ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 النجاة من المركب الإيراني الغارق
فاروق يوسف
العرب
في ما يتعلق بنوع النظام السياسي الذي يمكن أن يخلف نظام الملالي في حالة سقوطه فإن الأمر سيكون منوطا بالشعوب الإيرانية. ذلك حقها وواجبها في الوقت نفسه. تلك شعوب ناضجة على المستوى السياسي تؤهلها التجارب المريرة التي مرت بها عبر عقود القهر والتعسف أن تختار ما يناسبها.
لقد عُزلت إيران عن العالم بسبب سياسات نظامها المنفصل عن العصر وهو ما لا يليق بشعوبها التي تتوق إلى الحرية ولا يتسق مع وضعها الاقتصادي الحقيقي ولا مع حجمها الجغرافي والبشري في المنطقة.
الحديث عن ذلك الأمر قد يكون سابقا لأوانه.
غير أن ما أجده ملحاً في هذه المرحلة الحساسة أن يتم الحديث عن مصير الأذرع العميلة التي كانت إيران تفاخر بها وتمثل عنوانا لنجاح مشروعها التوسعي الذي كان يهدف إلى قضم أجزاء من العالم العربي وضمها في مستقبل قريب إلى الامبراطورية الفارسية التي ستكون بغداد عاصمتها حسب تصريح أحد جنرلات الحرس الثوري.
الخيال الهمجي الإيراني لم يكن بعيدا عن الواقع.
لقد امتدت الأذرع الإيرانية من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر. ذلك ما لم يكن يحلم به الخميني صاحب نظرية تصدير الثورة الإسلامية من إيران إلى العالم.
حسب الخارطة السياسية في المنطقة فإن حزب الله هيمن على الدولة في لبنان وتمكن الحشد الشعبي وهو مجموعة الميليشيات الموالية لإيران من الحكم في العراق وفي اليمن اسقط الحوثيون الشرعية واحتلوا العاصمة وعددا من المحافظات. أما في سوريا فقد تمكن حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية من السيطرة على مساحات من الأرض كانت بمثابة موطئ قدم إيرانية على الأرض السورية.
كان ذلك هو الواقع غير أنه الواقع الذي يخون الحقيقة.
كان نظام آيات الله غبيا حين أعتقد أن في إمكانه أن يعيد رسم خارطة المنطقة بما ينسجم مع شهواته العقائدية. لم يكن هناك منطق سياسي في افتراس العراق وسوريا ولبنان واليمن معا. تلك دول على أهميتها فإنها تحيط بخزان النفط العالمي الذي يشكل العراق جزءا مهما منه.
اليوم يتجلى ذلك الغباء في أكثر صوره وضوحا.
لقد صارت إيران عاجزة عن تمويل أذرعها التي جربت القيام بعمليات التمويل الذاتي غير أنها فشلت في ظل الملاحقة القانونية الدولية.
لقد تقطعت السبل بتلك الأذرع ولن يصل الإمداد وصار الصدام بالمجتمعات المحيطة متوقعا ولكنه لن يشكل الحل. لن يتمكن حزب الله من استعادة هيمنته بعد أزمة المصارف في لبنان وانهيار سعر صرف الليرة وتعثر تدفق التحويلات الخارجية وهو ما فعله هبوط أسعار النفط بالميليشيات العراقية. اما الحوثيون في اليمن الذين ليس لهم ما يقتاتون عليه سوى التمويل الإيراني فإنهم صاروا في حالة إفلاس.
في سوريا لم تبدأ إيران في سحب ميليشياتها كما يُشاع بل أن تلك الميليشيات كانت قد قررت الإنسحاب بعد أن تدهورت أحوالها المالية.
كان هادي العامري وهو الزعيم الحقيقي للحشد الشعبي في العراق صريحا في طلب النجدة حين أكد على ضرورة أن تطلب حكومة بلاده المساعدة من الولايات المتحدة من أجل تخطي الأزمة الاقتصادية.
