4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 حامد شهاب
حامد شهاب العرب

أن تتقلد مهام رئاسة الوزراء في العراق، شخصية على مستوى رفيع مثل السيد مصطفى الكاظمي، يجعل الرجل نفسه أمام أنظار الجميع، على أنه صاحب التجربة الأكثر عمقا والأكثر قدرة على إيجاد حلول لأزمات البلد، بالرغم من أن المهمة الملقاة على عاتقه ثقيلة الوطأة وصعبة ومعقدة، وقد وصفتها بمقال، قبل أن يتقلدها بأنه أمام “مهمة انتحارية”.

ومن نوافل الأمور أن لا تتجاوز نسبة الخطأ لدى ضابط المخابرات عند التصدي لأية مهمة 5%، حتى لو وصل الاخرون، ممن سبقوه، الى نسبة إخفاق تبلغ ما بين 60 – 90 بالمائة، فالناس العاديون، حتى لو كانوا رجال سياسة قد يغتفر خطأهم احيانا، لكن خطأ رجل المخابرات، حتى وإن وصل الى ما نسبته ما بين 5 – 7% فأنه يعد من الاخطاء الاستراتيجية، بل واحيانا كارثية إن لم يحسب لكل خطوة حساب، ويكون كل تصرف له على قدر مثقال من ذهب.

وكان يفترض بالسيد الكاظمي، وهو بهذه المواصفات، منذ أن تقلد المنصب، أن يختار مستشارين رفيعي المستوى، يقدمون له الاستشارة، وبخاصة في القضايا القانونية والادارة العليا، من أشخاص متمرسين لديهم خبرات قانونية وادارية عليا، لكي لا يضع نفسه أمام دائرة الانتقاد منذ الايام الأولى لولايته، وبخاصة أن المتربصين به هم من أعلى سلم الهرم السياسي للقوى والاحزاب السياسية المتنفذة ومن لها الهيمنة والتسلط، وقد وجدت نفسها ان السيد الكاظمي وهو من الجيل الثاني قد تخطاها واعتلى المنصب، رغما عن إرادتها، وكذلك بعض المتابعين المحترفين في القنوات الفضائية، الذين إستغلوا أخطاء قانونية وادارية لكي يجعلوا منها مادة للتشهير الاعلامي بالكاظمي وقدماه ما تزالان في أول الدرب الموصل الى سلالم النجاح.

وأكرر مرة أخرى، أن قبول السيد الكاظمي تولي هذا المنصب، بعد أن أخفقت شخصيات سياسية مثيرة في إدارة هذا البلد، ينبغي ان لا يضع نفسه أمام دائرة الاتهام ولكي لا يكون مقدما بموضع التشكيك بأن يختار مستشارين على درجة عالية من الاحتراف القانوني والاداري، ينصحونه قبل إتخاذ أي قرار، لكي يتجنب أية أخطاء أو مزالق، في الادارة العليا في مفرداتها القانونية والادارية، إذ إتخذ االكاظمي قرارات وأساليب تعامل مع قضايا إدارية سببت له إحراجا، من وجهة نظر كثير من المختصين في الشأن القانوني والسياسي وحتى الاعلامي، وبخاصة أن الملايين تنظر اليه على انه رجل المخابرات المتمرس، الذي يفترض أن يعرف كل شيء، وعن كل شيء، وأسرار البلد لا تخفى عليه صغيرها وكبيرها، وهو فوق كل هذا وذاك ليس فقط أمام جائحة كورونا وتداعياتها، ولكن أمام جائحة من المفسدين وممن خبروا خصومات السياسة وغاصوا في وحولها ولهم تجارب في الخبث والدهاء، ليس بمقدور حتى رجال القانون أن يكتشفوا ربما أهوالها ودهائها ومكرها وخداعها. وينبغي أن يكون في حساباته بشأن خصومه والمتصدين بالمياه العكرة ومقتنصي الفرص والانتهازيين، من كل الاطراف والقوى السياسية ومن توجهات مختلفة أنهم الخصم الأخطر الذي لا ينبغي ترك الفرصة لهم، لكي يدخلوه في دائرة التشهير، وحتى لا تفسر خطواته في بداية تسنمه المنصب على أنها “زفة عروس”، ما إن تمضي الايام حتى يعود الى تجربة أسلافه نفسها، ويكون أمام مسؤولية الفشل والاخفاق، فما أن تقلد الكرسي حتى تنفتح الأعين عليه، وكأنه جاءهم من عالم الجن، ليسرق منهم الأضواء والشهرة، ويحيلهم الى كهول، ليس لديهم القدرة على أن تتقلد مناصب كبرى مستقبلا، وهو الذي إختطف منهم البريق والمكاسب والمغانم، ومغريات السلطة، فما عليه الا أن يتحمل كل خطط التآمر والايقاع به، لكي يضعوا الدولاب أمام العربة، عله ينهار منذ الأشهر الأولى لبدايات حكمه، ليؤكدوا للجميع انهم ليسوا هم المسؤولون عن دائرة الفشل طيلة تلك السنوات، وإنما لأن تعقيدات المنصب وحجم التحدي الذي يواجهونه، وما يسمونه بالمؤامرات التي فبركوا الكثير من قصصها، وهي ليست صحيحة، ليجعل من المتعذر عليهم خلال فترة حكمهم، تحقيق نجاحات ملموسة.

