3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 التيار القومي… بين الكويت والعراق خليل علي حيدر
الجريدة

هيمن التوجه القومي على الكثير من متعلمي ومثقفي الكويت في بدايات القرن العشرين، وبخاصة بعد فشل قيام الدولة العربية وإشهار اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وغير ذلك، وكان تطور هذا الفكر في تلك المرحلة بين هذه الفئة مرتبطاً إلى حد كبير بأوضاع العراق، وصراعه مع الإنكليز وبخاصة في عهد الملك غازي 1933- 1939، الذي أيد بدوره “كتلة الشباب الوطني” في الكويت، في مسعاه نحو تأسيس المجلس التشريعي.

ويورد أستاذ العلوم السياسية د. غانم النجار أربعة أسباب رئيسة، تحدثنا عنها في مقال سابق، مكنت العراق الملكي من التأثير في النخبة القومية، إذ مثّل العراق آنذاك في الكويت نموذجاً للتطور، كما كان معظم من تخرجوا في تلك الفترة كنخبة متعلمة قد أكملوا تعليمهم في العراق، كما كان التجار والأسرة الحاكمة يمتلكون بساتين كبيرة للتمر في البصرة وغيرها، وكان اعتماد الملاك الكويتيين كبيراً على مردود محاصيل النخيل هناك، حيث كان يتم تصدير التمر للهند.

وأخيراً، أدت الصحافة العراقية دورا بارزاً ومؤثراً في انتقاد نظام الحكم في الكويت، في حين كان الاقتصاد الكويتي في وضع مترد بسبب الأوضاع الدولية والحصار الاقتصادي الناجم عن الخلاف الكويتي السعودي.

وقد استقطب رحيل الملك غازي قلوب الشباب القومي والشعراء آنذاك، ومنهم شاعر الكويت “فهد العسكر” نفسه، الذي كان من بين العديد من مثقفي وأدباء المنطقة الخليجية في البصرة، فشارك في الحفل التأبيني الذي أقيم في المكتبة الوطنية بالبصرة، وألقيت فيه قصائد وخطب حماسية أشادت بالملك غازي ومواقفه الوطنية والقومية كانت من بينها قصيدة للشاعر فهد العسكر جاء في أحد أبياتها:

غازي إذا ما جئت فيصل في خلود

فخبّره بأننا لا نزال على العهود

(انظر كتاب عبدالله الحاتم “من هنا بدأت الكويت” ط. 1980، ص341، وكذلك كتاب د. مفيد الزبيدي “التيارات الفكرية في الخليج العربي 1938-1971، بيروت 2000، ص176).

تضمن كتاب “شذرات بغدادية”، لد. خالد السعدون، كذلك فصلاً عن النشاط القومي في بغداد خلال الأعوام 1908- 1914، أورد فيه الكثير من المعلومات المهمة، وقد لاحظ أحد الباحثين، يقول د. السعدون، “إن النشاط القومي في بغداد سار بخطى بطيئة مقارنة بنظيره في البصرة”.

وعلل ذلك “بعدم ظهور شخصية بغدادية قوية تتولى قيادة ذلك النشاط مماثلة لشخصية السيد طالب النقيب التي تمحور حولها النشاط القومي في البصرة”، وربما كان من الصعب ظهور شخص كالنقيب بسهولة! يقول “الزركلي” في “الأعلام” إن طالب النقيب “كان جريئاً، مغامراً، رقيق الحديث، سريع الغضب، محبا للانتقام، كريماً مفرطاً”.

ويقول عنه الباحث العراقي “مير بصري”: “شخصية متناقضة غريبة لمعت في العقدين الأولين من القرن العشرين، وفرضت زعامتها حيناً على البصرة خصوصا والعراق عموماً، ثم لم تلبث أن أفلت وغابت، كان السيد طالب النقيب بعيد المطامح، كثير المطامع. برز في مسقط رأسه البصرة وعارض الاتحاديين وهم في أوج مجدهم بعد إعلان الدستور التركي سنة 1908، فطالب بالإصلاح واللامركزية.

