات المختلفة، فبعد أن كان المحتوى الرقمي يستند إلى ما يتداول في الوسائط التقليدية، أضحى هو نفسه يتبع اتجاهات “الترند” ويقع ضمن تأثيراته، بعد أن باتت “الميديا الجديدة” أوسع انتشاراً وأكثر تأثيراً.

إن تأثير ما يشيع في “الترند” في الخطاب الإعلامي تجاوز مستوى اختيار المواضيع التي يتناولها وبلغ حد صياغة المفردة وإنشاء الخطاب، أي أن تأثير “الترند” يتعدى فرض ترتيب محدد لمواضيع يدفع بها إلى الصدارة، إلى رسم وسائل التعبير وزاوية النظر في تناول هذا الموضوع أو ذاك، وبخاصة إذا اتصل الأمر بمسائل ذات أثر وجداني بالغ مثل بعض مشاهد الطفولة في الحروب والنزاعات، أو صنع نماذج للبطولة (الفدائي ذي المعطف الطويل في معركة طوفان الأقصى) أو للفيض الإنساني (الأمومة والطفولة) ، مثل ذلك الترند الذي ترك أثراً كبيراً وبطله طفل سوري “يعلن” أنه “سيخبر الله بكل شيء”، وفق كرونة.

ويرى المتحدث أنه بصرف النظر عن تداعيات هذا التأثير المتعاظم لــ”الترند” على الخطاب الإعلامي (موضوعاً وتناولاً)، فإنه مؤشر على تحولات عميقة، فبعد أن تهاوى عرش الصحافة المكتوبة، وتزعزعت مكانة الإعلام السمعي، باتت “الميديا” الجديدة بـ”ترنداتها” تهدد التلفزيون أيضاً، لأنها تعتمد خطاباً وجيزاً “هاشتاغ” أو فيديو قصيراً ويكون محملاً سريع النفاذ وواسع الانتشار، بفضل استخدام الإنترنت، ونتيجة لنشأة علاقة جديدة بين طرفي الخطاب، الباث والمتقبل ترتكز على التكثيف من جهة، وعلى “بلاغة الصورة” أو “الانطباع الموحد” إذا تعلق الأمر بـ”هاشتاغ”.

وينبغي الإقرار بأن تأثير “الترند” فاض عن الخطاب الإعلامي، ليصير ذا أثر في الخطاب الثقافي عموماً، فمسرحيات كثيرة تستلهم في نصوصها بعضاً مما عرفه الناس عبر “الترند”، والأمر نفسه ينسحب على نصوص قصصية أو روائية تستبطن بوعي من كاتبها أو من دون وعي، تأثيرات “الترند” ويلقى استحساناً من المتلقي، وفق المتحدث.

ويخلص كرونة إلى أن “هذا المبحث ما يزال بكراً، يغري المتخصصين في علوم الإعلام والاتصال، ويهم أيضاً اللغويين ممن يعكفون على دراسة أصناف الخطاب المستخدم، مثلما ينبغي أن يكون مركز اهتمام الأبحاث الأنثروبولوجية والاجتماعية خصوصاً في نسق التحولات في ذهنية المتلقي”.

اغتيال حقيقي للمهنة

في المقابل يتمسك آخرون بكون الخطاب الإعلامي يتأثر لا محالة بمحيطه، إلا أن ما يضبطه من معايير متينة وضوابط صارمة، لا يمكن للترندات أو غيرها أن تزعزعه من مكانه، داعين إلى تحصين الخطاب الإعلامي من شوائب ما تفرزه التواصل الاجتماعي من فقاقيع محدودة في الزمن على رغم تأثيرها في الجمهور.

لمكافحة الاحتيال واختراق الحسابات | ميتا تُعيد تقنية تعرّف الوجه