أعلنت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية الأحد وفاة المعتقل الفلسطيني وليد دقة (62 عاما) في أحد المستشفيات الإسرائيلية، بعدما أمضى 38 عاما رهن الاعتقال.
يتحدر دقة من باقة الغربية داخل إسرائيل، واعتقل في عام 1986 بتهمة خطف وقتل جندي صهيوني وحكم عليه بداية بالإعدام، لكن الحكم خفف إلى السجن لمدة 38 عاما.
وكان من المفترض أن يطلق سراحه العام الماضي، إلا أن محكمة عسكرية إسرائيلية أضافت إلى حكمه عامين بتهمة إدخال هواتف نقالة إلى داخل السجن.
أصيب دقة بمرض سرطان النخاع الشوكي، وأوصت مؤسسات حقوقية وطبية بإطلاق سراحه، لكن هذا لم يحصل.
وحمل رئيس هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية قدورة فارس الجانب الإسرائيلي مسؤولية وفاة دقة، وقال لوكالة فرانس برس “استشهاد الأسير وليد يأتي نتيجة سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد الأسرى”.
وأضاف فارس “سياسة الإهمال الطبي بحق أسرانا كانت دائمة، ولكنها تفاقمت بعد أحداث أكتوبر (هجوم حماس في السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيل) وسلطات الاحتلال هي المسؤولة عن استشهاد وليد وأسرى آخرين ممن نعرف عنهم أو لا نعرف عنهم”.
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، وهو مؤسسة تعنى بمتابعة أوضاع المعتقلين الفلسطينيين، فإن 14 فلسطينيا توفوا في السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر.
ويقول النادي إن عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ارتفع بعد التاريخ المذكور من خمسة آلاف معتقل إلى أكثر من تسعة آلاف.
استنفار في سجون الكيان الصهيوني بعد وفاة أسير فلسطيني
أجرى وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، (الثلاثاء)، جلسة طارئة بحضور مفوضة السجون في إسرائيل، كيتي بيري، وعدد من الضباط المسؤولين؛ لتقييم الأوضاع في السجون التي يقبع فيها الأسرى الفلسطينيون. وتقرر رفع درجة الحراسة في السجن وإغلاق الزنازين أمام خروج ودخول السجناء «بهدف منع أعمال الشغب والاضطرابات».
وبحسب الناطق بلسان الوزارة، وجّه بن غفير دائرة السجون، بإبلاغ الأسرى في السجون أنه في حالة إضرابهم عن الطعام أو قيامهم بأعمال شغب، فسيتم حرمانهم من الظروف المعيشية التي يتلقونها حالياً.
ونقلت مصادر عن بن غفير قوله «التعليمات لمصلحة السجون هي بعدم التسامح مطلقاً مع الإضراب عن الطعام والاضطرابات في السجون الأمنية. لن نقبل الاضطرابات وإذا حاول الأسرى في السجون استخدام العنف، فعلينا أن نتصرف بحزم ووضوح وإلغاء التسهيلات كافة التي حصلوا عليها للأسف خلال السنوات الأخيرة».
وذكرت مصادر أمنية أن مصلحة السجون تستعد لاحتمال أن يضرم الأسرى النار في الزنازين، ومحاولة مهاجمة سجانين، كما تستعد لاحتمال إعلان الأسرى عن إضراب واسع عن الطعام.
في موازاة ذلك، تجري أجهزة الأمن الإسرائيلية مداولات حول تحرير جثمان الشهيد خضر عدنان، في حين تحدثت تقارير عن نقل الجثمان إلى معهد الطب الجنائي في أبو كبير لتشريحه، رغم وصية الأسير بعدم السماح للاحتلال بإجراء تشريح.
وحسب موقع «هآرتس» الإلكتروني، فإن تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي، أن الأحداث في السجون من شأنها أن تؤثر إذا كان سيحدث تصعيد واسع؛ الأمر الذي دفع جهاز الأمن إلى التوصية أمام المستوى السياسي «بالعمل بصورة حذرة مقابل الاحتجاج». ونقلت الصحيفة عن مسؤول في مصلحة السجون، قوله، إن «أي خطوة محلية ضد الأسرى سيتم الرد عليها خارج السجون».
