ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 سيختفي كورونا غير أن داعش لن يختفي
فاروق يوسف
العرب
بين التفاؤل المطلق والتشاؤم النسبي يتحرك الأطباء والعلماء يتبعهم السياسيون والاقتصاديون في ما يتعلق بمستقبل فايروس كورونا.
هناك أمل في أن يختفي الفايروس فجأة بطريقة تلقائية من غير أن يترك أثرا كما لو أنه لم يكن. تلك ليست مزحة. في إمكان السلوك البشري بكل أنواعه ومستوياته أن يقضي عليه من خلال الحد من انتشاره. لا بأس. سيكون الحذر لازمة دائمة لحياة قلقة. ولكنها مسألة وقت. في ما بعد سيعود كل شيء كما كان من قبل.
ذلك ما يشك فيه الكثيرون. ربما حدثت تغيرات جذرية أثناء انتشار الوباء من غير أن يشعر بها أحد بشكل مباشر. سيظهر التأثير السلبي لتلك التغيرات حين تستقر الأمور وتتضح الصورة. ما الذي خسرناه؟ ما الذي يمكن الاستغناء عنه بيسر؟ هل الاستهلاك ضروري لاستمرار الحياة؟ ما الذي تحتاجه البشرية لكي تكون أقوى؟ أسئلة ستشكل الأجوبة عليها محور التجربة الإنسانية في مرحلة ما بعد الوباء.
في المرحلة الانتقالية سيكون البشر مستعدين لكل الاحتمالات. لكنهم بعدها سيتحررون من كل القيود. لن يكون هناك خوف من المصافحة والعناق والقبل. وستكون المقاهي والمطاعم والحانات مفتوحة.
كان كورونا قاتلا غامضا قاومته البشرية وانتصرت عليه.
هذا ما سيُقال من أجل أن تُطوى صفحة أخرى من التاريخ الإنساني.
ولكن البشرية نفسها التي ستعلن انتصارها على الفايروس الغامض لم تنتصر على داعش وهو ظاهرة واضحة الملامح، بارزة المعالم بعد أن خاضت حروبا ضده استغرقت سنوات.
فهل داعش أكثر غموضا وتعقيدا وجبروتا من كورونا؟
اجتمعت الأمم، كبيرها وصغيرها من أجل الحاق الهزيمة بتنظيم داعش غير أنها لم تفلح كما يبدو في تحقيق هدفها. في الطريق إليه هُدمت مدن عظيمة وأبيد الالاف من البشر وتقطعت سبل النجاة بآلاف أخرى من غير أن تظهر بارقة أمل واحدة تشير إلى نهايته.
هل يكمن الخطأ في المعالجة أم في التشخيص؟
يشعر المرء كلما سمع بظهور داعش من جديد أن كل المحاولات العالمية السابقة اللتي بُذلت من أجل محاربة ذلك التنظيم لم تهدف إلى اجتثاث جذوره، بقدر ما حاربت صورته المؤقتة ونجحت في أزالتها من منطقة بعينها.
ذلك هو المنطق اليائس الذي تمليه الوقائع في منطقة قُدر لها أن تستقطب كل مجرمي الأرض في حفلة جنون مستمرة.
ولو تفحصنا الامر بعين محايدة لأكتشفنا ما يلي:
داعش ليس طائر العنقاء الخرافي الذي ينبعث من رماده في الخرافة. إنه ظاهرة بشرية درسها الخبراء وأهتدوا إلى قواعد لعبتها وتوصلوا إلى حلول لها بغض النظر عن وجهة النظر العسكرية.
لم يهبط داعش من كوكب آخر ولم ينبعث من العدم. لقد سبقته تنظيمات عقائدية مهدت له من جهة اعتمادها خيار المواجهة المسلحة مع المجتمعات وليس غريبا أن يجد ذلك التنظيم في المجتمعات نفسها حاضنة له.
