وفد من “الموساد” الإسرائيلي زار السودان بعد الانقلاب العسكري

ذكر موقع “Axios” الأمريكي أن وفدا من “الموساد” الإسرائيلي زار مؤخرا السودان حيث بحث مع مسؤولين محليين تطورات الأوضاع في البلاد على خلفية الانقلاب العسكري على السلطة المدنية.

وأوضح الموقع، اليوم الأربعاء، أن الوفد التابع لـ”الموساد” زار الخرطوم في وقت سابق من الأسبوع الجاري حيث أجرى محادثات مع مسؤولين عسكريين سودانيين.

ونقل التقرير عن مسؤولين إسرائيليين مطلعين أن “هذه كانت مجرد مهمة لتحديد الحقائق”، مبينا أن اللقاءات جرت ليس مع قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، لكن مع مسؤولين من مستوى أدنى.

وجرت الزيارة، حسب “Axios”، في الوقت الذي تطلب فيه إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من “الحكومة الإسرائيلية أن تستفيد من علاقاتها الوثيقة مع البرهان لدعوة العسكريين إلى إعادة الحكومة الانتقالية”.

ويعتبر البرهان، وفق الموقع، شخصية محورية في عملية تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل خلال السنتين الماضيتين.

وأوضحت مصادر الموقع أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أثار الملف السوداني خلال اتصاله الأسبوع الماضي مع وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، الذي طلب منه أن يدعو العسكريين السودانيين لوقف الانقلاب.

وقبل أسبوعين من الانقلاب زار وفد عسكري سوداني إسرائيل حيث أجرى محادثات مع حكومة رئيس الوزراء، نافتالي بينيت، ومسؤولين في “الموساد”.

وحسب مسؤولين إسرائيليين، أبلغ الوفد السوداني الطرف الآخر بتطورات الأوضاع في البلاد، لكن دون الإعلان عن نوايا الإطاحة الحكومة عبد الله حمدوك.

ويمر السودان بانقلاب عسكري جديد حيث أعلن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، الاثنين، حل مجلس السيادة والحكومة وفرض حال الطوارئ في البلاد، بعدما تم إيقاف معظم الوزراء والمسؤولين المدنيين في السلطة، فيما تتصاعد الضغوط الدولية من أجل عودة المدنيين الى السلطة.

وحاول الجيش استيعاب الانتقاد الدولي عبر إعادة حمدوك، الذي كان بين الموقوفين، الى منزله، بعد تشديد دول غربية والأمم المتحدة على ضرورة الإفراج عنه.

لكن مكتبه قال إنه لا يزال “تحت حراسة مشددة”، مشيرا الى أن “عددا من الوزراء والقادة السياسيين لا يزالون قيد الاعتقال في أماكن مجهولة”.

وعلى ذات الصعيد اذ اعلن عن مقتل ثلاثة متظاهرين الاربعاء خلال احتجاجات حاشدة في مدن عدة سودانية على رأسها العاصمة الخرطوم دعت إليها القوى المدنية المعارضة للانقلاب العسكري الذي أطاح بالمجلس السيادي والحكومة الانتقالية، وتعهدف بأن تكون “مليونية” و”سلمية”. وتعالت الأصوات الدولية التي تحذر الجيش من استخدام العنف ضد المتظاهرين، وذلك بعد أن أسفرت مواجهات اندلعت في مظاهرات سابقة ضد الانقلاب عن سقوط عدة قتلى. وقطعت السلطات العسكرية خدمات الإنترنت عن الخرطوم تحسبا للاحتجاجات.

تحت شعار “الردة مستحيلة”، خرج عشرات الآلات بعد ظهر السبت في مظاهرات حاشدة للاحتجاج على انقلاب قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في السلطة. فيما فيما أعلنت لجنة الأطباء المركزية في السودان مقتل ثلاثة معارضين للانقلاب في الخرطوم.

ونفت الشرطة السودانية في بيان استخدام الرصاص الحي وقالت “هنالك مجموعات من المتظاهرين خرجت عن السلمية وهاجمت الشرطة وبعض المواقع الهامة ما دعا الشرطة لإستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقهم وتؤكد الشرطة أنها لم تستخدم الرصاص بل أن أحد أفرادها أصيب بعيار ناري جاري التحقق من مصدره”.

وهتف المتظاهرون في جميع أحياء العاصمة السودانية “المدنية خيارنا”. ورددوا مجددا العديد من شعارات انتفاضتهم التي أسقطت البشير في نيسان/أبريل 2019 مثل “حرية، سلام، عدالة” و”ثوار، أحرار حنكمل المشوار” فيما كان بعضهم يرفع صور رئيس وزراء السودان المقال عبد الله حمدوك الذي وضع قيد الإقامة الجبرية في منزله بالخرطوم.

كما هتف المحتجون الذين رفعوا العلم السوداني “حكم العسكر ما بيتشكر” و”البلد دي حقتنا، مدنية حكومتنا”، وساروا في أحياء العاصمة.

وخرج المحتجون إلى الشوارع في مدن بوسط وشرق وشمال البلاد. وكان الآلاف قد خرجوا إلى الشوارع الأسبوع الماضي احتجاجا على قيام الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالإطاحة بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في خطوة دفعت الدول الغربية إلى تجميد مساعدات بمئات الملايين.

وفي وسط الخرطوم، انتشرت بكثافة قوات مسلحة شملت جنودا من الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وأغلقت قوات الأمن الطرق المؤدية إلى مجمع وزارة الدفاع والمطار، وكذلك معظم الجسور التي تربط بين الخرطوم ومدينتي أم درمان والخرطوم بحري.