ثم تصالح مع الدولة، لكن الحرب العامة لم تلبث أن نشبت في سنة 1914، فمضى إلى الكويت، واعتقله الإنكليز ونفوه إلى جزيرة سيلان، ثم سمحوا له بالشخوص الى مصر، وعاد الى بغداد بعد الهدنة وطمح الى حكم العراق ملكاً أو أميراً في ظل الانتداب البريطاني، فلم يأمن الإنكليز جانبه، بل أبعدوه ثانية إلى سيلان، وعاد الى البصرة بعد ذلك، وقد أفل نجمه، فاعتزل الحياة السياسية أو بالأحرى هي التي اعتزلته”.

(أعلام الوطنية والقومية العربية، لندن، ص 245)

ولم يكتف القوميون بالعمل العلني في بغداد بل لجأ بعض الناشطين إلى العمل السري رغم أنهم كانوا من العاملين في الدولة والدوائر الحكومية العثمانية وبالذات العسكرية منها.

وقد سجل القنصل البريطاني في بغداد في يناير 1912 روايات متواترة في المدينة عن تأسيس جمعية قومية سرية تضم في عضويتها أكثر من مئة ضابط عربي من رتب مختلفة، وذكر أن هدف تلك الجمعية طرد الأتراك “وإقامة حكومة ذاتية وتعزيز الروح القومية والإسلامية”.

ولاحظ القنصل الأميركي تناقض مشاعر عرب العراق وحيرتهم، فالأوساط العربية لا تحمل احتراماً صادقاً للحكومة، “بيد أنهم يشعرون في الوقت نفسه بعدم قدرة بلدهم على الاستقلال الكامل مما يجعلهم مضطرين للمفاضلة بين حكومة تركية وحكومة أجنبية أخرى بديلة عنها”.

وروى القنصل الأميركي أن عرب بغداد “ميالون لتفضيل الحكومة التركية لعدم يقينهم بما سيكون عليه حالهم تحت ظل حكومة أخرى”.

ومضى القنصل للقول إن الانطباعات التي كونها في بغداد تتيح له القول “إن بريطانيا لو أقدمت على احتلال العراق لما واجهت مقاومة تذكر”.

ويعتبر د. السعدون ذلك التوقع تفاؤلا مسرفاً، “كذب عملياً مسار الأحداث في العراق بعد حوالي سنتين-1915- حين ووجهت القوات البريطانية الزاحفة بمقاومة باسلة من أغلب سكان العراق”.

والحقيقة أن مشاعر التضاد والتصادم العراقية حول السبيل الذي كان ينبغي اختياره يومذاك تجد ما يماثلها في عراق اليوم ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003، فالعراق لا يزال يعايش انقسام مشاعره وميوله، ربما بسبب ضغوط دول الجوار والمخاوف الطائفية والشك في أهداف الدول الكبرى.

وكان القنصل الأميركي في بغداد مهتماً مثل زميله البريطاني بالنشاط القومي العربي فكتب في 1913، “إن عرب العراق مشاركون في حركة عامة هدفها الحصول على استقلال ذاتي أكبر إن لم يكن استقلالاً تاماً عن الحكومة العثمانية”. ومما ذكره القنصل، يقول د. السعدون، “وجود جمعية سرية عربية تدعى “جمعية اللامركزية” مقرها الرئيس في مصر ولها فروع في بغداد والبصرة والموصل، وهي تهدف إلى إقامة مملكة عربية عاصمتها دمشق”.

ومما قاله القنصل الأميركي: “إن وكيل ابن رشيد شيخ حائل في بغداد زارني في القنصلية قبل أسبوعين، وبدأ في هذه المرة يتكلم بثقة خلاف حاله في لقاء سابق لي معه، وجوهر كلامه هو إيمانه بقرب نهاية الإمبراطورية التركية لأن أدرنه سوف تسقط قريباً، وسيجعل ذلك سقوط اسطنبول مسألة وقت فقط، وإذا سقطت العاصمة ستنهار الإمبراطورية كلها… وقال إن عرب ما بين النهرين لا يحبون الحكم التركي لأنه يجبي منهم سنويا ضريبة على غلة الأرض تتراوح بين خُمس وخمسي الحاصل. هو ظلم بالغ لأن العرب لا يحصلون على أي شيء من الحكومة مقابل دفع تلك الضريبة”، وقد سألته عما إذا كان العرب سيفضلون الانضمام إلى إنكلترا، أضاف القنصل، ويقول إن وكيل ابن رشيد أجاب “إنهم يفضلون الاستقلال”.