وأضاف أن «مصلحة السجون عازمة على وضع حدود واضحة في هذا الحدث. وأي عمل سيؤدي إلى رد فعل متشدد من جانب سلطة السجون، حتى لو أدى ذلك إلى توتر».
وكانت السلطات الإسرائيلية قد توقعت وفاة خضر عدنان، بعد تراجع حالته الصحية كثيراً في أعقاب إضرابه عن الطعام قرابة 3 أشهر، ورفضت الإفراج عنه. وفي الجلسة الأخيرة التي عقدتها المحكمة العسكرية الإسرائيلية للاستئنافات، ادعى القاضي مناحيم ليبرمان، بأن «خضر عدنان في الخامسة والأربعين من عمره، ويدرك جيداً إلى أين ستقوده أفعاله. وهو سيّد على جسده. ولذلك؛ عليه تقبّل النتائج المحتملة لأفعاله». ولفت إلى أنه إذا استجابت المحكمة لطلب المستأنف، «لا ضمانة أن يتزايد هذا التوجه ويستخدمه (أسرى) آخرون؛ وبذلك ستفقد الجهة الأمنية السيطرة، وهذا سيؤدي إلى فوضى أمنية».
يذكر أن الأسير عدنان شارك في جلسة المحكمة الأخيرة، قبل خمسة أيام من وفاته، من خلال محادثة فيديو عن بعد، ورفض أن يعرّف عن نفسه أمامها «كونها محكمة الاحتلال». كما رفض الإجابة عن أسئلة القضاة العسكريين، وطالب بواسطة محاميه خلال الاستئناف الأخير، وهو الثالث الذي قدمه حول ظروف تمديد اعتقاله الإداري، بأنه يجب إطلاق سراحه. لكن القضاة العسكريين رفضوا طلبه، كما رفضوا طلبين مشابهين في استئنافين سابقين.
وبحسب السلطات الإسرائيلية، فقد تم العثور على الأسير خضر عدنان، في ساعة مبكرة من فجر الثلاثاء فاقداً للوعي في زنزانته بمعتقل نيتسان، بعد إضراب عن الطعام دام 86 يوماً. وتم نقل الأسير إلى مستشفى أساف هروفيه قرب الرملة، حيث تلقى محاولات للإنعاش القلبي الرئوي دون أن يسعفه ذلك، وأعلن المستشفى عن وفاته.
وفاة أسير فلسطيني في سجن عوفر الإسرائيلي
أعلن نادي الأسير الفلسطيني في وقت سابق ، عن وفاة الأسير داوود طلعت الخطيب في سجن عوفر الإسرائيلي.
ووفقا للرواية الأولية حول ظروف الوفاة، فإن الأسير توفي إثر تعرضه لجلطة، وحمل نادي الأسير والأسرى كافة إدارة سجون إسرائيل المسؤولية الكاملة عن استشهاده.
وأوضح نادي الأسير في بيان له، أن الأسير الخطيب يبلغ من العمر (45 عاما)، وهو من بيت لحم، وتبقى من محكوميته عدة شهور، لافتا إلى أنه وعلى مدار سنوات اعتقاله واجه ظروفا صحية صعبة، بعد أن تعرض قبل عدة سنوات لجلطة، وخضع لعملية قلب مفتوح.
وأضاف أن استمرار اعتقاله فاقم من وضعه الصحي الصعب إلى أن استشهد اليوم، علما أنه فقد والديه وهو في الأسر.
ونعى نادي الأسير والأسرى الخطيب، الذي يضاف إلى قائمة طويلة من شهداء الحركة الأسيرة وعددهم مع الأسير الخطيب بلغ 225 منذ عام 1967.
وجدد نادي الأسير مطالبته بضرورة الضغط على تل أبيب من أجل الإفراج عن كافة الأسرى المرضى في السجون الإسرائيلية على وجه الخصوص، لا سيما مع تصاعد انتشار الوباء، الذي يهدد مصيرهم على مدرا الساعة، وتزايد احتمالية انتقال العدوى لأعداد جديدة من الأسرى، تحديدا في سجن عوفر.