وأخيرا فإن الظروف المأساوية التي عاشتها منطقة الشرق الأوسط بعد احتلال العراق قد جعلت من ظهور مثل ذلك التنظيم المتوحش في قسوته أمرا ممكنا. لقد حلت الفوضى بإرادة دولية فكان الارهاب جزءا لا يتجزأ من تلك الفوضى بغض النظر عن الشعارات العقائدية المضللة التي يرفعها.
كل تلك المعطيات تعطينا فكرة عن جوهر ظاهرة “داعش” مما يجعل الطرق سالكة في اتجاه معالجتها. فلمَ فشلت البشرية في وضع حد لها؟
ربما لم تكن الحلول العسكرية والأمنية مناسبة لمعالجة الظاهرة التي لم يتعامل السياسيون بطريقة جادة مع تشخيص الخبراء للظاهرة.
فهل كان ذلك الخطأ مقصودا؟
إن بلدا مثل العراق لا يتنفس قليلا وسط كوارثه حتى يطل عليه شبح داعش من جديد، بالرغم من أن جيوش الأرض كلها قد سبق لها وأن حاربت التنظيم الارهابي على أراضيه وأعلنتها أراض محررة بعد أن أزالت ما عليها من بشر وعمران وحقول.
يبغض المرء أن يدخل في متاهة تكهنات، كلها تقود إلى الشك في مصداقية الحرب على الارهاب من خلال النظر بطريقة محايدة إلى ظاهرة داعش التي صارت أشبه بطائر العنقاء.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 عندما يرفرف علم المثليين في قلب بغداد.. هل يكفي الغضب؟
عبد الخالق الفلاح
راي اليوم
لقد أثارت الممثلية الخاصة في سفارة الاتحاد الأوروبي في العراق رسميا الأحد رفع علم المثليين في مقر البعثة في بغداد بعد قررت بعثات الاتحاد الأوروبي في أنحاء العالم رفع علم قوس قزح لإحياء اليوم العالمي لمناهضة ارهاب المثلية والتحول الجنسي والذي سبق للعراق رفض التعامل معه ، والذي يصادف 17 مايو حيث يسلط فيه الضوء على حقوق المثليين ومتحولي الجنس ومزدوجي الجنس.هذا العمل اثارغضب العراقيين بسبب هذه الخطوة الغيير موفقة والمخالفة للشرائع الربانية والذي احدث خدشة كبير في التقاليد والاعراف الاجتماعية والدينية التي تمنع مثل هذه الاخلاقيات الشاذة والمنتشرة في اوروبا وغير مقبولة في اكثر البلدان الاسلامية وحرمها القران الكريم في العديد من الايات الالهية ومنها في سورة الاعراف ،(( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ))( 81 ) صدق الله العلي العظيم.
مع العلم ان الدبلوماسية تعرف على أنّها وسيلة ناجحة للاتّصال بين النّاس؛ وهذه الوسيلة حافظت على الجنس البشريّ من الانحراف الاخلاقي ، والمسؤول المكلف بهذه المهمة عليه تقييم الاوضاع قبل التّحدث أو القيام بأي تصرّف او اتخاذ أي قرار لا يتناسب مع موقعة ، ومن خلال الدبلوماسيّة التي تعني -الكياسة – وحسن التصرف وهي علم وفن وحرفة وهي كلمة يونانية قديمة تعني الوثيقة المطوية، والتي تمنح صاحبها امتيازات أو ترتيبات مع الجاليات الأجنبية و كانت الوثائق عند الرومان تنسخ على ألواح وتطوى بطريقة خاصة تسمى ديبلوميز، وهي عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار إدارتها لعلاقاتها الدولية وهي عملية الاتصال بين الحكومات ويمكن تجاوز أي صعوبات قد تحدث لاي دولة او شخص من هذه الدولة او تلك، كما يتمّ من خلالها بناء العلاقات مع الآخرين ، فبفضلها انتهت الحروب والنزاعات بين النّاس من أجل الحصول على لقمة العيش. وتُعتبر الدبلوماسيّة من الفنون الرّفيعة ففيها تتمثّل الكثير