8 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الشعب يطالب بإسقاط نظام لا يراه
فارق يوسف
العرب

التظاهرات في بغداد وبيروت غيرت الحكومتين لكنها اعطت شرعية للنظامين السياسيين بالقول أن التغيير ممكن.
في أحداث “الربيع العربي” سقطت أنظمة عربية عريقة وكانت إلى ما قبل سقوطها توحي بأن كل شيء تحت السيطرة وأن أجهزتها الأمنية قادرة على الوصول إلى غرف النوم بل إلى تلافيف أدمغة المعارضين.

سقطت تلك الأنظمة فهل اسقطتها الشعوب التي خرجت في تظاهرات مطالبة بإسقاط النظام من غير أن يكون هناك مشروع سياسي تستند عليه؟

هناك مَن يُشكك في تلك الفرضية التي صارت عبارة عن واقعة مأثورة.

في سوريا تحولت تلك الواقعة إلى حرب، ابتلعت البلد كله مثل ثقب أسود فيما استلمت أطراف مختلفة في ما بينها النتائج في ليبيا واليمن وصارت تتناطح في ما بينها فيما وقع الشعب الذي قيل أنه نجح في اسقاط النظام في كلا البلدين تحت نيران صديقة.

ولكن هناك واقعتين تدفعان إلى التشاؤم وتكشفان عن هزال وضعف تلك الفرضية بالرغم من أن كل الظروف الموضوعية تتيح التفكير في إمكانية إعادة السيناريو الذي صار مكررا.

لشهور متلاحقة خرج العراقيون واللبنانيون في تظاهرات سلمية لم تتوقف مطالبين بإسقاط النظام في كلا البلدين، من غير أن يستندوا إلى حائط حزبي أو يتلقوا الدعم من جهة خارحية وليس هناك قيادة واضحة المعالم. فما الذي أثمر عن تلك التظاهرات؟

في العراق دافع النظام الذي هو خليط من الأحزاب المرتبط بعضها بالبعض الآخر بسلسلة معقدة من عمليات فساد غير مسبوق في التاريخ عن نفسه بقسوة، هي في الحقيقة جزء من التاريخ السياسي العراقي المعاصر فسقط مئات القتلى وجُرح الالاف وتفننت الميليشيات في عمليات القتل والخطف.

اما في لبنان فقد أدرك حزب الله وهو المهيمن على الحياة السياسية أنه كان مستهدفا بشكل أساس، لذلك فإنه اختار أن يتصدى لإعدائه من وراء حجاب. فجرت هجمات قام بها مجهولو الهوية بالأسلحة البيضاء، غير أنها لم تؤد إلى القتل. كان التأديب هو الغرض.

في الحالين فقد كان النظام يتفرج من أعلى قمة على ما يحدث في الأسفل كما لو أنه يشاهد وقائع فيلم سينمائي استعراضي يمكن أن تسدل عليه ستارة النهاية في أية لحظة.

ظلت الطبقة السياسية في كلا البلدين تدير شؤونها من غير أن تلتفت إلى الصراخ الذي لم يصل إلى نوافذ قصور الحكم. كأن الشعب الذي هو مصدر السلطات في بلدين ديمقراطيين هما لبنان والعراق كان بالفعل يؤدي استعراضا، يؤكد من خلاله ديمقراطية النظامين اللذين سمحا بحرية التظاهر حسب ما ينص عليه الدستور.

“لمَ لا. ليتظاهر من يرغب في ذلك. وليرفع أي شعار يريد ومن ثم يذهب إلى بيته وقد حقق هدفه في التظاهر.” إنها حكاية كل يوم التي يدثر الأطفال أنفسهم بعدها بخيال تحلق في فضائه الساحرات والجنيات وسوبرمان.

الشعب من وجهة نظر السادة الحاكمين لم ينضج بعد ليدرك أن حقه الدستوري في التظاهر لا يتيح له إمكانية اسقاط النظام أو رفع غطاء الشرعية عنه فهو يتمتع بحماية داخلية وخارجية لا يمكن أن تسمح بسقوطه.

تلك أم الحقائق كلها.

اما إذا رغبت قوى الحماية في رفع يدها عن النظام فإن ربيعا عربيا سيكون ممكنا وباليسر الذي رأيناه في مصر وتونس وبالعسر الذي عاشته ليبيا واليمن ومن خلال الكارثة التي لا تزال سوريا تشهد فصولها المتلاحقة.

سيكون علينا والحالة هذه أن نعترف “إن الشعب يريد إسقاط النظام” هو شعار مضلل. فالشعب لا يملك الوسيلة السلمية لإسقاط النظام. ذلك لأن الأنظمة التي عبثت بمصائر شعوبها عبر عقود من الزمن لا تسقط لأن الشعوب تريد ذلك. تلك هي كذبة الربيع العربي.

فعل العراقيون واللبنانيون ما لم يفعله التونسيون ومع ذلك فإن تغييرا صغيرا لم يحدث في كلا البلدين. كان الشعب في مكان فيما الطبقة السياسية التي تدير النظام هي في مكان آخر، ليس هناك ما يجمع بينهما.

هنالك أسرار إلى أن يتم الكشف عنها فإن إبرة البوصلة ستظل موجهة إلى إيران. فالنظامان العراقي واللبناني هما على ارتباط وثيق بالنظام الإيراني. فهل سيكون التغيير في لبنان والعراق مرهونا بنجاح صفقة ما يعقدها الغرب وبالأخص الولايات المتحدة مع إيران؟
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 الفساد السياسي في العراق ماكينة تخريب اجتماعي واغتيال للعقول وقصف للضمائر علي المسعود

