ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 طوارئ” إسرائيلية… في منطقة تتغيّر
خير الله خير الله
العرب
يصعب التكهن بالاسباب التي جعلت بنيامين نتانياهو ومنافسه السياسي بني غانتس يتفقان على تشكيل حكومة “طوارئ” في إسرائيل. هذا لا يمنع من ملاحظة انّ زعيم تكتل ليكود الذي سيبقى رئيسا للوزراء لمدة 18 شهرا، على ان يخلفه زعيم حزب ازرق وابيض لمدة 18 شهرا اخرى، يتفقان على استبعاد كلّي لاي تعاون او تنسيق مع عرب إسرائيل، أي فلسطينيي 1948 الذين لديهم 15 عضوا من اصل 120 في الكنيست الإسرائيلية.
اذا وضعنا جانبا ذلك العداء المكشوف للاقلّية العربية في إسرائيل، يبدو مستغربا موقف حزب ازرق وابيض، الذي يسمّى أيضا حزب الجنرالات، الذي كانت لديه علّة وجود واحدة هي التخلّص من “بيبي”. سيبقى زعيم ليكود في موقع رئيس الوزراء، علما انّه يُفترض به المثول امام المحكمة قريبا بعد توجيه القضاء الإسرائيلي اتهامات عدّة له. هذه الاتهامات مرتبطة أساسا بسلوكه “الفاسد” الذي يشمل الحصول على رشاوى. ليس معروفا هل سيحاكم “بيبي” قريبا. المعروف انّه باق رئيسا للوزراء بفضل خصومه من الجنرالات. على رأس هؤلاء بني غانتس الذي سيكون وزيرا للدفاع في انتظار دوره على رأس الحكومة، وغابي اشكينازي الذي سيتولّي الخارجية.
معروف ان قادة حزب ازرق وابيض هم غانتس واشكينازي وموشي يعلون. انتمى الثلاثة الى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حيث شغل كلّ منهم، في مرحلة معيّنة، موقع رئيس الأركان. لم يعد سرّا ان إسرائيل تتوقّع احداثا كبيرة في المنطقة. ستحاول استغلال هذه الاحداث قدر الإمكان، خصوصا في ظلّ الحاجة الملحّة لدى دونالد ترامب الى أصوات اليهود الاميركيين.
ستحاول إسرائيل قبل كلّ شيء وضع يدها على قسم كبير من الضفّة الغربية وعلى وادي الأردن وذلك قبل نهاية ولاية ترامب الساعي الى البقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية بعد انتخابات تشرين الثاني – نوفمبر المقبل التي سيواجه فيها الديموقراطي جو بايدن الذي شغل موقع نائب الرئيس في عهد باراك أوباما (ولايتان رئاسيتان). هل ستسمح الولايات المتحدة بضم إسرائيل لقسم كبير من الضفّة الغربية إضافة الى وادي الأردن مع ما يشكله ذلك من احراج للملكة الأردنية الهاشمية؟ في ظلّ التفاهم التام بين ترامب و”بيبي”، يبدو كلّ شيء واردا بما في ذلك طي صفحة خيار الدولتين الذي يعني قيام دولة فلسطينية “قابلة للحياة” نهائيا.
لن تقتصر مهمّة حكومة “الطوارئ” الإسرائيلية على ضمّ قسم من الضفة الغربية التي تعاني أصلا من سياسة الاستيطان المستمرّة منذ سنوات عدة والتي اخذت بعدا جديدا مع تولي نتانياهو موقع رئيس الوزراء. لن تكتفي اسرائيل بخلق مشاكل واحراجات للاردن الذي تربطها به معاهدة سلام ذات بنود واضحة. هناك وضع إقليمي غير مسبوق في ظلّ تفتت سوريا. ستسعى إسرائيل الى تكريس ضمّها للجولان وجعل قضيّة الهضبة المحتلة قضيّة من الماضي. في النهاية انّ تقاسم سوريا يسير على قدم وساق. ما شهده الشمال السوري خير دليل على ذلك. ما يمكن ملاحظته في الأشهر الأخيرة تعزيز تركيا وجودها في مناطق حدودية معيّنة تشمل محيط ادلب على طول نحو 120 كيلومترا وفي عمق يصل الى 35 كيلومترا أحيانا، بما يضرب المشروع الكردي في سوريا نهائيا.
يحصل ذلك كلّه في ظلّ تفاهم واضح بين تركيا والروس والأميركيين الذين باتوا موافقين بدورهم على شريط تركي داخل الأراضي السورية. ما عجزت تركيا عن عمله بعد العام 2011، أي بعد اندلاع الثورة السورية، تفعله في 2020. هناك مزيد من التعزيزات العسكرية التركية داخل الأراضي السوريّة. لا تدخل تركيا بجيشها مكانا وتخليه. التجربة القبرصية واضحة. اجتاح الجيش التركي جزيرة قبرص صيف العام 1974. كانت لديه حجة قويّة تتمثل في حماية الاقليّة التركية في الجزيرة بعد الانقلاب الذي شنته مجموعة قبرصية يمينية بزعامة نيكولاس سيمبسون بدعم من الحكم العسكري الذي كان قائما في اليونان. تغيّر كلّ شيء في قبرص التي صارت عضوا في الاتحاد الاوروبي وتتمتع بنظام ديموقراطي حقيقي. ما لم يتغيّر هو الوجود العسكري التركي الذي تكرّس مع اعلان “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها سوى تركيا. تركيا في قبرص منذ 46 عاما. ليس ما يوحي بانها ستخرج منها قريبا. ثمّة منطقة في شمال سوريا مرشحة لان تصبح تحت الحكم التركي بمباركة أميركية وروسية في وقت يتراجع المشروع التوسّعي الايراني يوما بعد يوم في ضوء الصعوبات الداخلية الناجمة عن نظام فاشل على كلّ صعيد داخلي من جهة والعقوبات الاميركية من جهة أخرى.