كانت بين أبرز مطالب التيار القومي في العراق فرض اللغة العربية بدلا من التركية في المدارس العامة، ويقول المؤلف: “ولم يعد باستطاعة الحكومة المركزية العثمانية تجاهل تلك الأنشطة المتزايدة في بغداد وبقية الولايات العربية، فاضطرت لتقديم شيء من التنازلات للعرب حين أصدرت وزارة الداخلية في نيسان (أبريل) 1913 تعميماً يقضي بجعل اللغة العربية لغة للتعليم في مدارس الولايات التي يشكل العرب أكثر سكانها مع إبقاء تعليم اللغة التركية مادة إلزامية في المناهج الدراسية لتلك المدارس، كما قضى التعميم بوجوب السماح باستخدام اللغة العربية في المحاكم والدوائر الحكومية، ولكن ذلك التنازل لم يكن كافيا من وجهة نظر بعض القوميين البغداديين. إذ طالبت جريدة “المصباح” البغدادية بوجوب إعلان اللغة العربية لغة رسمية وحيدة في الولاية”.

(شذرات، ص 198).

كان للحكومة العثمانية صحيفة في العراق هي “جريدة الزهور” وفي أبريل 1913، يقول د. السعدون، أدانت الجريدة في افتتاحيتها فكرة اللامركزية التي يطالب بها القوميون العرب ويرفضها العثمانيون، وبنت صحيفة الزهور إدانتها، يضيف د. السعدون “على زعم مناقضة اللامركزية لمبادئ الإسلام التي تحث على الوحدة، فتدعو اللامركزية الى تفكيك الدولة الإسلامية، فضلا عن أن سكان العراق- في رأيها- أجهل من أن يحكموا أنفسهم، ولأن الاستعانة بمستشارين أجانب عند تطبيق اللامركزية ستزيد من التدخل الأجنبي في شؤون البلاد، وختمت “الزهور” مرافعتها بالقول إن اللامركزية مشروع يروج له الأوربيون بهدف توسيع سيطرتهم على المنطقة”.

ويلاحظ الباحث أنه لم يرد في المصادر المتاحة ما يدل على نشاط قومي في بغداد خلال شهور سنة 1914 التي سبقت قيام الحرب العالمية الأولى، ويضيف أن هذا يشير إلى “حدوث انحسار في مد التيار القومي العربي، يجد تعليله في تقوية مركز الحكومة الاتحادية”، وكان الجميع على مبعدة بضع سنوات من زوال الدولة العثمانية
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 الكاظمي أمام عملية “توازن” صعبة

وحيد انعام العرب

العراق امام مفترق طرق، يجب على جميع الكتل السياسية تحمل مسؤولياتها الوطنية ودعم جهود رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي بتشكيل الكابينة الجديدة، وتجميد مصالحها الضيقة خلال هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق، وعلى إيران وواشنطن دعم مسار العملية السياسية وابعاد العراق من دائرة الصراع، لأن أي فوضى قد ترتد على مصالحها في المنطقة.

كرة الثلج تتدحرج!

منذ تغيير نظام الحكم في 2003، شهدت الساحة العراقية تدخلات إقليمية ودولية، وتصفية حسابات سياسية، كانت الأحزاب الحاكمة احدى أهم ادواتها الرئيسة. النتيجة، تشظِ اجتماعي، اندلاع صراع طائفي بين عامي 2005-2007، غلبة الولاءات المذهبية والقومية على الانتماء الوطني، محاصصة حزبية وسياسية مقيتة، واستشراء الفساد المالي والإداري، الحرب على داعش.

هذه المعطيات أدت الى احداث خلل في بنية الدولة العراقية ومؤسساتها، وبالتالي غياب رؤية مشتركة حول القضايا المصيرية، وإرادة سياسية لحل الازمات المتراكمة التي تعصف بالعراق، بحيث أصبحت تداعياتها أخطر. ولم يكن باستطاعة أي من الحكومات المتعاقبة إيجاد حلول ناجعة لها.

رهان الكاظمي: العراق أولًا

بعد أربعة أشهر من استقالة الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي- نتيجة للاحتجاجات الشعبية في أكتوبر 2019- وفشل كل من محمد علاوي وعدنان الزرفي في تشكيل الحكومة، تم تكليف مصطفى الكاظمي مدير جهاز المخابرات بتشكيل الكابينة الوزارية الجديدة في 9 نيسان/إبريل، بعد اجماع وطني غير مسبوق، وترحيب إقليمي ودولي.