من السلوكيّات والأذواق العالية، والمزايا الشخصيّة من الأمور المهمّة الّتي تقود الشّخص لأن يكون دبلوماسيّاً معرفته لوسائل الاتّصال المناسبة للأوضاع التي يكون فيها وكذلك أنماط الحياة الاجتماعية لذلك البلد. ويعتبرر علم الدولة هو الشعار المميز لها، والذي يرمز إلى استقلاها وسيادتها، وتصدر كل دولة قانون خاص بإنشاء العلم الوطني لها، تحدد فيه أبعاد العلم وألوانه بما يتفق وما تراه مميزاً لفكرة وطنية معينة.والشخصية الدبلوماسية يجب أن يكون شخصاً ذكياً بحيث يعرف كيف يتعامل مع انماط الآخرين ويُجيد التعاطي والتعامل مع ما حوله وما يملك من معطيات، و لا يجب أن يؤذي مشاعر الغيرو يمتلك أسلوب حوار راقي وذكي جداً بحيث يستطيع من خلاله حلّ أي خلاف مهما كان كبير بينه وبين الآخرين بسهولة.الشعب العراقي عانا ما عانا من الظيم والاضطهاد والتعسف و نهض توّاً من كبوته، والمتطلع بثقة إلى مستقبله من خلال نظامٍ جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي، عَقَدَنا العزم برجالنا ونسائنا، وشيوخنا وشبابنا، على احترام قواعد القانون وتحقيق العدل والمساواة، ونبذ سياسة العدوان، والاهتمام بالمرأةِ وحقوقها، والشيخ وهمومه، والطفل وشؤونه، وإشاعة ثقافة التنوع، ونزع فتيل الإرهاب.وهومجتمع محافظ كما ذكر في ديباجة دستوره “نحنُ أبناء وادي الرافدين موطن الرسل والأنبياء ومثوى الائمة الأطهار ومهد الحضارة وصناع الكتابة ورواد الزراعة ووضاع الترقيم. على أرضنا سن أولُ قانونٍ وضعه الإنسان، وفي وطننا خُطَّ أعرقُ عهد عادل لسياسة الأوطان، وفوقَ ترابنا صلى الصحابةُ والأولياء، ونظَّرَ الفلاسفةُ والعلماء، وأبدعَ الأدباء والشعراء”.ومن هنا يتطلب من كل الهيئات والمنظمات العالمية العاملة والشخصيات الدبلوماسية احترام السيادة، وعدم التدخل في الشأن الداخلي و احترام قيمه المحافظة على تقاليده الاجتماعية والدينية الذي يعتز بها و وليس لأي شخص، أو مجموعة، أو توجه ما ، أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين في ذلك، ويفرض رأيه عليهم.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 أرشد العمري يمازح مرافقه
خالد القشطيني
الشرق الاوسط
كان الضابط الطيار كاظم عبادي – رحمه الله – من ضباط القوة الجوية العراقية الذين حظوا بشهرة وشعبية كبيرة عند الشعب العراقي. ارتبط اسمه ببعض الانتصارات الأسطورية والوهمية ضد الإنجليز في حرب مايو (أيار) 1941. وكان منها القفز من طائرته إلى طيارة إنجليزية وأسرها!! بالنسبة لي، نال حبي وإعجابي بدوره في لعب كرة القدم كلاعب ماهر ورقيق.
ويظهر أن شعبيته ودماثة خلقه لفتت نظر أرشد العمري، رئيس الوزراء في ذلك العهد. فانتدبه كمرافق طيار له. قدر له بالطبع وبصفته هذه أن يصاحب الوزراء ورئيس الوزراء وكبار الشخصيات في كثير من أسفارهم وتحركاتهم داخل العراق.
كانت الحكومة العراقية قد انشغلت ببناء قصر ملكي في سرسنك، في كردستان العراق، كمصيف للأسرة المالكة. وشاء أرشد العمري أن يسافر إلى هناك ليشرف على سير العمل. اتصل بالطيار كاظم عبادي أن يستعد لمصاحبته ونقله إلى الموصل، قريباً من سرسنك. جرى ذلك وانطلقت بهما الطائرة مع رهط من العساكر والمرافقين المسؤولين.