قبل مئة عام بالتمام جرى تقسيم المنطقة بموجب اتفاق سان ريمو الذي باركته جمعية الامم، وهي المنظمة الدولية التي كانت قائمة قبل الامم المتحدة. ولد من رحم سان ريمو لبنان الكبير الذي عاش مئة سنة والذي ليس ما يبشّر بانه سيتجاوز هذه السنّ بسهولة من دون تغييرات جدّية تطرأ على طبيعة نظامه… وعلى دوره التقليدي في المنطقة وعلى نظامه الاقتصادي. نبّه تحقيق نشرته صحيفة “لو موند” قبل ايّام في مناسبة مئوية سان ريمو الى انّ هذا الاتفاق الذي جاء بعد انهيار الدولة العثمانية وانتهاء الحرب العالمية الاولى اهمّ بكثير من اتفاق سايكس – بيكو للعام 1916 نظرا الى انّه جعل فلسطين تحت الانتداب البريطاني، كذلك العراق، وسوريا ولبنان تحت الانتداب او الحكم المباشر الفرنسي بموافقة جمعية الامم التي كانت تمثّل وقتذاك الشرعية الدولية.
ليس قيام حكومة “الطوارئ” في إسرائيل حدثا عاديا، اذا اخذنا في الاعتبار كلّ هذه الاحداث التي تدور في الشرق الاوسط، في ظلّ انكفاء أميركي لا ترجمة له على ارض الواقع سوى الانحياز الكامل لإسرائيل…
لا يشبه هذا الانكفاء سوى ذلك الذي مارسه الرئيس الاميركي وودرو ولسن الذي كان يدعو بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى الى ترك شعوب المنطقة “تمارس حقّ مصيرها” وهو ما رفضه الفرنسيون والبريطانيون الذين كان طموحهم وراثة الدولة العثمانية في العراق وسوريا ولبنان. انتصرت وجهة النظر البريطانية والفرنسية. أي وجهة نظر ستنتصر في السنة 2020 بعدما أصبحت بريطانيا وفرنسا غائبتين، فيما لم يعد الروسي بدري ما الذي عليه عمله في سوريا او العراق وكيف التعامل مع ايران الذي يتبيّن يوما بعد يوم عمق الحلف القائم بينها وبين الصين. نعم الصين. هناك بكل بساطة حكومة “طوارئ” إسرائيلية في منطقة تتغيّر. يتغيّر فيها كلّ شيء، بما في ذلك حدود الدول!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 إصبع مظفر النواب” من “ام عطا” الى “ام هارون”! ديانا فاخوري
راي اليوم
بشموخ المقاومين وقفت “ام عطا” تحمي المنزل القدسي ولم تنحني لعروض البيع .. طردت السمسار من هيكل البيت الصغير واهدت مفتاحه لذاك المقاوم، الطالب الكهنوتي من حلب، تعبيرا عن امتنانها وليذكّر أن في القدس له بيتا يحرسه!
اما “ام هارون” وصحبها واصحابها فرمز احوال عربية متردية تتمظهر جزئيا بهرولة تطبيعية مجانية تفتح الأبواب مشرعة على صفقة او صفاقة او صفعة القرن كاستثمار صهيواعروبيكي استراتيجي توسل سياسة الخطوة خطوة او القضم التدريجي من القدس الى الجولان فإسقاط صفة الاحتلال عن كل ماتغتصبه “اسرائيل” وإسقاط صفة “لاجئ” عن “الفلسطيني” ومحاصرة وكالة غوث اللاجئين إسقاطا لحق العودة، وفي الطريق إلصاق تهمة الإرهاب بقوى المقاومة والتحرير من غزة الى القدس، ومن سوريا الى ايران. وها هم يحاولون إنجاز هيكل دولي صوري لتمويل الصفقة من أموال العرب .. لكأن عمر ابو ريشة يأبى أن يفارقنا اليوم، فنستذكر قوله (بقوسين او من غيرهما):
“ان خوطبوا كذبوا او طولبوا غضبوا/
او حوربوا هربوا او صوحبوا غدروا//
خافوا (من ام عطا) على العار ان يمحى فكان لهم//
على (البرّين والبحرين) لدعم العار (او غسله وتبييضه) مؤتمر (وتلفزيونات، ونشرات، وبرامج، وأعلام، ومسلسل)!!
ناموا على بهرجِ الدنيا وما علموا//
أنّ الفراشَ على المصباح ينتحرُ//
لم تبخل أقلام المقاومين عن الرد، ولم يتلكأ إعلام الأحرار في التصدي .. ولعل إسهامي اليوم ان يعيد التركيز على حقيقة ان جميع أفراد الاحتلال الاسرائيلي طرأ وقاطبةً (من “جولدا” الأوكرانية الى “ام هارون” الشارونية) لا علاقة لهم إطلاقا وأبدا والبتة ب”بني اسرائيل”، احدى شعوب العرب البائدة (شعوب الجاهلية الاولى) كما أُجدد التأكيد ادناه ..
قليل من التاريخ لا يُحزن قلب الانسان ولا يُشقي الروح!