من المؤكد أن الكثيرين يفكرون في القفز من المركب الإيراني الغارق. غير أن هذا التفكير بالرغم من دلالاته العميقة لا يشكل إلا بداية لحل سيستغرق الوصول إليه زمنا طويلا. وهو ما يجب التعامل معه بحذر.
لقد دمرت الميليشيات الإيرانية سبل العيش ومزقت النسيج الاجتماعي وأطاحت بدول مدنية ونهبت المال العام واقامت دولة داخل الدولة. لذلك لا يمكن احتواؤها من غير مساءلتها. وهو ما سيتسغرق زمنا طويلا.
مع مرور الوقت الذي هو ليس لصالح إيران سيزداد عدد الراغبين في القفز من المركب الإيراني وهو ما يتطلب من شعوب المنطقة أن تكون على يقظة. ذلك لأن ستكون في مواجهة جيش من حملة السلاح السابقين، المغسولة أدمغتهم الذين لوث السم الإيراني وعيهم الوطني.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 رسالة الى الحكومة العراقية الجديدة
زيد الحلي
العرب
بعد اشهر من الانتظار، اعلنت “البشارة” بالموافقة على تولي رئيس وزراء جديد، ووزراء جدد مهام امور البلد، في ظرف ضاعت فيه الاموال، وظهرت جائحة كورونا، وتدنت اسعار النفط موردنا الاول وها نحن نقترب من منتصف شهر ايار، وملايين المتقاعدين لم يستلموا رواتبهم، وهذا أمر يحدث للمرة الاولى في تاريخ العراق الحديث.
وفي ضوء هذه الصورة غير البيضاء، لي كلمة من مواطن، اود قولها عبر رسالة يمثلها هذا العمود الصحفي للسياسيين عن الوعود التي يلوحون بها، وهي ان لا ينسوا ان السلالم صُنعت للصعود، لكنها تؤدي مهمة الهبوط ايضا. اقول ذلك، فانا استمع واشاهد يوميا مئات المواطنين على شاشات الفضائيات يقولون بصوت مبحوح وبصدمة عدم الثقة، ان الكثير ممن يحبون الظهور الاعلامي من المسؤولين يتحدثون عن وعود بتحقيق الحلول لمشاكل المجتمع، لكن بمرور الايام ينسون وعودهم، فيصغرون في عيون الشعب.
ان الوعد دين في رقبة من يطلقه على نفسه. ومع الاسف، اجد ان ظاهرة اطلاق الوعود اتسعت في المدة الاخيرة وزادت مساحتها بشكل طاغ على الجو العام في البلاد، لكن تنفيذها اقترب من الصفر. وقد فات على هؤلاء ان “الوعد” مثل كل نبات يزرع في ارض غير ارضه، او في وقت غير وقته، اما ان تأباه الارض فتلفظه، او ان يتشبث بها فيفسدها. لذلك اتمنى على رئيس الوزراء السيد الكاظمي والوزراء الابتعاد عن اعطاء الوعود، فالشعب نفد صبره ولم يعد يؤمن بأي وعد، وبات يبحث عن الصدقية الملموسة فقط.
بربكم، كم مرة سمعنا وقرأنا عن وعود حول الكهرباء، وان حل ازمتها تنتهي في سنة 2010. لكن الوعد بقى مجرد كلام حتى الان. وان مشكلة الاسكان وبناء الدور واطئة الكلفة للمواطنين، والقضاء على العشوائيات، ستكون محلولة نهائيا في سنة 2016 ثم تبين ان الامر مجرد وعد لتخدير المواطنين. وان الدولة ستوقف منح اجازات فتح كليات ومدارس اهلية لأنها ستشرع بتطوير الكليات والجامعات والمدارس الحكومية، بحيث لا يسعى اولياء الامور الى البحث عن كليات ومدارس اهلية، لكن واقع الحال يؤكد ان الامر لا يتجاوز مجرد “الوعد”. فها هي الكليات والمدارس الاهلية تتسع رقعتها وتصل الى الاقضية والنواحي.