في اول خطاب متلفز له، أكد الكاظمي على أهمية مكانة العراق، وان سيادته خط أحمر، مضيفًا “لن تكون السيادة قضية جدلية، والعراق للعراقيين”، في إشارة التي التدخلات الخارجية، التي أدت الى تراجع دور ومكانة العراق على الصعيد الإقليمي والدولي. كما تعهد بحصر السلاح بيد الدولة، وان المؤسسة الأمنية هي المسؤولة عن حماية المواطنين وتوفير الامن.

على صعيد السياسات الخارجية، يرى الكاظمي انه يجب الانفتاح على الخارج، وإعادة صياغة العلاقات مع الجوار الجغرافي على أساس متوازن، ووفق المصالح المشتركة، ووضع أولويات البلد في الصدارة وإيجاد حلول للتحديات الاقتصادية والامنية.

لم يتطرق الكاظمي في خطابه الى العلاقة المعقدة بين بغداد وواشنطن، ولا الى انسحاب قواتها من العراق، وهو مطلب حلفاء إيران، وربما يأتي ذلك في برنامجه الحكومي، لاسيما وان ترحيب طهران بالكاظمي جاء على أساس تشكيل حكومة قادرة على اخراج القوات الاميركية من العراق.

هكذا بات العراق العامل الأضعف في المعادلة الإقليمية والدولية، وفي الصراع الاستراتيجي بين واشنطن وإيران. وان وإعادة هيبة الدولة تكمن من خلال حكومة قوية تمثل اجندة وطنية، تضع مصالح العراق والعراقيين على رأس أولوياتها. أي حكومة “حل أزمات” تتحمل مسؤولية هذه المرحلة الحساسة والصعبة.

العملية السياسية في العراق لا تحتمل تكليف مرشح “رابع” بتشكيل حكومة جديدة، مع استمرار الثورة الجماهيرية، وجائحة كورونا، وانخفاض أسعار النفط- قد تلقي بظلالها على حياة شريحة واسعة من المجتمع العراقي- لذا يجب اعطاء الكاظمي حرية اختيار كابنتيه الوزارية بدون أي ضغوط، وان تدعم القوى السياسية جهوده ولا تضع العراقيل امامه، لأنها فرصة ثمينة لانتشال البلد من حافة الهاوية. يأتي هذا في ظل تحفظ تحالف الفتح على الوزارات السيادية (المالية، الدفاع، الداخلية)، وتطالبه بالتعديلات، في المقابل يرفض الكاظمي المحاصصة الحزبية ويضغط نحو ترشيح شخصيات مستقلة وغير سياسية. والسؤال هو: هل يصمد الكاظمي امام ضغط الكتل السياسية، ويصبح الرجل المنقذ؟

هناك حقيقة يجب تتفهمها الكتل السياسية، ان أي فشل في مهمة الكاظمي، سيلحق ضررا بالعملية السياسية برمتها، ويدفع العراق الى مستقبل المجهول، الذي قد يواجه عقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة، والى فوضى داخلية.

مع ذلك، رغم إدراك الكاظمي بحجم التحديات التي تواجه العراق، وسبل اخراج البلد من عنق الزجاجة، الا انه قد يصطدم بالفيتو الأميركي أو الإيراني، في حال عدم مراعاة مصالح أي من الطرفين، يجب ان يوازن فيها بين مصالح الشعب من جهة وبين الخصمين الإيراني والاميركي من جهة أخرى، لاسيما وان الصراع بين الطرفين وصل الى مراحل خطيرة. وفي دراسة لمجموعة باحثين نشره معهد أتلانتيك للشؤون الدولية، تم تشبيه صراع النفوذ بين واشنطن وطهران، بصراع الفيلة في بيت زجاجي، أي تصادم يلحق ضرر كبير بالبيت العراقي.