أجل، لقد إستبشر العراقيون كثيرا، بأن عهدا جديدا قد ينفتح أمامهم، عند تقلد السيد مصطفى الكاظمي منصب رئاسة الوزراء في العراق، وعدوا وجوده على رأس الهرم في السلطة السياسية، لابد وأن يعيد اليهم الكثير مما فقدوه، نتيجة تقادم رؤساء وزارات لم يقدموا للعراقيين سوى خيبات الأمل.

لكن ما تم إتخاذه من قرارات، من قبل السيد الكاظمي، وما عبر عنه من وجهات نظر، منذ أول إطلالة له لتسلم قيادة السلطة من لدن رئيس الوزراء السابق المستقيل عادل عبدالمهدي وحكومته، ووصفه له بأنه كان قد حقق إنجازات مهمة، لكنه تعرض للظلم، بأنه أول “سقطة” غير محسوبة، وقع فيها السيد رئيس الوزراء الجديد، حيث يعرف القاصي والداني كيف هبط عبدالمهدي بمستويات الإدارة العليا الى قاع الهرم، وأوصل أحوال البلد الى ما يدمي الحجر ويقطع القلوب، وقد حمله العراقيون مسؤولية ما تعرض له المتظاهرون من قتل للمئات من أبنائهم وعشرات الالاف من الجرحى والمصابين والمختطفين والمغيبين، يضاف لهذا حالات فشل رهيبة واخفاقات مريرة في ادارة الدولة.

ومن المآخذ ونقاط الضعف التي إستغلها رجال قانون وساسة بارعون في ملعب المكر والدهاء، وحسبت على أنها أخطاء كبيرة، تلقفتها الفضائيات وكثير من المحللين، ليجدوا فيها مادة لتسويق خطابهم للتشهير بالرجل، وعدوا ما اتخذه من قرارات منذ بداية توليه المنصب بأنها أخطاء جسيمة لا تغتفر.

وما يقوله رجال قانون بارعون، ويفترض أن يكونوا هم مستشاروه، على شاكلة الخبير القانوني طارق حرب والخبير القانوني علي التميمي، وآخرين أن السيد الكاظمي كافأ رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي بأنه قد أحاله هو وحكومته الى التقاعد، وهو أمر لا يستحقه، كونه قد قدم إستقالته أصلا وقبلها البرلمان قبل أشهر كما يؤكدون. وهم يؤكدون أن قرار الاحالة الى التقاعد، ليس من صلاحيات السيد الكاظمي، بل من صلاحيات السيد رئيس الجمهورية، وعدوا قرارات من هذا النوع بانها تتعارض وفقرات الدستور وخرق قانوني لها، وأثاروا العديد من الأسئلة: كيف يتم مكافأة حكومة أثبتت أنها فاشلة، بمنحها التقاعد، بدل أن تحال الى محاكم، لمحاسبتها على ما ارتكبته من فواجع ومآتم بحق العراقيين، وبخاصة قتل التظاهرين، ناهيك عن فشلها الرهيب بإدارة الدولة، وتسببها بخزينة خاوية، أرهقها الافلاس ونهب رؤوس الفساد لها، ولم تتم محاكمة أحد من تلك الرؤوس حتى الان.

