لبنان: أربعة عوامل تمنع توقّف الحرب سريعاً مقالا للكاتب علي حمادة

مقالات

بدأ الحديث عن هدنة بين إسرائيل و”حزب الله” بعد ثلاثة أيام من بدء الاجتياح الجوي الإسرائيلي للبنان. والسبب الرئيسي يعود إلى مجموعة عوامل:

الأول، الضربات الإسرائيلية الأخيرة إذا ما أخذنا في الاعتبار “مجزرة البيجر” ثم “اللاسلكي” ثم قيادة “وحدة الرضوان”. فالاجتياح الجوي غيرُ مسبوق على صعيد الكثافة، والعنف، وخرق كل قواعد الاشتباك التي وضعت أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري ضمن “تفاهم نيسان 1996” الذي ضمن المدنيين من الجهتين. الاستهدافات الإسرائيلية الحالية تشمل البيئة الشعبية الحاضنة للمقاتلين، من دون إقامة أي اعتبار لكونهم عائلات مدنية. كما أن المسرح الواسع للغارات يشمل كل الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى مناطق لا يتمتع فيها “حزب الله” ببيئة طائفية حاضنة وذلك عندما تكون هناك أهداف متصلة بالحزب المذكور. هذا ما حصل في أقضية كسروان وجبيل ذات الغالبية المسيحية. كما أن عدد الضحايا كبير جداً. نتحدث عن الآلاف.

العامل الثاني متعلق بمقاربة “حزب الله” لمنطق الهدنة. فالأخيرة تعني من الناحية العملية توقف الأعمال العدائية والذهاب إلى التفاوض. توقف الأعمال العدائية بين الطرفين يحرج “حزب الله” الذي يتمسك بمعادلة الربط بين جبهتي لبنان وغزة، فلا مانع للحزب المذكور بالتفاوض إنما يريد أن يتجنب هدنة، أي إسكات السلاح في وقت لا تزال الهدنة في غزة بعيدة المنال والحرب تستمر بشكل مختلف، إنما تستمر ولا تتوقف. ولمن يشير لـ“حزب الله” أن يقبل بالهدنة لالتقاط الأنفاس ثم التفاوض مع التمسك بربط الساحات يجيب قادة “حزب الله” أن المشكلة تتعلق بكسر الهدنة متى تبين أن ثمة استحالة لمواصلة ربط لبنان بغزة أقله في المفاوضات الراهنة. من هنا لمن ينصحون الحزب بالقبول بالهدنة لالتقاط الأنفاس وإعادة التوازن الداخلي للتنظيم الذي أصيب بقوة في الأسبوعين الماضيين، يقول قادة الحزب المذكور إن الخروج من الهدنة سيكون أكثر صعوبة. أضف إلى ذلك أن مناخات البيئة الحاضنة ستكون مضطربة أمام هول ما حصل، ومسارعة “حزب الله” إلى رفض كل الوساطات إلى أن وصل إلى حرب واسعة وتدميرية يدفع ثمنها أبناء البيئة التي تؤيده. ماذا سيقول “حزب الله” لجمهوره كي يبرر وقفاً لإطلاق النار الآن؟

العامل الثالث الذي يمنع حصول هدنة هو المقاربة الإسرائيلية للحالة الراهنة. فقد تراجعت حدة الحرب في غزة ووصلت إلى نهاياتها في انتظار إلقاء القبض على يحيى السنوار، أو قتله. وفي انتظار بلورة مشروع اليوم التالي الذي يضع حركة “حماس” خارج السلطة في قطاع غزة، ويُحل مكانها توليفة فلسطينية عربية – دولية تحت أعين إسرائيل تمنع إعادة إنتاج “دولة” حركة “حماس” في غزة بشكل آخر. كما أن المقاربة الإسرائيلية الراهنة تفيد بأن الهدنة ستمنح “حزب الله” فرصة لالتقاط الأنفاس بعد كل ما تعرض له منذ “مجزرة البيجر” ولغاية “مجزرة الاجتياح الجوي” ولا يزال في موقع دفاعي مع انتقال الاستهداف الإسرائيلي من المقاتلين والقادة إلى البيئة الحاضنة، حتى لو كانت مدنية. وبالتالي فإن المستويين السياسي اليميني والأمني العسكري يعتبران أن فرصة تغيير الواقع على الحدود الشمالية في لبنان مؤاتية ولن تتوافر لإسرائيل مستقبلاً كما هي متوافرة راهناً. وهنا خطورة الموقف.

ولا ننسى أن بنيامين نتنياهو الذي لا يريد إنهاء حرب غزة الآن يجد في حرب لبنان فرصة سياسية له في سياق المصالح السياسية، وفي سياق نرجسيته. وهو الذي يسعى لأن يكون بطل ما يسمونه في اليمين الإسرائيلي “الاستقلال الثاني”! والجانب الأخير في العامل الإسرائيلي أن المجتمع الدولي المتعاطف دائماً مع لبنان لا يتعاطف بالضرورة مع “حزب الله”، لاسيما أنه هو الذي بادر إلى شن حرب تحت شعار “الإسناد”!