أسير فلسطيني أردني محكوم بالسجن لـ67 مؤبدا و5200 عام
لو اضطرت إسرائيل ترك أرضها لأي سبب كان، فإنها ستأخذ عبد الله البرغوثي معها”؛ هذا ما قاله الضابط الإسرائيلي المسؤول عن ملف الأسير البرغوثي، بعد المحاكمة العسكرية التي حكم عليه فيها بالسجن 67 مؤبدا، و5200 عام، بتهمة تنفيذه 7 عمليات فدائية أدت لمقتل 67 إسرائيليا وجرح أكثر من 500 آخرين.
دخل عبد الله البرغوثي عامه الـ 20 أسيرا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد اعتقاله من قبل قوات خاصة إسرائيلية في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية المحتلة بالصدفة، في الخامس من مارس/آذار2003.
بتعرفوا مين هو صاحب اعلى حكم في تاريخ البشرية وصاحب ال ٦٧ مؤبد و ٥٢٠٠ عام بالتمام والكمال ” يعني لو هالحكم اتوزع على قبيلة محدش بطلع منها عايش”
الي اول ما تسمع الحكم بصير عندك فضول تعرف صاحبه شو عمل ؟
صاحب الحكم التاريخي عبدالله البرغو/ثي #الأسير_ليس_رقم
— صفاء عبدالله آل برغوثي ???? (@Safabarghouthi) September 12, 2021
ويعتبر البرغوثي من أخطر المقاومين لإسرائيل فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدأت بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2000، وكان قد أعاد إحياء كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس في الضفة الغربية المحتلة بعد اغتيال الاحتلال لقائدها الشهيد يحيى عياش عام 1996.
مهندس يحمل الجنسية الأردنية
ولد البرغوثي في الكويت عام 1972، وانتقل للعيش في الأردن بعد حرب الخليج الثانية عام 1990، وحمل الجنسية الأردنية، قبل أن يلتحق بإحدى الجامعات الكورية الجنوبية ليدرس الهندسة الإلكترونية 3 سنوات، وكانت سببا في تعلمه صناعة المتفجرات، لم يكمل دراسته بسبب حصوله على تصريح دخول إلى فلسطين.
دخل إلى فلسطين أول مرة عام 1997، وعمل في مدينة القدس في صيانة الأجهزة الإلكترونية، ومن ثم عام 1998 تزوج قريبته في بلدة بيت ريما شمال غرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وأنجب منها أبناءه الثلاثة؛ تالا وأسامة وصفاء، بالرغم من عدم حصوله على الهوية الفلسطينية حتى اليوم.
التحق بالعمل المقاوم المسلح ضد إسرائيل، مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، وأصبح مهندس العمليات الفدائية في فلسطين، واعتقل لمدة شهر من قبل جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، بعد تنفيذ أول عملية في مطعم “سبارو” في تل أبيب في أغسطس/أب عام 2001، والتي قتل فيها 15 إسرائيليا، وأصيب عشرات آخرون.
أسر بالصدفة
طارده الاحتلال الإسرائيلي بعدها لمدة سنتين، وكانت زوجته وابنه أسامة وابنته تالا، ينتقلون معه متخفيين من مكان لآخر في مدينة رام الله، واستطاع تجهيز استشهاديين فلسطينيين لتنفيذ عمليات تفجيرية في مناطق مختلفة من فلسطين المحتلة (48)، ومدينة القدس.
تقول زوجته، أم أسامة للجزيرة نت، إن الفلسطينيين خلال الانتفاضة الثانية، كانوا ينظرون إلى عبد الله، كخليفة للشهيد يحيى عياش، قائد كتائب القسام في تسعينيات القرن الماضي.
انقطع البرغوثي عن عائلته لمدة 20 يوما، ووصل إلى العائلة لينقل ابنه لأحد الأطباء في مدينة البيرة، قبل اعتقاله بالصدفة من قبل قوات خاصة إسرائيلية، وتم نقله للتحقيق لمدة 3 أشهر متتالية، ذاق فيها كل أصناف التعذيب النفسي والجسدي، وتم عرضه على المحكمة العسكرية مرتين فقط.
وفي المحاكمة الثانية، حضر عشرات من عائلات القتلى الإسرائيليين، وحُكم عليه كأطول حكم في تاريخ الاحتلال، بل إن آخرين وصفوه بأنه أطول حكم لأسير في التاريخ، وسط تهديدات من أهالي القتلى بالانتقام منه.