لنعد الى مؤتمر كامبل بنرمان، ذلك المؤتمر الإمبريالي الذي انعقد في لندن بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطاني بعد ان زكمت ألانوف رائحة النفط في المنطقة! هدف المؤتمر إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق الدول الاستعمارية ومكاسبها إلى أطول أمد ممكن. وقدم المحافظون فكرة المشروع لحزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت. وضم المؤتمر الدول الاستعمارية حينها وهي: بريطانيا، فرنسا،هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وفي نهاية المؤتمر عام 1907، خرجوا بوثيقة سرية سموها “وثيقة كامبل” نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان. خلص المؤتمرون إلى نتيجة مؤداها: “إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، ومهد الأديان والحضارات، أيضاً”. اما إشكالية هذا الشريان فتلخصها الوثيقة: “ان شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص تضم شعبا واحدا تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان” .. و أسترسل المؤتمرون ان خطورة الشعب العربي تكمن في وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكان .. ولم ينس المؤتمر أيضاً، عوامل التقدم العلمي والفني والثقافي، ورأى ضرورة العمل على ابقاء وضع المنطقة العربية متأخرا، وعلى ايجاد التفكك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها. ولذا دعوا الى فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي بإقامة الدولة العازلة Buffer State لتكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعاد لشعب المنطقة ومصادق للدول الأوروبية. وهكذا قامت إسرائيل بهدف تفكيك وتشظية وتفتيت وتجهيل شعوب هذه المنطقة وحرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية ومحاربة أي توجه وحدوي فيها (الشريف حسين في مطلع القرن العشرين، وعبد الناصر في نصفه الثاني، والاسدان بعدهما- مثلاً)!
اما إسرائيل فكان من الممكن أن تنشيء كيانها المحتل (وطنها القومى كما تقول) في أوغندا أو الأرجنتين كما كان مطروحا قبل فلسطين لولا صدفة النفط في منطقتنا! وها هو المؤرخ اللبناني الراحل، د. كمال الصليبي، يطرح في كتابه “التوراة جاءت من جزيرة العرب”، الذي صدر في العام 1985نظرية “خطأ تحديد جغرافية الحدث التوراتي”، التي تتلخص بوجوب إعادة النظر في “الجغرافيا التاريخية للتوراة”، حيث يثبت أن أحداث “العهد القديم” لم تكن ساحتها فلسطين بل أنها وقعت في جنوب غربي الجزيرة العربية .. كما حاول د. الصليبي، في كتابه “خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل”، الذي صدر في العام 1988 التأكد من صحة الجغرافيا التاريخية للتوراة، وتصحيح ما ورد من تفاصيل في كتابه السابق “التوراة جاءت من جزيرة العرب”، وهو، هنا ، يعيد النظر في عدد من قصص التوراة المألوفة على ضوء جغرافيا الجزيرة العربية إذ يلحظ أن الأكثرية الساحقة من أسماء الأماكن التوراتية لا وجود لها في فلسطين والقليل الموجود هناك لا يتطابق من ناحية الحدث مع تلك المذكورة بالأسماء ذاتها في التوراة .. ويقدم الصليبي، في كتابه “حروب داوود: الأجزاء الملحمية من سفر صموئيل الثاني مترجمة عن الأصل العبري”، الذي صدر في العام 1990ترجمة جديدة لأخبار الحروب التي خاضها داوود حين كان ملكا على “جميع إسرائيل” (1002 _ 962 ق م تقريبا)، كما هي مروية في الأصل العبري لسفر صموئيل الثاني من التوراة .. ولم يتخل الصليبي في كتابه الأخير [عودة إلى “التوراة جاءت من جزيرة العرب” – أورشليم والهيكل وإحصاء داود… في عسير] الذي صدر في العام 2008 عن اطروحته مصححاً قراءات واجتهادات سابقة عن هذه المواضيع مستندا في ذلك كله إلى أدلة اكتشفها في مجالي اللغة والآثار، وقام بمقارنتها بالمألوف والسائد من “الجغرافيا التاريخية للتوراة”!
اما بنو اسرائيل فمن شعوب العرب البائدة، اي من شعوب الجاهلية الاولى، الذين كان لهم بين القرن الحادي عشر والقرن السادس قبل الميلاد، ملك في بلاد السراة. وقد زال هذا الشعب من الوجود بزوال ملكه، ولم يعد له اثر بعد ان انحلت عناصره وامتزجت بشعوب اخرى في شبه الجزيرة العربية وغيرها .. اما اليهودية فديانة توحيدية وضعت أسسها أصلا على أيدي أنبياء من بني اسرائيل (وهم عرب من شعوب الجاهلية الاولى) وانتشرت على أيديهم اول الامر ثم استمرت في الانتشار بعد زوالهم وانقراضهم كشعب!
وبعد، لو كانت البطاطا إذن هي المنتج الرئيسي في المنطقة والأرض تعبق برائحة الفل (لا النفط)، هل كان للكيان المحتل ان ينشأ في فلسطين؟!
وبقوة الحجج الموضوعية – رغم تغلب النزعة البراغماتية لديهم بالتحليل النهائي – استدعي هنا “بعض شهود من أهلها” يؤكدون عدم أحقية اليهود الإسرائيليين في أرض فلسطين، وذلك كونهم شعب اتٍ من الكتاب المقدس، أي أن هذا شيء خيالي تم اختراعه بأثر رجعي لا تتطبق عليه مفاهيم او معاني او دلالات “الأمة” او”الشعب” او”القومية” او”الإثنية” أو اي من مكونات “الثقافة الإثنوغرافية” .. لا وجود لتجانس بيولوجي بينهم سيما وقد اعتنق الديانة اليهودية كثيرون في شمال إفريقيا واسبانيا ومناطق مختلفة من العالم بما فيها مملكة الخزر .. لم ولا يجمعهم سوى الدين او الثقافة الدينية .. وفي ظل تبلور الحركات القومية في أوروبا تم اختراع هذا الشعب اعتباطا. أما عن تهجير اليهود بالتزامن مع دمار الهيكل الثاني عام 70 م فان هي الا اسطورة مسيحية تسربت تدريجيا إلى الإرث اليهودي وجرى استنساخها بقوة داخل الفكرة الصهيونية .. فالرومانيون لم يقوموا قط بنفي “شعوب”. كذلك، فإن الآشوريين والبابليين لم يلجأوا في تاريخهم إلى إبعاد السكان الخاضعين لاحتلالهم .. كما أن مصطلح “منفى” وضع في القرن الثاني والثالث الميلاديين وقد عنى عملية استبعاد سياسية للبعض وليس عملية اقتلاع من البلاد.