ويؤكد كثير من العراقيين أنهم كانوا يعلقون آمالا على السيد مصطفى الكاظمي، كونه كان على رأس أكبر جهاز أمني هو جهاز المخابرات، ويفترض بمن يتخرج من هذا الجهاز، أن تكون قراراته على مستوى عال من الدقة والموضوعية، ووفق اطر القانون والدستور، وليست مزاجية أو متسرعة، لكي لا يرتكب أخطاء ليس لها ما يبررها، ولكي لا تذهب مصداقية توجهاته سدى أمام الرأي العام، منذ أيامه الأولى، وكان يفترض به أن يختار، وكما اكدنا لمرات، مستشارين رفيعي المستوى مقربين منه، يقدمون له الخبرة والمشورة، قبل أي قرار او تصرف يقوم به، وهو في أيامه الأولى، إذ أن الشائع لدى الناس أن ضابط المخابرات يعرف كل شيء، ويعرف تفاصيل ما جرى ويجري في هذا البلد من 17 عاما حتى الان، ولديه ملفات متكاملة عن القضايا المهمة، التي لا تقبل نسبة خطأ تزيد على 5% في جانب إتخاذ القرارات!

ويرى محللون أنه لو كان رئيس وزراء من الخانة السياسية وحديث العهد بمجريات السلطة ومتطلباتها لهان الأمر وأمكن إعطائه العذر، وقد توفرت له ظروف سياسية إيجابية، أبرزها أن الرأي العام العراقي وكثير من المتظاهرين كانوا معه، ويتمنى أن ينتقل بأحوالهم الى ما يخفف عنهم عبء السنوات العجاف وظلمها الصارخ، وينتشلهم منها رغم جسامة التحديات. لكن قرارات سريعة ودون مشورة او تخطيط مسبق كانت ربما القشة التي قصمت ظهر البعير، وبداية تحطيم تلك الصورة التي أطل بريقها منذ أن وطأت قدماه كرسي السلطة، عدا قرارات بسيطة مثل قضايا حل أزمة رواتب المتقاعدين، وهي أزمة كما يقول متابعون، قد إفتعلتها حكومة عبدالمهدي، ووجد فيها مدير التقاعد فرصته، لكي تكون أول بشارة للكاظمي ينطلق بها صوب طمأنة العراقيين على مصير رواتبهم، بالرغم من أن لا علاقة لرواتب المتقاعدين بقرار ايقاف الصرف من الحكومة السابقة، كون رواتب المتقاعدين مؤمنة بالكامل من صندوق التقاعد، وهي خارج دائرة الموازنة الحالية أصلا، وكان بإمكان ازمة رواتب المتقاعدين أن تسقط رئيس الوزراء الجديد، ومع هذا لا يفترض أن يتحول الموضوع الى أزمة سخط شعبي، من وجهة نظر كثيرين، لأن مدير التقاعد، كما يشيرون، هو من دبر مؤامرة تأجيل الرواتب، لكي يمنح السيد الكاظمي فرصة ان يكون “المنقذ” بالرغم من أن الموضوع حسب عليه، وان الأزمة تفاقمت، ويفترض من وجهة نظر قانونيين واوساط شعبية ان يكون مدير التقاعد أول من يقدم الى محاكمة، لتسببه بتلك الأزمة ودون وجود مبررات مقنعة في وقتها.

هذا غيض من فيض، وغيرها كثير، مما يمكن أن يكون مادة للتشهير، وما وقع فيه السيد الكاظمي من قرارات متسرعة، كان لا يفترض أن يقع في مصيدتها، لأنها تحولت الى ما يشبه مصائد المغفلين، واتخذ منها الخصوم والمتربصون وبعض القنوات الفضائية ومحلليها مادة للاثارة، وأدخلوا الرأي العام العراقي في دائرة التشكيك بالقدرات منذ الساعات والايام والأولى، وكأن قدر العراقيين يقول: ما أشبه الليلة بالبارحة.. وان ما أتخذه السيد الكاظمي من قرارات، أشبه بـ “فرارة عروس” عندما تدخل بيت أهل زوجها، وما أن تمضي أيام، حتى تريهم نجوم السما، وتذيقهم كؤوس الحنظل.. كما يقال!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 مجلس الاتحاد ضرورة دستورية وحاجة ملحة
أ.د. محسن باقر القزويني