راي اليوم

يعرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بانه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية. كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن اكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب, هذه التعاريف منقوصة؛ لأن الوحدات السياسية لا يشترط لها أن تكون في المواقع الحكومية حتى تستغلها للمنفعة الخاصة، إذ هناك أحزاب وهي خارج السلطة يمكن لها أن تمارس الفساد، فضلا عن ذلك أن بعض المنافع المحصلة من الفساد لا تذهب مباشرة للمنفعة الشخصية بل قد تذهب للمصلحة الحزبية بشكل عام وليس لمصلحة فرد معين، ويعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه إنحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة وقد يعني الفساد “التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحي السلبية في الحياة، تختلف ماهية الفساد السياسي من بلد لآخر ومن سلطة قضائية لأخرى.
فإجراءات التمويل السياسي التي تعد قانونية في بلد معين قد تعتبر غير قانونية في بلد آخر. وقد تكون لقوات الشرطة والمدٌعون العامون في بعض البلدان صلاحيات واسعة في توجيه الاتهامات وهو ما يجعل من الصعب حينها وضع حد فاصل بين ممارسة الصلاحيات والفساد. وقد تتحول الممارسات التي تعد فساداً سياسياً في بعض البلدان الأخرى في البلدان إلى ممارسات مشروعة وقانونية في البلدان التي توجد فيها جماعات لها مصالح قوية تلبية لرغبة هذه الجماعات الرسمية. يمثل الفساد تحدياً خطيراً في وجه التنمية. فهو على الصعيد السياسي يقوض الديمقراطية والحكومة الجيدة بتعويم أو حتى تغيير مسار العملية الرسمية. أما الفساد في الانتخابات والهيئات التشريعية فيقلل من المساءلة ويشوه التمثيل النيابي في عملية صنع القرار السياسي.
أما الفساد القضائي فإنه يعرض سيادة القانون للخطر والفساد في الإدارة العامة ينجم عنه التوزيع غير العادل للخدمات .أي بمعنى أوسع ينخر الفساد في القدرة المؤسساتية للحكومة لأنه يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها، فبسببه أي الفساد تباع المناصب الرسمية وتشترى. كما يؤدي الفساد إلى تقويض شرعية الحكومية وبالتالي القيم الديمقراطية للمجتمع كالثقة والتسامح. ومن الاضرار التي تنتج من الفساد تقويض التنمية الاقتصادية لتسببه في حدوث تشوهات وحالات عجز ضخمة. ويؤدي انتشار الفساد في القطاع الخاص إلى زيادة كلفة العمل التجاري من خلال زيادة سعر المدفوعات غير المشروعة نفسها وكذلك لإزدياد النفقات الإدارية الناجمة عن التفاوض مع المسؤولين ومخاطر انتهات الاتفاقيات أو الانكشاف.
كذلك وجود الرشوة يمكن ان يدفع المسؤولين لاستحداث تعليمات وحالات تأخير جديدة في إنجاز المعاملات. ومع إسهامه في زيادة تضخم النفقات التجارية. وعند الحديث عن مصيبة العراق الحقيقية، فانه يمكن أن يشخصها الطبيب والفلاح والشحاذ والأستاذ، هو الفساد والذي انتشر في كل مفاصل الدولة، وأصبح دولة داخل دولة يتحكم في مصير البلد، وفشلت كل الحكومات في الحد منه، بل أن بعضهم كان جزء منه، والى اليوم ملفات الفساد مفتوحة بحق قيادات كبيرة تم إهمالها، ولم تقم الحكومات بأي جهد حقيقي لحرب الفساد، فقط إطلاق الشعارات لتخدير الأمة وللمزايدة فقط . كما أن الفساد في العراق لا يشبهه فساد في العالم ولا حتى في التاريخ، فمقدار ما نهب يكفي لإعادة بناء دولة خرجت من حرب كارثية، وبين حيتان الفاسدين معممون ورجال دين. ومع أن الفاسدين قلّة تعد بالآلاف عزلوا انفسهم في 10 كيلومتر مربع في بغداد، فإن اكثر من عشرين مليون عراقي، بينهم سبعة ملايين تحت خط الفقر وقفوا عاجزين عن تغيير الحال وعلى الرغم من أن العراقيين يوصفون بانهم لا يصبرون على ظلم، وإن ما أصابهم من حيف اقتصادي وبؤس وفواجع ما حصل لهم مثله في تاريخ صراعهم مع السلطة ، لكن الفساد يتكاثر والشعب يعتاد عليه.
السبب الرئيسي للفساد في العراق هو فساد الساسة، والفساد السياسي في العراق هو أبو الفسادات جميعا، وهو اختصاص حصري للطبقة السياسية المتنفذة فهي المحتكر الوحيد لهذا النوع من النشاط في العراق وليس أولئك المغمورون في حافات الجهاز الحكومي . الفساد في العراق يُقاس بالمليارات وليس بالمفرد وهو من فعل كبار المسؤولين والساسة ونواب الشعب . المناخ الملائم لنمو الفساد في العراق يبدأ من الأعلى الى الأسفل، ابتداءً من البنى الحكومية المتناحرة فيما بينها كسلطة تنفيذية وسلطة قضائية وسلطة تشريعية، وتركيز السلطة بيد صناع القرار وهم عملياً غير مسؤولين من الشعب ويحدث هذا من خلال تزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها لصالح حزب متنفذ ومتجذر بالطائفية والعنصرية حيث يمكنه الفوز بكرسي الحكم من خلال تفسيره الذاتي للقوانين ويتلاعب بمحتوى الدستور حسب مصالحه الخاصة مع وجود قضاء فاسد، إضافة الى غياب الديمقراطية الحقيقية أو تفريغها من مضمونها الحقيقي بسبب الجهل الذي يسيطر على المجتمع، ويذهب موسى فرج، رئيس هيئة النزاهة العراقية الأسبق، الى القول: أن الفساد السياسي هو الحاضنة لكل أنواع الفساد المالي والإداري، فهو يوفر لمرتكبيه الحماية من القانون ويمنع ملاحقتهم، ويغلف أفعالهم بتشريعات قانونية في إطار عملية “شرعنة الفساد”، كما يقوم بإفراغ الإجراءات والنصوص القانونية من مضامينها ويكبّل القضاء، ويغلّ أيدي الجهات المسؤولة عن مواجهة الفساد، ويقوّض استقلاليتها، ويجعلها خاضعة لسطوة الفاسدين، فتكون هي أيضا إحدى ضحايا الفساد . ويقول فرج في كتابه “الفساد في العراق “خراب القدوة وفوضى الحكم”، إن الفساد السياسي يعني استخدام الطبقة السياسية مقدرات البلاد المادية والبشرية والمعنوية وعلاقاتها الدولية كأدوات في الصراع على السلطة؛ إنه التعامل مع السلطة باعتبارها أداة لتحقيق النفوذ والثروة بصورة غير مشروعة وليست وسيلة لإدارة الشؤون العامة للمواطنين وتوفير متطلباتهم الحياتية وضرورات المعيشة. من إشكال الفساد السياسي في العراق، الرشاوى التي تبرز في مجال المناقصات والمزايدات بغرض الفوز بعرض حكومي على حساب النواحي الفنية والمواصفات، فمن يدفع أكثر يفوز بالعروض الحكومية حتى لو كان صفرا من ناحية العمل والتنفيذ، فالمهم دفع الرشوة، هذا النظام تم دعمه من قبل أحزاب السلطة!.