فها هو شلوموساند (Shlomo Sand) بمؤلفاته الثلاث: “اختراع الشعب اليهودي”، “اختراع ارض اسرائيل”، “كيف توقفت عن كوني يهوديا/كيف لم أعد يهوديا”
(The Invention of the Jewish People,The Invention of the Land of Israel, How I Stopped being a Jew)
ونورمان فينكيلشتاين (Norman Gary Finkelstein) مؤلف: “صناعة الهولوكوست”
(The Holocaust Industry: Reflections on the Exploitation of Jewish Suffering)
وإسرائيل شاحاك (Israel Shahak) مؤلف: “الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة”
( Jewish History, Jewish Religion: The Weight of Three Thousand Year)
وارثر كوستلر (Arthur Koestler) مؤلف كتاب: “امبراطورية الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة”
(The Thirteenth Tribe)
الى جانب كمال الصليبي (Kamal Salibi) في كتبه خاصة: “التوراة جاءت من جزيرة العرب”، “خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل”، “البحث عن يسوع – قراءة جديدة في الأناجيل”
,The Bible Came from Arabia, Secrets of the Bible People, The Historicity of Biblical Israel)
Who Was Jesus?: Conspiracy in Jerusalem)
وروجيه غارودي (Roger Garaudy) في مؤلفه: “الأساطير المضللة للسياسة الأسرائيلية”
(The Founding Myths of Israeli Politics)
يؤكد هؤلاء جميعا ويوثقون ان اليهود لم يكونوا يوما امة قومية من أصل عرقي واحد او مشترك، بل هم مزيج من جماعات مختلفة تبنت الديانة اليهودية .. اما القومية اليهودية فان هي الا ميثولوجيا جرت فبركتها لتبرير وتمرير إقامة الدولة الإسرائيلية/اليهودية فاسرائيل لم تقم بفعل جدلية التاريخ او التقاطع الجيوبولتيكي، بل بفعل صدفة النفط .. ليس باسم الله، بل باسم النفط، وربما الغاز، حطت اسرائيل سفاحا، كيانا مسخا .. لم يكن باسم الله انتزاع فلسطين من الخارطة العربية قربانآ ليهوة، وليس باسم الله يتوالى تقديم القرابين الى يهوة وآخرها – على سبيل المثال – مشروع ترامب المزمع اسناد او إنقاذ اسرائيل بسبعة آلاف دولار في الدقيقة الواحدة!
اما نحت الزمن اليهودي وتزييف الحقائق وفقا للمصالح والأهداف السياسية والأغراض الاستراتيجية فحرفة مزوري التاريخ المعتمدين من الحركة الصهيونية الذين دأبوا على اختراع وعي جديد لليهود، بكل ما يتطلبه ذلك من رموز قومية مثل: العلم، النشيد القومي، لباس، وأبطال، ولغة والطوابع البريدية باعتبارها أدوات مهمة “لاختراع الشعب” .. وفي استجابة للهواجس التوراتية التلمودية تراهم مغالون في تشكيل الشخصية اليهودية لاهوتيا لتبلغ أرض الميعاد وتغطي الكرة الأرضية بكافة زواياها متجاوزة “كلاسيكية الفرات والنيل” تمثلا بيهوة ونفيا للآخر .. وهكذا برز مفهوم جديد هو “الشعب الإسرائيلي” ليصبح “شعب يهودي” في سياق التحولات التي تحرص الصهيونية على استكمالها نحو “دولة يهودية” تجسد إلغاء الأغيار والاستيلاء والاستعباد خرقا للمعاهدات وتوسلا لضغوطات مالية واعلامية وعسكرية!
اما “حارس القدس _ المطران هيلاريون كبوجي” فيعيدني لبعضٍ من كتاباتي: “المسيحيون العرب في صفقة القرن.. وتوطين مقابل توطين”، مثلا!
قلتها مرارآ: “كما المسيحيون العرب كذلك العروبة! يرى البعض في غياب المسيحيين العرب عن المشهد العربي غيابآ لفكرة الدولة العصرية والتنوع الثقافي والتعددية والديمقراطية .. أما أنا فما زلت أكرر أن غياب المسيحيين العرب عن المشهد العربي يعني غياب المشهد العربي برمته .. فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه, وبالتالي من عروبته, تبريرآ ليهودية الدولة!”
أما اليوم فأدعوكم لمراجعة مراسلات ديفيد بنغوريون (David Ben-Gurion) / موشية شاريت (Moshe Sharett) حيث يبدو التخوف من النموذج اللبناني بصناعته العربية المسيحية .. و حيث تتمثل لعنة المسيحيين العرب في دورهم البناء نحو الدولة الحديثة و تكريسآ لعبقرية التنوع .. فلا بد اذن من اقتلاع هذا النموذج (التنوع في الوحدة) ولا باس باقامة دولة مسيحية صرفة تحرس حدود اسرائيل الى جانب دويلات مذهبية سنية و شيعية و ربما درزية صافية!