أخذ كل منهم مكانه في الطائرة العسكرية، وجلس المقدم كاظم عبادي في مقعد القيادة. كان الوقت صيفاً، والوقت حاراً، فاضطر المقدم كاظم إلى خلع سترته. بالطبع لم تكن في المكان شماعة لتعليق الملابس، فاضطر إلى وضع سترته وراءه.
كانت نهاية الشهر قد حلت، وبحلولها حل موعد قبض الرواتب. دسّ العقيد كاظم مظروف الراتب في جيب سترته. ولكن هذا الوضع المرتجل جعل المظروف «ينط» برأسه من الجيب. لفت ذلك نظر رئيس الوزراء. فخطر له أن يعمل مقلباً على مرافقه الطيار من باب المزاح والمداعبة. كان يعرف ما في المظروف. فمد يده، واستل منه الراتب. وأشار على بقية الضباط أن يلتزموا الصمت.
وبعد الوصول إلى الموصل والنزول من الطائرة والانتقال إلى غرفة الاستراحة، خطر للعقيد كاظم أن يتأكد من وجود راتبه. سحب المظروف ونظر فيه، فلم يجد دنانير الراتب في المظروف. راح يفتش جيوبه وكل شيء ولم يجد للراتب أثراً… «يا جماعة، أحد منكم شاف راتبي؟».
صمت تام، ووجوه عابسة. «يعني طار بقدرة الله؟» أخيراً، لم يستطع ضبط أعصابه، فانفجر بالكفر والشتائم: «بلد كلهم حرامية. صغارهم وكبارهم! حرامية ولصوص. بس تغمض عينك لحظة يسرقوك. هو هذا بلد؟! هو هذا وطن؟! الله لا يسامح اليد اللي مدت أصابعها في المظروف، وسلحت الدنانير من المظروف!».
وبعد أن نفض ما في قلبه من أسى، فتح الباب، ودخل رئيس الوزراء: «خير إن شاء الله؟ كلكم دايخين؟؟».
تطوع الملازم سعد، وفتح فمه: «سيدي، المقدم كاظم سارقين فلوسه وصاير عصبي!».
وهنا مدّ أرشد العمري يده في جيبه، وأخرج الراتب وقدمه للمرافق الأقدم الذي أسقط في يديه، ولم يعد يعرف كيف يعتذر عن كل ذلك السبّ. ولكنه قوّس ظهره وانحنى وانهال بتقبيل يدي رئيس الوزراء ووجنتيه. وكانت كلها أياماً حلوة وراحت.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 إحياء «داعش» في العراق ضروري للمتنازعين عليه
هيفاء زنكنة
القدس العربي)
ظهرت بوادر تغير في خطاب مصطفى الكاظمي، بعد مرور 12 يوما فقط على تعيينه رئيسا لوزراء العراق، سواء كان خطابه موجها إلى الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي أو الشعب العراقي. فبعد أن كان يؤكد في خطبه الأولى، على أن حكومته «تنوي التحضير لإجراء انتخابات مبكرة ونزيهة، والتعهد بمحاربة فيروس كورونا المستجد في البلاد»، تَصدر خطبه، في لقاءاته مع السفير الأمريكي وسفراء دول الاتحاد الأوروبي، أمله في أن «تواصل الدول دعمها للعراق في حربه ضد داعش». وهو تغير كبير يعيد إلى الأذهان سيرورة من سبقه من رؤساء الوزراء، مهما كان ادعاؤه مغايرا ومهما كانت مسميات «المنظمات الإرهابية» مختلفا. فمنظمة الدولة الإسلامية «داعش»، لم تكن تحتل المكانة الأولى في خطب التهنئة التي انهالت عليه سواء من قبل مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي أو محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني.