وكذلك عندما تبيع الدولة ارض، فان الرشاوى تدفع لتكون اقل من سعرها السوقي، مقابل رشوة مناسبة وفقط لطبقة المرتشين المقربين من الطبقة السياسية وأحزابها وكل شيء يجري تحت مظلة القانون والسلطة وبعلم اذرع الساسة وتدفع الرشاوى وبنسب معينة لشخصيات نافذة للحصول على النقد الأجنبي، بأسعار تقل عن أسعار السوق، وهذه مصيبة كبيرة تجري من دون رقابة فعالة ، فالمستفيد هو من يملك مفاتيح الرقابة، فيتعطل القانون وتموت الرقابة والمحاسبة.
ومن اشكال الفساد في العراق أيضأ هو في إختيار المناصب الحكومية والمزاد السياسي، بعد كل موسم إنتخابي أو تشكيل وزاري ينشط سوق لبيع المناصب الهامة والتي تدر الأموال أو تعطي نفوذ، في الدولة الفاسدة يصبح لكل موقع ثمن، وبحسب التنافس الحزبي على المواقع وحصص من الكعكة يصبح للحصص ثمن معين ومقايضات وتبادل بين الأحزاب (على سبيل المثال وصل سعر منصب وزير الدفاع الى 30 مليون دولار)، ومن يأتي للمناصب يكون شخص مدرك أن المنصب مغنم وفرصة للثراء وتعويض ما تم صرفه لأجل كسب المنصب ثم عليه أن يقبل مطالب الحزب الذي سهل له الأمر فيتحول المنصب الى كرسي لنشر الفساد ويكون محمي وبعيد المسائلة او والرقابة لان كل شيء يجري تحت مظلة الأحزاب الحاكمة.
هناك فساد سياسي من نوع اخر ويطلق عليه “الفساد التشريعي”، ويتمثل في تصميم القوانين لتلبية رغبات الاحزاب الاستئثار بالسلطة، وما يتصل بها من نفوذ وثروة، أو تقاسمها مكوناتيا على حساب المصلحة الوطنية الجامعة، أو تهميش الخصوم أو تكريس المحاصصة الطائفية. والفساد في العراق لم يعد مخجلاً فقد بات يشرعن ويقنن والذين يمارسونه لا يرمش لهم طرفٌ حياءً بعد أن بات الأمر مغانما بدلا من أن يكون تفانيا. وقبل أن نبحث عن المعالجات لهذه الأفة، يجب ان تعمل الحكومة العراقية على إعادة الاموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين .
ومن التدابير الواجب إتخاذها من اجل القضاء عل الفساد أو على الاقل تحجيمه مثلا، تشكيل لجان خاصة لوضع نظام متكامل لاداء الموظفين تقوم باجراء تفتيش دوري بين الدوائر والوزارات واعداد التقارير الخاصة بذلك وتبسيط وتسهيل عملية انجاز معاملات المواطنين بأقل نفقة ممكنة وانجازها باسرع وباقرب مكان ممكن وباسرع وقت ممكن ولغرض الحد من الرشاوي ، يجب وضـع تصنيـف يتضمن تقسيم الوظائف العامة على وفق طبيعة مهامها الى فئات ورتب تتطلب من شاغليها مؤهلات ومعارف من مستوى واحد اي نعتمد معيار الكفاءة والخبرة ، وألاهم إنشاء نظام رقابي فعال و مستقل ومهمته الاشراف والمتابعة للممارسات التي تتم من قبل الوزراء والموظفين العاملين في كل وزارة ومؤسسة كمنظمات المجتمع المدني والعمل بمبدأ الشفافية في جميع المؤسسات و مرافق الدولة . الفيلسوف والمفكر الامريكي نعوم تشومسكي له مقولة وهي “لا يوجد شئ اسمه بلد فقير ، يوجد فقط نظام فاشل في إدارة موارد البلد !
أن الفساد السياسي في العراق يمثّل ماكينة تخريب اجتماعي واغتيال عقول وقصف ضمائر، ويؤدي إلى نمط من الفساد الثقافي والتحلل القيمي، ويتسبب في إفساد الذوق الجمالي وتشويه الذائقة الأخلاقية، وتكبيل الضمير والحس الإنسانيَّيْن.
وبالمناسبة استحضر هنا تلك الحكاية التاريخية السوفيتية التي لها مغزى، يقول خروتشوف : اتصل بي الرفيق جوزيف ستالين وقال “تعال الى مكتبي بسرعة يا نيكيتا هناك مؤامرة كبيرة”.
وصلت وكان معنا مجموعة من الوزراء، وقال ستالين: يا رفيق نيكيتا لدينا معمل إطارات (دواليب). وهذا المعمل هو هدية من شركة فورد الأمريكية وهو ينتج الإطارات منذ سنوات وبشكل جيد ولكن فجأة ومنذ ستة أشهر بدأ هذا المعمل ينتج دواليب تنفجر بعد بضعة كيلومترات ولم يعرف أحد السبب، وأريدك أن تذهب إلى المعمل فورا وتكتشف ما هو السبب، وصلت المعمل و باشرت التحقيق فورا وكان أول ما لفت نظري هو حائط الأبطال على مدخل المعمل، على هذا الحائط توضع صور أفضل العمال والإداريين والذين عملوا بجد و نشاط خلال شهر، وبدأت التحقيقات مباشرة من الإدارة حتى أصغر عامل، ولا أحد منهم يعرف الأسباب. لذا قررت النوم في المعمل حتى أحل هذا اللغز، استيقظت في الصباح الباكر، وقفت عند أول خط الإنتاج وقمت بمتابعة أحد الإطارات (الدولاب) ومشيت معه من نقطة الصفر حتى خرجه من المعمل، وأصبت بالإحباط ، كل شيء طبيعي وكل شيء صحيح وكل شيء متقن ولكن الإطار انفجر بعد بضعة كيلومترات جمعت المهندسين والعمال والإداريين واحضرت المخططات وقمت بالإتصال بالمهندسين الأمريكيين، ولم نصل إلى حل.
قمت بتحليل المواد الخام المستخدمة في صناعة ذلك الإطار.. التحليل أثبت أنها ممتازة جداً و ليست هي السبب أبداً. والأطار انفجر بدون سبب أصابني الإحباط، وأحسست بالعجز.. وبينما أنا أمشي في المعمل لفت نظري حائط الأبطال في المعمل، يوجد في رأس قائمة الأبطال أحد المهندسين على رأس القائمة ما لفت نظري أن هذا المهندس على رأس القائمة منذ ستة أشهر.. أي منذ بدأت هذه الإطارات بالإنفجار بدون سبب، لم أستطع النوم، قمت باستدعاء هذا المهندس إلى مكتبي فورا… للتحقيق معه، وقلت له: ارجوك اشرح لي يا رفيق.. كيف استطعت أن تكون بطل الإنتاج لستة أشهر متتالية؟
قال: لقد استطعت أن أوفر الملايين من الروبلات للمعمل والدولة
قلت: وكيف استطعت أن تفعل ذلك؟
قال: ببساطة قمت بتخفيف عدد الأسلاك المعدنية في الإطار و بالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يوميا.
هنا اصابتني السعادة الكبيرة لأنني عرفت حل اللغز أخيرا و لم أصبر على ذلك ، أتصلت بستالين فورا و شرحت له ما حدث وبعد دقيقة صمت قال بالحرف: و الآن.. أين دفنت جثة هذا الغبي؟، في الواقع لم أعدمه يا رفيق.. بل سأرسله إلى سيبيريا. لأن الناس لن تفهم لماذا نعدم بطل إنتاج . في الواقع نحن في العراق لاحظنا كما لاحظ خروتشوف بأنه ليس بالضرورة أن تكون فاسداً وسارقا.. لتؤذينا وتدمرنا.. يكفي أن تكون… غبياً .
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 أربيل وبغداد وضرورة الاتفاق
ستار رمضان
العرب