المسيحيون هم أبناء المنطقة ولدوا وعاشوا فيها منذ أكثر من ألفي سنة وعروبتهم لا جدال فيها ..في القدس بدأت المسيحية, والسيد المسيح هو ابن مدينة الناصرة .. وفي حلب و حوران وانطاكية بنيت أول الكنائس .. المسيحيون هم العرب الغساسنة في حوران والمناذرة في العراق .. منهم جاءت قبائل تنوخ وبكر وربيعة وبنو تميم وطي وبنو كلب .. ساهموا باقامة الدولة العربية الأولى (الدولة الأموية) كما كان لهم دورهم في عصور النهضة العربية .. نبغوا في الشعر والحكمة والخطابة, ونقلوا علوم اليونان وحكمتهم الى العربية .. وكان لهم شأن كبير في العصر الحديث ولا سيما في الصحافة والأدب والفكر والشعر ..أصدروا اوائل الصحف باللغة العربية في الأستانة ومصر وبلاد الاغتراب .. وهم من أسس حركات التحرر الوطني في سوريا و لبنان و فلسطين, وساهموا في بلورة الفكر القومي العربي و نشره ..
وفيهم قال شاعر الرسول, حسان بن ثابت:
لله در عصابة نادمتهم يومآ // بجلق في الزمان الأول
والخالطون فقيرهم بغنيهم // والمنعمون على الضعيف المرمل
أولاد جفنة حول قبر أبيهم // قبر بن مارية الكريم المفضل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم // شم الأنوف من الطراز الأول
فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه, وبالتالي من عروبته, تبريرآ ليهودية الدولة!
واذكروا ما قاله أمنون كابيليوك (Amnon Kapeliouk): “في ضوء ما حدث عام 2000، لم يعد هاجس الأنبياء باسرائيل ازالة حزب الله فقط وانما ازالة لبنان بكليته”! واستكمالآ للصورة كان لابد من استكمال تفريغ المنطقة من مسيحييها سواء من خلال صيغة Islam Light أو بالعودة لصيغة القاعدة و مشتقاتها .. و ها هم يستميتون تسويقا لصفقة او طبخة او صفعة القرن عارضين – مقابل إلغاء حق العودة بتوطين الأخوة الفلسطينيين – مئات المليارات من “دولاراتنا” و استعداد أوروبي ـ أميركي لاستقبال مسيحيي المشرق العربي .. فهل هو توطين مقابل توطين؟!
و بالعودة الى تراثنا أقول: “ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين, بين السلة أو” اغواء الهجرة .. هيهات منا الهجرة, هيهات منا الهجرة .. ولعلي بهذا أرد على التساؤل الذي يطرحه البعض بخصوص مصير المسيحية والمسيحيين في الشرق .. فلسنا بالمارين بين الكلمات العابرة .. هنا, على صدوركم (أعني الحلف الصهيواعروبيكي بتغطية اسلاموية) باقون كالجدار .. وفي حلوقكم كقطعة الزجاج, كالصبار .. انا هنا باقون, فلتشربوا البحرا .. هنا, لنا ماض. وحاضر, ومستقبل .. يا جذرنا الحي تشبث, واضربي في القاع يا أصول .. فنحن نعرف كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء.
أما فقه المقاومة والتحرير فبالضرورة ينصر المسيحيين العرب في معركتهم الوجودية, وهو بالضرورة يكمل مكارم المقاومة الشيوعية/القومية/الوطنية بكل معانيها و أبعادها .. بالفقه و بالفعل .. بفقه المقاومة والتحرير, وبفعل المقاومة والتحرير ينتعش ويزدهر الوجود المسيحي الذي يعطي العروبة معناها وماهية وجودها و يشكل بذلك مصدر القلق الوجودي لاسرائيل مسقطا صفقة القرن!
نعم، نحن محكومون بالنصر – نحن امام احد خيارين لا ثالث لهما: فأما النصر وأما النصر .. و”إصبع مظفر النواب الوسطى” بحيثيتها ورمزيتها لهم بالمرصاد ليلاً، ونهاراً ايضاً .. فلا هجمة الركود الحالي، ولا تحالف كوفيد التاسع عشر مع المحور الصهيواعروبيكي ومفرزاته وانعكاساتها في وعلى الداخل اللبناني اقتصاداً وسياسة، مثلاً .. ولا المهام النضالية في الخارج بقادرة على ازاحة البوصلة عن فلسطين من النهر الى البحر ومن الناقورة الى ام الرشراش سيما وان “طائر الصدى” مازال يصرخ في صحراء العرب ويستصرخ ان اسقوني يا قوم، بربكم اسقوني!
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين!
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 إعلام العراق الرسمي: إعدام مستقبل وبراءة حاضر
مسار عبد المحسن راضي
راي اليوم
يبدو أن صعود مصطفى الكاظمي، ذو الخلفية الصِحافية، في حافلةِ رئاسة الوزراء المؤقتة، لإكمالِ أعمال الحكومة الحالية، كبديلٍ لـِ عادل عبد المهدي- رئيس الوزراء المُقال اسمياً- قد أنعشت آمال ائتلاف النصر، بالاستيلاءِ على الإدارة العميقة، في شبكة الإعلام العراقي؛ التي أسسها زميلهُ في حزب الدعوة الإسلامية، نوري المالكي، قبل أن تقوم جهاتٌ سياسيةٌ أُخرى، مِثلَ تحالف سائرون والفتح، بالاستيلاءِ على تلك الإدارة.
يتضحُ صراع الشبكة، من خلالِ تصدي النائبةِ هدى سجاد، لموضوع التركيبة الجديدة لهيئة الأمناءِ فيها. المُفارقة أنَّ عهدُ رئيس ائتلافِ النصر في إدارة الحكومة، شَهِدَ قراءة قُدّاس العجز المالي، والذي تسبب بالسكتة القلبية، لكثيرٍ مِنْ وسائل الإعلام العراقي الخاص، تلك التي تمتّعت بمرونةٍ، في طرحِ مروحةٍ واسعة من خيارات الخِطاب السياسي.