كان هَّم الجميع التوصل إلى توازن أمريكي ـ إيراني، يتفاوض من خلاله الطرفان على صيغة توافقية لحل اختلافاتهما، وتقاسم السيطرة على العراق، بشكل يرضيهما، بدون أن يعرضا أمن بلديهما للتهديد. وقد منحهما الاتفاق الأولي على اختيار الكاظمي الإحساس بأن في «مقدوره المساهمة في التخفيض من التوترات بين الولايات المتحدة وإيران»، كما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية. كما عبَّرَ مايك بومبيو، عن حسن نية الإدارة الأمريكية تجاه إيران أكثر منه «الشعب العراقي» باستثناء إيران من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها لمدة 120 يوما لتصدير الكهرباء إلى العراق.
ما هي دلالات تغير خطاب الكاظمي ادن؟ لماذا «داعش» الآن وما هي الجهة المستفيدة من ظهوره في هذا التوقيت بالتحديد؟ هناك جهات عدة تحتاج إعادة نفخ الروح بداعش أو استحداث غيرها إذا استدعت الضرورة. بالنسبة إلى البقاء الأمريكي بالعراق، هل من قبيل الصدف قيام «داعش» بعمليات متفرقة في البلد، والنظام مقبل على مناقشة وإعادة النظر في تفاصيل الاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق وأمريكا، بداية الشهر المقبل؟
الأمر الذي دفع الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة أي الكاظمي إلى التصريح الفوري بأن « العراق ما زال بحاجة لبقاء قوات التحالف الدولي لتدريب القوات العراقية وتجهيزها لمواجهة التحديات». أما بالنسبة إلى إيران، يوفر ظهور داعش أرضية شاسعة لاستمرارية بقاء وسيطرة المليشيات الموالية لها، على الرغم من تزايد الغضب الشعبي على وجودها، بعد أن ثبت قيامها باستهداف منتفضي تشرين الأول/ أكتوبر وحملات الاختطاف والاغتيال التي طالتهم. ويشكل الظهور الداعشي طوق نجاة للحشد الشعبي، الذي انحدرت شعبيته التي كان قد نالها، عند تأسيسه بناء على فتوى المرجعية الجهادية.
إذ يعاني «الحشد الشعبي» من كساد في الشعبية حتى بين اتباعه المخلصين وغيرهم من أبناء الشعب بسبب فساد القادة، وطائفيتهم المزمنة، وإخلالهم بالوعود الدنيوية التي بُذلت بسخاء للشباب المنخرطين بصفوفه، بالإضافة إلى توثيق عديد الجرائم التي ارتكبها أفراده في «المناطق المحررة»، والتي ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، حسب تقارير منظمات حقوقية دولية. لذلك، قام الكاظمي، بنفسه، بزيارة رئيس الحشد في مقره الرئيسي وارتدى زي الحشد بتظاهرة إعلامية لم تحظ بها أي جهة أخرى وذلك لطمأنة إيران على عدم المس بأذرعها داخل البلد.
خلال أيام قليلة، عادت «داعش» لتغطي على وباء كورونا، وعلى فشل التعامل معه، وعلى الفساد المكشوف، وكل ما يراد التستر عليه إعلاميا وسياسيا. عادت لتستعيد مكانتها لدى الساسة كأداة جاهزة للترويع وتسويغ الإرهاب بحجة محاربة الإرهاب.