الوصول الى تفاهمات مؤقتة او اتفاقيات موقعة تحت تأثير القوة والحاجة لطرف ما في أي مشكلة او ازمة، لا يحل المشكلات ولا يؤدي الى حل دائم، لانه ما ان تعود الامور الى مسارها الصحيح وظرفها الطبيعي، او زوال ادوات الضغط وعوامل الضعف والوهن، حتى يعود النزاع مجدداً حاضرا في القلوب والمشاعر والوجدان قبل ان يتأزم ويتجدد الصراع في الميدان.

لذلك فالازمة او مسلسل الازمات بين بغداد واربيل تأخذ شكل المخطط البياني الذي يتصاعد الى اعلى حالات الصراع، او ينخفض الى ما فوق المتوسط او اقل منه قليلاً حسب الظروف والاحوال التي تمر بها العاصمة بغداد وهوى وافكار وقوة وطموح واحلام الحاكم فيها، والتي قد تلتقي قليلا مع مطالب اربيل في ظرف زماني محدد وليس دائما.

لذلك لم ينعم العراق بالسلام طالما لم يفهم الطرفان ان وجود كل منهما في المكان الذي هو فيه، هو وجود دائم تحكمه قوانين الطبيعة والجغرافيا وحكمة الخالق العظيم “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”(الحجرات – 13) وليس لتتخاصموا وتقتلوا بعضكم بعض.

ولسنا بصدد الحديث في التاريخ او الجغرافيا او التغيير الديموغرافي واصل سكان هذه المدينة او تلك، او حجم الوجود القومي او الديني او المذهبي الى التقسيمات الفرعية كالتواجد القبلي والعشائري والمناطقي وصولاً حتى الى العنوان العائلي واللقب الشخصي والشارع والحي او المحلة التي جاء منها هذا الشخص او ذاك.

كل هذه التفرعات الصغيرة هي سبب كل هذه الخلافات والتجاذبات الكبيرة التي تتصاعد وتخف، والتي كانت سبباً لنشوب حروب ومعارك مهلكة استنزفت البلد واهله واستخدمت فيها كل انواع الاسلحة حتى الكيمياوية، وتحالفت اطراف الصراع مع كل القوى الاقليمية والدولية اسودها وابيضها ومن كل الالوان، لكن لم تُفلح اي منهما ان تقلع او تنهي الآخر، فظل الحال كما هو عليه او كما يقال: يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء الى القضاء، وليس الى السلاح.

اليوم تبذل جهود كبيرة وواضحة للتوصل الى حلول للمشكلات القائمة بين بغداد واربيل، وهذه الجهود ليست حصراً على حكومة الاقليم بل تقابلها جهود ومحاولات من الحكومة الاتحادية وقوى سياسية ومجتمعية عراقية، لكنها مع الاسف تصطدم دائما بالواقع الموجود على الارض وعدم تطبيق الدستور والقانون والاتفاقات المبرمة بين الطرفين.

من هنا تصبح الحاجة كبيرة وشديدة لكلا الطرفين بضرورة انهاء الملفات العالقة بينهما منذ سنوات، فتأجيل الاتفاق يضر بالجميع، والاوضاع التي تعصف بالعالم من جراء جائحة كورونا والانخفاض الحاد في اسعار النفط والواقع الذي افرزته التظاهرات العراقية من شهر أكتوبر 2019، والاخطار المحدقة بالعراق من جراء معاودة تنظيم داعش وعملياته الارهابية خصوصا في المناطق المتنازع عليها، كل تلك الظروف الى جانب الظروف الخاصة بالطرفين واللذان يعانيان كليهما من ازمات ومشكلات.

ان تطبيق الدستور والشعور بالمسؤولية الوطنية والانسانية نحو الشعب العراقي الذي ملّ الصراعات والحروب والوعود والاتفاقات السابقة، ومساعدة الطرفين لبعضهما على تجاوز هذه الظروف العصيبة، وتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية على أسس الديمقراطية والعدالة والمشاركة والتعاون هو طريق السلام والاستقرار والذي لا يتحقق الا بحلول دستورية وقانونية صحيحة وممكنة التطبيق.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 نهاية المشروع التوسعي الإيراني

العرب

إيران اليوم هي في أسوأ أحوالها. لا ينفي ذلك قيامها بإطلاق قمر صناعي أو تطوير صواريخها الباليستية. فهي لا تفعل شيئا سوى ذلك. دولة حرب أوقعها نظامها السياسي في شبكة معقدة من الأوهام التي خلقت من خلالها أعداء وهميين لا لشيء إلا من أجل أن يتخلى ذلك النظام عن مسؤولياته إزاء الاحتياجات الإنسانية للشعوب الإيرانية التي أبتليت به.

لقد تعرضت إيران خلال السنوات الأخيرة إلى نكسات اقتصادية كبيرة. ومن السذاجة الإدعاء أن تلك النكسات لم تؤثر على مشروعها التوسعي في المنطقة القائم أصلا على إدارة ميليشيات تابعة لها والانفاق عليها من خلال مدها بالسلاح والأموال. فمهما بولغ في حجم الرصيد المالي المضمون فإن ذلك الرصيد قد تعرض للإندثار بفعل العقوبات الأميركية التي أدت إلى انخفاض صادارات النفط الإيراني إلى أقل من النصف ناهيك عن انهيار أسعار النفط وتداعيات كورونا.

وإذا ما عرفنا أن الحرس الثوري يسيطر على جزء كبير من نشاط السوق التجارية (غير النفطية) ويستعمل أرباحها في تمويل نشاطاته واستمرار مشاريعه العسكرية يمكننا أن نتوقع انخفاض قدرة إيران على الاستمرار في رعاية مشروعها الخارجي بالكفاءة نفسها مقارنة بما كانت عليه في الماضي. ذلك ما انعكس سلبا على ميليشياتها في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

هناك معطيات كثيرة يمكنها أن تكون أساسا لواقع جديد، سيكون على إيران أن تخضع له في المستقبل القريب مضطرة. وهو ما يعني أن ما كانت إيران تعتبره مستحيلا سيكون ممكنا من غير أن تأمل في أن يتغير الموقف الأميركي في ما يتعلق بالعقوبات الأميركية. بمعنى أن ما كانت إيران ترفض التفاوض عليه في مقابل أن تنال بعض الامتيازات ستتخلى عنه من غير أن تحصل في مقابله على شيء يُذكر.

في سوريا بدا الانقلاب الروسي واضحا في ظل تمدد أميركي على الأراضي التي كانت قد اعتبرت من حصة الميليشيات الإيرانية. ناهيك عن أن الضربات الإسرائيلية لمواقع تلك الميليشيات لم تتوقف من غير أن تكون هناك إمكانية على الرد.

في العراق استسلمت الأحزاب التابعة لإيران والمهيمنة على الدولة لخيار تسليم السلطة التنفيذية لرجل ليس من صنعها ولم يُعرف بولائه لإيران وليس له أي ارتباط بالكتل السياسية المهيمنة على العملية السياسية.

أما في لبنان فقد انسحب حزب الله عن خطوط المواجهة الأولى في ما يتعلق بالأزمة المالية بعد أن صار واضحا أنه لا يستطيع أن يجنب نفسه فشلا ذريعا في ظل عقوبات اقتصادية فرضت عليه من جهات دولية عديدة.

وبالنسبة للحوثيين فإن غموض أحوالهم لن يستمر طويلا. ستكون عودتهم إلى طلب التفاوض قريبة بعد أن توقف الإمداد الإيراني.

وإذا ما بقي الحال على ما هو عليه فإن أزمات المنطقة كلها ستحل بطريقة هادئة. ذلك لأن إيران هي المشكلة. وإذا ما تم استبعاد الطرف الإيراني من المعادلة فإن كل شيء سيجري في اتجاه نهايات سعيدة.

كل ذلك مرتبط باستمرار العقوبات الأميركية وتفهم المجتمع الدولي لقيمة تلك العقوبات على مستوى الحفاظ على الأمن والسلم العالميين.