هذا الموضوع، قد لا يكون مهماً للفرد العراقي العادي، فما بين الإعلام الرسمي والمواطن، بحورٌ ومحيطات، ليس فيها مساحاتُ يابسة.
إحدى مصادري مِنْ هذا الإعلام الرسمي، الممنوعِ مِنْ الصرف في الحياة اليومية، يقولُ مثلاً عن علاقةِ نقابة الصحفيين العراقيين، مع أعضائِها: هناك مسافةٌ بين الصِحافي والنقابة تجعلُها غير مرئية.
بـِ سليماني: مُقارنة بين الإعلام الرسمي الإيراني والعراقي
كاميرا سطور الكاتب الأمريكي؛ ستيفن كينزر، صوَّرت لنا في كتابهِ- العودة إلى الصفر- كيف خرج الإيرانيون بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في مُظاهراتٍ تُندِدُ بما حصل. الإيرانيون حرِصوا فيها على رفعِ الشموع و ذرفِ الدموع. كينزر؛ اعتبر المشهد، علامةً فارسيّة فارِقة، بين إيران ومُحيطِها العربي؛ الذي انشغل بالشماتةِ والتهكم. فاتهُ التفكير: إنَّ من يتلقى صفعاتٍ مستمرة مِنَ اللاعدالة الكونية، يفقِدُ الاتزان اللفظي.
هذا المشهد الذي سُمِحَ له، بالتسلُلِ من قُبَّةِ الرقابة الرسمية في طهران، أعيد تجسيدهُ في جامعة بهشتي الإيرانية. فُرِشَت أعلامٌ أمريكيّة وإسرائيلية كبيرة، على أرض الجامعة. رَفَضَ الطلاب أن يطؤونها، ما عدا اثنين أو ثلاثة منهم.
عبقريةُ الإعلام الرسمي الإيراني، إنّها سرَّبت الحَدَث، بعد مُضي تسعةِ أيّامٍ تقريباً، على مقتلِ قائد فيلق القدس الإيراني؛ قاسم سليماني، وبعدما اضطر المتظاهرون العراقيون، الناقمون على الأحزاب السياسية وإيران، منذُ مطلعِ أتوبر 2019، أن يبعدوا أنفسهُم بمسافةٍ كافية، عن الصراعِ ما بين واشنطن وطهران، مِن خلالِ التنديد بالاثنين!
إيران؛ استطاعت فرضَ ردَّ الفعلِ هذا، على ثوَّارِ ساحات التحرير العراقية، مِنْ خلالِ منصات الإعلام الإلكتروني المحلَّية، المموَّلة بالمال السياسي؛ لوكلائِها، مِنَ الميليشيات والأحزاب. بدأت بقصفِ جبهات المُشاركين في التظاهرات العراقية، بتُهمٍ عِدَّة: أبناء السِفارات، و الجوكر. هذهِ التُهم ما كان لها أن تحصد ردَّ الفعلِ هذا، لو اختارت غير البيئة العراقية.
إنّها بيئةٌ طاردة، لكلِّ فعلٍ سياسيٍ رشيق، لا يتمتع بترهلات الأجندات، ويحاول إصلاح واقعهِ ولو بالحدود الدُنيا. لهذا؛ فإنَّ النشاط الإعلامي، عبر مِنصات “السوشيال ميديا” مِنْ قِبَلِ الفرد العراقي، يصِلُ إلى الذروة أوقات الأزمات، بدونِ نجاحهِ في حرقِ ولو ورقة من شجرةِ الظروف السيئة التي يعيشُها.
تنوعُ وسائل التعبير، شَطَرَ الشخصيةُ العراقية إلى اثنتين: واحدة واقعية وأُخرى إعلامية، تعوِّضُ الفرد العراقي عن فقدانهِ لمؤسساتٍ اجتماعية وسياسية، تقودُ التغيير لصالحهِ.
هذهِ البيئة الإعلامية الجديدة، المصنوعةُ مِنْ حراشفِ الإعلام الكلاسيكي؛ المخنوق بالمال الحزبي، و زعانف “السوشيال ميديا”، قيَّدت وعي الإنسان العراقي، بكُراتٍ حديدية من سوء الفهم، ضَمَنَت عدم طفوِه، ليرى المشهد الواقعي. تقول بريس و ويليامز عن تلك البيئة الإعلامية الجديدة، و وسائِلُها المختلِفة: “إنّ وسائل الإعلام هي مفتاح الحياة اليومية في القرن الحادي والعشرين” (1).
إعلام العراق الرسمي: تكتيكي
تسييسُ البيئةِ الإعلاميةِ في العراق؛ يشبهُ زراعة طماطمٍ سياسية، في البيوت المُغطاة الحزبية. الأفرِقاء العراقيون، حريصون على تواجُدِ تلك الطماطِم- تصريحاتِهم السياسية، في أطباقِ الأجندات الإقليمية والدولية، لجلبِ نفعٍ أو دفعِ ضررٍ مؤقت.
الطماطِمُ هذهِ، سريعةُ التلف في مخزنِ الوعي العراقي. غالِباً ما يتِمُّ التخلُّص منها بواسطة السخرية الشعبية. هكذا كان مصيرُ المحاولة؛ التي قام بها عادل عبد المهدي، عندما تزلَّف لإيران، المتهمةُ بترويجِ تعاطي المُخدَّرات، داخل العراق، حيثُ اتخذ من الأرجنتين، شاخص رماية، لِحرّفِ سِهام النقد، بعيداً عنها.