راي اليوم

الديمقراطية في العراق عرجاء تسير على رجلٍ واحدة، تسير بمجلسٍ واحد هو مجلس النواب فقط الذي كان من أولى مسؤولياته عند انعقاده بعد اصدار الدستور تشريع قانون مجلس الاتحاد المتكون من ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم وقد مرّ على العراق أربع دورات لمجالس النواب ولم يشرّع هذا القانون إما شعوراً بعدم الحاجة إليه أو تخوّفاً منه لأنّه سيكون له دورٌ مهم في تشريع القوانين في الموافق عليها أو رفضها على غرار ما موجود اليوم في الدول ذات المجلسين.
لقد دفع العراق بسبب عدم وجود هذا المجلس ثمناً باهضاً أدى إلى ضعف الحياة التشريعية وقيام مجلس النواب بأعمال ليست ضمن اختصاصاته الدستورية، وأيضاً إلى ظهور حالة عدم التوازن في المحافظات وإلى الافتقار إلى السياسات العامة التي تضمن العدالة بين المحافظات أو التمثيل الوزاري أو التمثيل الوظيفي.
فقد لاحظنا ومن خلال التأثيرات الفردية إن بعض المحافظات أصبحت متخمة بالثروات وإلى جنبها محافظات حقها مضيع، فوجود مجلس الاتحاد الذي أقرّه الدستور العراقي في المادة 56 والذي يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم سيعمل باتجاهين؛ الرقابة على القوانين الصادرة من مجلس النواب، وتشريع قوانين لمصلحة المحافظات فهو من جانب يهذّب القوانين التي يصدرها مجلس النواب والتي بعضها لا يحقق أي مصلحة وطنية بل مصلحة كتلة سياسية ربما محدودة العدد في تشريع بعض القوانين غير المدروسة التي أنهكت الميزانية العراقية ومنها أخيراً على سبيل المثال قانون التقاعد الأخير الذي حدد سن المتقاعد بخمسين عامٍ.
من مهمة مجلس الاتحاد فلترة القوانين والحيلولة دون تشريع أي قانون مضر لمصلحة الوطن بالإضافة إلى عمله في تحقيق العدالة بين المحافظات من خلال تشريع القوانين لصالح العدالة العامة.
وتزداد أهمية وجود هذا المجلس في غياب مجالس المحافظات التي تم تجميد عملها بقرار من مجلس النواب، وهناك رغبة بإجراء تعديل دستوري بإلغائها لأنها تحولت إلى عائق في تقدم المحافظات بسبب الصراعات القائمة بين هذه المجالس والمحافظين، إذ منح صلاحية اختيار المحافظ لهذه المجالس الأمر الذي أدى إلى ظهور مشاكل مستمرة بين المحافظ والمجلس فأصبح بعض المحافظات وهي تستيقظ صباح كل يوم على محافظ جديد.
وقد شهدت المحافظات تحسناً نسبياً في مشاريع الخدمات في غياب هذه المجالس المحلية لعدم وجود الاحتكاكات والصراعات السابقة، فمع غياب هذه المجالس يصبح وجود المجلس الاتحادي أمراً مهماً حفاظاً على حقوق المحافظات إضافة إلى واجبه التشريعي والرقابة على قوانين مجلس النواب.
إن فلسفة وجود مجلسين في الدول المتكونة من أقاليم او ولايات هي التمثيل الواقعي للولايات متمثلا بمجلس الاتحاد بالإضافة إلى التمثيل النسبي المتمثل في مجلس النواب، فلكل اقليم عدد ثابت من الممثلين عنه في مجلس الاتحاد يدافعون عن حقوق الإقليم حتى ولو كان صغيراً في مساحته أو تعداد سكانه.
وهذا أمر ٌمن الضروري تحققه اليوم حفاظاً على العدالة والتوازن، سيما وان هناك بعض المحافظات بدأت تشكوا من الإهمال فأخذت تطالب بمقدار من الاستقلالية عن المركز، فلكي نحافظ على وحدة العراق من دعوات الانفصال أو الاستقلال النسبي كان لابد من اجراء انتخابات في كل محافظة لاختيار عدد من الممثلين لتشكيل هذا المجلس المنوط عمله اليوم بمجلس النواب الحالي الذي ورث مسؤولية تشريع قانون مجلس الاتحاد من مجلس النواب الذي سبقه وهكذا تحولت مسؤولية تشريع هذا القانون من مجلس إلى آخر مما أدى إلى عدم ظهوره في نهاية المطاف.
من هنا فعدم وجود مجلس الاتحاد يشكل ثغرة في الحياة الديمقراطية في العراق بالإضافة إلى أنه يعتبر مخالفة دستورية يتحمّل مسؤوليتها مجلس الوزراء المسؤول عن تشريع القوانين التي فيها التزامات مالية وأيضاً يتحمّل مجلس النواب الذي يقدّم مقترحات لمشاريع القوانين على المجلس لإقرارها.
فالبعض لازال يشعر بعدم الحاجة إلى وجود مجلسين في العراق بحجة انه يثقل الميزانية العراقية بينما وجود مجلس الاتحاد سيحول دون هدر ثروات العراق في قوانين لا موجب لها.
فالدستور العراقي الصادر في 2005 قدّر أهميّة وجود مجلس الاتحاد عندما شرع المادة 56 والزم مجلس النواب بثلثي أعضائه سن قانون لعمل هذا المجلس واليوم باتت الحاجة تزداد إلى وجوده في ظل الإخفاقات التي تشهدها القوانين الصادرة عن مجلس النواب في دوراته الساقة واللاحقة بالإضافة انه يشكل تطميناً للمحافظات المنكوبة بأن هناك من يدافع عنها.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 بناء الأوطان والهوية… العراق مثالاً