وفي الأحياء، أغلقت مجموعات من المحتجين الطرق أثناء الليل بالحجارة وقوالب الطوب وفروع الشجر والأنابيب البلاستيكية في محاولة لإبقاء قوات الأمن على مبعدة.

وقال رجل يدعى معتز عمره 75 عاما كان يسير في الشارع ويبحث عن خبز يشتريه إن الحياة العادية توقفت تماما في الخرطوم، وأضاف “لماذا وضع البرهان والجيش البلاد في هذه الأزمة؟ كان يمكنهم حل المشكلة بدون عنف”.

وعلى الرغم من القمع الدامي الذي تعرضت له مظاهراتهم خلال الأيام الخمسة الأخيرة، دعا أنصار الحكم المدني إلى مظاهرات “مليونية” السبت في السودان للمطالبة بعودة العسكريين إلى ثكناتهم وتسليم السلطة إلى المدنيين لإثبات قدرتهم على تحدي انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وإعادة البلاد إلى عملية التحول الديمقراطي.

ويراقب العالم رد فعل العسكريين على هذه المظاهرات التي وعد منظموها بأن تكون “مليونية”. وتعالت الأصوات عشية الاحتجاجات، محذرة السلطات العسكرية من استخدام العنف ضد المتظاهرين.

وقالت الناشطة من أجل الديمقراطية تهاني عباس لوكالة الأنباء الفرنسية: “العسكريون لن يحكموننا، هذه هي رسالتنا”.

وأكدت أن المظاهرة “المليونية” التي دُعي إليها السودانيون السبت على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى جدران الخرطوم – حيث قطعت السلطات الإنترنت – ليست إلا “خطوة أولى”.

ففي بلد يحكمه عسكريون بشكل شبه مستمر منذ استقلاله قبل 65 عاما، قرر الشارع أن يقول “لا” السبت للفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي حل الاثنين كل مؤسسات الحكم في البلاد واعتقل غالبية المسؤولين المدنيين، ليستأثر العسكريون بالسلطة.

والشعار الأساسي لهذه المظاهرات هي “الردة مستحيلة” بعد عامين على الانتفاضة التي استمرت شهورا وانتهت بإسقاط عمر البشير في نيسان/أبريل 2019 وتشكيل سلطة انتقالية من المدنيين والعسكريين منوطة بها إدارة شؤون البلاد إلى حين تسليم الحكم إلى حكومة منتخبة ديمقراطيا عام 2023.

التزام بالسلمية

فور إطاحة البرهان بالمدنيين قبل 5 أيام، دخل السودانيون في “عصيان مدني” وأقاموا متاريس في الشوارع لشل الحركة في البلاد.

وفي مواجهتهم، انهمر الرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيلة للدموع، ما أسفر عن سقوط ثمانية قتلى بين المتظاهرين، حسب أطباء.

لكن الناشطين مصرون بالرغم من كل شيء على أن تكون “المواكب” سلمية، لأن “سلميتنا هي سلاحنا الوحيد وقد نجح من قبل”، بحسب عباس.

فالمتظاهرون الذين يعِدون أيضا بمسيرات في الشتات، يرون في ما يحدث تكرارا لـ”ثورة” 2019 التي استمرت خمسة أشهر وسقط خلالها 250 قتيلا.

قلق دولي

وحذرت منظمة العفو الدولية “القادة العسكريين من الحسابات الخاطئة”، مؤكدة أن “العالم يتابعهم ولن يسمح بمزيد من الدماء”.

وحضت الولايات المتحدة الجمعة الجيش السوداني على عدم قمع مظاهرات السبت.

وقال مسؤول أمريكي كبير لصحافيين “نحن قلقون فعلا حيال ما سيحصل غدا”، مضيفا “سيكون الأمر اختبارا فعليا لنوايا العسكريين”.

كما حض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الجيش السوداني على “ضبط النفس” خلال مظاهرات السبت.

وقال خلال مؤتمر صحافي عشية افتتاح قمة مجموعة العشرين في روما “أدعو العسكريين الى إظهار ضبط النفس وعدم التسبب بسقوط مزيد من الضحايا. يجب أن يُسمح للناس بالتظاهر سلميا”.

والخميس طالب مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بإجماع أعضائه، العسكريين في السودان بـ”عودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون”، مبديا “قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة”.

وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن “رسالتنا معا إلى السلطات العسكرية في السودان واضحة، ينبغي السماح للشعب السوداني بالتظاهر سلميا، وإعادة السلطة إلى الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون”.

وأكد أن “الولايات المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله اللاعنفي للمضي قدما نحو أهداف الثورة السودانية”.

ولا يزال العدد الأكبر من القادة المدنيين معتقلين منذ خمسة أيام أو قيد الإقامة الجبرية.

وكانوا قد أوقِفوا فجر الاثنين بأيدي قوات عسكرية اقتحمت كذلك مقر التلفزيون الرسمي الذي أعلن من خلاله الفريق أول البرهان بعد ساعات حل كل المؤسسات السياسية للمرحلة الانتقالية في البلد الذي يعد واحدا من الأفقر في العالم.

وأعلنت مؤسسات حكومية ونقابية عدة الانضمام إلى “العصيان المدني” الذي حول الخرطوم مدينة أشباح منذ خمسة أيام.

لكن، حسب الخبراء، فإن الناشطين أكثر تنظيما الآن بفضل تجربة 2019. وهم يحظون بدعم المجتمع الدولي الذي فرض عقوبات على الجنرالات.

فالولايات المتحدة والبنك الدولي جمدا مساعداتهما للسودان الذي يعاني الفقر والغلاء المتزايد.

كما قرر الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية الخرطوم، وطالب مجلس الأمن بالدفع باتجاه العودة إلى مؤسسات الحكم الانتقالي التي كان يُشارك فيها المدنيون.