فعودة «داعش» ضرورة حتمية لكل المتنازعين على العراق وهو الخيار الأفضل لاستمرار منظومة الفساد السياسي والمليشيات. فما إن يُذكر اسم «داعش» حتى تُبرر سرقاتها ونهبها مليارات النفط بالإضافة إلى استحواذها على أموال المساعدات الخارجية المقدمة لمحاربة «داعش» بحجة الدفاع عن «الشعب العراقي». بينما الحقيقة هي أن الكل، باستثناء «الشعب العراقي»، بأمس الحاجة إلى داعش أو أية منظمة إرهابية أخرى. داعش ذات الوجوه والأشكال المتعددة هي عدو جاهز مُهيأ للاستخدام عند الحاجة، ولو لم توجد فعلا لتم اختراعها. فكل الأنظمة، تقريبا، بحاجة إلى «عدو«، يستقطب دعم الشعوب لحكامها مهما كانوا. «داعش» الوقت الحالي هو «شيوعية» فترة الحرب الباردة و«مكارثية» الإدارة الأمريكية ضد مثقفيها في خمسينيات القرن الماضي. وها هو سيف داعش يُشهر من جديد، بعد غيبة، لتعلن حكومة الكاظمي، كما الحكومات التي سبقتها، شن عمليات ضد داعش، باسم «اسود الجزيرة» في ذات المحافظات التي لم يزل مئات الآلاف من سكانها قد هُجروا قسرا ولايزالون يعيشون في الخيام، ولم يكن الناطق الرسمي باسم قائد القوات المسلحة الكاظمي قد أكمل تصريحه بوجوب إبقاء القوات الأمريكية حتى شن طيران «التحالف» غارة على جنوب غربي محافظة نينوى. المحافظة التي لاتزال رائحة جثث ضحايا القصف الأمريكي تتخلل هواء خرائبها.
لم تعد الساحة السياسية، ادن، بعد أسبوع واحد من إعلان الحكومة الجديدة، تقتصر على «النزاع» الأمريكي ـ الإيراني بل أتت أضافة «داعش» وبالحجم الذي يستدعي القيام بعمليات عسكرية أرضا والقصف جوا، كعامل مستجد قد يعمل، على تقوية حضور «المُتنازعين» الأمريكي والإيراني وليس استعادة السيادة العراقية، حسب وعود الكاظمي في خطبه الأولى، فبقائهما وفق تقسيم الجو لأمريكا والأرض لإيران، مُفيد للطرفين خاصة وان استراتيجية أمريكا العسكرية لم تعد تعتمد على إبقاء المعسكرات والقوات على الأرض بل على الطائرات بلا طيار والعمليات الخاصة وكل أنواع التقدم التكنولوجي عن مبعدة بالإضافة إلى القوة الناعمة، بجوانبها الثقافية والتعليمية.
فالاتفاقية الاستراتيجية المنوي مراجعتها لا تقتصر على الجانب العسكري والأمني فقط كما يُشاع تضليلا.
ولعل التغير الأكبر الذي سيطرأ، جراء إحياء تنظيم داعش، هو مدى نجاح منظومة الفساد السياسية في استخدام الترهيب من داعش للقضاء على انتفاضة تشرين / أكتوبر نهائيا، بعد أن فشلت كل الأساليب القمعية بالإضافة إلى فيروس كورونا في ذلك. إذ تشير دلالات تغير خطاب الكاظمي، خلال بضعة أيام من تعيينه، إلى أن من وافقوا على تعيينه من أحزاب ومليشيات ومحتلين سيستعينون، من جديد، بشعار «محاربة الإرهاب» لقمع كل صوت مستقل يطالب باسترجاع الوطن من أيديهم، وسيبقى مدى نجاحهم مرتبطا بعودة المنتفضين إلى الساحات، بذات القوة والوعي الذي فشل الفاسدون باختراقه.
(
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 ما ملامح صفقة واشنطن وطهران في بغداد مؤخرا؟
مثنى عبد الله
القدس العربي
ليس جديدا القول بأن ولادة أي حكومة في بغداد لن تكون يسيرة من دون تحقيق معادلة التوازن الأمريكي – الإيراني فيها. لقد بات هذان الفاعلان يحققان استراتيجيتهما بهذه المعادلة. كما بات العراق هو الآخر محكوما بها أيضا. فهذا البلد تراه الولايات المتحدة مركز ثقل المنطقة، وتستطيع من خلاله التأثير في كل الاتجاهات، لذلك تخاف من سيطرة إيران عليه، لأن ذلك قد يُمكّن روسيا والصين من السيطرة على مصادر الطاقة.