محمد الرميحي
الشرق الاوسط

استبشر البعض خيراً بحصول رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي على الثقة من البرلمان العراقي بعد خمسة أشهر من قبول استقالة حكومة عادل عبد المهدي، والتي واجهت عدداً من الصعاب لحظة الميلاد. الصعوبات التي رافقت حكومة عبد المهدي والمسرح السياسي المحيط بها جعلت كاتب هذه السطور ينشر في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2018 مقالاً تحليلياً عن احتمالات تشكيل الحكومة ومدى بقاء المهدي في السلطة، جاء فيه بالنص «إلا أن الاحتمال أن يطول الزمن قبل أن يصل عادل عبد المهدي إلى تكوين متكامل لوزارته العتيدة، كما أن الاحتمال الثاني، هو أن الزمن سوف يقصر بها (إنْ ظهرت) فبقاؤها في الحكم سوف يكون قصيراً». صوت على حكومة عبد المهدي الناقصة في أكتوبر 2018 وقدم استقالته في ديسمبر (كانون الأول) 2019، أي أنها استمرت أكثر قليلاً من سنة واحدة فقط! معظمها معطلة عن الفعل. لم يكن الحديث وقتها ضرباً من التنجيم، بل كان قراءة للمسرح بمتغيراته. ربما من أصعب الشعوب العربية حكماً هو العراق، لكنه ليس الاستثناء؛ فالقضية الأساس وربما الكبرى أنه لم يتكون لدى معظم النخب العربية تصور متكامل وعصري للدولة الوطنية في بناء المؤسسات وإقامة الآليات واحترامها، أي توازن صحي بين الهوية الوطنية وما فوق الوطنية! ذلك التوازن غير موجود، فكيف إذن يكمل السيد مصطفى الكاظمي فترة الحكم التي هي نظرياً تمتد إلى أربع سنوات في ظل كل تلك المتغيرات المحيطة بالعراق داخلياً وإقليمياً ودولياً، وكل تلك الجماعات السياسية المتنافرة بين الولاء الوطني وما فوق الوطني. فتركيبة النظام العراقي القائم على المحاصصة سمح لبعض العراقيين بتوجيه ولائهم للخارج، وحتى الاستقواء بالخارج للتأثير في الداخل.
الصورة الأوسع التي يتوجب النظر إليها ومتخطية العراق ربما تتضح في مسيرة رئيس الوزراء المغادر عادل عبد المهدي، فقد تقلب في مسيرته السياسية إلى أكثر من وجه يشكل مثالاً لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية من العرب، فبدأ بعثياً، ومن ثم قومياً، ثم يسارياً، ثم أقصى اليسار (ماوياً) وأخيراً إسلامياً! ذلك يلخص مسيرة نخب العمل السياسي العربي بعد الحرب الثانية (تجربة وخطأ) متكئاً على التكوين الغامض للهوية (هل هي وطنية، قومية، دينية؟!) من دون بوصلة تحدد شكل الدولة الوطنية المطلوبة وهياكلها وتحديد هويتها، لازم ذلك النقص المبني على الغموض ظهور الدولة الوطنية العربية الحديثة، ولا يزال يشير إلى عوارها السياسي والفكري، فمن يصل إلى السلطة يكون هو المالك للحقيقة المطلقة والآخرون يجب تهميشهم وإطلاق صفات الانحطاط عليهم، ويحق تصفيتهم أيضاً لأنه يريد إلحاق الوطن بشيء غامض اسمه «القومية» و«الإسلامية». ظهر ذلك في الأدبيات المصاحبة، فعند قراءة معظم تنظير حزب البعث سوف نجد أن معظمه كان نقلاً من أفكار «الفاشية الأوروبية» التي ازدهرت بعد الحرب العالمية الأولى ونادت بهيمنة على أوروبا، مخلوطاً ببعض المقولات المثالية «أمة واحدة ذات رسالة خالدة»! كما يتجلى في مؤلفات ميشيل عفلق أو منيف الرزاز، ثم قفز العسكر على الحكم بمساعدة «الناقمين» على الأوضاع وتحت تجييش جماهيري عاطفي يعرف ما لا يريد، لكنه لا يعرف على وجه