اما الوعود، بالقضاء على البطالة ومنح الخريجين حقوقهم في الحصول على الوظائف، فهي هواء في شبك، ووعد تسعير الادوية مثل السراب، ووعد تحديد اجور العمليات في المستشفيات، نسمع به، ولا اثر له في الواقع، ووعود تعبيد الطرق الرئيسة في بغداد والمحافظات، فهي محط تندر المواطنين. اما وعد ايقاف استيراد البيض والدجاج والفواكه والمواد الانشائية، لتوفر انتاجها في العراق، فهو “وعد” عرقوب.
ووعد معالجة الاختناقات في الشوارع، بسبب سيل الاستيراد العشوائي للمركبات، فهو مثل “وعد” انشاء مجازر صحية ومكافحة الذبح غير الصحي للحيوانات في المناطق السكنية الذي ينتشر الان ونراه في تحد سافر قرب المؤسسات الصحية.
ويبقى الوعد “الأبرز” قائما، مثل سارية عالية، هو تعديل رواتب المتقاعدين والموظفين، فالراتب الان، مثل ذبابة لا يمكنك مسكها والقضاء عليها، وتستمر بالدوران حول اذنيك بطنين لا يقاوم، فهو مستنزف بين اجور المولدة، وغلاء اسعار مائدة البيت، واجور كارتات الشحن، بعد ان غاب الهاتف الارضي، ومستحقات اقساط الدراسة الاهلية.
بعد كل ذلك، اقترح على السيد الكاظمي انشاء دائرة مهمتها احصاء الوعود التي اطلقتها الحكومات السابقة، شرط ان لا يرأسها.. مسيلمة الكذاب!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 السيد الكاظمي وتحديات السلطة في العراق احمد عواد الخزاعي
راي اليوم
تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أخبار، تمثل قرارات جريئة وانجازات كبيرة لحكومة السيد الكاظمي الفتية، تمثل زخماَ إعلامياَ ايجابياَ له ولحكومته.. لكن الحقيقة إنها عبارة عن مجموعة من الأخبار الإعلامية الكاذبة، توجد عدة فرضيات لتفسيرها، منها: قد تقف وراء هذه الأخبار ماكنة إعلامية داعمة للسيد الكاظمي تعمل على تلميع صورته، وكسب الدعم الشعبي له. أحزاب وجهات سياسية متنفذة، تنشر مثل هذه الأخبار، كبالونات اختبار ومجسات للشارع العراقي، أو لخلق حالة من الإنبهار بشخصية الكاظمي، وجعل طيف واسع من الشعب العراقي يذهب بعيدا في أمنياته وأحلامه، ثم يصاب بالصدمة الكبيرة، عندما يعجز عن انجاز ولو الجزء اليسير من هذه الأمنيات. إن كل ما ينشر لا يمثل سوى أمنيات وأحلام لشعب عانى من حكم طبقة فاسدة، أهلكت الحرث والنسل، ويتأمل خيرا بالحكومة الجديدة، ولأنها جاءت بعد ضغط جماهيري، وحراك شعبي كبير، أعطى المئات من الشهداء والجرحى من اجل الإصلاح.
إن تحميل حكومة السيد الكاظمي كل هذا العبء لإصلاح كل هذا الخراب المتراكم، من عهد الطاغية إلى الآن، هو أمر مجافي للمنطق وقراءة مغلوطة للواقع العراقي، وما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الشأن، هو تلاعب بمشاعر الشعب العراقي المظلوم، وعملية تسطيح للمشكلة العراقية المأزومة والمستعصية. وبغض النظر عما يمتلك السيد الكاظمي من نزاهة وعزيمة على تغيير جزء من الواقع العراقي المرير، وهذا واضح في بعض ملامح شخصيته، إلا أن الصفقة التي جاء من خلالها حددت مهامه، بضبط الوضع الأمني، والتحضير للانتخابات القادمة فقط لا غير، لوجود عدة معطيات، منها :
1- الصراعات والتجاذبات، بين القوى السياسية العراقية، للهيمنة على القرار السياسي العراقي، والحفاظ على مكتسباتها وجمهورها.