عزل ومنع زيارة
نُقل مباشرة إلى العزل الانفرادي، وتنقل خلالها بين عدة سجون، وبقي معزولا لمدة 10 سنوات، وتعرض خلالها لضغوط نفسية وجسدية كبيرة، منها إدخال مختلين عقليا إلى عزله، وإدخال عملاء للعيش معه.
خاض إضرابا عن الطعام أدى إلى إنهاء عزله الانفرادي، واستطاع خلال سنوات الاعتقال الحفاظ على صحة جسدية وعقلية ممتازة، كما تصف زوجته للجزيرة نت، بالرغم من أن الاحتلال أراد عكس ذلك، لأنه كان من صغره يحب رياضة الجودو.
لم تزره زوجته، وهي الوحيدة من أقاربه مع أولادهما في فلسطين، سوى 6 مرات طوال 20 عاما من الاعتقال، وكانت آخر زيارة له عام 2019، ولم ير خلالها والديه وأقاربه الذين يعيشون جميعا في الأردن.
كان البرغوثي يلقب بـ”أمير الظل”، بعد أن ألّف كتابا من محبسه بعنوان “أمير الظل”، يتحدث فيه عن حياته منذ ولادته وتنقله من الكويت إلى الأردن وكوريا الجنوبية وفلسطين، وتفاصيل عمليات المقاومة التي نفذها برفقة شهداء وأسرى آخرين، ووصف في الكتاب كيف كان يُدخل المتفجرات عن طريق الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وكيف قام بتنفيذ عمليات تفجير عن بعد، وتفاصيل دقيقة أخرى.
تحرر بصفقة
ردت كتائب القسام في غزة الجميل، بتسمية الوحدة التي كانت مسؤولة عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، باسم “وحدة الظل”، تيمنا به، ووعدته أن يكون على رأس أي صفقة تبادل، إلا أنه رفض الخروج في صفقة “وفاء الأحرار”، أو صفقة” شاليط”، وأعطى الأولوية لأصحاب المحكوميات العالية وقتها عام 2011، عدا عن رفض إسرائيل إدراجه ضمن أية صفقة وقتها.
تفاجأ الاحتلال عام 2015 عندما اتصل البرغوثي من محبسه بإحدى الإذاعات المحلية في قطاع غزة، ووجه رسالة لكتائب القسام بعدم التسرع بإبرام صفقة تبادل أسرى، الأمر الذي كان سببا في إعادته إلى العزل والتحقيق مرة أخرى.
ألّف البرغوثي عدة كتب منها “أمير الظل”، وعدة روايات أبرزها “الماجدة” و”المقصلة”. كما حصل خلال سنوات اعتقاله على شهادة البكالوريوس بتخصص التاريخ من جامعة الأقصى، وماجستير علوم سياسية من جامعة الأمة، وماجستير دراسات إقليمية من جامعة القدس، وحصل على دكتوراه فخرية، من إحدى الجامعات المغربية.
تخرجت ابنته الكبرى تالا من جامعة بير زيت، ويدرس ابنه أسامة الحاسوب في الجامعة ذاتها في السنة الثالثة.
أما ابنته الصغرى صفاء فكانت تبلغ من العمر 35 يوما عندما اعتقل عام 2003، والتحقت مؤخرا بكلية الطب في جامعة النجاح في نابلس، بعد أن حصلت على معدل 98.3 في الثانوية العامة، عندما تمنى لها والدها في إحدى الزيارات أن ترتدي المعطف الأبيض، وهو ما تسعى لتحقيقه.
سادس وفاة لمعتقل فلسطيني داخل السجون الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر
قالت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” إن فلسطينيا توفي داخل أحد السجون الإسرائيلية، السبت، ليرتفع عدد الأشخاص الذين توفوا في السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر إلى ستة معتقلين.
وأضافت الوكالة نقلا عن هيئة “شؤون الأسرى والمحررين” أن ثائر سميح أبو عصب (38 عاما) المعتقل، منذ عام 2005، والمحكوم عليه بالسجن 25 عاما توفي في سجن النقب الصحراوي.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من إسرائيل حتى الآن بهذا الشأن.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس في أعقاب هجوم غير مسبوق شنته الحركة الفلسطينية على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص غالبيتهم مدنيون قضوا بمعظمهم في اليوم الأول للهجوم، وفق السلطات الإسرائيلية.
وتؤكد السلطات الإسرائيلية أن قرابة 240 شخصا بينهم أجانب، أخذوا رهائن في هجوم حماس ونقلوا إلى غزة.
وتوعدت الدولة العبرية حركة حماس بـ”القضاء” عليها، وتشن حملة قصف جوي ومدفعي كثيف، وبدأت بعمليات برية اعتبارا من 27 أكتوبر، ما تسبب بمقتل 12300 شخص وفق آخر حصيلة لحكومة حماس السبت. وبين القتلى أكثر من خمسة آلاف طفل و3300 امرأة.
أساليب التعذيب النفسي في السجون الإسرائيلية
إنّ تعذيب النفوس يمكن أن يكون أكثر قسوة من تعذيب الأجساد، فلقد ابتكر أساتذةُ التعذيب الإسرائيليون الكثيرَمن الوسائل لقهر الأسرى، وكسر قلوبهم، وتدمير معنوياتهم.
هذا ما توضّحه الرواية التي كتبها الأسير المحرّر وليد الهودلي بعد تجربة في السجون الإسرائيلية استمرّت 14 عامًا، حيث تمّ اعتقاله عام 1979 لمدة سنة لاتّهامه بتشكيل مجموعة فدائية لمقاومة الاحتلال؛ ثم تمّت إعادة اعتقاله عام 1988، وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا.
كما اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي زوجته وابنته عام 2006، وظلت زوجته في السجن مدة 3 سنوات، وقد كتب هذه الرواية عام 2003 في سجنَي عسقلان، وهدريم، وتمكّن الأسرى من تهريبها إلى الخارج.
وهذه الرواية تفتح مجالات جديدة لتصوير مشاعر الأسير الإنسانية، وتوضح أن صمود الأسير في غرف التحقيق،وإصراره على عدم الكشف عن أسرار المقاومة؛ لا يقل أهمية عن الصمود في ميادين القتال، كما تقدم شهادة واقعية توضح قسوة المحققين وساديتهم وجرائمهم العنصرية.
لذلك فإن تشجيع الأسرى الفلسطينيين على كتابة قصصهم،وسيلة مهمة للمقاومة، وبناء وعي الأمة بطبيعة العدوّ، وبداية مرحلة جديدة للكفاح ضد التعذيب البدني والنفسي؛ باعتباره جريمة ضد الإنسانية والحضارة.
ظاهرة العصافير دفعت الأسرى إلى التزام الصمت الطويل، في الوقت الذي يحتاج فيه الإنسان إلى الصداقة والودّوالحديث مع الآخرين، فأصبحت هذه الظاهرة وسيلة لتعذيب الأسرى، خاصة في الفترة التي تسبق المحاكمات
اقتحام الدائرة المحرمة
تبدأ الرواية باعتقال عامر وإبراهيم ونبيل بعد عملية فدائية بطولية قاموا فيها بإطلاق الرصاص على سيارة جنودإسرائيليين؛ فتدحرجت سيارتهم في الوادي.
وفي غرف التحقيق الذي استمرّ 90 يومًا، استخدم المحققون الإسرائيليون الكثير من وسائل العنف النفسيّ، من أهمها الإرهاق، حتى يصل الأسير إلى عدم التركيز والضعف النفسي؛ بهدف اقتحام الدائرة المحرمة التي تحوي أسراره ومشاعره.
وعندما يصل الأسير إلى أضعف حالاته، ينزلق اللسان بأول كلمة؛ عندئذ تنفرط المِسبحة، وتكتمل عندهم القصة.. وهذا ما تعرض له الأسير عامر صاحب الخبرة الطويلة في مواجهة العنف الجسدي؛ حيث تعرض لكل أنواع التعذيب خلال فترة اعتقاله الأولى التي دامت خمس سنوات، فقام بتدريب الفدائيين على كيفية مواجهة أساليب المحققين الإسرائيليين؛ لكن تلك الخبرة لم تكن كافية لمواجهة الأساليب الجديدة للتعذيب النفسي.
كما أن الظروف قد تغيرت بعد أن قامت السلطة الفلسطينية بعد أوسلو بالتنسيق الأمني مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقيام هذه السلطة بتوفير الكثير من المعلومات عن الفدائيين لإسرائيل، مما ساعد المحققين الإسرائيليينعلى خداع الأسرى، بأنهم يعرفون كل شيء عنهم.
ظاهرة العصافير
كما تزايد استخدام الاحتلال الإسرائيلي ظاهرةَ العصافير؛ التي أصبحت تثير الخوف بين الأسرى، عن طريق وضع الجواسيس داخل السجون الذين يدّعون أنهم ينتمون للمقاومة، وينقلون الأسرار للمحققين، وأدى ذلك إلى عدم الثقة بين الأسرى، وزيادة عذابهم النفسي.
من الواضح أن هذه الظاهرة صدّرتها إسرائيل للسلطات الدكتاتورية في العالم العربي؛ ولم تقتصر فقط على السجون؛ بل انتشرت خارجها؛ مما أدى إلى الكشف عن أسرار الحركات الإسلامية، وتلفيق القضايا، خاصة بعد أن اعتمدت المحاكم على المذكرات السرية، وعدم الكشف عن مصادر المعلومات، واستخدام هذه المعلومات لإصدار أحكام عالية على المتهمين.
ظاهرة العصافير دفعت الأسرى إلى التزام الصمت الطويل، في الوقت الذي يحتاج فيه الإنسان إلى الصداقة والودّوالحديث مع الآخرين، فأصبحت هذه الظاهرة وسيلة لتعذيب الأسرى، خاصة في الفترة التي تسبق المحاكمات.
الإيمان في مواجهة التعذيب النفسي
لكن الأسير عامر يقدم لنا أهم وسائل مواجهة التعذيب النفسي؛ حيث أطلق لقلبه العنان في عالم ” حسبنا الله ونعم الوكيل “، فرفع بإيمانه وتيرة التحدي، وهيأ نفسه للمعركة مع المحققين؛ فكانت مشاعر الإيمان الصادقة تتعاظم في صدره، وتفتح عليه عالمًا فسيحًا من المشاعر الرفيعة، حيث تتعانق خلجات القلب مع معية الله الحافظة.
استمرّ التحقيق مع عامر لفترة الطويلة، تعمد فيها المحققون إرهاق ذهنه بالأسئلة والتهديد والحرمان من النوم، فأصبح في ضنك وكرب شديدَين، وفي برزخ بين النوم واليقظة.
أصبح رأسه ثقيلًا، والأرض تميد من تحته، والأشياء تدور، لكنه كان يسْترق سِنة سريعة من النوم، فيشعر بعدها براحة عجيبة، ومع ذلك لم يكن المحققون يسمحون له بذلك، كانوا يمارسون حربًا نفسية ناعمة ضده.
أنوار تشرق في القلب
واجه عامر حربهم النفسية بفكرة رائعة: سأغرق قلبي وروحي بذكر الله .. لا إله إلا الله .. ما في القلب إلا الله .. حسبنا الله ونعم الوكيل، وعندما أصبح عامر ينهل من معاني ذكر الله، كانت الأنوار تشرق في قلبه، وتبدد جحافل كلماتهم الجوفاء.. كان عامر يشعر أن الله قريب منه بحفظه ولطفه ورحمته، فالله لا يترك أولياءه، يذكرهم كما يذكرونه؛ فيسبغ عليهم طمأنينة تلامس شغاف قلوبهم.
انشرح صدر عامر بحلاوة النصر القريب على هؤلاء المجرمين الذين يتفننون بكل ما أوتوا من مكر وخداع.. وكانت تجربة عامر في مواجهة التعذيب النفسي ملهمة لكل الأحرار، فهو يقدّم لهم الحل، ويثير خيالهم؛ فيقول لهم: إنّ الإنسان يحتاج إلى أن يلجأ لله.. كن مع الله ترَ الله معك، واستمر عامر في ذكر الله بلسانه وقلبه.
تذكر عامر سيدنا بلال، والكفار يعذبونه في بطحاء مكة، وهو يردد: أحد أحد؛ فأصبح لا يرى في محيطه الداخلي والخارجي، إلا الأحد بلطفه وفضله وحفظه، ويرى الجانب الآخر من هذا الضنك جانب لطف المولى الذي لا ينفك أبدًا عن القدر.. المنحة التي تصاحب المحنة.. منحة هذه النفحات الإيمانية التي أصبحت تلامس قلبه، وتملأ عليه جنبات وجدانه.
وحار المحققون في تفسير كلمة أحد أحد التي يرددها عامر بشكل مستمر، فتزيده صمودًا، فلا يجيب عن أسئلتهم.. أما هو فأصبح يشعر بأنه روح بلا جسد .. ها هو الآن يعرف معاني الإيمان .. يتذوّقها بكل مشاعره، ويشم أريجها ويسعد بطمأنينتها.
أفاق عامر من تسبيحاته التي أخذته بعيدًا، وقد أحاط به المحققون، إحاطة أفعى سامّة بفريستها، أخذوا يتناوشونهمن كل جانب كمجموعة ذئاب أنشبت أنيابها في حمل وديع، خلعوا أقنعتهم المزيفة، وراحت ألسنتهم تغرف من أعماقهم الحاقدة.
الإيمان وصراع الإرادات
يقول عامر: إنّ أسلحة الأسير أو سيوفه في هذه المعركة إرادة قوية تضرب جذورها في تربة إيمانه الخصبة، وخبرة نيرة تقدح في عقله، وتقف بالمرصاد لكل حيلهم الماكرة .. لذلك كان يرى عامر وجوه المحققين الذين هالهم صموده، فظهر الحقد في هذه الوجوه، وكأنهم زعماء بني قُريظة، والنضير،وقينقاع، عندما كانوا يجتمعون للتآمر على الدعوة الإسلامية.
فسّر المحقق شلومو صمود عامر بأنه رجل يحمل فكرًا وإيمانًا .. لذلك ستكون هزيمتنا ساحقة، عندما يكثر أمثاله من الذين يناضلون بهذا الإيمان الراسخ، ولن تفلح معه كل الإغراءات والوعود التي نقدمها له؛ فهو يعرف اليهود، ويدرك أن مواثيقنا سرعان ما ننقضها قبل أن يجفّ حبرها.
أما عامر فقد استعد للجولات القادمة التي تصمد فيها إرادات الرجال بذكر الله الذي يشحذ الإيمان .. إنه الذكر الذي يؤكد معية الله بكل ما تحمل من عون وقوة وهداية ورشد واعتصام بحبل الله المتين.. فإياك أن تغفل عن التقوية الدائمة للإرادة؛ لأن الصراع صراع إرادات وصراع أدمغة.
وإن ما يقوي الإرادة هو التفاعل القوي مع العناية الإلهية، فإذا كان الله غايتنا، فإن الذكر هو الذي يلهب القلب مع هذه الغاية قربًا ومصاحبة وحبًا، إنه تواصل مستمر بين قوتنا المحدودة وقوة الله المطلقة .. بين المعاني والمشاعر التي تجعل الإرادة كالطود العظيم، تصارع إرادتهم بكل ضمير وجلد وتوكل وصمود.
العودة للعنف والتعذيب البدني
اكتشف المحققون أن التعذيب النفسي لم يمكنهم من كسر إرادة الأسير المؤمن، فنقلوه إلى سجن عسقلان، حيث تم استخدام كل أساليب التعذيب البدني الذي جعل عامر يشعر بأنه كتلة من الألم بعد الضرب المتواصل .. وكلما اشتد الألم في جسده، كان عامر يلجأ إلى الله بشكل أشد، ويردّد مقولة بلال الخالدة: أحد أحد.
هددوه بالقتل، فقال عامر: الأغبياء يتصوروننا نحسب للموت حسابًا مثلهم .. كم أنا مشتاق للقاء الله، وبات ينتظر اللحاق بالشهداء على أحرّ من الجمر.
بعد تسعين يومًا من التعذيب النفسي والجسدي شعر المحققون باليأس، وانتصرت إرادة الأسير المؤمن، فتم تحويله للسجن، لتظل تجربته تضيء للأحرار طريق الصمود في مواجهة القوة الغاشمة، فانتصار الأسير يعني أن المقاومة ستنتصر وتحرر فلسطين، وسيخرج الأسرى ليقودوا كفاح شعبهم .. إنها الحقيقة التي توضّحها رواية الأديب الفلسطيني الأسير وليد الهودلي.