الدقة ما يريد. الضباط الأحرار في مصر تحالفوا مع «الإخوان» في البداية، وبدأت التجارب في الحكم على طريقة التجربة والخطأ، من الاشتراكية العربية، وانتهى بما عُرف بالميثاق بعد هزيمة 1967 مع تصفيات للمخالف أولاً من خارج الدائرة الضيقة، ثم من داخلها، وازدراء لآليات الديمقراطيات الحديثة. تبع تجربة عبد الناصر كل من الجزائر والسودان وليبيا وسوريا بأشكال مختلفة، وعندما يصل النظام العسكري إلى مأزق (كما حدث لحكم النميري في السودان) يقفز إلى «الإسلام السياسي» الذي أصبحت نتائجه الكارثية مرسومة على وجوه السودانيين والسودانيات اليوم. حتى في البعث العراقي عندما ضاق الخناق على دولة التصفيات لجأ إلى «الحملة الإيمانية»! وفي سوريا، فإن حكم العسكر قاد إلى حكم التوريث مع شعارات لفظية فارغة من محتواها وملايين الضحايا… كل هذه التجارب خلطت بشكل مرضي بين الوطني وما فوق الوطني. حتى اليوم لم نرسُ على نظرية رشيدة في حكم الدولة الوطنية العربية. ما هو متاح اليوم في العراق وفي بلاد أخرى تشبث بما يمكن أن يسمى الإسلام السياسي، والذي يعتقد البعض أن «أمثولته» موجودة في تركيا الإردوغانية على ما في التجربة من قصور بيّن جعلت حتى من بعض قادتها المؤسسين ينقلبون عليها، أو أحزاب مؤدلجة تتشكل في جماعات «الإسلام السياسي» ذي الجذور الإخوانية أو الخمينية! العراق ساحة تقدم لنا نموذج الفشل في الارتكان إلى ما فوق الوطني (إسلام سياسي طائفي)؛ فالبيت الشيعي عندما يقترب من السياسة يختلف ويتعارض من داخله، وكذلك البيت السني. واضح أن الركون إلى هكذا محاصصة سبيله الفشل والفرقة، السبب أن كل تيار من هذه التيارات السياسية يتوسل الشعار المذهبي مرفوعاً بالدعم الخارجي لحشد الأتباع حتى على قواعد مناطقية أو عشائرية، تلك قواعد لا تبني الأوطان، بناء الوطن هو اعتبار أولاً أن كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وأن التعددية في الاجتهاد السياسي هي الأصل، والطريق إلى ذلك آلية ومؤسسات، وصناديق انتخاب حرة وشاملة ودورية في إطار الدولة الوطنية المدنية، بغير ذلك لا تنضج أوطان تساير العالم في القرن الواحد والعشرين. الإسلام لا توجد فيه نظرية سياسية؛ فمنذ كتاب علي عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» بات حقيقة يقينية، وجاءت محاولات للي عنق المبادئ الإسلامية العظيمة وإدخالها في تشكيل سياسي ضيق وانعزالي وغير ديمقراطي كما فعل منظرو حركة «الإخوان»، تلك الكتابات لم تخرج في معظمها عن الكتابات الضعيفة لمنظّري حزب البعث أو القومية العربية كمثل مؤلفات جهاد عودة، أو الأكثر شهرة سيد قطب أو حتى المتأخرين كمثل راشد الغنوشي، يبحث القارئ فيها عن منهجية عقلانية وعن قواعد عامة للدولة الحديثة فلا يجد غير حديث عاطفي وغير منهجي، ولعل الأزمة على أرض الواقع لمثل هذا التفكير والممارسة متمثلة اليوم في ممارسة الجمهورية الإسلامية وفي محاولات امتدادها إلى الخارج رغبة لسيطرة هويتها على الهويات المجاورة يقودها مرشد (معصوم)! وحكم مقدس! من هنا، فإن فرص مصطفى الكاظمي في ظل كل المتغيرات هي فرص ضعيفة؛ لأن العلة في ضعف تركيب المؤسسات وخوار في الآليات وضبابية في الهويات، فهو يحتاج أولاً إلى حسم تحديد هوية واستقلالية الدولة العراقية الوطنية، فهل يستطيع؟