2- مافيات الفساد الإداري والمالي، وتغلغلها في مؤسسات الدولة العراقية، والتي ستعمل على منعه من إحداث أي تغيير في الوضع القائم، وستضع العصي في دواليب أي حركة إصلاحية.
3- الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها العراق، بسبب انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا.
4- الصراع الدولي والإقليمي، الذي أصبح العراق إحدى ساحاته المهمة، وفشل كل رؤساء الحكومات السابقة على احتواء سياسة المحاور، ومسك العصا من المنتصف، والتي أطاحت من قبله بالمالكي بعد أن اتجهت بوصلته إلى إيران، ثم بالعبادي بعد أن أصبح أمريكي الهوى، وعبد المهدي وميله للمحور الإيراني وصفقة الصين.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 سقوط عبد المهدي… نهاية الإسلام السياسي!
محمـد حسـن الساعدي
راي اليوم
لم تحظ الأحزاب الإسلامية في العراق بفرصة مثل تلك التي حظيت بها بعد عام 2003،فقد ارتسمت ملامح الإسلام السياسي على المشهد عموماً،من خلال تدخل الأحزاب عموماً ، سواءً الشيعية منها أو السنية أو الكردية ، لأنها شاركت جميعها في السلطة، فقد كان التسلط والتفرد بالسلطة من النظام البعثي السبب الرئيسي في بروز ظاهرة الأحزاب وتدخلها المباشر في السلطة ، والذي انعكس بالسلب على المشهد السياسي عموماً، وأمام هذا الكبت والتسلط ، تنفس الشعب العراقي عموماً الصعداء،وتعاطف مع هذه الأحزاب،لأنها كان يعتقد بها الخير ، وإنها ستكون المنقذ له من حكم الحزب الواحد ، وإنها ستكون المنقذ له من الواقع المأساوي الذي يعيشه ،وعلى الرغم من التنوع القومي والمذهبي ، والذي يعد امراً معقداً ، إلا إنها كان منسجماً تماماً مع هذا التغيير .
حكومة عبد المهدي جاءت على أنقاض حكومات متعاقبة ، وحملت أرثاً كبيراً من الفساد المستشري، فقد كانت حكومة عبد المهدي هزيلة لم تتمكن من معالجة المواقف بحكمة وسرعة عالية ، لذلك كان سقوطه محتماً، إذ أن عبد المهدي لم تسقطه التظاهرات بل كان ضحية التناحر والخلاف السياسي بين الكتل ، والتدخل المباشر في حكم الدولة ، ما جعل الأمور تسير نحو حكم الأحزاب ، وليس حكم الدولة ، وباتت الأحزاب هي المسيطرة على مجريات الأحداث والتظاهرات والسلطة في وقت واحد،لذلك فان سقوط عبد المهدي مثل نقطة النهاية في نهاية الإسلام السياسي في العراق ، بعد تجربة فاشلة ومريرة في الحكم .
لقد اتسمت مرحلة حكم الإسلاميين بالسلطة بالفشل، كونها اتسمت بالاقتتال على المناصب وتقاسم السلطة بين القوميات والمذاهب، ما جعل مؤسسات الدولة عموماً تتحول إلى مقاطعات وكانتونات يحكم فيها القوي، ما انعكس بالسلب على الشارع العراقي وتسبب في صراعات قومية ومذهبية ذهب فيها البرئ،كما أن الأحزاب الإسلامية أضاعت فرصة ذهبية في حكم البلاد،وضيعت كل مجهودها الماضي وتاريخها، وخسرت تعاطف الجمهور معها، وضياع قوة الدولة وهيبتها .