ليس المطلوب الإضرار بإيران أو الحاق الأذى بشعبها ولكن المطلوب أن يتراجع النظام الإيراني عن مشروعه التوسعي العدواني الذي لم تعد شعوب المنطقة في ظله قادرة على التحكم بمصائرها.

لقد صار جليا أن لا مستقبل للأمن والسلم في المنطقة في ظل استمرار التهديد الإيراني الذي لا يمكن التعامل معه إلا عن طريق زيادة التسلح. وهو سلوك عبثي إن استمر إلى ما لا نهاية كما يريده الإيرانيون.

لذلك يمكن القول إن عجز إيران الاقتصادي سيحمل بشرى متفائلة للمنطقة.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 الفلسطينيون في العراق

عبد الامير مجر العرب

بعد العام 2003 ومع بدء السعار التكفيري الذي جاء بمئات المسوخ للانتحار بين اجساد العراقيين، سمعنا ان من بينهم فلسطينيون، ارسلتهم بعض المنظمات المتطرفة لـ “الجهاد”! تألم العراقيون لهذا كثيرا، وسمعنا عن ردود فعل غير منضبطة تجاه الاخوة الفلسطينيين في العراق، ما دفعني في حينه الى كتابة عمود في جريدة المشرق التي كنت اكتب فيها، تحت عنوان “الفلسطينيون اهلنا الحزانى فلا تؤاخذوهم بما يفعله السفهاء”. بعد مدة قصيرة التقيت احد الفلسطينيين ممن اعرفهم، وقد فاجأني حين قال، انهم نسخوا عمودي ووزعوه على الناس وعرض امامي نسخة مصورة منه كان يحملها، ما يعني انهم يعيشون قلقا حقيقيا في تلك الظروف التي تداخل فيها الفعل الاجرامي بالتكفيري واختلط الحابل بالنابل. ألم العراقيين المزدوج، ناتج عن شعورهم بأن تضحياتهم في فلسطين، جحدها هؤلاء المسوخ، الذين لا يمثلون الشعب الفلسطيني ولا يختزلونه ابدا، فمثلهم موجود في كل بلد. والألم الاخر، ان هؤلاء اساؤوا لصورة الشعب الفلسطيني وقضيته في العراق. وهنا تكمن خسارة الشعبين الشقيقين.

محنة الفلسطينيين صارت تتوالد مع غياب الحل الحقيقي والمنصف لقضيتهم الانسانية، بعيدا عن كونها قضية عربية او اسلامية او غير ذلك، وهنا اتحدث عن اللاجئين منهم تحديدا، سواء في العراق او سوريا او لبنان او الاردن، إذ توزعوا بعد ان طردتهم عصابات بن غوريون ومن جاء بعده، ولم تصغ اسرائيل لاصوات المجتمع الدولي وقرارات مجلس الامن المطالبة بعودتهم لديارهم، بعد توقف الحرب او الاعمال العسكرية، كما يحصل في بقية العالم بعد كل حرب، وظلوا نازحين او لاجئين منذ اكثر من سبعين عاما! لكن المشكلة الاسوأ هي ان الدول العربية التي لجؤوا اليها، تتمسك بقرارات الجامعة العربية بعدم اعطائهم الجنسية، لكي لا يضيع حقهم في العودة! وفي الوقت نفسه صار وضعهم هذا عائقا امام حياة طبيعية يفترض ان يعيشوها في مهاجرهم. وهكذا بقي وضعهم معلقا منذ ذلك التاريخ الى اليوم، ومع فقدانهم الامل بالعودة الى فلسطين بعد التداعيات المؤلمة وتخاذل المجتمع الدولي، صاروا يفقدون الامل ايضا بحياة طبيعية في البلدان التي لجأوا اليها، بسبب القوانين التي تقف حائلا دون اخذهم فرصتهم الحقيقية في التوظيف والتملك وغيرها من الاجراءات.

قبل ايام نشر الاديب الفلسطيني محمد سمارة الذي جاء العراق لاجئا مع أسرته وهو بعمر اربع سنوات، كما يقول، ما يشبه المرثية على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، يطلب فيها اللجوء لأية دولة تقبله، لان مفوضية اللاجئين في العراق ابلغته بقطع مبلغ بدل الايجار عن البيت الذي يسكنه، وبما انه لا يملك بيتا وليس لديه المال الكافي لايجار بيت آخر، فإنه وكذلك ولده المتزوج، سيواجهون مصيرا مجهولا في القادم من الايام، والمؤكد ان القرار يشمل بقية الفلسطينيين ايضا.

الشيء المؤلم حقا، هو ان الشعب العراقي بما قدمه من تضحيات ومواقف للقضية الفلسطينية، ستنسفه القرارات الاخيرة للحكومات العراقية في مرحلة ما بعد 2003 مع ان القوى المتنفذة والممسكة بالمشهد السياسي، تتحدث كثيرا عن القضية الفلسطينية وتطالب بالحق الفلسطيني، ولعلها بازاء ما يحصل باتت على المحك، فإما ان تقف فعلا مع الشعب الفلسطيني وتسعف هؤلاء الناس بقرارات منصفة، واما ان تعلن بأنها لا ترغب بوجودهم وتعمل على اخراجهم، بدلا من المتاجرة بقضيتهم، كونهم يعانون من فقدان الامل، وهو اقسى ما يواجهه الانسان، ولعل القسوة تكون مضاعفة لمن فقد وطنه، ومن ثم العش الصغير الذي يأويه وهو بعيد عنه. لانه في كل الاحوال يشعر بالغربة ويحاصره احساس مدمر بالضياع!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
6 قبضة إيران تتراخى في العراق
إيلي ليك
الشرق الاوسط