أما إيران فإن ثوابتها الجيوسياسية ترى فيه مصدر الخطر التاريخي الدائم على أمنها القومي، مضافا إلى ذلك الحدود المشتركة بطول 1458 كم، ووجود أهم مصادر الطاقة في الأحواز على حدوده، لذلك هي حريصة على أن يكون النظام الحاكم في بغداد صنيعتها. هذا الاهتمام المشترك بالعراق من قبل واشنطن وطهران قاد إلى توافق الطرفين على جعله منطقة عازلة بينهما، ومسرحا يؤديان فيه رقصة التانغو التي لا تقبل سوى راقصين اثنين.
في السادس من مايو/أيار 2020 الجاري وُلدت حكومة جديدة في بغداد، بعد ستة أشهر من عدم الاتفاق على مرشح. رئيس الحكومة معروف لدى الأمريكيين منذ أن كان مُقرّبا من المؤتمر الوطني العراقي بزعامة أحمد الجلبي. تم تعيينه رئيسا لجهاز المخابرات من قبل رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي المحسوب كذلك على الامريكيين. في يناير/كانون الثاني 2020 اتهمته كتائب حزب الله العراقي، التي تدين بالولاء لإيران، بالتواطؤ مع واشنطن في الضربة الجوية التي استهدفت قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني. وقالت الحركة في بيان لها بعد تنصيبه إنه (لايزال متهما بجريمة لم يبرأ منها). ويبدو أنه التقى زعيم حزب الله اللبناني في بيروت لتبرئة نفسه من التهمة، باعتبار الحزب بات وكيلا لإيران في الملف العراقي. كما أن أطرافا في ائتلاف رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي قالوا، إن تنصيبه كان مؤامرة. أما ميليشيا عصائب أهل الحق فقالت، اضطررنا إلى (القبول على مضض بخيارات مريرة هي أشبه بأكل لحم الميتة). لكن رئيس كتلة الفتح في البرلمان ـ التي تضم كلا من ميليشيا بدر والعصائب، الذين كانوا السباقين إلى المطالبة بخروج القوات الأمريكية بعد مقتل سليماني ـ قال في بيان صحافي في التاسع من مايو الجاري (بعد أن تم تمرير حكومة الكاظمي في مجلس النواب، ندعو الولايات المتحدة ألا تعتبر تمرير الحكومة انتصارا لها وخسارة لخصومها في العراق والمنطقة). وأضاف (على واشنطن أن تُبرهن على اهتمامها بالعراق بإعطائه أولوية المساندة والدعم في هذا الظرف الحرج).
سيبقى مصير العراق مرتبطا بالتوازن بين واشنطن وطهران، الذي هو أصلا توازن غير مستقر
إن دراسة كل المؤشرات التي وردت في مواقف وتصريحات الأذرع الإيرانية في العراق والمنطقة، بخصوص تنصيب رئيس الوزراء الجديد تشي بأن هنالك صفقة تمت بين الفاعلين الأمريكي والإيراني. قبلها البعض مضطرا كالعصائب، واعتبرتها بدر انتصارا لواشنطن. وسعى حسن نصرالله لوضع بصماته عليها كي تمرّ، ثم باركها كما تقول صحيفة «الأوبزيرفر» البريطانية. ولم تذهب كتائب حزب الله العراقي إلى اتخاذ موقف عملي أبعد من التصريحات المناوئة. أما واشنطن وطهران فقد سارعتا لتقديم التهاني والتبريكات، وكان لقاء سفيريهما في بغداد برئيس الوزراء الجديد علامة فارقة. وهذه كلها في السياسة والعلاقات الدولية تعتبر إشارات مُكلفة، تشير إلى خطوات جدية قد حدثت في موضوع ما. أما كيف قبلت إيران برئيس الوزراء الجديد كمنهج وسلوك، وهو القريب من الولايات المتحدة، فهذا هو السؤال الكبير؟
