الحكومة مثل العائلة، لها نفقات ومداخيل، وعندما تزيد النفقات على المداخيل تحدث المشكلة، وتحاول حلها بطرق عدة منها الاقتراض، لكن هذه الطرق قد لا تنجح، مما يؤدي إلى الكابوس المرعب: الإفلاس.
وأعلن مجلس مدينةبرمنغهام في وسط انكلترا (وتعد حوالى 1.1 مليون نسمة)، أنه “أصدر إشعارا بموجب المادة 114 في قانون تمويل الحكومة المحلية للعام 1988 والذي يمنع الإنفاق إلا على الخدمات الأساسية، حيث أكد قادة المجلس الذي يسيطر عليه حزب العمال أن الخطوة “ضرورية” لتعزيز وضع الإنفاق”.
وأشاروا إلى أن “مشاكل عالقة منذ مدة طويلة”، تشمل إطلاق نظام حاسوبي جديد، تفاقمت نتيجة خفض المخصصات بمبلغ قدره مليار جنيه إسترليني (1.25 مليار دولار) من قبل الحكومات المحافظة المتعاقبة منذ وصلت إلى السلطة عام 2010، موضحين أن “التضخم الجامح” إلى جانب زيادات في كلفة الرعاية الاجتماعية للبالغين وخفض إيرادات معدلات الأعمال، خلقت عوامل “عاصفة كاملة”.
في حين أن أعضاء المجلس المحافظين ألقوا باللوم على سوء إدارة العمال للأموال العامة.
وكان المجلس قد كشف في حزيران، أنه اضطر لدفع مبلغ يصل إلى 760 مليون جنيه استرليني لتسوية شكاوى تاريخية بشأن المساواة في الأجور.
كما أصدر مجلس كرويدون في جنوب لندن إشعارا بناء على المادة 114 تشرين الثاني العام الماضي، بسبب نقص بمبلغ قدره 130 مليون جنيه إسترليني في ميزانيته.
وأعلن أبضا مجلس ثوروك في إسكس شرقي لندن أنه يواجه ضائقة مالية في كانون الاول العام الماضي.
وبين تجمع “سيغوما” SIGOMA المكون من 47 مجلس مدينة خاضعة لقانون تمويل الحكومة المحلية الأسبوع الماضي أنه يعتبر أن عشرة من أعضائه يقدمون إقرارا رسميا بأنّهم لم يعودوا قادرين على موازنة نفقاتهم، مشددا على أن نحو 20% من مجالس المدن أنهم قد يقومون بالأمر ذاته العام المقبل.
وذكر “سيغوما” بأن التضخم المرتفع مصحوبا بتكاليف طاقة مرتفعة ومطالبات بزيادة الأجور هي عوامل فاقمت خفض التمويل الحكومي لخدمات أساسية.
جدير بالذكر أنه يتعين على أعضاء المجلس عقد اجتماع في غضون 21 يوما من إصدار الإشعار بموجب المادة 114 ووضع ميزانية تقوم بالإجراءات الضرورية لخفض الإنفاق.
وقال رئيس “سيغوما” ستيفن هوتون إن “على الحكومة أن تدرك الضغوط الكبيرة المرتبطة بالتضخم التي تعيّن على السلطات المحلية التعامل معها خلال الأشهر الـ12 الأخيرة”.
وأردف: “نظام التمويل معطل بالكامل.. حققت المجالس معجزات خلال السنوات الـ13 الأخيرة، لكن لم يبق شيء”.
ويبدو أن مصطلح إفلاس الدول غريب نوعا ما مقارنة بإفلاس الأشخاص والشركات، لكن إفلاس الدول يحدث، وهناك بلد آسيوي على وشك الوصول إلى هذه الحالة في الوقت الراهن هو سيرلانكا.
وجرى الحديث، قبل أيام، عن أن دولة عربية هي لبنان على وشك إعلان إفلاسها.
تعيش سيرلانكا أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، فهي مثقلة بديون خارجية تبلغ 25 مليار دولار، منها ما يزيد على 7 مليارات دولار مستحقة هذا العام وحده، في وقت يتراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي، وفق “أسوشيتد برس”.
وأدت الأوضاع الاقتصادية الصعبة في سيرلانكا، التي وصلت حد الاقتراض لشراء المواد الغذائية إلى حدوث اضطرابات، فاحتل متظاهرون مكتب الرئيس غوتابايا راجاباكسا، مطالبين إياه بالتنحي.
إفلاس الدول
وإفلاس الدول مصطلح مجازي، فالمقصود هنا هو الحكومة وليس الدولة ككل، ويعني تخلف الحكومة عن سداد الديون بشكل مستفحل.
وتُعطى الدول في العادة مهلة 30 يوما من تاريخ استحقاق دفعات القروض لكي تدفع ما عليها، وإذا لم يحصل ذلك يعلن أنها دولة متخلفة عن السداد، أي دولة مفلسة.
ويختلف إفلاس الحكومة عن إفلاس الأشخاص والشركات، ففي حالة هؤلاء يضع الدائنون أيديهم على أصول المتخلفين عن السداد، وهذا ما لا يحدث في أصول الحكومة داخل أراضيها، إنما خارجها فقط.