عندما استهدفت صواريخ أميركية أهمّ لواء وقائد أهم جماعة مسلحة في إيران، وأردته قتيلاً في بداية يناير (كانون الثاني) الماضي خلال زيارته إلى بغداد، بدا الأمر كأنه سيتم طرد القوات الأميركية من العراق. وبعد ساعات قليلة من الهجوم الأميركي اجتمع البرلمان العراقي وأصدر قراراً رمزياً بطرد القوات الأميركية من البلاد.
مع ذلك، وبعد مرور 4 أشهر، لا تزال القوات الأميركية موجودة في العراق، ومن الواضح أيضاً أن عمليات القتل قد منحت الحكومة العراقية الجديدة فرصة لتأكيد استقلالها عن دولة الجوار. أخذت مؤشرات ذلك النهج الجديد تظهر تباعاً خلال الأشهر القليلة الماضية، ولعل أحدثها وأكثرها عمقاً هو تعيين مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة خلال الأسبوع الماضي. واتهمت جماعةُ «حزب الله»، الجماعةُ المسلحة المسؤولة بشكل كبير عن تنفيذ الهجمات على المواقع الأميركية في العراق، رئيسَ الوزراء الجديد بالاشتراك في المؤامرة الأميركية التي استهدفت قتل القادة الإيرانيين، أثناء المفاوضات المتعلقة باختيار رئيس وزراء مؤقت للبلاد. وقد عارض «حزب الله» الكاظمي، وهدد بارتكاب أعمال عنف في حال توليه رئاسة الوزراء، لكن البرلمان العراقي تجاهله. بطبيعة الحال تمثل معارضة جماعة مسلحة مدعومة وموجّهة من إيران مؤشراً واضحاً وجليّاً على عدم قبول إيران للكاظمي؛ وتتصرف جماعة «حزب الله» كذراع لـ«فيلق القدس» الذي كان يقوده قاسم سليماني قبل مقتله في الهجوم الذي نفذته الولايات المتحدة الأميركية بالطائرات المسيّرة.
يبدو أن الإيرانيين هذه المرة سوف يتعايشون معه. لماذا؟ لقد نجح الكاظمي في استغلال الانشقاق الموجود داخل مراكز القوى الإيرانية؛ على حد قول نبراس الكاظمي، مؤسس موقع «تاليسمان جيت (باب الطلسم)» المتابع للشأن السياسي العراقي؛ حيث يقول إن وجود صراع بين فصائل إيرانية داخل العراق قد أتاح «المجال في بغداد لحدوث نتائج لم تكن متوقعة من قبل». وأضاف قائلاً عن الكاظمي: «لقد تسلل عبر الشجار بين العناصر الإيرانية، لكن لم يكن توليه للمنصب بفضل النفوذ الأميركي».
على الجانب الآخر؛ قد تفيد تلك الانشقاقات في إيران المصالح الأميركية، حيث يدعو برنامج الكاظمي إلى إصلاح وزارة الداخلية، التي تولت قواتها عملية التنسيق مع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران من أجل فضّ المظاهرات السلمية التي شهدتها البلاد مؤخراً ضد النفوذ الإيراني، بطريقة عنيفة. سيكون وزير الداخلية الجديد هو الفريق الركن عثمان الغانمي، وهو ضابط مدرب تدريباً أميركياً، ويشغل حالياً منصب رئيس أركان الجيش العراقي. وقد اخترق هذا المنصب من قبل قادة جماعات مسلحة كان ولاؤهم لسليماني وإيران أكبر من ولائهم للعراق؛ وها قد سنحت الفرصة الآن لتنظيف البيت من الداخل، وهو ما تستهدفه الولايات المتحدة الأميركية منذ فترة طويلة.
كذلك تعهد الكاظمي بالتصدي للفساد، الذي يعدّ الدافع الرئيسي لاندلاع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، وكذا من الأسباب الرئيسية التي تساعد إيران على ترسيخ نفوذها في العراق. مع ذلك؛ لم يكن برنامج الكاظمي واضحاً في انتقاده الأفعال الأميركية كما كان يفعل سلفه، حيث ورد في برنامجه أن العراق لن يسمح «باستخدام أراضيه قاعدة لتنفيذ أي اعتداء أو هجوم ضد أي دولة من دول الجوار، ولا أن يصبح ساحة معركة للصراعات الإقليمية والدولية». في الوقت نفسه، يشير البرنامج بشكل غير مباشر إلى أنه لن يسمح لإيران بإدارة علاقتها بالعراق على النحو الذي كانت تتم به خلال سنوات وجود سليماني. وجاء في البرنامج: «فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، سوف تتواصل الدولة مع المؤسسات الرسمية فحسب، وطبقاً للأعراف الدبلوماسية الدولية، لا مع أفراد أو كيانات غير رسمية».
لا يوجد حدث واحد تسبب في فقدان إيران نفوذها في العراق، فقد ساعدت الاحتجاجات المناهضة للفساد والنفوذ الإيراني والتي شهدتها البلاد مؤخراً، إلى جانب الصراع الداخلي بين جماعات مسلحة مدعومة من إيران، في تولي الكاظمي المنصب؛ فضلاً عن موت سليماني الذي كان ضمن العوامل المؤثرة أيضاً. ويقول مايكل نايتس، زميل رفيع المستوى في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»: «عندما تم قتل سليماني، كانت إيران ترتكب الأخطاء بسبب غرورها، وتعاني بالفعل من العواقب». ويضيف أن وضع إيران في العراق قد بات أضعف كثيراً منذ مقتل سليماني، وأنه «لا يزال لديها نفوذ، لكنها لا تسيطر». إذا كان ذلك صحيحاً بالفعل، فسيكون تطوراً إيجابياً ليس بالنسبة للعراق فحسب؛ بل لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7 إنهم لا يعرفون الشعب العراقي

هيفاء زنكنة
القدس العربي
انهالت التهاني على « العراق»، كما الحامض حلو على رأس عروس أو رأس ولد في حفل ختانه. وأخيرا، صار للعراق رئيس وزراء جديد، يدعى مصطفى الكاظمي. صحيح أنه غير منتخب، رشحه رئيس جمهورية غير منتخب، إذ لم تزد نسبة الناخبين، في المرة الاخيرة، عن 18 بالمئة، إلا أن هذا غير مهم، فبعد انقضاء خمسة أشهر على اجبار المنتفضين رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة، وبعد فشل مرشحين اثنين في الوصول الى خط النهاية، لم يعد هناك الكثير من الأمور المهمة بالنسبة الى ساسة « العملية السياسية» ومديريها. المهم أن يتم تعيين رئيس وزراء، أيا كان، وتقديمه باعتباره المنقذ بعد أن تم تعليق كل المساوئ، بضمنها قتل المنتفضين، بمشاركة وعلم الجميع، على شماعة رئيس الوزراء السابق.
حصلت المعجزة اذن، وُلد الطفل الذي يتنازع على أبوته اثنان، في بلد يدعى العراق. حال اعلان الولادة/ تشكيل الحكومة الناقصة، سارع الأبوان المتنازعان للاحتفال. مايك بومبيو، وزير خارجية أمريكا، كان الأول. لم يتحمل الانتظار فأرسل تغريدة ذكر فيها أنه «من الرائع التحدث مع رئيس الوزراء العراقي الجديد». وكاد، لفرط سروره أن ينهي التغريدة لولا تذكره أنه نسى إضافة الكليشيه الجاهزة أي « الشعب العراقي» أو أهل البلد المضَّيف (كما هو متعارف لدى قوات الاحتلال على تسمية أهل البلدان المحتلة)، فأكمل قائلا: «لقد تعهدت بمساعدته على تنفيذ أجندته الجريئة من أجل الشعب العراقي». ونافسه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، باستخدام كليشيه « الشعب العراقي»، مؤكدا « أن إيران ستقف دائما بجانب الشعب العراقي».
كلاهما يدعيان أنهما إنما يقومان بكل ما في وسعهما، وبذل كل التضحيات المادية والبشرية، من أجل « الشعب العراقي»، مما يثير، في خضم تبادل التهاني وتنفس الصعداء بالتصويت على الحكومة الجديدة، تساؤلا جوهريا، قلما يتم التطرق اليه، منذ غزو واحتلال البلد عام 2003، وهو: عن أي شعب يتحدثان؟ وأين هو هذا « الشعب العراقي» الذي يدّعيان الاهتمام به والعمل من أجله في مسار نزاعاتهما واقتتالهما ومفاوضاتهما على أرضه، بعيدا عن أراضيهما، حفاظا على مصالح أمنهما القومي؟ هل هو شعب افتراضي من « مكونات» استحدثت ونُشرت على ارض البلد، كالعشب الضار، آملين ان تكون، بمرور الوقت، الشعب المُراد تفتيته بين ديمقراطية الشيطان الأكبر وولاية فقيه الشيطان الأصغر؟
ماذا عن الشعب الآخر الذي قاطع الانتخابات، بشكل شبه جماعي، والشعب المقيم، بملايينه، في مخيمات النازحين والمدن المهدمة، ومئات الآلاف من المعتقلين والمسجونين والمختفين؟