الأسباب التي جعلت الإسلاميون يخسرون مكانتهم في المجتمع كثيرة ، ولكن أهمها هي عدم قدرتهم التعاطي الجدي مع المشاكل التي عصفت بالبلاد ، إلى جانب افتقارهم إلى أدبيات الحكم والإدارة ، خصوصاً مع كل ما يمتلكه العراق من خيرات متنوعة ، تتيح له أن يكون اللاعب الرئيسي والمؤثر في المنطقة عموماً ، لذلك لم يستثمر السياسيون هذا الموقع والأهمية ليكونوا ذو تأثير ايجابي على مكانات الصراع في المنطقة ، بل تحول العراق إلى تابع لهذا البلد أو ذاك ، وأمست ساحته ملعب للتراشق والصراع بين القوى الإقليمية والدولية ، مما تسبب بضياع هيبة الدولة وفقدان شرعيتها، لذلك فان سقوط عبد المهدي يمثل آخر صروح الإسلاميين في الحكم بالعراق، ما وسع الهوى بينهم وبين الشارع العراقي ، لذلك فان الأحزاب الإسلامية لن تتمكن مرة ثانية من ترميم هذه العلاقة مرة ثانية وستعيش العزلة لبقية وجودها السياسي .
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 الكاظمي يواجه معركة حسم الولاءات
د. محمد السعيد إدريس
الخليج
على الرغم من أجواء التفاؤل التي أشاعها تخصيص رئيس الحكومة العراقية الجديد، مصطفى الكاظمي، أولى اجتماعاته، بعد موافقة مجلس النواب العراقي على منح الثقة لحكومته، بلقاء سفيري إيران، والولايات المتحدة، ثم تلقى هذا التفاؤل دعماً إضافياً بالاتصال الهاتفي الذي تلقاه الكاظمي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن استمرار التنازع بين الكتل السياسية على الوزارات السبع التي ما زالت خالية في حكومة الكاظمي، ومنها وزارتان سياديتان (الخارجية والنفط)، ثم عودة الحراك الشعبي مجدداً، إلى التظاهر ضد الحكومة الجديدة، يؤكد حقيقة مهمة هي أن أزمة العراق المتجذرة في بنية النظام الذي تأسس كأحد أهم مخرجات الاحتلال الأمريكي للعراق بعد غزوه عام 2003 ستبقى أزمة مركّبة، بين ضغوط الخارج، خاصة بين كل من إيران والولايات المتحدة، وبين التحديات الداخلية، والأزمات المتولدة من هذه التحديات، ابتداءً من نظام المحاصصة السياسية على أسس طائفية، وعرقية، وحزبية، والخطر المتزايد لوجود الميليشيات المسلحة التي تمتلك ترسانات من الأسلحة تهدد بها هيبة الدولة، واستقرارها، وتستخدم باتجاهين، الأول خدمة مصالح أطراف خارجية في العراق، وتنفيذ أطماع كتل سياسية بالتمكن من السلطة، ما أدى من ناحية أخرى إلى تفشي الفساد، ووجود مرتكزات قوية لحمايته.
لغة وعودة المتظاهرين إلى ساحات التظاهر رغم كل القيود التي فرضها انتشار فيروس كورونا، ورغم تعجيل رئيس الحكومة بالتحرك في الاتجاه الذي يريده الحراك الشعبي في أكثر من مجال، يضع الكاظمي أمام أهم تحدياته، بعد أن عوّل على كونه «مرشح الحراك الشعبي»، وأنه لا يرتكز على «قاعدة» و«كتلة سياسية»، ومن ثم فإنه سيكون مطالباً بجدية الحصول على دعم هذا الحراك، لأن البديل أمامه هو أن يعود كسابقيه من رؤساء الحكومات إلى التعويل على «استرضاء» الكتل السياسية، ومن ثم تأكيد فشله بنفسه في حل مشاكل العراق، وأزماته.