أما العامل الرابع فهو دولي؛ فالغرب – إذا ما استثنينا فرنسا لاعتبارات خاصة بعلاقاتها التاريخية بلبنان – لن يمانع بقيادة الولايات المتحدة بأن تقوم إسرائيل بتقليم أظافر إيران في لبنان، أو حتى تقويض الفصيل التابع لها على المستوى العسكري ليتم فرض القرار 1701 بمنشطات، وفي حال تفاقم الوضع وتأكيد تعرض “حزب الله” لتقويض فعّال لقوته العسكرية، استصدار قرار أممي جديد وأقوى يمكن أن يقترب كثيراً من القرار 1559 الذي بقي منذ صدوره، وعلى الرغم من كل شيء، القرار المرجعي لكل القرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة اللبنانية. إنما موازين القوى على الأرض سوف تحدد ما إذا كان المجتمع الدولي قادراً على تثبيت القرار 1701 وتحديث آليات تطبيقه بشكل فعّال، أم الذهاب نحو قرار جديد يعكس نتيجة الحرب عندما تضع أوزارها.

ولا يمكن إغفال احتمال آخر، وهو أن يصمد “حزب الله” ويقاتل ويساجل إسرائيل لمدة طويلة تنتهي بتوقف الحرب من دون تنازلات أمنية أو سياسية مكتوبة وإن فوق الأنقاض. وثمة احتمال آخر يتمثل بإمكان تدخل إيران بشكل أكثر نشاطاً مما هو الحال الآن، خصوصاً إذا ما شعرت طهران أن ورقة “حزب الله” آيلة إلى أن تحرق. هنا يمكن للمعادلة أن تتبدل بشكل أو بآخر، وتذهب الأوضاع نحو مكان آخر!

على الرغم من القتل والدمار يمكن لأصدقاء “حزب الله” مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن يعملوا بجدية للتمسك بالقرار 1701 الذي سبق للدولة اللبنانية ولـ”حزب الله” أن وافقا عليه قبل 18 عاماً، وظل القرار المرجعي الراعي للوضع عند الحدود بين لبنان وإسرائيل. وعلى الرغم من أن كل من “حزب الله” وإسرائيل قاما بخرق القرار مئات المرات فإن القرار شكل ومن خلال مرجعيته القانونية، التي تنبع من القرار التاريخي 1559، أساساً صالحاً يمكن الاستناد إليه من أجل إنهاء هذه المحنة الكبيرة التي يحتاج لبنان أن يخرج منها بأسرع وقت. ومن هنا فإن خطأ الدبلوماسية الفرنسية أنها خلال مساعيها على مدى الأشهر الماضية فتحت باباً أمام “حزب الله” وإسرائيل لتعديل القرار، فبمجرد تقديم مقترح خفض عمق المنطقة المنزوعة من السلاح غير الشرعي من 30 كلم الى 10 كلم، جرى تقويض قوة القرار المبدئية. كل ذلك وسط رفض “حزب الله” التعديل الذي كان في صالحه أكثر من الإسرائيلي، علماً أن “حزب الله” كان يرفض الاعتراف بأن القرار 1701 ينص على الخروج من المنطقة، معتبراً بأن القرار ينص على “منطقة ينتشر فيها الجيش اللبناني واليونيفيل ويمنع فيها أي سلاح لا توافق عليه الحكومة اللبنانية”. والفكرة أن الحكومة اللبنانية منحت من خلال بياناتها الوزارية سلاح “حزب الله”، وبالتالي أعطت كل الحكومات المتعاقبة، موافقة ضمنية لوجود هذا السلاح على مساحة الأراضي اللبنانية.

ومن الأعذار الأخرى لعدم تطبيق القرار 1701، تعتبر قيادة “حزب الله” أن القرار نص على العمل من خلال تقرير يعده الأمين العام للأمم المتحدة على حل مسألة مزارع شبعا، وحل قضية بلدة الغجر والنقاط الـ13 على الخط الأزرق. إلى كل هذا يضاف بالنسبة إلى الحزب المذكور واقعُ الانتهاكات الإسرائيلية التي يفوق عددها الـ 2300 لكي يعتبر أنه فعل الصواب بتحويل الجنوب إلى منصة عسكرية لحرب مقبلة مع إسرائيل.

في الأثناء دخل لبنان الحرب من بابها الأوسع. ومن الصعب تصور مخرج سريع لحرب مؤجلة يحتاجها طرفا المعادلة.

قرار مجلس الأمن الدولي “1701” يعود للواجهة