والحل المطروح لتفادي الإفلاس هو إعادة جدولة القروض وشروطها أو شطب جزء منها، ويطلق حينها على الدولة صفة “المتعثرة”، وهو ما تسعى إليه سيرلانكا حاليا، حيث تريد إجراء محادثات مع صندوق النقد الدولي، أبرز دائنيها في وقت لاحق من أبريل الجاري.
وليس الأمر سلبيا تماما، فإعلان الإفلاس يعني أن الدولة ستتملص جزئيا من ديون أثقلت كاهلها، لكن التداعيات السلبية كبيرة ومدمرة، ليس أقلها سحب المودعين أموالهم من البنوك، وهو يحدث هزة اقتصادية ويعصف بقيمة العملة.
ويبدو ذلك واضحا في سيرلانكا، حيث خلت رفوف المحال التجارية من السلع الأساسية، وسط تقنين حكومي لما يمكن أن يباع، وسط تحذير من قيود قريبة أكثر شدة على المواد الغذائية.
وحتى في حال تجاوز ذروة الأزمة، ستبقى ذيولها مؤثرة على الأوضاع المعيشية في الدولة المدينة، لأنها ستوظف جزءا كبيرا من مواردها لسداد القروض وفوائدها، مما يحرمها من الإنفاق على التطوير مثلا.
وهناك العديد من الدول التي أعلنت إفلاسها مثل ألمانيا وروسيا وإسبانيا والأرجنتين.
تأتي هذه التطورات في قضية الافلاس و على الرغم من الظروف الاقتصادية الخانق التي تعيشها لبنان، إلا أنها ليست الدولة الأولى التي تعلن إفلاسها في العالم.
أزمة اقتصادية
خانقة تعرضت لها لبنان، أدت إلى عدم قدرتها على توفير الغذاء للمواطنين خلال شهر
رمضان، وغابت اللحوم عن موائد الصائمين، فضلًا عن اختفاء الوقود من المحطات،
والانقطاع المتكرر للكهرباء صيفًا وشتاءً.
وأعلن سعادة
الشامي نائب رئيس الحكومة اللبنانية، إفلاس الدولة و مصرف لبنان المركزي، مؤكدًا
أنه سيجري توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين.
وقال:
“هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن أن نعيش في حالة إنكار ولا يمكن أن
نفتح السحوبات المصرفية لكل الناس، وأنا أتمنى ذلك لو كنا في حالة طبيعية، لا يوجد
قيود بالمطلق على التحويلات والسحوبات المصرفية الداخلية من مصرف إلى مصرف في قانون
الكابيتال كونترول”.
وأضاف:
“وزارة المالية ستضع خطة لدفع المتأخرات، لكن ذلك لن يحصل غدا، ولدينا الوقت
الكافي إن كان هناك إرادة سياسية جامعة، ليس هناك تضارب بوجهات النظر حول توزيع
الخسائر، وسيجري توزيعها على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، لكن الدولة
أفلست وكذلك مصرف لبنان والخسارة وقعت، وسنسعى إلى تقليل الخسائر عن الناس”.
دول أعلنت إفلاسها من قبل
وأعلنت قرابة
نصف دول القارة الأوروبية و40% من دول إفريقيا، و30% من دول آسيا خلال القرنين
السابقين إفلاسها.
والإفلاس الأشهر
في العصر الحديث كان من نصيب البرازيل، والذي جاء بسبب القيود التي فرضتها الحكومة
على الدولة جرّاء انتشار فيروس كورونا.
كانت الولايات
المتحدة، وألمانيا، واليابان، والمملكة المتحدة البريطانية، والصين أبرز الدول
التي وأعلنت افلاسه،ا وعجزها عن سداد ديونها الداخلية أو الخارجية خلال القرنين
الماضيين.
عانت ألمانيا من
الإفلاس 8 مرات خلال 250 عام، وبذلك تأتي مقدمة الدول الاقتصادية الكبرى التي
تعرضت للافلاس، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية بـ5 مرات، والصين وبريطانيا بـ4
مرات، واليابان بمرتين.
وفي قائمة بلدان
العالم الأكثر وقوعًا في الإفلاس، تتصدر الإكوادور، التي أعلنت إفلاسها 10 مرات،
وبعدها تأتي البرازيل والمكسيك، وأوروجواي، وتشيلي، وكوستاريكا، وإسبانيا، وروسيا،
بإعلان إفلاسها 9 مرات خلال القرنين الماضيين.
وفي 17 أغسطس في
العام 1998، أعلنت روسيا إفلاسها، بعد عجزها عن سداد الديون الخارجية المتراكمة
جراء إصدارات سندات حكومية قصيرة الأجل، 1998 بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن
تحولها من دولة شيوعية إلى دولة رأسمالية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 25
ديسمبر 1991.
وفي عام 2001،
أعلنت الأرجنتين إفلاسها، بسبب الأزمة المالية وتعاظم الديون؛ حيث كان البلاد غارقًا
في كساد منذ أربع سنوات، وكانت ديون الأرجنتين تبلغ 132 مليار دولار