لقد كانت الصفقات جزءا أساسيا من الصراعات والحروب في التاريخ القديم والحديث. وفي عالمنا المعاصر هنالك قوى موجودة على المسرح السياسي الدولي والإقليمي ليس بوسعها أن تكون نقيضا للولايات المتحدة، لكن تجد أنها غير قادرة على التفاعل معها، لأنها تريد دورا إقليميا أو دوليا. قد تتناطح معها هنا وهناك، في هذه الساحة أو تلك، لكنها تسعد عندما تعقد صفقة وتتشارك معها في ملف ما، لأنها ترى في ذلك إعلانا بأنها موجودة. إيران هي قوة من هذا النوع، اليوم هي تمر بأوقات عصيبة جدا بعد مقتل مهندس استراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط قاسم سليماني. ثم جاءت أزمة فيروس كورونا لتزيد الطين بلة، خاصة على الوضع الاقتصادي، الذي أصلا هو يعاني من تدهور كبير بسبب سياسة أقصى درجات الضغط، الذي تمارسه واشنطن عليها. أما في الداخل العراقي فهنالك تظاهرات مستمرة رافضة لوجودها ودور أذرعها. وهذه الاخيرة باتت تعيش وضعا صعبا بسبب التفتت، والاحترابات الداخلية، وحالة من عدم الاتفاق على كل شيء، إلى حد أن طهران أصبحت غير قادرة على توحيدهم تجاه من تريده مرشحا لرئاسة الوزراء.
على الجانب الآخر فإن الأهداف الجيوسياسية والاستراتيجية للأمريكيين تفرض بقاء قوات مسلحة في العراق، لكنها استغلت وضع طهران الراهن فاستجابت شكليا للدعوات المطالبة بسحب قواتها من العراق، فقامت بتخفيض أماكن وجود تلك القوات، وحصرها في أماكن قليلة، كي تضمن سلامتها. لكنها قالت للإيرانيين، إن لم تضبطوا ميليشياتكم فإن العراق سيقع تحت الحصار نفسه الذي تعانون منه، وسنفرض عقوبات على البنك المركزي العراقي، وسيكون اقتصاده في الحضيض، ولن نمدد الإعفاءات له باستيراد الغاز والطاقة الكهربائية منكم، ما يعني أن أكثر من 12 مليار دولار هو حجم التبادل التجاري بين البلدين لن يكون موجودا. وفي الوقت نفسه، يبدو أنها سمحت ببعض المساعدات في الجانب المالي لطهران في ظل أزمة كورونا، لذلك صرّح الرئيس الإيراني بأن هذه الأزمة قد تتيح فرصة للتقارب بين طهران وواشنطن. كما صرّح محافظ البنك المركزي الإيراني، بأن الحصول على قرض طارئ من صندوق النقد الدولي وتأمين الإفراج عن بعض أصول البنك تسير بشكل إيجابي. لكن وزير الخارجية الأمريكي كان واضحا في التحذير، عندما قال يجب أن تكون هنالك (تنازلات تؤدي إلى تشكيل الحكومة من أجل الشعب العراقي والشراكة بين الولايات المتحدة والعراق).
يبدو واضحا من الإحباط الذي يغلف تصريحات الميليشيات، والقبول على مضض بالأمر، لتمرير الحكومة الجديدة، وما يقابله من موافقة أمريكية سريعة على تمديد الإعفاءات من العقوبات على واردات الغاز والكهرباء الإيراني إلى العراق، لمدة مئة وعشرين يوما وليس ثلاثين يوما، كما حصل مع الحكومة السابقة. وكذلك استعداد صندوق النقد الدولي لتقديم قرضا للعراق. كلها تؤكد على أن صفقة مرور رئيس الوزراء الجديد وتمرير حكومته قد تمت، وأن طهران لم تجد خيارا آخر في ظل الظرف الراهن، الذي تمر به هي وميليشياتها في العراق. لكن طبيعة الصراع بين الطرفين في الساحة العراقية لن يتغير، وسيبقى مصير العراق مرتبطا ارتباطا جذريا بالتوازن بين واشنطن وطهران، الذي هو أصلا توازن غير مستقر.