إيران اللاعب الأقوى

تبغض القوة الفراغ. فمع انهيار نظام الحكم في العراق عام 2003، خلت الساحة العراقية لإيران لتكون الاعب الأقوى- تشترك إيران مع العراق بحدود طوله أكثر من 1450كم، وبروابط مذهبية وعقائدية مع ما يقرب من 60% من الشعب العراقي- تمكنت من التحكم بالعديد من الملفات الاقتصادية والامنية المهمة في العراق، بغية الحفظ على وجودها في اهم ساحات الصراع مع واشنطن، والتخفيف من ضغط العقوبات الاميركية عليها، وردع الاخيرة من خلال أذرعها السياسية والعسكرية في العراق.

أضافة الى ذلك، من المنظور الإيراني، يعد العراق بمثابة مجال حيوي لإيران وحديقتها الخلفية، وممر استراتيجي للوصول الى سواحل البحر المتوسط، واستثمرت إيران الحرب على داعش بإنشاء ممر بري يربط طهران مع بيروت، عبر الأراضي العراقية والسورية، لتوسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة، ومناورة الاميركان في ساحات متعددة.

إيران في حالة صراع بالوكالة مع أميركا على الأرض العراقية، وصلت ذروتها عند مهاجمة السفارة الأميركية في بغداد، واستهداف قواعدها العسكرية بعد مقتل أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني، وهذه الهجمات توحي بأن طهران ماضية قدماً نحو هدفها الاستراتيجي الرئيسي: إخراج القوات الأميركية من العراق.

في هذا السياق، تحاول طهران الحفاظ على مكتسباتها في العراق بأي ثمن، من خلال هندسة تشكيل الحكومات المتعاقبة، وهذه احدى اهم التحديات التي تواجه الكاظمي، وتشير المصادر الى دخول طهران في نقاش مع الكاظمي – قبل تكليفه- حول تواجد القوات الاميركية في العراق.

ان دعم طهران لرئيس الوزراء المكلف يعتمد على مخرجات “الحوار الاستراتيجي” بين بغداد وواشنطن المقرر ان يبدأ في مطلع حزيران، حول مصير التواجد الأميركي في العراق. فاذا كانت مخرجات التفاوض تصب في مصلحة طرف على حساب طرف آخر- طهران وواشنطن- قد يؤدي ذلك الى الإطاحة بحكومة الكاظمي.

المصالح الاميركية على محك!

كما لإيران اجندة سياسية، أميركا ايضا لديها اجندة ومصالح واضحة بالعراق وتريد المحافظة عليها من أي تهديد خارجي. رغم ان العراق ليس محورا مهما في استراتيجية الرئيس ترامب، الذي لا يريد بقاء قواته فترة طويلة في العراق. او تكرار فشل أوباما بالانسحاب عام 2011، ثم العودة ثانية عام 2014 لمحاربة داعش.

عندما صوت البرلمان العراقي على اخراج القوات الأميركية في شهر يناير – بدافع الغضب من الضربة التي أودت بحياة الجنرال قاسم سليماني في العراق دون موافقة الحكومة – تعهد ترامب بعدم مغادرة العراق على الإطلاق، وهدد بفرض عقوبات إذا أجبر على ذلك.

أي ان بقاء واشنطن في العراق يعتمد على عاملين: الأول، مدى تأثير إيران بالشأن العراقي، ومراقبة تحركات طهران عن قرب، التي باتت تهدد المصالح الاميركية؛ الثاني، هو عدم تكرار سيناريو قرار أوباما بالانسحاب، وعودة داعش للظهور.

ترغب الولايات المتحدة بعقد اتفاقية استراتيجية جديدة مع حكومة عراقية جديدة بصلاحيات كاملة، تحدد مستقبل قواتها، وتحمي مصالحها، وتطور علاقاتها الى علاقات اقتصادية مع بغداد. وهذه مهمة حكومة الكاظمي إذا ما نالت ثقة البرلمان.

خلاصة القول، رئيس الوزراء المكلف أمام تقاطعات حادة، وعملية توازن صعبة لتصحيح مسار الدولة، بدءا من التفاوض مع الكتل السياسية حول تشكيل حكومة عراقية جديدة بعيدة عن سياسة المحاور، الى تلبية تطلعات الجماهير بإجراء انتخابات مبكرة والقضاء على الفساد وحصر السلاح بيد الدولة، وانتهاءً بالجلوس مع الخصمين العنيدين طهران وواشنطن لغرض رسم علاقات جادة معهم وموازنة القوى، وبالتالي انهاء لعبة “شد الحبل” بين الفواعل الرئيسة في العراق.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر