طوى لبنان عام 2023 مسجلاً رقماً قياسياً في حالات الانتحار بين مواطنيه، الذين فقد البعض منهم، القدرة على تحمل الوضع المعيشي والاقتصادي المتأزم منذ أكتوبر 2019.

وبحسب بيانات أرقام “الدولية للمعلومات” وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية لبنانية، فإن عدد حالات الانتحار في لبنان، حقق زيادة ملحوظة في العام 2023 عن العام 2022 بلغت نسبتها 16 بالمئة.

حالة انتحار كل 48 ساعة

ويكشف الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، في حديث خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن عدد حالات الانتحار في لبنان قفز بنسبة 16 بالمئة في العام 2023، إلى 170 حالة مقارنة بـ 138 حالة في 2022، و145 حالة في 2021، و150 حالة في 2020، عازياً السبب الى الأوضاع التي يشهدها لبنان من ضغوطات اقتصادية واجتماعية ومؤخراً أمنية.

آفاق مغلقة أمام اللبنانيين

ولفت شمس الدين الى أن الناس تستغرب وتتساءل عن سبب ازدياد حالات الانتحار في لبنان خلال 2023، مقارنة بتراجعها عندما كانت الأزمة الاقتصادية في أوجها بين العامين 2020 و 2022، معبراً عن اعتقاده أن قدرة التحمل لدى اللبنانيين، كانت أقوى في بداية الأزمة، فهم كانوا لا يزالون يستعينون بمدخراتهم، أو يبيعون بعض أملاكهم ليعتاشوا، بينما اليوم وبعد مرور 4 سنوات على اندلاعها، باتت الأزمة أكبر وأخطر مع استمرارها، وبالتالي أصبح المواطن معرّضاً لليأس أكثر وأكثر، بفعل إدراكه أن الأفاق مغلقة أمامه على الصعد الاجتماعية والأمنية والاقتصادية، كما اصبحت أبواب الهجرة صعبة، فيبقى الانتحار الوسيلة للهروب من الواقع الحالي.

من جهتها، تقول المحللة النفسية والأستاذة الجامعية رندة شليطا، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن هناك عدة أسباب تقف خلف زيادة حالات الانتحار في لبنان، أولها أنه مرّت 4 سنوات على الأزمة ولم يحدث أي تقدم أو معالجات، ولم تتم إعادة هيكلة لأي قطاع خصوصاً القطاع المصرفي الذي حجزت فيه أموال ومدخرات الناس، وبالتالي فإن عتبة القدرة على الانتظار استنفذت، ليأتي الانتحار ويكسرها في ظل تأثر لبنان بكافة الأحداث المحيطة في المنطقة.

عوامل أدت إلى فقدان الأمل

وأضافت شليطا إن الناس فقدوا الأمل بالكامل، بسبب عدة عوامل، منها عدم وصول التحقيق الى نهاية عادلة في الكارثة الإنسانية المتمثلة بقضية تفجير مرفأ بيروت في عام 2020، إضافة إلى تدني قيمة الرواتب والأجور منذ بداية الأزمة الاقتصادية حتى اليوم، بفعل انهيار الليرة اللبنانية، وفقدانها نحو 95 بالمئة من قيمتها، فضلاً عن إقفال مؤسسات تجارية عديدة وازدياد في نسب الباحثين عن عمل، في حين ارتفعت أسعار الخدمات والسلع بشكل كبير، معتبرة أن كل هذه العوامل مدعومة بانسداد الأفق، تحوّل الشعور القوي بالإحباط لدى الناس إلى يأس.

من الإحباط الشديد إلى اليأس القاتل

ولفتت شليطا إلى أن ما لعب دوراً مهماً في ازدياد عدد حالات الانتحار في لبنان خلال 2023 كان توسع الفجوة الاجتماعية بين المواطنين، فبعض العاملين استفادوا من قيام مؤسساتهم بتصحيح الأجور، في حين أصيب آخرون بالإحباط نتيجة بقاء رواتبهم متدنية، ما سبب انطباعاً بغياب أي بوادر لميزان العدل في البلاد، وساهم بتحويل الإحباط إلى يأس لدى البعض.

وأوضحت شليطا أن علم النفس يعتبر أن الشعور بالإحباط، تفصله مسافة عن نية الإقدام على الانتحار، ولكن الظروف السيئة جداً وغير المحتملة التي يشهدها لبنان، سهلت انتقال الأفراد من حالة الإحباط الشديد إلى اليأس ثم اليأس القاتل الذي يؤدي إلى الانتحار.

 لماذا يزداد الانتحار في لبنان؟

يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادّة بدأت في عام 2019 ازدادت حدتها في العام الحالي، ما تسبب بانهيار الخدمات العامة الأساسية في البلاد، في الوقت الذي تتحمل فيه الفئات الفقيرة العبء الأكبر للأزمة في بلد ترتفع فيه “تكلفة كل شيء” بشكل يومي.

ويبدو أن الأثار السلبية للأزمة الاقتصادية بدأت معالمها تتجسد بنوع آخر من المأساة، مع تسجيل حالات الانتحار ارتفاعاً ملحوظاً في بلد الـ 4 ملايين نسمة، وهو الأمر الذي أكدته نتائج دراسة جديدة اجرتها الدولية للمعلومات.

الانتحار أزداد في 2022

ويقول الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، إن الأرقام الجديدة تُظهر أن هناك ارتفاعاً نسبته 7.8% في حالات الانتحار في لبنان، خلال أول 7 أشهر من عام 2022، وذلك مع تسجيل 83 حالة انتحار، وهي نسبة “مقلقة” وليست بقليلة مقارنة مع عدد سكان لبنان.

مأساة من يقبض بالليرة

وبحسب شمس الدين فإن حالات الانتحار في لبنان بلغت 128 حالة خلال العام 2021 بأكمله، وإذا ما دقّقنا في أرقام 2022 وفي حال استمرار الوضع على ما هو عليه، فإن اتجاه حالات الانتحار سيكون “صعودي”.

واعتبر شمس الدين أن ما يحصل هو نتيجة طبيعية للظروف الاقتصادية والأزمات المعيشية التي تواجه معظم اللبنانيين، وخصوصاً ذوي الدخل المحدود ومن لا يزالون يتقاضون رواتبهم وعائداتهم بالعملة الوطنية التي تدنى سعرها الى مستويات قياسية مقابل سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

 إهانة لمن فقد الأمل

وتقول المحللة النفسية والأستاذة الجامعية رندة شليطا في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” إن ما أظهرته نتائج الدراسة عن حدوث حالة انتحار في لبنان كل 60 ساعة، أمر غير مستغرب، وتعتبر إهانة لشعب فقد الأمل بفعل الاكاذيب التي تليت على مسامعه لسنوات عديدة.

وبحسب شليطا فإن حالات الانتحار التي تحدث في لبنان حالياً، لا دخل لها بنقص مادة “السيروتونين” التي تتسبب بالاكتئاب وتدفع للانتحار، بل هي مرتبطة بالشعور بفقدان الأمل وأدنى مقومات الحياة في ظل الوضع الاقتصادي التعيس والمنهار.

انعدام العدالة

ولفتت إلى وجود فئة من اللبنانيين تشعر “باللاعدالة” وبأن أعمالها تدمرت وأموالها محتجزة في المصارف وغير قادرة على الوصول لها.

وترى شليطا أن هناك اشخاصاً مستمرون بعيش حياتهم بشكل طبيعي، وهم يسهرون وينشرون صور حياتهم “الباذخة” على وسائل التواصل الاجتماعي كأن شيئاً لم يكن، وهذا الأمر يخلق شعوراً “بالحسرة” ويسرِّع من قرار الانتحار.

كذلك ترى شليطا أن الاشخاص المقتدرين والذين يعيشون حياة طبيعية، يساهمون بإنعاش الوضع الاقتصادي وخلق فرص عمل، ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من تراكمات والذين يُحبطون بسرعة، فإن هذا المنظر يكون بمثابة مسمار في طريقهم المسدود.

وأشارت المحللة النفسية والأستاذة الجامعية إلى أنه في حال استمر الوضع على ما هو عليه، فإن نسبة الانتحار سترتفع، حيث أن ما يمكن أن يغير الوضع هو حدوث انتعاش في لبنان في حال تدارك المسؤولين الوضع.

خنق زوجته وطفله ثم انتحر

بلدة
بلدة

استفاقت بلدة داريا بمنطقة إقليم الخروب في قضاء الشوف جبل لبنان في وقتا سابق على وقع جريمة مروعة راحت ضحيتها عائلة بأكملها، وأثارت القلق في البلاد.

ارتفاع معدل الجريمة

وقالت المتخصصة في علم الاجتماع، الدكتورة وديعة الأميوني، إن ارتفاع معدل الجريمة مرتبط بالأوضاع الاقتصادية، مع عوامل أخرى.

وأضافت، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “مع انهيار الوضع الاقتصادي ستزداد الجرائم أكثر”، لكن “هناك عدة عوامل تضاف إلى العامل الاقتصادي خلف أسباب الجريمة، منها انتشار أفراد غرباء”، حسب تعبيرها، إضافة إلى الارتفاع المهول في سعر صرف الدولار وصعوبة العيش بكرامة.

و”ترتبط الجريمة أيضا بعدم الاستقرار السياسي، إضافة إلى الفقر والبطالة والثقافة الذكورية، وهذا ما شهدناه في لبنان، إضافة إلى الأسباب المرضية الغرائزية المكتسبة والوراثية”، وفق الأميوني.

ماذا في التفاصيل؟

وعلقت مصادر محلية في بلدة داريا لموقع “سكاي نيوز عربية” على ما حصل، بالقول:

أقدم الشاب حسن ب. (25 سنة) من بلدة داريا، صباح اليوم الجمعة، على قتل زوجته خنقا وطفله الوحيد حسين بالطريقة نفسها ثم انتحر.
حسن عاطل عن العمل ويعيش ظروفا مرضية وعصبية صعبة، ويعاني من اضطراب نفسي بسبب تعاطيه المخدرات والظروف المادية القاسية التي تلف البلاد.
قيل إن حسن عولج من التعاطي، إلا أنه بدأ يشعر بعوارض عصبية مخيفة مؤخرا وتوقعات على أن يكون تناول كمية كبيرة قبل إقدامه على تنفيذ جريمته.
زوجته المغدورة تعمل في قطاع التعليم وهي من جنوب لبنان مع الإشارة إلى أن قطاع التعليم يعاني من تعطيل وإضرابات بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار.
عُرف حسن بحبه لابنه الطفل حسين ابن الـ4 سنوات الذي كان برفقته دائما أينما تنقل.
بعد إقدام حسن على خنق الأم والطفل، رمى بنفسه عن سطح المنزل.
وقال شاهد عيان إن بلدة داريا ومحيطها استفاقت على هول ما حصل وسط ذهول كان متوقعا بسبب ظاهرة التعاطي التي تنتشر بين الشبان في الآونة الأخيرة.

وأضاف الشاهد، الذي رفض ذكر اسمه، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “من واجب الدولة القيام بحملات توعية للشباب والبحث عن مصدر المخدرات والممنوعات التي باتت في متناول شريحة واسعة في معظم البلدات اللبنانية”.

وتستعد بلدة داريا لدفن العائلة عصر اليوم وسط حزن كبير يلف المكان.

كتبها على فيسبوك وانتحر.. رسالة أخيرة من لبناني تثير الحزن

كتبها على فيسبوك وانتحر.. رسالة أخيرة من لبناني تثير الحزن
كتبها على فيسبوك وانتحر.. رسالة أخيرة من لبناني تثير الحزن

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ظهر يوم الخميس، برسالة وداع كتبها اللبناني بيار صقر (62 عاماً)، على حسابه بفيسبوك، قال إنها الرسالة الأخيرة قبل إقدامه على الانتحار.

وفور نشره الرسالة، تفاعل أصدقاء بيار وأقرباؤه مع المنشور، وحاولوا ثنيه عن قراره الخطير والسوداوي، ولكنّه لم يردّ على هاتفه كما أوردت التعليقات.

وأكد مصدر أمني  أن بيار صقر انتحر ووجد جثة هامدة في جرود بلدة بسكنتا قضاء جبل لبنان.

ضحية الانهيار

وفي رسالته، عزا بيار سبب اتّخاذه قرار الانتحار، إلى الضائقة الخانقة التي يمرّ بها والتي أجبرته على وقف معمل صناعة اللوحات الإعلانية، إضافة إلى معاناته من مشاكل صحّية. ومما كتبه في رسالته: “بعد قليل من الممكن ألا يكون عندي طعام”.

وكتب صقر رسالة الوداعية عبر فيسبوك، معللًا إقدامه على الانتحار، محمّلا المسؤولية الى العمامة السوداء (في إشارة الى أمين عام حزب الله حسن نصر الله) والفاسدين والحرامية في الدولة اللبنانية، كما عمد الى كتابة وصيته التي لخّصها بـ النقاط التالية:

• هذه ذكرى مرور 3 سنوات على إقفال مصنعي الخاص.
• أعاني من مشاكل صحية ولا مال بحوزتي لتجديد إيجار المعمل.
• نشأت في عائلة مسيحية مؤمنة.
• أشعر بحزن منذ شهرين وجميع الأبواب أغلقت في وجهي.
• أنا ضحية الانهيار والفساد السياسي والمالي.
• أوصي أهلي بلف نعشي بعلم لبنان و افتخر باسم والدي رينيه صقر… أكتب هذه الكلمات وأنا أجهش بالبكاء.

وقال أحد أبناء مدينة زحلة، (عرف نفسه باسمه الأول فقط ميشال)، لموقع سكاي نيوز عربية ” انتحار بيار مفاجأة للمدينة وهو من هواة تصوير المناظر الطبيعية في لبنان وانتحر في مكان مرتفع يطل على جبل صنين في جرود مدينة زحلة وبلدة بسكنتا في جبل لبنان”.

واعتبر ميشال أن الفقيد “لا بد أنه مر بساعة تخل وستفتقده زحله والمناطق الجميلة التي كان ينشر صورها على صفحته الخاصة”.

ونعى الوسط الاعلامي وأصدقاء صقر فيسبوك الرحيل الحزين وكتب الصحافي اللبناني إيلي الحاج “ضاقت به السبل وأنهى حياته بطلقة من بندقيته ورسالة إعلان يأس وإيمان بريء على فيسبوك. لم يترك لمحبيه الكثيرين فرصة لالتقاط الأنفاس ومحاولة إقناعه بأن ما يذهب إليه ليس حلاً.”

وكتبت الصحافية فاطمة حوحو ” لن نصدق ما نسمع “. وقال صحافي آخر” لماذا لم تخبرنا يا بيار بما كان يزعجك ربما كنا وقفنا إلى جانبك”.

رأي علم النفس

وقالت نقيبة النفسانيين في لبنان ليلى عاقورة ديراني لموقع سكاي نيوز عربية “يكون الانتحار في سن الشباب أعلى نسبة من أعمار أخرى وقد يكون كذلك في سن التقاعد”.

وأضافت أن “حالات الانتحار اجتمعت زمنيا في أسبوع محدد إنما الأسباب متعددة وتراكمية وليست خارجية، وممكن أن يكون السبب المؤثر كآبة قوية ووسواساً قهرياً قد تؤدي اليه حالة ذهنية معينة “.

وتزايدت حوادث الانتحار في لبنان خلال الأسبوع الماضي وانتقلت من منطقة إلى أخرى، والأسباب باتت معروفة وهي الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي بات يقضّ مضاجع الناس وبالأخص الفقراء والمهمشين.

وكان لبنان قد شهد منذ الأسبوع الماضي سلسلة عمليات انتحار بلغت 6 في مناطق مختلفة. وعملية زحلة اليوم هي السابعة التي تنضم الى هذه الحصيلة.

وتشكل ظاهرة الانتحار خطراً اجتماعياً كبيراً في ظل الضغوطات المالية والأزمات المعيشية التي يعاني منها اللبناني .