أيضاً، وبعد أن قامت ثورةُ تشرين العراقية، بإقالتهِ شعبياً، طَرَقَ سلوكاً أرجنتينيّاً: استقال رسمياً لصالحِ المؤسسة الدينية في النجف. تَزلَّف ونَجَح في البقاء لحدِّ هذهِ اللحظة!
عبد المهدي؛ اشتكى من حالهِ مع الإعلام الرسمي في العراق؛ خاصَّةً شبكةُ الإعلام العراقي. سخر منها بأناقةٍ، تتلاءمُ مع جنسيته الفرنسية: “نستطيع أن نقول عنها حيادية حين نرى انتقادات لرئيس الوزراء والمسؤولين في الحكومة”. المُدمِنُ الأرجنتيني، هدد بعدها، هذا الجسد الإعلامي الرسمي؛ الذي تمنعُ المحاليل الحزبية، تفسُّخهُ الإعلامي: “الحكومة ستعمل على استثمار أموالها في شبكاتٍ تلفزيونيةٍ مستقلة لتعزيز دور الدولة”.
شبكةُ الإعلام العراقي، وردةٌ في حديقةِ حزب الدعوةِ الإسلامية. ما علينا إلَّا أن ننظر إلى بُستانيّ تلك الحديقة- الرؤساء السابقين وحتّى الحالي، كي نؤمِنَ بأن عبد المهدي كان صادقاً؛ رُغم إنّهُ صدقٌ، يشبهُ صِدقَ الساعات المُعطّلة في قراءة الوقت!
الإعلام الرسمي في العراق، إعلامٌ تكتيكي، لا يود أن يحقق نصراً لقيمٍ مُعيّنة. تلك وظيفةٌ معرفية وثقافية، ليس مؤهلاً لها. الطريف إنّ شبكة الإعلام العراقي كمِثالٍ ليس حصرياً، تحمِلُ هذهِ السِمةَ من سِمات وسائل الإعلام الجديدة، تقول لفرو عنها: “وسائل الإعلام التكتيكية موجّهة إلى ما هو قابل للتحقيق الآن إلى المدى الفعّال والقصير… الفوز ليس خياراً” (2).
لماذا يتصارع الأفرقاء السياسيون في حلبة الإعلام الرسمي؟
حامد الكيلاني؛ واحدٌ من أباءِ الصحافة الأسبوعية، في تسعينيات القرن الماضي، كان يعرِفُ كثيراً مِنْ أسرارِ، الدورةِ الدموية للإعلام العراقي الرسمي، في زَمَنِ النِظام السابق. أهمُ ما كشفهُ بالنسبةِ لصاحبِ هذهِ السطور، إنَّ رئيس النِظام السابق؛ صدام حسين، كان يُجري حواراتٍ مع نُخبٍ مِنْ الوسط الإعلامي، حيثُ يكونُ أفرادُ هذهِ النُخب، قادرين على معرفةِ المواضيع التي سيتطرقُ إليها في قادم الأيام!
ما يَرشَحُ مِنْ هذا الكشفِ الكيلاني، هو فَهِمُ الآلية التي احترفها إعلاميون سابقون، في الحديثِ عن مواضيعٍ، تقعُ في سياق هذهِ الحوارات، تقنِعُ زملائهُم، أنّهم ذوو علاقةٍ شخصية بدِماغ الرئيس على أقلِّ تقديرٍ.
الكشفُ هذا، والذي لهُ علاقةٌ مباشرة بالإيديولوجيات، وكيفيةِ تنشيطِها مِنْ قبل الطابق العلوي، في هرمِ النِظام العراقي السابق، تُرينا سبب إصرارِ النُخب السياسية في الوطن العربي على محاولة إعطاء قُبلةٍ من الحياة الفكرية، للإيديولوجيات المُتبناةِ رسميّاً، بعد ظهورِ الآثار الكارثية للأزمات السياسية، على تلك العقائد التي تحتلُ عالم الأفكار. بادي؛ علَّلَ الانكِباب على تلك القُبَل- الحوارات- التي تنشَطُ لملامسةِ الشِفاه السياسية، كونها: “النشاط الأقل تكلفة والأكثر استعراضية” (3). تاركةً شِفاه مشاكلٍ جمّة، ذات مساسٍ مُباشر بحياة الفرد، بدونِ تقبيل.
السؤالُ هنا: في بلدٍ لا دولة فيه كالعراق.. كيف مارست حكوماتهُ والأحزابُ بعد 2003، هذا النشاط الاستعراضي؟
يفضحُ الاستعراضُ نَفْسَه، بالأعدادِ المُفرطةِ للعاملين، في مؤسساتِ الإعلام الرسمي، كشبكةِ الإعلام العراقي؛ التي تزدحِمُ إنشاتُها المُربَّعة، بـأربعة آلاف وخمسمائة فردٍ، أو كنِقابةِ الصحفيين العراقيين؛ التي جاوز أو ناهز عددُ أعضائها العشرين ألفاً.
هذهِ الشحومُ العددية، تُحافِظُ على صعوبةِ ترشيق مؤسسات الإعلام الرسمي، باتجاهاتٍ مُحددة، تُسيّرُها نُخبٌ من الناشطين في ذلك الإعلام، بدون دعمٍ من الأحزاب النافذة، المستولية على مُقدَّرات الدولة.
الأعدادُ الفلكية، تقومُ بمهمةٍ أُخرى، هي تُزيِّفُ المشهد الإعلامي برُمّتهِ، عبر الادِّعاء: كُل من يُمارس الإعلام لديه فرصة، ومَنْ لم يجد الفرصة فهذا دليلٌ على عدم تمتُّعهِ بالمهاراتِ اللازمة!