إنهم «الشعب العراقي» الذي خرج مطالبا باستعادة وطنه وسيادته وهويته الوطنية ورحيل المحتلين الأمريكي والإيراني

ماذا عن الشعب الذي تكاد الاحتجاجات والاعتصامات أن تكون، لاستمراريتها، مطبوعة على جيناته ضد قوات الاحتلال الانكلو أمريكي أولا ثم ضد حكوماته بالنيابة والميليشيات المدعومة إيرانيا ثانيا، وضد كليهما وكل ما يمثلانه في انتفاضته الأخيرة منذ تشرين / أكتوبر 2019؟ الانتفاضة التي أجبرت عادل عبد المهدي على الاستقالة بعد أن تم تقديمه، كما هو مصطفى الكاظمي اليوم، باعتباره السياسي المعتدل، مالك الحل السحري لفض النزاع بين الشيطان الأكبر والأصغر، وخلق التوازن المطلوب بين المُحتَلين وساستهما المحليين. الانتفاضة التي لم تنجح الميليشيات، بتعاون أو تعامي القوات الحكومية في القضاء عليها، بل تأجلت، جزئيا، بعد انتشار وباء كورونا وحرص المنتفضين على سلامة عموم الشعب ليثبتوا بذلك، أنهم «الشعب العراقي»، المُهمل، المستهان به، الذي عمل المحتل على تغييبه، ومع ذلك يواصلون النضال بتكلفة الدم الغالي الذي دفعوه، بآلاف الضحايا ومئات آلاف الجرحى والمختطفين. إنهم « الشعب العراقي» الذي خرج مطالبا باستعادة وطنه وسيادته وهويته الوطنية ورحيل المحتلين الأمريكي والإيراني، وليس، كما يردد يوميا، ومع كل تغيير لأقنعة الوجوه الفاسدة، ان يكون حشية أرض يتبادل عليها المحتلون الأوضاع.
إن الصورة التي رسمها عدد من العراقيين المتعاونين مع الإدارة الامريكية في فترة ما قبل الغزو، وكان مصطفى الكاظمي واحدا منهم، عن شعب سيستقبل قوات الاحتلال بالزهور والحلوى، تمزقت مع قتل أول جندي للاحتلال، كما هي صورة الشعب الراكض للتضحية بنفسه من أجل «الأمام» ، التي فقدت وهجها العقائدي، بعد مرور 17 عاما على الاحتلال، وتأكد الشعب من أن شجرة التضليل سواء كانت مستندة على الديمقراطية أو « الدعوة» الدينية / الطائفية، بقيت هوائية بلا جذور في المجتمع العراقي، على الرغم من كل الجهود التي بذلها رؤساء الوزراء الذين سبقوا الكاظمي بدءا من أياد علاوي والجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وانتهاء بعادل عبد المهدي، والذين تم تعيينهم، كلهم وفق المحاصصة الطائفية وإن بتعديلات طفيفة على السطح مثل إضافة صفة « المعتدل» أو « المستقل»، وكلهم، كما الكاظمي، كان الشرط الثاني لتعيينهم هو الحصول على رضى أمريكا وإيران معا، بحجة تحقيق ما يسمى بالتوازن السياسي داخل العراق.
طوال هذه الفترة، تعامل المحتل وساسته المحليون مع الشعب باعتباره هامشا في صفحة يكتبونها هم، الى أن رجرجت انتفاضة تشرين الأوضاع بقوة وكان بالإمكان أن تؤدي الى تغييرات حقيقية تمس جوهر العملية السياسية والفساد المستشري لولا انتشار وباء كورونا الذي وفّر للنظام فرصة تمديد البقاء. الأمر الذي يعيد الى الأذهان ذات التساؤلات التي واجهها رؤساء الوزراء السابقين وأهمها مدى معرفتهم بالشعب العراقي الحضاري، الأبي، المعتز بكرامته وحقوقه، ومدى ولائهم وتمثيلهم لهذا الشعب والوطن، بعيدا عن الرطانة الخطابية. وبالنسبة الى الكاظمي، هل سينفذ مطالب المنتفضين، ومن بينها تقديم المسؤولين عن قتل المتظاهرين الذين زاد عددهم عن 600 شخص وجرح أكثر من 24 ألف آخرين، الى القضاء، خاصة وأنها خطوة ستتطلب التحقيق معه، أيضا، بحكم كونه رئيسا للمخابرات، يفترض فيه، معرفة الفاعلين، أكثر من أي شخص آخر في حكومة تتحمل المسؤوليّة المباشرة عن الكثير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وانتهاكات ترتقي الى جرائم ضدّ الإنسانيّة؟
ثم أليس هذا هو « نفس الطاس ونفس الحمام»، ما دامت الحكومة الجديدة، قد تم اختيار أعضائها وتعيين رئيسها من قبل نفس أشخاص النظام الفاسد وأحزابه وميليشياته؟ يشير نزول المحتجين الى الشوارع، في بغداد وعدة مدن أخرى، حال انعقاد الجلسة الاولى للحكومة الجديدة، أنهم يعرفون الأجوبة مسبقا وأن لعبة التسويف والمناورات، من ذات الوجوه، لم تعد تنطلي على أحد.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
8 من المخابرات لرئاسة الوزراء فأي معجزة ستنقذ العراق؟ مثنى عبد الله