آخر الكلام:
تذويب الهوية الوطنية في هوية مفترضة أوسع يقود إلى الخلل في بناء الدولة الوطنية فتصبح الطبقة السياسية كالمُنبت لا وطناً بنت ولا نظاماً أبقت!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 العراق: الكاظمي ودولة الأحزاب «العميقة
وائل عصام
القدس العربي

يقول زميل صحافي عمل مع رئيس الوزراء مطصفى الكاظمي عام 2003، عندما تولى الكاظمي مهام إدارية في شبكة الإعلام العراقي، إن الكاظمي بدا له «وطنيا»، لا يحمل أيديولوجيا محددة، وأنه طلب منه وضع الأذان السني إلى جانب الأذان الشيعي، في الفضائية العراقية.
ولكن الصحافي العراقي يذكر أيضا حادثة قد ترمز لصعوبة مهام الكاظمي في الوقت الراهن، أمام تغلغل الدولة العميقة للأحزاب والميليشيات، فيقول إن مديرا آخر في الشبكة عرف بميوله المتشددة، هو أحمد الركابي، قام بطرد صحافي عراقي من شبكة الإعلام بطريقة مهينة، لكونه بعثيا، لدرجة أنه «رفسه» بقدمه، محتميا بالجنود الأمريكيين من حوله في قصر المؤتمرات ببغداد، بينما أظهر الكاظمي استياء شديدا من هذه الحادثة، التي شاهدها أمامه، لكنه لم يتمكن من فعل شيء لمنعها! سوى اعتراض صامت على هذه الحادثة، ورغبته في زيارة الصحافي البعثي للاعتذار عن التصرف المهين الذي لحق به، بدون أن يتم هذا اللقاء لرفض الصحافي المبعد لقاء أي من مديريه السابقين في شبكة الإعلام حينذاك.
قبل مباشرة الكاظمي لمهامه، تحدث ستيفين كوك في مقال مهم في صحيفة «الفورين بوليسي»، عن الملل والفتور الذي باتت تشعر به الإدارة الامريكية فيما يتعلق بملف رئاسة الوزراء في العراق، قائلا «قد يكون الكاظمي كفوءا كما هو معلن، لكنه لن ينقذ العراق، النظام السياسي فاسد للغاية، والأمركيون مشتتون للغاية، وإيران تحب العراق كما هو». ولم تمض أيام على مباشرة رئيس الوزراء العراقي الكاظمي لمهامه، حتى بدأت الانتقادات تطاله بقوة من جمهور الناشطين العراقيين في الحراك الشعبي، وتشكك بقدرته على التغيير في مؤسسات الدولة، التي تهيمن عليها الأحزاب الشيعية والميليشيات، في ما يمكن تسميته بـ»دولة عميقة»، وبالنظر لما نشره ناشطون عراقيون مؤيدون للتظاهرات، نجد أنهم ذكروا جملة ممارسات أمنية ضد المظاهرات، وقعت بحق الحراك الشعبي منذ تولي الكاظمي رئاسة الوزارة، أبرزها اغتيال أزهر الشمري، ومحاولة اغتيال أبو حسام الزيدي في ذي قار، اقتحام ساحة الأحرار بكربلاء، والاعتداء على ثكنة المتظاهرين في جسرالجمهورية ببغداد، وسقوط شهيد في البصرة واقتحام اعتصام ميسان من قبل القبعات الزرق الصدريين.