البدلة التاريخية للإعلام الرسمي
رُغم الفكرة السائِدة عن موت الإعلام الشامل، يرى دوتان: إنّهُ مات وعاد للحياة عن طريق مِنصات “السوشيال ميديا”. إحدى أفكار دوتان الرئيسة، توضِّحُ إن عودة الإعلام الشامل إلى الحياة، كانت عن طريقِ زرع “السوشيال ميديا” كقلبٍ له، ولهذا يحتاجُ الأفراد المشتغلين فيه، إلى “تقوية عضلات الشهرة لديهم، عن طريقِ مِنصات التواصل الاجتماعي” (4).
التدرُّب على الشهرةِ “السوشيالية”، في وسائل الإعلام عموماً، والعراقيةُ مِنها تحديداً، يتمُ عادةً بطرحِ أفكارٍ جدليّة، أو التقاطِ تناقضاتٍ اجتماعية أو سياسية، لجمعِ نقرات الإعجاب، كهدفٍ أساس. الحِفاظُ على نقرات الإعجاب، يدفعُ المُتدرَّبين إلى حياكةِ سلَّةٍ مُحكمة، تمنعُ تسرُّب تلك النقرات. تُصنعُ تلك السِلالُ؛ غالباً، مِنَ الكلماتِ التالية: الآراء الواردة هنا تمثِّلُ آرائي الشخصية ولا تُمثِّلُ رأي المؤسسة التي أعملُ بها.
هذا التدريب؛ يحتاجُ وقتاً واستثماراً، يتوفَّرُ للعاملين في وسائلِ إعلامٍ حزبية، أو تلك التي لديها خِطابٌ سياسي، لا تستلُ مُفرداته من القاموس الحزبي- الاستقلالية- لكن لا توجد وفرةٌ منه، للعاملين في مؤسسات الإعلام الرسمي.
الرائع في الحالة العراقية، إنَّ مؤسسات إعلامهِ الرسمي، تعتمدُ على الإعلام الحزبي، كحبلٍ سَّريٍ لها، يُغذّيها بأعداءٍ ذوي ثقلٍ، يستأهلُون تزييت ماكِناتِها الصامتة، معظم الوقت: الجوكر، أبناء السِفارات، “حسوني” الوسِخ.
صِناعةُ “حسوني” الوسِخ، مِنْ أفكار وتطلعات، ساحات التحرير العراقية؛ التي اشتعلت بالاحتجاجات، هي استمرارٌ لِـ “فاشن” تاريخي، زيُّه الأساس: التحقير. تقولُ بسيريني عن ذلك: “هذا المجتمع أصابه الإهمال والتحقير على مرِّ العصور في أُسُسهِ وأسانيده”. لهذا وبحسبِ بسيريني أيضاً، يمكِنُنا رؤية العراق كـ: “جسمٍ ضخم في حالة إضراب عن الطعام وتجويع إجباري يُعالج بمحاليل في المرحلة الأخيرة” (5). أمّا ما طبيعةُ تلك المحاليل، استطيعُ أن أجزم للقارئ بأنّها: الطائفية (الجوكر، أبناء السفارات، “حسوني” الوسِخ).
النصر الحقيقي للإعلام الرسمي ومُلحقاتهِ الميليشياوية
نعودُ مرّةً ثانية، إلى النموذج الإيراني، لكن هذهِ المرّة إلى الأغصان الميليشياوية؛ التي تُشكِّلُ في الواقع، حكومة إيران المحلَّية في العراق. تقومُ الأذرع الإعلامية لهذهِ الحكومة، بالاغتيال المعنوي، لكُلِّ الخِطابات التي تُغرِّدُ خارِج سرب طهران.
تمارِسُ الاغتيال المعنوي لتلك الخِطابات، ومُتبنيّها. تبدأ بقصفِهم آناء الليل وأطراف النهار، بواسطة أبواقِها الإعلامية. في كُلِّ عملية قصفٍ إعلامي، تقذِفُ تجاه الخِطابات المُختلفة، شريطاً من الكتان.. قِماشُ الكفن. ضمانُ التصاق الشريط، يستوجِبُ إطلاقهُ من رَحِمِ أزمةٍ ما. بعد كُلِّ أزمةٍ، يزدادُ عددُ الأشرطة الملتصقة. هذا القصفُ الكتّاني، ليس مُخصصاً للأعداء الواضحين فقط، وإنّما حتّى لأولئك الذين لا يمكن احتوائهم أو إصلاحُهم.
سبايكر، داعش، رفع الإعلام الإسرائيلية في كردستان العراق، قتلُ سليماني، محاليلُ تطهيرٍ إعلامي، تسقطُ على جسدِ السمعة الإعلامية للنُشطاء المُشاكسين، لكن الأهم مِنْ كُلَّ ما تقدم، أن يبقى الإعلامُ الرسمي في العراق، دليلاً على صورةٍ مُتقلِّبة للشخصيةِ العراقية، أمام المُراقب الإقليمي والعالمي.
نستطيعُ أن نقول: إن الإعلام الرسمي مَسَخَ رجل الشارع العراقي الذي يستحقُ تسمية إسماعيل خليل إلى “حسوني” الوسِخ.
الهوامش:
(1)- [أندريا بريس و بروس ويليامز، البيئة الإعلامية الجديدة، ص11]
(2)- [وسائل الإعلام الجديدة البديلة والناشطة، ليا لفرو، ص73]
(3)- [برتران بادي، الدولة المستوردة، ص 223]
(4)- [Natan Dotan,The Life and Death of Mass Media, Columbia University 2014]
(5)- [إليس بسيريني، الحرب الممتدة التي لا تعرف لها اسماً، ص67]