القدس العربي

يقول العلم (من الصعب أن نحصل على نتيجة جديدة من تكرار الفعل نفسه). ينطبق هذا القول تماما على الحالة العراقية، فمنذ تشكل أول حكومة بعد العام 2003 وحتى اليوم تتكرر العناصرنفسها من اللون الطائفي نفسه، وتتقدم إلى قمة هرم السلطة السياسية بالوسائل والصفقات نفسها. قيل إن نوري المالكي هو سيف المرجعية الدينية وحامل رايتها، وإن اللاعبين الأمريكي والإيراني اتفقا عليه. وعلى مدى ثماني سنوات 2006 ـ 2014 أوغل سيفه في البلاد والعباد، ثم خرج من السلطة، وثلث البلاد كانت خارج العراق، وملايين المشردين والمخطوفين والمقصيين، ومئات المليارات من الدولارات لا يعرف أحد أين ذهبت.
في عام 2014 بُشّر العراقيون بأن الأمريكيين والإيرانيين اتفقوا على البريطاني حيدر العبادي رئيس وزراء تكنوقراط، يتحدث الإنكليزية ويحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة من بريطانيا. وأنه هو من سيمحو سلبيات سلفه، ويقفز بالعراق إلى مصاف الدول المتقدمة، وخلال سني ولايته لم نسمع منه وعنه سوى الشكوى في الإحاطة الإعلامية الاسبوعية، من أن البعض يسرق وأن البعض يقتل، وأن البعض يعرقل عمل الوزارات، بدون تسمية الجهات، وكأنه ليس في قمة هرم السلطة السياسية، ثم قيل إن عدم تجديد الولاية له كسلفه كان بسبب حق النقض الذي مارسته الميليشيات ضده.
وفي عام 2018 توافق الأمريكيون والإيرانيون على الفرنسي عادل عبدالمهدي رئيسا لمجلس الوزراء في العراق. قيل إن الرجل يحمل شهادات عليا في الاقتصاد وله علاقات دولية واسعة، وإن اختياره إنقاذ للعراق من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وعلى مدى السنتين اللتين قضاهما في قمة هرم السلطة، كانت إنجازاته هي التجوال سيرا على الأقدام في شارع الرشيد في بغداد، وإيعازه برفع الكتل الكونكريتية من بعض الشوارع فيها، والسماح للمواطنين باستخدام بعض الشوارع القريبة من المنطقة الخضراء المُحصّنة. في حين خرج منها مُتهما بالمسؤولية عن مقتل المئات من المتظاهرين السلميين، وجرح واعتقال واختطاف آلاف منهم.
اليوم يتكرر الفعل نفسه بالآليات والتوافقات والتحالفات نفسها، التي أتت بالحكومات الفاشلة السابقة، فبعد شهور ستة من الانسداد السياسي والتكليف وسقوط التكليف، نتيجة انعدام التوافقات الدولية والداخلية على مرشحين اثنين سابقين، أعلن في السادس من مايو الجاري عن تولي البريطاني رئيس المخابرات العراقية رئاسة مجلس الوزراء في العراق. قيل إن الفاعلين الرئيسيين في المشهد العراقي، الامريكي والإيراني، قد توافقا عليه، وأن كتلتي الفتح والبناء البرلمانيتين، وهما الذراعان المهمان لإيران في العراق قد باركتا هذا الاختيار. وكان الإعلان عن تولي المنصب في الساعات الأخيرة من المهلة الدستورية، وظهور التشكيلة الوزراية ناقصة، وامتناع هذا الطرف وذاك عن حضور التصويت، أدلة بارزة على أن العراق لن يغادر المشهد الذي هو فيه، وأن البُنى السياسية القائمة على كارثة الحصص الطائفية والإثنية لن تنتج سوى إدارات فاشلة، همها الوحيد هو إعلاء المصالح الطائفية على المصالح الوطنية، مع استمرار التشجيع على الفساد والمحسوبية السياسية والحزبية. وكما تعوّد العراقيون على برامج رؤساء الوزارات السابقين التي حفلت بالامنيات والتطلعات، حفل برنامج رئيس الوزراء الجديد بالعبارات نفسها، انتخابات مبكرة، وحكومة حل وليست حكومة أزمة، وإخراج البلاد من الانسدادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وتحقق الاستقرار. كما أن الاولوية لسيادة البلاد والعدالة للعباد، وحصر السلاح بيد الدولة، وخضوع الميليشيات للقائد العام. وإبعاد الساحة العراقية عن صراعات الإرادات الدولية والإقليمية. وكذلك إنصاف المتظاهرين السلميين، الذين مازالوا إلى اليوم يُقتلون في الساحات ويُختطفون من الشوارع. كل فقرة من هذه الفقرات باتت أمنية كل عراقي، لكن العبرة ليست بتسطير البرامج السياسية بل بتنفيذها على أرض الواقع، فإذا كان البلد في ظل من سبقوه لديه وفرة مالية، ووضع صحي كان خاليا من فيروس كورونا، وكان الصراع الايراني الامريكي ليس بهذه الحدة التي نراها اليوم، ومع ذلك جلبوا الكوارث على العراق، وفشلوا فشلا ذريعا. فكيف يستطيع رئيس الوزراء الجديد أن يُنفّذ برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي اليوم؟ ففي المجال الاقتصادي، وفق توقعات البنك الدولي سينكمش الاقتصاد بنسبة 9.7% هذا العام، وأن معدلات الفقر حسب المصدر نفسه ستتضاعف، وأن عائدات النفط للشهر المنصرم بلغت 1.4 مليار دولار في حين فقط رواتب العاملين في الدولة تبلغ 4.5 مليار دولار. وهذا الركود سيكون العائق الأكبر في تنفيذ كل البرامج الأخرى في المجالات الصحية والاجتماعية وفي إعمار المدن المدمرة.

الشارع العراقي خرج مباشرة بعد تنصيب الكاظمي في تظاهرات مليونية ترفض التنصيب، والنظام السياسي الذي أتى به

أما على الصعيد السياسي الخارجي، فإن إبعاد العراق عن أن يكون ساحة صراع للقوى الإقليمية والدولية، يتطلب أن يكون بناء الدولة قائما فعليا وليس شكليا. وأن تكون صناعة قراره السياسي في مؤسساته الفعلية المختصة، وليس اتخاذ القرارات يتم في مؤسسات مرجعيات دينية وسياسية خارج البلاد. فهنالك قوى سياسية لها القول الفصل في مصير البلد، تعلن صراحة أنها تتبع الفقيه الإيراني، وأخرى تتبع الفقيه الأمريكي والغربي، بل إن قرار وصول رئيس الوزراء الحالي نفسه إلى سدة الرئاسة، أتى بصفقة خارجية وليست داخلية. إذن كيف سيستطيع حصر السلاح بيد الدولة، وكيف يسُخضع الميليشيات إلى سلطته، وهي الاذرع الأهم لصُنّاع القرار، الذين أتوا به إلى قمة السلطة؟ دعك ممن يقولون بأن الرجل حصل على ترحيب دولي وإقليمي وعربي واسع، فعورة السياسة الداخلية لا تغطيها العلاقات الخارجية، وهذا الترحيب والإشادة مرّت على أسلافه أيضا، وهي نوع من العلاقات الدولية لا أكثر. الشرعية الحقة هي التي يمنحها الشعب للحاكم، وإذا كان الشارع العراقي قد خرج مباشرة بعد تنصيب الرجل في تظاهرات مليونية ترفض التنصيب، وترفض النظام السياسي الذي أتى به، فما قيمة الترحيب الخارجي؟ ببساطة تامة ذلك يعني أننا أمام فشل للدولة في إقناع مواطنيها بما تقوم به. وعندما يحصل ذلك تصبح مجردة من الشرعية فيتحداها الشعب. وهذا هو الحاصل اليوم في ساحات التظاهرات العراقية.
المشكلة الرئيسية في العراق لا تكمن فيمن يتبوأ مناصب الرئاسات الثلاث، كذلك هي ليست في السلطتين التشريعية والتنفيذية. المعضلة الكبرى هي في النظام السياسي القائم، الذي ليس بإمكانه تقديم أدلة كافية على أدراكه خصائص الوطن، وعجزه التام حد الشلل عن تطوير رؤية سياسية وطنية جامعه. كما أن فساده شكل عبئا مستديما على الدولة والمواطن. كل هذه المواصفات خلقت خللا بنيويا في علاقة المجتمع بالدولة وحوّلت الدولة إلى سلطة. لقد توفرت في رئيس الوزراء الجديد كل الشروط الممنوعة التي رفعها الشباب في ساحات التظاهر، فالرجل مزدوج الجنسية، ومن رحم النظام السياسي القائم، وأتى بتوافق خارجي صريح ومعلوم. في حين أن العراق بحاجة إلى سلطة الهيبة، وسلطة المعنى، وسلطة الفكرة الوطنية الخالصة. وهذه كلها غير متوفرة في المسؤولين الذين ينجبهم النظام السياسي القائم.