يدرك الكاظمي، أن الكتل والقوى السياسية تتربص به، خاصة الكتل الشيعية الموالية لإيران، وميليشياتها، وأن التوجه إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة سيكون فرصة لهذه الكتل والقوى السياسية لكسب إعادة انتخابها من خلال جعل نفسها «رأس حربة» موجهة ضد الكاظمي، وحكومته، لكسب الشارع، كما يدرك أن استكمال حكومته سيبقى رهناً بالرضاء الذي سيحصل عليه من هذه الأطراف، لكن الأهم أنه يدرك ما هو أصعب، وهو أن الحراك الشعبي من ناحية، والكتل والأحزاب السياسية، من ناحية أخرى يقفان الآن نقيضين لبعضهما بعضاً، حيث يطالب الحراك بإسقاط «الطبقة السياسية الحاكمة»، وإنهاء نظام حكم «المحاصصة السياسية»، وتأسيس نظام حكم مدني ديمقراطي قائم على أساس «مبدأ المواطنة»، ومحاربة الفساد والفاسدين، ومحاكمة المتورطين في قتل متظاهري الحراك الشعبي في كل ساحات التظاهر، وهي كلها مطالب
تجعل من مصطفى الكاظمي، وحكومته، في حال تبنى هذه المطالب والشروع في تنفيذها، طرفاً أساسياً في «صراع وجودي» مع هذه الكتل والقوى السياسية التي هي، في ذاتها، تشكل الطبقة الحاكمة في العراق، المطلوب إسقاطها.
هذا يعني أن على الكاظمي أن يحدد ولاءاته، وأن يعلن هو مع من: مع «الحراك الشعبي» الذي بات يمثل المستقبل العراقي، أم مع الحفاظ على «الدولة العميقة»، والطبقة السياسية الحاكمة، والدفاع عن مصالحها؟
حتى الآن، يمكن القول إن الكاظمي، كرئيس سابق للاستخبارات العراقية، يبدو حريصاً على الإمساك بمنتصف العصا، لأنه، وإن كان لا يستطيع إرضاء الطرفين المتصارعين، فإنه لا يستطيع الصراع ضدهما، ولكن الواضح أكثر، ومن خلال أولى مؤشرات أدائه، يبدو حريصاً على نيل ثقة الشارع السياسي، والحراك الشعبي.
فقد اختار الكاظمي «دائرة التقاعد العامة» ليصدر منها تحذيراته بمحاربة الفساد، وبدأ بشقيقه الذي حذره من استغلال اسم شقيقه كرئيس للحكومة في مصالح خاصة، كخطوة مهمة لمحاربة «الوساطات» باسم كبار المسؤولين، كما أصدر قراراً من داخل هذه الدائرة بصرف رواتب لنحو أكثر من 3 ملايين عراقي متقاعد، كانت حجبتها حكومة عادل عبد المهدي. وتلا هذه الخطوة قرار إطلاق سراح السجناء من المتظاهرين، وبادر بتشكيل لجنة حقائق بشأن التظاهرات، وهو أحد أهم مطالب المتظاهرين، ثم إقالة اللواء عبد الكريم خلف، المتحدث العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة)، وعيّن مكانه العميد يحيى رسول المتحدث السابق باسم «خلية الإعلام الأمني»، وكانت إقالة اللواء خلف من أبرز مطالب الحراك الشعبي.
ورغم هذا كله، تجددت التظاهرات في الميادين، والأرجح أنها سوف تتصاعد، وهذا سيضع الكاظمي أمام أصعب تحدياته، بأن يحدد ولاءه لمن: هل للشارع السياسي ومطالبه التي يعبر عنها «الحراك الشعبي» في ميادين التظاهر، أم للطبقة السياسية الحاكمة؟ خصوصاً أن كل منهما يطرح مطالب جذرية لا تقبل المساومة.