ولكن أشد هذه الانتقادات جاءت على خلفية ما نشر مؤخرا من قرار للكاظمي بتشكيل لجنة للتحقيق بوجود سجون سرية، ما اثار ردود فعل تتساءل عن كيفية عدم علم «مدير مخابرات» سابق بالسجون السرية، وهو ما أدى لسحب الكتاب الرسمي والخبر من التداول، ونفى الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول تشكيل اللجنة، وسط تأكيدات من مصادر أخرى، تقول إن الكتاب رسمي بالفعل وصادر بأمر ديواني صحيح، ولكنّ تسرع المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء بنشره، جلب انتقادات وحملة تشكيك في جدية الكاظمي، ما دفع الكاظمي وفريقه لإنكار وجود هذه اللجنة. ولا ننسى الرسالة الصوتية التي نشرها الكاظمي اعتذارا لشقيقه، التي جاءت بعد قيام فريق الكاظمي الإعلامي بنشر فيديو له وهو يوبخ شقيقه في مكالمة هاتفية، بسبب استخدامه اسمه كـ»واسطة»، في هيئة التقاعد. إذن شريط لتوبيخ شقيقه ينشره الكاظمي، وآخر للاعتذار من شقيقه، وكتاب يصدر لتشكيل لجنة تحقيق بالسجون السرية، ثم نفي للجنة كهذه، لا شك أنها سلسلة من التخبطات عالية التردد في الايام الأولى لولاية الكاظمي، الذي يتفاءل البعض بقدرته على التغيير، بينما قد لا تشير ممارساته العملية للآن، إلى أنه قادر على القيام باكثر من دور «سكرتير» في دولة عميقة تحكمها الميليشيات والأحزاب الشيعية المهيمنة على مفاصل المؤسسات.

صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت موضوعا بث التفاؤل في نفوس المتأملين بخروج العراق من قبضة إيران

صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت موضوعا بث التفاؤل في نفوس المتأملين بخروج العراق من قبضة إيران، يتحدث عن تنصيب «رجل الولايات المتحدة في منصب رئاسة الوزراء، وهو ما لا يتسق مع حقيقة أن الكاظمي هو مرشح القوى الشيعية الفائزة بالانتخابات، وعلى رأسها كتلة الفتح (الحشد الشعبي) الموالية لإيران، بزعامة هادي العامري، قائد أعرق الميليشيات الشيعية في العراق، وهذا ما أكدته صحيفة «الغارديان»، التي كشفت عن أن الكاظمي حصل على موقعه بعد لقاء سري عقده مع حسن نصر الله في بيروت، بعد 6 اسابيع من مقتل سليماني، كما نشرت الصحيفة مجموعة معلومات نقلا عن مصادر رفيعة عراقية تقول، إن ميليشيا حزب الله العراقي اتفقت مع الكاظمي، (لن نمنعك من الرئاسة لكن سنتحدث ضدك)، ويرد مسؤول بالرئاسة العراقية على ما جاءت به صحيفة «نيويورك تايمز» والذين يحتفلون بالكاظمي بانه «رجل أمريكا»، بالقول «إنهم لا يفهمون العراق»، كما تخلص الصحيفة البريطانية إلى أن «إيران لم تفقد السيطرة والميليشيات الشيعية في العراق لا تزال قوية رغم مقتل سليماني».